محمد أبو عزيز
فنان تشكيلي وكاتب أردني
درَسَ الفنان الخطاط يعقوب إبراهيم في جامعة بغداد ليتزوَّد بمعارف ومهارات في التوزيع السليم لعناصر العمل الفني، وفهم الكتل والفراغات في التكوين، ومراعاة السطر ووحدة الموضوع وترابط العناصر بعضها ببعض، وكذلك الحسابات اللونية التي نراها في أعماله التي استخدم فيها اللونين الذهبي والفضي معًا. كما قطع يعقوب المسافات باحثًا عن خطاط أجيز من شيوخ الخط العربي القدامى من بقاع المعمورة ليتعرَّف أكثر على أسرار هذا الحرف من فننا العربي والإسلامي ومدارسه، فحاز سنة 2000م على إجازة بخطَّيْ "النسخ" و"الثلث" وكذلك إجازة بخط "النستعليق" من الخطاط الكبير مهدي الجبوري الذي يُعتبر أحد تلاميذ الأستاذ الكبير المرحوم هاشم محمد البغدادي، فكان يعقوب إبراهيم أوَّل خطاط أردني يحظى بمثل هذه الإجازة.
إذا كان الخط العربي هو الركيزة الأساسية التي ما زال يتكئ عليها الفن الإسلامي إلى يومنا هذا، فإنَّ ماهيّته تكمن في الزُّهد والصَّفو النابعين من روح الصوفيّة، فثمة تواصل بين المتعبِّد وروح هذا الفن العريق -الخط العربيّ- لما يحتاجه من اعتكاف متفرِّد من قبل الفنان المسلم كي يخلق طقسًا يتَّسم بقدسيّة ما يصبو إليه عبر تواصل روحي شفيف مع خالقه...
لقد تفرَّد الخط العربي عن غيره وتميَّز عن سائر الفنون الأخرى، كونه يُعدُّ واحدًا من الفنون الأصيلة التي حافظت على جماليّاتها، فقد تجاوز الحرف العربي الحدود وأصقاع الديار والمعمورة وذهب بعيدًا، فانتشر في معظم البلاد التي دخلها الإسلام، واستخدمت شعوبها حروفنا العربية؛ نذكر منها بلاد فارس والعثمانيين، وبعض دول أفريقية والبلقان وأوروبا.
تطوَّر الخط العربي وأصبح له العديد من المدارس الفنيّة، كالمدرسة البغداديّة والمدرسة المصريّة والمدرسة العثمانيّة والمدرسة الإيرانيّة. وفي هذا المضمار نودُّ تقديم فنان أردني جَمَعَ بين العديد من المدارس الفنيّة، ولديه شخصيّة فنيّة مغايرة لكثير من الخطاطين، فتمتعت كتاباته وتنقَّلت في الأساليب الفنيّة والجماليّة المتنوِّعة التي انتهجها، وهو الفنّان الخطاط يعقوب إبراهيم.
يُعتبر الخطاط يعقوب إبراهيم واحدًا من أبرز الخطاطين الشباب في الأردن إن لم يكن على صعيد عربي، بل وعالمي، دون منازع من الناحية الكلاسيكية للحرف العربي، متقنًا بذلك كل أنواع الخط العربي، كما أنَّ له فهمًا خاصًّا ورأيًا في أعمال السابقين والمعاصرين من الخطاطين. وهذا لا يعني أنه تقيَّد بالشكل التقليدي كما يعتقد بعضهم، لكنَّ التزامه كان ضمن آفاق الاستفادة من فهمه للحرف ومدى تطويعه خدمةً للمحافظة على الرشاقة التي يتمتع بها الخط العربي، وأضف إلى ذلك المحافظة على الأصول القواعديّة المتوارثة.
فالخطاط يعقوب واحدٌ من الذين انتهجوا هذا الفن -الخط العربي- بتفرُّد في بلدنا منذ نعومة أظفاره، كما أنه من الشباب الذين ثابروا من أجل شقّ هذا الطريق الصعب ليتمكّن من هذا الفن الرّاقي.
