شعر: عيد بنات
شاعر أردني
بيتُنا الذي في آخرِ الشارعِ
حينَ كانَ صغيرًا،
كانَ يحبو كالماءِ، ويبكي كالماء!
كلَّ صباحٍ يجمعُ ابتساماتِنا التي سقطتْ
على حينِ غفلةٍ منّا،
ويَغرِسُها في أُصُصِ النرجسِ
يُودِّعُنا أمامَ البابِ واحدًا... واحدًا
وحين نعودُ، يغلقُ درفةَ الليلِ علينا
لنرى حكاياتِ أمِّيَ تلمعُ مثلَ خيولٍ مضيئةٍ
على الجدرانْ.
***
بيتُنا الذي في آخرِ الشارعِ
لم يكنْ بيتًا...a
كان يسمعُ الموسيقى، ويرتبكُ، ويتلعثمُ، ويفرحُ، ويستحمُّ، ويعلّقُ ملابسَهُ الداخليّةَ
أمامَ نافذةِ بنتِ الجيرانِ،
ثم ينامُ قريرًا
حينَ ننامْ.
***
بيتُنا الذي في آخرِ الشارعِ
لم يكنْ بيتًا...
مرَّةً رأيتُهُ يركضُ حافيًا في الأَزِقَّة
يبحثُ عن أخي الصغيرِ
وهو يلاحقُ أحلامَ الليلِ
مرةً رأيتُهُ حزينًا
حين رأى العتمةَ
تلتهمُ جبينَ القمر،
وهو يحرسُ وجوهَنا المضيئةَ
حتى لا تنطفئْ...
ومرَّةً... أصابتْهُ الكآبةَ
حين بكتْ شجرةُ اللوزِ
في حديقةِ بيتِنا
لأنَّ العصافيرَ لم تعُدْ تمشِّطُ لها شعرَها،
كما كانت تفعلُ كلَّ صباحْ.
***
بيتُنا الذي في آخرِ الشارعِ
لم يكنْ بيتًا…
حين صار مراهقًا في العشرين
كان يجفلُ،
وكلَّما سمعَ طرقَ حذاءِ ذاتِ العينينِ الخضراوينِ
يصيرُ خفيفًا... بلا سقف
يركضُ عاريًا في الممرّات
ترتبكُ أقدامُهُ
يغلقُ النوافذَ، حتى لا يجتاحُهُ مطرُ الدهشةِ
وحين يتلاشى وقعُ حذائِها،
وتذوبُ خطواتُها بين المارَّةِ
تسقطُ دمعةٌ ساخنةٌ
من عينِ البابْ.
***
بيتُنا الذي في آخرِ العمرِ
حين زرتُهُ آخرَ مرَّةٍ، كان عاتبًا
يضعُ رأسَهَ بين يديهِ
يتأمَّلُ غرفتَنا الصغيرةَ
يَلُمُّ بقايا ابتساماتِنا عن الأرضِ
وذكرياتِنا التي تلمعُ على الجدرانِ
حينَ كُنّا نضحكُ مثلَ حمامٍ أبيضَ
ونبكي مثلَ حمامٍ أبيض.
حين كبرتُ مثلهُم
وضعتُ الخطوةَ كي أمشي
أَمْسَكَ بيدهِ يدي،
وقال: لا تتركْني وحيدًا
إني أخافُ من الليلِ
أَحلُمُ بوعولٍ سوداءَ تتمرّغُ على جسدي
تُحلِّقُ كوابيسٌ غريبةٌ في الممرّاتِ
وأتعرَّقُ كثيرًا، وأُصابُ بالحُمَّى
توسَّلَ إِليّْ، وقالَ لا تَترُكْني وحيدًا
تموتُ البيوتُ حين لا تُطرقُ الأبواب!
خذْ روحي معكْ
ثم وَضَعَ في جيبيَ المفتاحَ
وبكى...
وأغلقَ على نفسِهِ السماءْ.