حاوره: موسى إبراهيم أبو رياش
كاتب أردني
mosa2x@yahoo.com
نال عبدالوهاب عيساوي جائزة الرواية العربية (البوكر) دورة العام 2020، ليكون أوَّل روائي جزائري يفوز بالجائزة، وفي هذا الحوار يرى صاحب "الديوان الإسبرطي" أنّ النجاحات نتاج مشروع مدروس ومخطَّط له في كل المجالات لا الأدب وحده. ويقول إنَّ الكاتب لا يستطيع الاكتفاء بتجاربه الحياتيّة مصدرًا وحيدًا للكتابة، إذ لا بدّ من الاستفادة من الكتابات السابقة، وخاصة تلك التي أثبتت جدارتها عالميًّا.
وُلد عبدالوهاب عيساوي في مدينة حاسي بحبح في ولاية الجلفة في آذار/ مارس عام 1985، ويحمل شهادة الماجستير في هندسة الإلكتروميكانيك. أصدر روايته الأولى "سينما جاكوب" عام 2012 التي نالت جائزة رئيس الجمهورية، وبشَّرت بمستقبل كبير لروائي شاب، ووصلت مجموعته القصصية "حقول الصفصاف" للقائمة الطويلة بجائزة الشارقة للإبداع العربي 2012. ثم أصدر رواية "سييرا دي مويرتي" التي حصلت على جائزة آسيا جبار للرواية الجزائرية عام 2015، وتتحدَّث عن الشيوعيين الإسبان الذين خسروا الحرب الأهلية وسيقوا إلى المعتقلات في ولاية الجلفة الجزائرية وغيرها. وفي عام 2016 أصدر مجموعة قصصية تحت عنوان "مجاز السرو". وفي عام 2017 صدرت روايته الثالثة "الدوائر والأبواب" التي فازت بجائزة سعاد الصباح للرواية العربية 2017، وتتناول حياة طفل يعاني من التأقلم في حياة البادية والصحراء في عهد الاستعمار الفرنسي للجزائر. وفي العام نفسه نالت روايته غير المنشورة "سفر أعمال المنسيين" جائزة كتارا للرواية العربية، وهي رواية تحتفي بالمنسيين الذين ساهموا في حرب التحرير وبدايات الاستقلال. وفي عام 2018، صدرت روايته "الديوان الإسبرطي" التي نبشت الماضي وقصدت الراهن من خلال الحديث عن نهايات الوجود العثماني في الجزائر وبدايات الاستعمار الفرنسي، وحصدت جائزة الرواية العربية (البوكر) دورة 2020، ليكون أوَّل روائي جزائري يفوز بالجائزة. وهي سيرة إبداعيّة لافتة، تكرِّس عيساوي كأحد كبار الرِّوائيين العرب اللامعين، الذين يُنتظر منهم الكثير؛ للارتقاء بالرواية العربية.
لنبدأ من النهاية، فقد حصدت روايتك "الديوان الإسبرطي" جائزة الرواية العربية (البوكر) لدورة 2020، ونالت كل أعمالك السابقة جوائز مختلفة، جزائريّة أو عربيّة، فهل هذا حظّ أم نتاج عمل إبداعي يستحقّ التقدير؟
ليست الحظوظ دائمًا هي مَن تصنع الفارق، ولم تكن الصُّدَف يومًا علامة على الاستثناء، أعتقد أنّ النجاحات نتاج مشروع مدروس ومخطط له في كل المجالات لا الأدب وحده، فمنذ روايتي الأولى "سينما جاكوب" ظللتُ أبحثُ عنّي، عن شخصيتي ككاتب يقدّم نفسه للقارئ العربي بمحمولات جديدة أو مختلفة على الأقل، وجدتني منشغلًا كثيرًا بالثيمة التاريخية والمشتركات الإنسانية عبر أشكال حضارية مختلفة وأزمنة متعددة، خصوصًا حين يتعلّق الأمر بوطني الجزائر وما عرفته من تداعيات تاريخيّة عبر حِقَب متفرِّقة، فقد كانت الجزائر نقطة استقطاب لافتة عبر التاريخ؛ هجرات، استعمار، حملات صليبية.. وكانت هذه الهجرات "من وإلى الجزائر" جزءًا مهمًّا في تكوينها البشري وحتى الديني والأيديولوجي، بدءًا من القرن الماضي إلى فترة الأربيعنات منه، بالإضافة إلى التأثيرات الكولونيالية التي ساهمت في تحولات المجتمع حتّى الثمانينات من القرن الماضي. ربّما كانت طبيعة الكتابة مختلفة عمّا هو مألوف في الجزائر، إذْ ارتكزت الكتابات الرِّوائية في الثلاثين سنة الماضية على الحرب الأهلية في الجزائر، بينما مالت الكثير من الكتابات السابقة لها إلى "التبشير" اليساري، وربَّما كان لهذا المنحى الذي رسمتُه يدٌ في تحقيق النجاحات.
