عامر الصمادي
إعلامي ومدرب دولي ومترجم وكاتب أردني
amer2003@hotmail.com
هنالك شخصيّات إعلاميّة عالميّة مرَّت بتاريخ الإعلام الأردني وتركت بصمات واضحة يصعب نسيانها على مرّ الزمن، وشكَّلت حالة من التأثير على المشاهدين والمستمعين، وتميَّزت بثقافة عميقة ومهارات عالية وسعة اطِّلاع إضافة إلى إتقان لغات أجنبية؛ ممّا أتاح لها فرصًا كبيرة خاصّة بالآفاق العالميّة، ولعلَّ أبرز هذه الشخصيّات هو الدكتور سمير مطاوع الإعلامي والصحافي والوزير والسفير والعين ورجل العلاقات العامة المتميِّز.
تَعودُ معرفتي بالدكتور سمير مطاوع إلى نهاية السبعينات من القرن الماضي عندما كنتُ أشاهده يقرأ نشرات الأخبار على شاشة التلفزيون، وكان يلفت انتباهي بشكل كبير لأنَّني كنتُ أحسُّ -كطفل صغير آنذاك- أنه يختلف عن غيره من المذيعين، فهو لم يكن يقرأ من الورق أمامه مباشرة وفي الوقت نفسه لا يرفع عينه عن عدسة الكاميرا، وكان هذا يثير خيالي، إذْ كيف لإنسان أنْ يحفظ كلّ نشرات الأخبار بهذه الطريقة؟ وهو الأمر الذي شكَّل لي تحدِّيًا كبيرًا بعد أنْ كبرتُ وبدأ حلم الإعلام يداعب خيالي.
وممّا كان يلفت انتباه المشاهدين أيضًا تلك الأناقة المُلفتة للنَّظر التي يتمتَّع بها، وقدرته على إجراء الحوارات أو قراءة النشرات باللغتين العربية والإنجليزية بطلاقة كبيرة. وتشاء إرادة الله عزَّ وجلَّ أنْ أتعرَّفَ عليه شخصيًّا في منتصف التسعينات من القرن الماضي، بعدما عاد إلى الأردن إثر رحلة طويلة في كل أنحاء العالم، لأتزامَلَ معه في التلفزيون الأردني بتقديم البرامج التلفزيونيّة، ولأكونَ شاهدًا على الساعات القليلة التي سبقت تولّيه وزارة الإعلام في حكومة الدكتور عبدالسلام المجالي، وسأرويها في مكان آخر من هذا المقال.
يُعتبرُ الدكتور سمير مطاوع من ألمع الإعلاميين الأردنيين الذين أثْروا المكتبة بالعديد من الكتب والدراسات والأبحاث الأكاديميّة، وأنجز مئات التحقيقات الصحفيّة والأخبار وتغطيات الأحداث المهمّة التي نشرها في أكبر الصحف والمجلات العربية والإنجليزية، إضافة إلى أنه رجل علاقات عامة من طراز رفيع وعمل مع أبرز شركات العلاقات العامة العالميّة، وأسَّس صحيفة من أعرق الصحف العربية وهي صحيفة "القبس" الكويتية، وتنقَّل بين الكثير من وسائل الإعلام البريطانية والعربية والأردنية؛ ممّا أثرى تجربته بشكل كبير.
وُلد الدكتور سمير مطاوع في عام 1938 في البلدة القديمة من القدس حيث كانت والدته تسكن فيها بالقرب من عائلتها. وبعد النكبة لجأت العائلة إلى عمّان.
التحق بمدارس عمّان، فبدأ بمدرسة "رغدان" ومن ثم "كلية الحسين" في عمّان. وبينما كان ما يزال طالبًا عمل بصورة مؤقَّتة في إذاعة عمّان في جبل الحسين بعد اجتياز امتحان اللغة والتقديم.
كانت رغبة والده أنْ يصبحَ طبيبًا، لكنَّ شغفه بالصحافة أقنعه بتغيير رأيه، فعمل في ميدان الصحافة حيث ساعده وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية يومها سعد جمعة -والذي أصبح رئيسًا للوزراء بعد ذلك- للحصول على وظيفة مذيع في الإذاعة الأردنية، فكان من أصغر الذين عملوا بهذه المهنة عمرًا، ونظرًا لإتقانه اللغة الإنجليزية فقد أتيحت له فرص كثيرة اغتنمها بشكل جيد فكانت سببًا في تغيير مسار حياته. خلال هذه الفترة قدَّم سمير مطاوع البرنامج السياسي وبرنامج "اعرف عدوّك" وقرأ نشرات الأخبار، وشارك بتمثيل بعض المسلسلات الإذاعية. كما عمل بمعيّة عبدالمنعم الرفاعي وبعدها بمعيّة وصفي التل، وعاصر جيل العمالقة من المذيعين والمدراء الذين أصبح معظمهم رؤساء وزارات ووزراء.