بدأت علاقة يعقوب بالخط العربي من خلال مناهج اللغة العربية في المدرسة في دولة الكويت، ويُذكر أنَّ الخطاط يعقوب إبراهيم من مواليد الكويت سنة 1972، وقد تعلَّم على يد أستاذه مدرِّس اللغة العربية عبدالحميد سلطان وفاز في أكثر من مسابقة على مستوى المحافظة، إلى أن قام الخطاط الكويتي علي عبدالرحمن البداح بتقديمه إلى الأستاذ عبدالله عثمان أستاذ مادة الخط في معهد تحسين الخطوط العربية، ومن ثم تعرَّف على الأستاذ عبدالغني الأبوكاتو، وبهذين المعلِّمين استطاع يعقوب أن ينهل من معارف وخبرات فذّة، فتحققت له ذخيرة معرفية وعملية ساهم في ثرائها أيضًا العديد من المعارف والمصادر التي زوَّده بها الأستاذ علي الهولي؛ ومنها كراسة الخطاط الكبير هاشم محمد الخطاط، فكانت الانطلاقة التي وجد نفسه بها، وصار لديه إلمام وفهمٌ واستيعاب للخط العربي بالطريقة الكلاسيكيّة، أي التقليديّة.
شكّل سفره إلى العراق علامة فارقة في مسيرته الإبداعية، حيث سافر إلى بغداد لتكملة دراسته الجامعية في جامعة بغداد، فتخصَّص في التصميم الطباعي، والذي أضاف له معارف ومهارات في التوزيع السليم لعناصر العمل الفني، وفهم الكتل والفراغات في التكوين، ومراعاة السطر ووحدة الموضوع وترابط العناصر بعضها ببعض، وكذلك الحسابات اللونية التي نراها في أعماله التي استخدم فيها اللونين الذهبي والفضي معًا.
وكون بغداد مدينة حاضنة للإبداع والفنانين وتشكِّل مركز ثقل في مجال الخط العربي، فقد وجد يعقوب فرصة سانحة لأنْ يدرسَ على أيدي كبار الأساتذة الخطاطين المتخصصين بهذا المجال في بغداد ومنهم الأستاذ حميد السعدي والمرحوم الخطاط الدكتور سلمان إبراهيم أثناء دراسته الأكاديمية، كما وقطع يعقوب المسافات باحثًا عن خطاط أجيز من شيوخ الخط العربي القدامى من بقاع المعمورة ليتعرَّف أكثر على أسرار هذا الحرف من فننا العربي والإسلامي ومدارسه، فعرف الكثيرين من مختلف المدارس، التي صار يميز بينها بيُسر، كما واستطاع –على الرغم من صغر سنه- أن يقتطف ما يفيده على الصعيدين الفني والجمالي.
حاز الخطاط يعقوب إبراهيم سنة 2000 ميلادية على إجازة بخطَّيْ "النسخ" و"الثلث" وكذلك إجازة بخط "النستعليق" من الخطاط الكبير مهدي الجبوري الذي يُعتبر أحد تلاميذ الأستاذ الكبير المرحوم هاشم محمد البغدادي الذي أجيز من الخطاط المرحوم الأستاذ حامد الآمدي. فكان يعقوب أوَّل خطاط أردني يحظى بمثل هذه الإجازة.