هل الكتابة بالنسبة لك عمل شاق، يتطلب تحضيرًا وإعدادًا وبحثًا ومراجعة أم هي عملية سهلة تمارسها وقت الفراغ؟ وماذا تعني لك الكتابة؟
لأنّ أغلب رواياتي تتكئ أساسًا على التاريخ أجدُني مرغمًا على الحفر في مدوّنات سردية مختلفة بحسب "إملاءات" كل نص جديد، فالنصوص تختلف، وبالتالي تختلف "مقتضياتها". في رواية "سييّرا دي مويرتي" كانت أجواء الأربعينات سائدة طوال عملية التوثيق، وتوزّع الحقل الدلالي بين العربية ولغات أخرى كالإسبانية والفرنسية وحتى اليديشية، إذ تضطرُّكَ الكتابة عنها تقصّي الرحلات واليوميات التي دوّنتها شخصيات عايشت الأحداث وأثَّرت فيها أو تأثَّرت بها، بينما في رواية "الدوائر والأبواب" تنتقل إلى حقل آخر مختلف تمامًا حيثُ الفضاء الصحراوي المفتوح بكلّ ما يحمله من تجلّيات...
فلسفتي في العمل تقوم على التوثيق الذي قد يمتد أشهرًا، ثم التفرُّغ الكلي لكتابة الرواية. أشتغل عليها بدوام كامل ولا أتجاوز في العادة ثلاثة أشهر، ومن ثمّ أفارق النص أيامًا ثم أعود إليه لأعيد قراءته من جديد، ثمّ إعادة التحرير والتصحيح.
لا أدري حقًا ماذا تعني لي الكتابة! ببساطة لا أستطيع أن أفكِّر بعيدًا عن كوني كاتبًا. العالم من حولي لا يسير بواقعيّته بقدر ما هو مجموعة مشاهد أو فصول فارَّة من رواية ما.
في معظم أعمالك الرِّوائية اتَّجهتَ نحو التاريخ، فهل هو هروب من الواقع أم لأنَّ التاريخ ما زال حيًّا بآثاره ونتائجه؟
إذا سلّمنا بالرؤية "اللوكاتشية" فإنَّ علاقة الراهن أو الواقع بالرواية التاريخية هي علاقة عكسية، فالرِّوائي لا يعود إلى التاريخ بوصفه موضوعًا لذاته، بل إنَّ غرض هذه العودة هو اللحظة الراهنة، فالتاريخ الاجتماعي للفرد وتحوُّلاته -في هذه الحالة- هو الغاية الحقيقية لهذا الجنس الأدبي، والكتابة التاريخية هي كتابة سلطوية بالأساس ونتاج مؤسسات لها خلفيّاتها الأيديولوجية، بينما تتميّز الكتابة الرِّوائية بحرية أكثر وقدرة على استيعاب محمولات أدبية/ فكرية/ علمية... ما يمكِّنها من الإجابة عن كثير من الأسئلة الراهنة، أو ربّما إعادة قراءتها في فضائها الأوّل الذي أُنتجت فيه، مستعينة بالحدث التاريخي؛ لتأثيث وبناء عالمها وفق خطاب مختلف، يُعيد بحث الأسئلة العالقة لدى المجتمعات المكتوب عنها.