في عام 1960 سافر إلى هولندا ملتحقًا بإذاعتها العالمية وعمل فيها قرابة ست سنوات، وبينما كان يعمل لإذاعة هولندا عمل في الوقت نفسه مندوبًا لمجلة "الأسبوع العربي" وقام بإجراء تحقيقات صحفية عديدة من أوروبا نشرتها المجلة، وشكّلت وقتها "خبطات" صحفيّة مهمّة. عاد إلى هولندا بعد ذلك بثمانية وثلاثين عامًا سفيرًا للأردن هناك.
خلال عمله الصحفي متنقلًا في عدّة دول أوروبيّة قابل عددًا من رؤساء الدول والشخصيات السياسية المهمّة مثل "فيدل كاسترو" الرئيس الكوبي و"روبرت كيندي" والملك فاروق ملك مصر المخلوع و"أنديرا غاندي" وعمدة برلين "فيلي براندت" والرئيس الباكستاني محمد أيوب خان ورئيس الوزراء البريطاني "إدوارد هيث" والرئيس المصري جمال عبدالناصر ورئيس زيمبابوي "روبرت موجابي" والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيسة وزراء بريطانيا "مارغريت تاتشر" وغيرهم الكثيرين.
كما أتيحت له فرصة لتغطية محادثات استقلال الجزائر لمجلة "الأسبوع العربي" ولإذاعة هولندا؛ حيث كانت إذاعة هولندا هي الإذاعة الوحيدة التي يمكن التقاط بثّها داخل سجن القيادات الجزائرية، كما أنه ساهم بتقديم بعض الخدمات اللوجستية للثوّار الجزائريين في أوروبا وهو الأمر الذي قدَّره له الثوّار فيما بعد ودعوه لدخول الجزائر مع زعيم الثورة أحمد بن بلة عشية الاحتفال بالذكرى الأولى للاستقلال ممّا وفّر له فرصًا لكتابة تحقيقات مهمّة وفريدة عن الثورة الجزائرية.
في عام 1965 التحق بهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في لندن وعمل في قسمها العربي مذيعًا للأخبار ولبعض البرامج الإخبارية التي كانت تبثها الإذاعة. وكان المذيع العربي الوحيد الذي سُمح له بتقديم بعض نشرات الأخبار باللغة الإنجليزية. وشكّلت له هذه التجربة فرصة لممارسة كل أنواع العمل التلفزيوني من تقديم الأخبار والبرامج وقراءة التعليقات والمشاركة بالإعلانات التجارية وبعض الأفلام السينمائية كـ(كومبارس).
شاهده الملك حسين رحمه الله على شاشة (بي بي سي) إنجليزي، فطلب منه الالتحاق بالتلفزيون الأردني الذي أنشئ عام 1968 فعاد إلى الأردن وكان مذيعًا ناجحًا، حيث تميَّز بتقديم نشرات الأخبار بطريقة مبتكرة كانت توحي للمشاهد بأنه يحفظ النشرات غيبًا، وذلك قبل اختراع البرومبتر (وهو جهاز يوضع أمام الكاميرا تظهر عليه النشرة مكتوبة فيقرأها المذيع وهو ينظر إلى الكاميرا فيبدو وكأنه يحفظها غيبًا)، وفي الواقع فقد كان يحفظ مقدمة الخبر التي يظهر بها على الشاشة وعندما تتحوّل الكاميرا لعرض الفيلم المرافق يعود للقراءة من الورق أمامه، وهكذا.
أجرى خلال عمله في الإذاعة والتلفزيون والصحافة عشرات المقابلات الصحفية مع مسؤولين وقادة وملوك ورؤساء حكومات.
في عام 1971 ترك العمل في التلفزيون الأردني وانتقل إلى بيروت للعمل في ميدان العلاقات العامة، وبعد حوالي سنة ذهب إلى الكويت للعمل على تأسيس صحيفة "القبس" وكان أوَّل مدير عام لها، ثم عاد إلى (بي بي سي) في العام 1972.