أحرز العديد من الجوائز والمكافآت في مسابقات دوليّة أهمّها جائزة "إرسيكا للتميز بفن الخط العربي" التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في إستانبول وبأكثر من نوع من أنواع الخطوط كالنسخ والإجازة والديواني وغيرها. كما حظي بالتقاء خطاطين ومزخرفين عدة خاصة في الورشات الفنيّة التي شارك فيها ضمن فعاليات مختلفة أهمها معرض دبي الدّولي، وملتقى الشارقة لفن الخط العربي، وكذلك معرض القرآن الكريم في دولة الكويت، وتستثمر بلدان الخليج العربي هذا النوع من الورشات بهدف الحفاظ على المعالم الحقيقية والقيم والأساليب الفنية المتَّبعة لصون هذا الفنّ الرّاقي ونشره من خلال المعارض الجماعيّة والندوات والمحاضرات التثقيفيّة. ومن جانب آخر، فقد تمَّ ترشيح يعقوب إبراهيم ليفوز فعلًا ضمن أهم سبعة خطاطين في العالم (وكان الأصغر سنًا) من أصل 122 خطاطًا، في أوَّل مسابقة من نوعها على الإطلاق لتخطيط مصحف قطر، وحكَّمت المسابقة هيئة تحكيم دوليّة تضمّ كبار أساتذة الخط العربي أمثال: الخطاط حسن جلبي والخبير د.مصطفى أوغور والخطاط د.محمد سعيد شريفي.
انتقل يعقوب إبراهيم لكتابة المصاحف، كونه متميزًا بخط النسخ، وقد عرفنا سرَّ تنوُّع أساليبه والذي يعود لكونه دائم البحث والتقصّي عن كل ما هو أجود من خطاطين قدامى أو محدثين، فقد صرَّح أنه يأخذ خط النسخ من الخطاط محمد شوقي من حيث جودة حروفه، ومن الخطاط العثماني الكبير الحافظ عثمان من حيث هندسة الصفحة.
لقد طوّر يعقوب معارفه ومهاراته في الخطوط العربية كافة، وكما أسلفنا فإنَّ سمات القدامى جليّه في معظم أعماله، كما وتميّزت كتاباته بخط الإجازة؛ فيستقي حروف هذا الخط من الخطاط حسن رضا حيث ليونة الحروف وكأنها متراقصة، أمّا خط الثلث فهو يميل فيه للخطاط الكبير أحمد الكامل وكذلك الخطاط محمد شوقي، وأمّا في خط التعليق فإنَّ يعقوب يعتمد المدرسة الإيرانية القديمة وتحديدًا الخطاط الكبير عماد الحسني، وفي الخط الديواني فإنه يعتمد المدرسة البغدادية والخطاط هاشم محمد.
كما دفعه حب العمل والإتقان والجودة والأصالة والتَّحديث في هذ المجال وشغفه الدائم وبحثه المستمر الدّؤوب إلى أن يصنع المداد بنفسه، ويقهر الورق، ويعالجه بطريقة تخدم سطح عمله الخطّي لتصبح حروفه بالمشق ذات سلاسة وحيويّة، فتصل المتذوق بعذوبة وشفافيّة ترتاح لها الأعين، وتصغي لمضامينها القلوب، فهي معطَّرة بآيات من العبر والرياحين، هكذا تصاغ المعالم الجماليّة للولوج لروح هذا الفن العربي الخالص. فالخط العربي يتمتع -وبشهادة كبار الباحثين والمفكرين والفنانين العالميين- بأعلى المراتب الجماليّة وأجملها كحرف يحمل دلالات ذات أبعاد إنسانيّة فلسفيّة وجماليّة.
وللأمانة المعرفيّة لم يتوانَ الخطاط يعقوب عن نقل خبراته وتعليمه للعديدين، بل الغالبية العظمى من الخطاطين الأردنيين والعرب الذين تتلمذوا على يديه، وله فضل كبير في نقل الحركة الخطيّة لمستويات أعلى، وكان عاملًا أساسيًا في فوز طلّابه في المحافل المحليّة والدوليّة.
إضافة إلى ما تقدَّم، فإنَّ الخطاط يعقوب حكَّم في أكثر من محفل عُني بالخط العربي والزخرفة الإسلاميّة، وهو رئيس لأكثر من لجنة تحكيم في معظم مسابقات مجمع اللغة العربية التابع للجامعة الأردنيّة، وله بصمة واضحة يشهد عليها كبار الخطاطين في العالمين العربي والإسلامي.