كما يظهر في سيرتك الذاتيّة، فأنت مهندس إلكتروميكانيك، وعملت مهندس صيانة، فهل لهذا التخصُّص تأثير أو توظيف فيما تكتبه من روايات؟
تخضع الفنون عامة كالرَّسم والموسيقى والكتابة إلى مُتواليات رياضيّة تتحكّم في أشكالها وتفرض نوعًا من التجانس مع طبيعة الموضوعات والأزمنة التي أُنتجت فيها، فالدارس لا يمكن أن يُنكر العلاقة الحيّة التي تربط مثلًا خصائص الفنّ القوطي في المعمار بخصائص النثر في ذلك الوقت، ولا حتى في العصر "الإليزابيتي". هناك حدس فني يشتغل على المتوالية نفسها في كل الفنون ويفرض نوعًا من التجانس الكلي بينها.. يمكن أن تُقدِّم الهندسة من جانبها الرياضي معرفة بمنطق البناء والمعمار الرِّوائي، إضافة إلى استيعاب مفهوم السببيّة الذي تخضع له الشخصيات سواء في علاقتها بالمكان أو الحدث الذي تتفاعل معه.
أي نص عند "جوليا كريستيفا" لا يُبنى من الصفر، بل هو نتاج عملية هضم ومزج وتأثير نصوص سابقة. ويؤيد ذلك "رولان بارت" بقوله: "كل نص هو تناص"، فمن هم الآباء المبدعون الذين تأثَّر بهم عبدالوهاب عيساوي؟
لا أعتقد أنَّ الكاتب يستطيع الاكتفاء بتجاربه الحياتية مصدرًا وحيدًا للكتابة، إذ لا بدّ من الاستفادة من الكتابات السابقة، وخاصة تلك التي أثبتت جدارتها عالميًّا.
في البداية كنت أقرأ كل ما يقع بين يدي، فاستهوتني الرواية الألمانية واليابانية واللاتينية. ومؤخرًا لضيق الوقت، صرت أنسجم في قراءاتي مع توجُّهاتي الفنيّة فقط.
المكان عنصر أساسي في أيّ عمل روائي، ولكن هل للمكان الذي نشأ فيه الكاتب تأثير في أعماله؟ وهل يمكن أن يوجِّه المكان الرِّوائي الكاتب؟ ومتى يكون المكان شخصيّة مؤثرة في الرواية وليس مجرَّد خلفيّة للرِّواية؟
يمكن رصد توظيف المكان في المدوّنات الرِّوائية العالمية على مستويين، إمّا أن يكون خلفية للأحداث وعنصرًا وظيفيًّا في النص، أو أن يكون بطلًا يرتكز فيه الرِّوائي على بُعده الشاعريّ. والتوظيف يكون بحسب غايته الموضوعية أو الفنية، إن كان النص واقعيًّا يخضع للبنية الدرامية التقليدية فسيجد الكاتب نفسه مُلزمًا بالتوظيف المباشر له، أمّا إذا رغب في أنسنة الأمكنة وذلك للعلاقة الحميمية التي تربطه بها؛ إمّا مكان طفولة، أو وطنًا ضائعًا، سيكتب نصًّا ينتصر فيه لتلك الرّغبة ويصبح المكان بطلًا للرواية.
هناك مَن يرى أنَّ الأدب مرآة كاتبه، وأنَّ الكاتب يكتب عن نفسه إبداعيًّا، ويعبِّر عن ذاته ومواقفه ورؤاه، ولكأنَّ جميع ما يكتبه يتضمَّن سيرته المسكوت عنها، أو سيرته الذاتيّة من زاوية أخرى، وربَّما سيرته المُشتهاة. فهل تتَّفق مع هذا الرأي؟
إذا حمّل الكاتب شخصيّاته أفكاره الخاصة أو انتصر لأيديولوجيته في كتاباته فلن يكتب أدبًا جيدًا، بالتأكيد هناك مَن نجح في كتابة سيرته روائيًا ولكن كحالة فردية تعيش همومها المشتركة مع البشرية، لها الحق في الحياة والحب والعيش الكريم. من وجهة نظري ليس هناك اعتراض إلا بما يسمح به القدر الفنّي والإنساني في النصوص كيلا يصبح الكاتب مجرَّد بوق لأيديولوجيات معيَّنة مثلما حدث سابقًا في بعض النصوص السوفياتيّة أو العربيّة.. الكاتب في النهاية شاهد على عصره وزمانه -بتعبير ابن جلون- وهو حالة استثنائية قائمة في كلّ الأحوال..