خلال وجوده في لندن التحق بجامعة لندن للاقتصاد وحصل على البكالوريوس منها وبعدها عمل على تحصيل الدكتوراه ونالها من جامعة "ريدنغ" البريطانية، وكانت أطروحته عن دور الأردن في حرب 1967 وكيفيّة اتخاذه لقرار الحرب.
عند عودته إلى الأردن بعد نيل الدكتوراه عمل في الديوان الملكي الهاشمي مستشارًا إعلاميًّا للملك حسين وناطقًا رسميًّا ومديرًا لدائرة الصحافة والإعلام. وفي تلك الأثناء قام بنشر رسالة الدكتوراه على شكل كتاب نشرته جامعة "كامبردج" البريطانية العريقة. ثم قام عبر مؤسسة نشر بترجمة الكتاب الإنجليزي إلى العربية، وأصبح الكتاب مرجعًا أساسيًّا لكل باحث أو دارس لتاريخ المنطقة والصراع العربي- الإسرائيلي.
بعد خمس سنوات من العمل في الديوان الملكي رشَّحه الملك حسين ليكون نائب الرئيس التنفيذي للعلاقات العامة في الملكية الأردنية حيث تولى مسؤولية حملة رعاية القارب الشراعي (ميدن) الذي دخل سباق "ويتبرد" العالمي لليخوت الشراعية حول العالم ممثلًا عن الملكية الأردنية التي رعت مشاركته، خصوصًا أنَّ كل أعضاء فريقه من النساء. كما قام بإعادة هيكلة دائرة العلاقات العامة لتواكب التحديث والتطوير الذي قامت به المؤسسة للتحوُّل من مؤسسة إقليميّة إلى مؤسسة عالميّة.
في عام 1998 عُيِّن الدكتور سمير مطاوع وزيرًا للإعلام في حكومة الدكتور عبدالسلام المجالي (في حكومتة الثانية)، ولم تدُم مشاركته في الوزارة أكثر من أحد عشر شهرًا جرى خلالها محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في عمّان خالد مشعل وما تبعها من قصة معروفة. وهنا لا بدَّ لي من ذكر قصة تعيينه وزيرًا للإعلام التي شهدتُ ساعاتها الأخيرة قبل أن يقسم اليمين أمام جلالة الملك، فقد كان يقدِّم برنامجًا تلفزيونيًّا مهمًّا في تلك الأيام اسمه "شخصيات وأحداث" ويَحضُر مرتين أسبوعيًّا للتلفزيون إحداهما للتحضير ومونتاج التقارير والأخرى لتقديم البرنامج، وكنتُ ألتقيه خلال تلك الأيام ونتحدَّث حول كثير من الأمور، فنشأت بيننا صداقة كنتُ أتعلّم منه الكثير خلالها، ولأنه لم يكن موظفًا دائمًا بالتلفزيون فلم يكن له مكتب خاص، فكنتُ أجلس وإيّاه في القاعة المخصّصة للمحرّرين والمذيعين والمخرجين، وأذكر ذلك اليوم الذي حضر به ظهرًا لمونتاج بعض تقارير برنامجه الذي يبدأ بعد الخامسة مساء، فاغتنمتُ الفرصة ودعوتُه للغداء بكفتيريا التلفزيون، وبقينا نتبادل أطراف الحديث إلى ما بعد الرابعة عصرًا حيث استأذنتُ منه لأعود للمنزل، ونمتُ قليلًا لأصحو بعدها لحضور نشرة أخبار الثامنة، وكانت المفاجأة الكبرى عندما شاهدتُه يقسم اليمين الدستورية أمام جلالة الملك وزيرًا للإعلام، ولم أستوعب الأمر في البداية، لكنني عندما ذهبتُ لتهنئته في اليوم التالي عاتبتُه بشدّة، إذ "كيف أجلس معكَ لساعات قبل حلف اليمين ولا تخبرني أنكَ أصبحتَ وزيرًا"، لكنه أقسم لي أنه لم يكن يعلم بالأمر، وأنهم اتصلوا به عدة مرّات من خلال الهاتف الأرضي -لم يكن الهاتف الخلوي قد انتشر يومها- حتى تمكّنوا من الوصول إليه وأبلغوه بالحضور إلى الديوان الملكي على وجه السرعة لحلف اليمين، وهكذا كان. وبعد خروجه من الوزارة بفترة تمَّ تعيينه كأوَّل سفير للأردن لدى هولندا. ونظرًا لإتقانه اللغة الهولندية حيث عاش بها خمس سنوات وعمل مذيعًا في إذاعة هولندا العالمية ومندوبًا لمجلة "الأسبوع العربي" في أوروبا –كما أشرنا سابقًا- فقد اختاره السفراء العرب ليكون ناطقًا باسمهم ومتحدثًا أمام وسائل الإعلام الهولندية. وكانت له إسهامات كبيرة في ترسيخ العلاقات بين الأردن وهولندا.