لم يعُد المبدع ذلك العَلَم الذي يُسمع رأيه، ويُحسب له أيّ حساب، فهل للأدب تأثير حقيقي على أرض الواقع، أو هو مجرَّد تسلية وتنفيس وتزجية فراغ؟
أعتقد أنَّ الأمر متعلِّق أكثر بالقراءة، ونعرف أنَّ مستواها في العالم العربي متدنٍ. كيف يمكن الانشغال بالتغيير في ظلِّ هذه البطالة الفكرية التي يعيشها الفرد العربي؟ بالإضافة إلى أنَّ الحكومات العربية لم تتبنّ مشاريع حقيقية وفاعلة لتحسين المستوى الفكري لمواطنيها، بينما فتحت المجال لمختلف التيارات التي لا تساهم إلا في تبنّي وجهة نظر واحدة وفي كثير من الأحيان متطرّفة. الكاتب وحده لا يستطيع التغيير إن لم يؤمن السياسي بموقفه، والأفكار لا يمكن أن تتجسّد إلا إذا تبنّت الحكومات استراتيجيات ثقافية بأهداف متوسطة وبعيدة من شأنها تفعيل عضوية المثقف، وجعله شريكًا مفصليًّا في مختلف التحوُّلات... غير أنّ هذا الطّرح يبقى "مثاليًا" بعض الشيء خصوصًا في عالمنا العربي، فالمبدع أو المثقف عمومًا "تابع" لا "متبوع"، "متفاعل" لا "فاعل".. بمعنى أنه يخضع لإملاءات السياسي ولا يقدِّم نفسه كشريك "عضوي" بالأساس...
هناك مَن يحتجّ ويعترض على كثرة الذين يكتبون، وخاصة في حقل الرِّواية، ويطالب بالتدخُّل حمايةً للإبداع بعد أن كثر الخَبَث والأعمال الضعيفة، وكل مَن يملك مالًا يستطيع أن ينشر ما يكتب. فهل أنت مع الوصاية على الإبداع أم مع ترك الحبل على الغارب؟
نحن نعيش أزمة حقيقية في العالم العربي على مستوى دور النشر، إذ القليل فقط منها لديها لجان حقيقية ومحرِّرون يشتغلون على تجويد النصوص الرِّوائية، والكثير من الدور تميل إلى الجانب الاقتصادي أكثر من الجانب الفنّي. يمكن تجاوز إعانة الكاتب لدار نشر ما نظرًا للظروف التي يعيشها سوق الكتاب، (الكثير من الرِّوايات الممتازة طُبعت على حساب أصحابها) ولكن في الوقت نفسه لا يمكن تجاوز فكرة نشر نصوص رديئة، وهذا ليس من باب الوصاية بل من باب احترام الدور لنفسها، فليس من المعقول أن نقرأ نصوصًا روائيّة لا تكاد تخلو صفحة منها من خطأ لغوي أو معرفي أو فنّي.
ثمّة اتِّهام جاهز بأنَّ النقد لا يواكب الإبداع، ومعظمه مراجعات صحافيّة، فهل أنصفكَ النقد؟ وما تعليلكَ لهذا الاتِّهام؟
في سبعينات القرن الماضي كان النقد أكثر فعالية، ويشكِّل علاقة وظيفية ومباشرة مع النصوص، يستفيد القارئ من تحليلات الناقد، مثلما يستفيد الكاتب من ملاحظاته، بينما الآن يشتغل النقد الأكاديمي على تطبيق نظريات ربما لا تتواءم كلها مع طبيعة النصوص المطبَّق عليها، لأنها في الأصل وليدة أنساق ونصوص غربيّة لا تكاد تتواءم مع النصوص العربيّة، وبالتالي، نجد أنَّ جزءًا كبيرًا من هذا النتاج النقدي الأكاديمي لا يستفيد منه إلا المختصّون فيه، ولهذا أجدني أكثر ميلًا للمراجعات الصحفية التي يكتبها النقاد أو حتى بعض الرِّوائيين في الصُّحف أو المجلات، أجدها أكثر نفعًا للقارئ والكاتب.
من بين خمسة أعمال روائيّة نشرتُها حظيت رواية "سييرا دي مويرتي" و"الديوان الإسبرطي" بمتابعة نقديّة جيدة، ولم يُلتفت إلى بقيّة الرِّوايات كثيرًا. أعتقد أنّ المشكل الأكبر كان بسبب التوزيع، إذْ أغلبها لم يوزَّع إلا في الجزائر أو الدول التي صدرت فيها.
يتَّجه بعضهم لترجمة أعمالهم وإن على حسابهم الشخصيّ أو الكتابة باللغة الإنجليزية والفرنسية بحثًا عن العالميّة. فهل هذه هي الطريق الموصلة للعالميّة؟
لا يمكن إنكار أنَّ الترجمة أو الكتابة باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية هي طريق إلى العالمية، ولكن في الوقت نفسه ليس كل ما يُترجم إلى تلك اللغات أو يُكتب بها يحقق الشروط الحقيقية للعالمية. تشير لنا مجلة "إيبدو" الأدبية إلى أنّ عدد الروايات تجاوز في الدخول الأدبي الفرنسي السنة الماضية خمسمئة رواية، بينما لا يحقّق التفاعل منها إلّا روايات قليلة.. وهي التي ستُترجم إلى العربية أو إلى اللغات العالمية الأخرى.
تختلف الذائقة الأوروبية عن العربية، والكتاب المترجم أو المكتوب بتلك اللغة يجب أن تتوفر فيه شروط معيّنة لينجح، ونادرًا ما نجد نصًّا تُرجم من العربية وحقّق نجاحًا في أوروبا، حتى الذوق نفسه في أوروبا تدنّى في السنوات الأخيرة -وإنْ كانت هذه المسألة نسبية- وأصبحت أكثر الروايات رواجًا هي التي تحمل مقدارًا من المتعة اللحظية كالروايات البوليسية وروايات الغموض.
ثمّة ظاهرة ملموسة في الوسط الثقافي؛ أنَّ الكُتّاب لا يقرأون لبعضهم بعضًا إلا فيما ندر كمجاملة صديق أو لغرض ندوة ثقافيّة، فبِمَ تفسِّر ذلك؟
الوسط الثقافي لا يختلف كثيرًا عن بقيّة الأوساط الأخرى، هناك الكثير من الصراعات والتكتلات والشلليّة، وكل مجموعة تريد الانتصار لكُتّابها أو أيديولوجيتها، إضافة إلى ذلك، فإنَّ مستوى القراءة لدى العرب متدنٍّ بشكل عام سواء لدى الكاتب أو القارئ، وبالتالي فهذه الظاهرة تُعزى إلى الكسل الثقافي والحضاري الذي يعيشه العرب، وإلى الحياة الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة التي تعيشها العواصم العربية التي كانت مراكز ثقافية مهمة.
ماذا أضاف القارئ لعبدالوهاب عيساوي؟
استفدتُ كثيرًا من القرّاء المقرّبين، فهم أوَّل مَن يطالع مخطوط الرواية قبل إرساله إلى دار النشر. أعتقد أنَّ الرواية الجيدة هي التي تُقرأ في مستويات متعددة، يُقبل عليها القارئ العادي كحكاية مشابهة لما قد عاشه ويتورّط مع شخصيّاتها، ويطالعها المثقف فيستوعب الأسئلة المتعالية للرواية، وقد تكون أيضًا أرضًا خصبة لتطبيق المناهج المعرفيّة الحديثة.
ما العلاقة بين القراءة والكتابة؟ وهل القراءة مرحلة وتنتهي أم حالة مستمرة إلى النهاية؟
لا أعتقد أن الكاتب يمكن أن يتجاوز كونه قارئًا، القراءة هي المبتدأ والمنتهى، وكاتب لا يقرأ يستحيل أن يتجاوز نفسه، وسيظلّ يدور في حلقة مفرغة. ببساطة كاتب لا يقرأ، كاتب لا يعوّل عليه.
في ختام هذا الحوار: ما نصيحتك للكُتّاب الشباب الذين بدأوا للتوّ رحلة الكتابة الإبداعيّة؟ مع التنويه أنكَ ما زلتَ شابًّا، لكنّكَ كهلٌ إبداعيّ.
حقيقةً لستُ في المقام الذي يجعلني أقدِّم نصائح للشباب، لأنّي أعتبرني روائيًّا في بداية مشواره الرِّوائي خصوصًا وأنّ الرواية "مشروعُ عُمْري" لا يتوقَّف عند تحقيق نجاح، أو استثناء ما... وكلّ ما أوصي به -نفسي أوَّلًا ثم المهتمين بحقل الإبداع عمومًا –روايةً، شعرًا، وغيره- القراءة المستمرَّة والاستزادة الدائمة... من باب "وتزوّدوا.." فإنّ خير زاد "المبدع" هو القراءة... بلا شكّ..