بعد انتهاء عمله سفيرًا عاد إلى عمّان وتفرَّغ للبحوث والدراسات والتأليف، فأنجز بضعة كتب وهي: (أوراق سياسية من زمن التيه والنكسات) وهو مجموعة محاضرات ودراسات سياسية نشرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2013، ثم كتاب باللغة الإنجليزية TIME TO SPEAK وهو أيضًا مجموعة دراسات وبحوث نشرته دار اليازوري في عمّان عام 2014، ثم كتاب (أوراق في ثلاثية الإعلام والحروب والأزمات) وهو أيضًا مجموعة مختارة من المحاضرات والدراسات ومن منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2018، ثم كتاب (العلاقات العامة جسر الاتصال والنجاح) نشرته دار اليازوري في عمّان عام 2018. كما أصدر مذكراته بكتاب من خمسمائة وعشر صفحات أسماه (الرُّمح والهدف الصَّعب) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. وسينشر قريبًا كتابه المهم باللغة الإنجليزية وعنوانه The Process of Unmaking a Palestinian State، أي: "عملية عدم إقامة الدولة الفلسطينية"، وكان قد أصدر عبر دار النشر العائدة له في لندن مجموعة خطابات الملك حسين في 25 عامًا كان عنوانها (خمسة وعشرون عامًا من التاريخ).
عمل أحد عشر عامًا في التعليم الجامعي في كل من جامعة عمّان الأهلية وجامعة فيلادلفيا وكلية الدفاع الوطني التابعة للقوات المسلحة الأردنية. كما قام بإعداد وتقديم برنامج تلفزيوني تحت عنوان (شخصيّات وأحداث)، كما أشرنا سابقًا، عبر التلفزيون الأردني استضاف به عددًا كبيرًا من الشخصيات السياسية العربية والأردنية والعالمية.
في العام 2004 انتدبته الحكومة الأردنية لإعداد الخلفية السياسية والتاريخية للمرافعة الأردنية في محكمة العدل الدولية في قضية الجدار الإسرائيلي العنصري في الضفة الغربية، والتي أسفرت عن إصدار المحكمة فتوى بعدم شرعيّة الجدار.
انتُخب رئيسًا لجمعية الصداقة الأردنية- الهولندية منذ العام 2013، كما أنه عضو في مجلس أمناء المعهد الدبلوماسي، وعضو في جمعية الشؤون الدولية، وفي جمعيّة الصداقة الأردنية- البريطانية.
وعمل بضع سنوات رئيسًا لمجلس إدارة وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، وكذلك عضوًا في المجلس الأعلى للإعلام. وبتاريخ 27/3/2021 صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيينه عضوًا بمجلس الأعيان الأردني.
أما في عالم "البزنس"، فقد عمل في مجال العلاقات العامة وكان عضوًا في مجلس إدارة أهم شركة علاقات عامة في العالم وهي EPR International وكان ممثلها في الشرق الأوسط وأفريقيا، وكان لها مكتب إقليمي في عمّان.
وعمل مستشارًا لشركة "ميفان" التي عملت على تذهيب قبّة الصّخرة المشرّفة في إطار الإعمار الهاشمي للحرم القدسيّ الشريف.
يحمل وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى ووسام الاستقلال من الدرجة الثانية وعدد من الأوسمة الأخرى من هولندا وإيطاليا والنمسا وإيرلندا.
متزوِّج من السيدة جمانة مالك المصري منذ العام 1969 ولديه ولدان وبنتان وستة أحفاد. وما زال نشيطًا يعمل يوميًّا لعدة ساعات في البحث والكتابة والترجمة، أطال الله بعمره ومتَّعه بالصحة والعافية ونفعنا بعلمه ومعرفته.