نوافذ ثقافيّة
محمد سلّام جميعان
شاعر وناقد أردني
mjomian@gmail.com
• ثقافة عربيّة
منزلقات التفكير/ سعادة أبو عراق
يُعيد المؤلِّف بواعث تأليفه هذا الكتاب إلى ما اعترى الأمة من تخلّف واختلاف وتحجُّر في التفكير الذي ينأى عن الإبداع، والوقوع في الأفكار الجاهزة والمستهلَكة. وهي العلّة التي اكتشفها سقراط في تفكير السفسطائيين.
ففي سبيل ترسيخ أساليب التفكير الصحيحة يفتح المؤلف "كاتالوجًا" مليئًا بالأفكار والمنهجيات العقلية التي تدلّ القارئ على المزالق السهلة التي تقود إلى التفكير الخطأ، بعيدًا عن المصطلحات الفلسفية العميقة التي تتطلب جهدًا من القارئ العادي.
في البداية التأسيسية لمنهجية المؤلف يؤكد حقيقة مهمة تتمثل في أنَّ للصواب منهجًا واحدًا وللخطأ مناهج متعددة، مفسرًا هذه القاعدة بالوقوف على قوانين العقل وقانون الهوية، وعدم التناقض، والسببية، وقانون الغاية، والمعرفة. ويأخذه الحديث عن العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، والآداب والفنون. وهو تقسيم جديد يسترعي النظر في تقسيم الثقافة الإنسانية.
وعلى الرغم من انفتاح العناوين على بعضها بعضًا، لكننا لا نعدم المجاورة والتلاصق بينها، كما هي الحال في محور "أفكار فاقدة الصلاحية" و"الأفكار الشائعة" التي يتبناها المجتمع دون تمحيص صوابها من خطئها، كما في الحكم والأمثال، والشعارات، وأقوال المشاهير، وغيرها من الثيمات الثقافية التي تكرّس الشائعات أكثر من تكريسها للحقائق.
الكتاب في مجمله ومن خلال عناوينه يفتح الذاكرة ونوافذ العقل على ضرورة تحكيم المنطق لتمييز الأفكار وتمحيصها قبل التسليم المطلق في اعتقاد محمولاتها الفكرية، بما في ذلك الأفكار الصعبة والأفكار الميتة، سواءً بسواء. ويبدو تأثير المنهج الشكّي واضحًا في مناقشة كثير من المسلّمات التي تحتاج إلى مزيد من التحقُّق، لا سيما في انعكاساتها على المنظومة الأخلاقية للإنسان، وبالتالي تأثيرها في الأنماط العقلية والسلوكية. إبداعية التفكير هي أهمّ ما يميّز هذا الكتاب الذي يستحق القراءة الواعية للوصول بالعقل السليم إلى المنهجية الصحيحة التي تتلاقح فيها الأفكار بعيدًا عن التوتّر والانزلاق نحو واحديّة التفكير والاعتداد بالرأي بطريقة مجّانية.
ما من قميص يدلُّ عليّ/ وفاء جعبور
ثمّة وشائح بين القصيدة وألم الذات الشاعرة في هذا الديوان الناضج حدّ الاحتراق بنار الشعر، الذي تدفّق فيه نهر دم الضحية على الورق. ففي تقديمه لهذا الديوان يكتب الشاعر والتشكيلي محمد العامري: (في نماذج "ما من قميص يدلّ عليّ" نواجه لذاذة مشعرنة تنسرب فينا كرائحة عطر لوردة وحيدة، بنفس الوقت نحن أمام مزيج من الانفلات منها إلى مدلولات تتجاوزها لتؤثث بها عالمًا موازيًا أكثر وحشة، وأكثر قدرة على احتمال البكاء الساكت.... ما بين واقع الذات وظلالها السوداء وبين نبوءات مرصوفة على رفوف الذاكرة، صرخات امرأة تعود وتلجأ إلى الشعر في الدفاع عن إنسانيتها المذبوحة، ولكن لا وجهة لذات الشاعرة إلا السماء، ولا صورة لجدار الذكرى سوى شريط يتحرك في ثنايا النص كي ينبلج عن جراحات كانت مدمولة هنا وهناك).
فعبر السيولة الموسيقية التي تحفل بها قصائد هذا الديوان تعلّق الشاعرة قمصان حزنها على بوّابة القلب لعلّ حزنها يشفع لها في الدلالة عليها وهي تشرب من جِرار التعب. فالفائض الموسيقي الذي يبدو في طبيعة البحور الشعرية يتناغم أفقيًا وعموديًا مع رنين الذات المجروحة بصمت وسكوت تستقوي عليه الشاعرة بطريقة هندستها البنائية لجملها الشعرية. فالفواصل النغمية بين التفاعيل لا تنفكّ عن الحالة الشعورية التي تستوطن الذات الشاعرة.
ثمة رسائل خفيّة ذات دلالة في شروحات عناوين بعض القصائد، فحضور يوسف برمزيّته الجماليّة، وابن زريق البغدادي في اغترابه، وديك الجنّ بغدره وندمه، وزهير بن أبي سلمى في هجره وحنينه، كلّها رسائل ضمنيّة للمُخاطَب الغائب في هذه النصوص الشعرية. ففي هذا الديوان يتعادل النقاء الشعري مع سخونة دم الضحية مع الرنين المجروح للموسيقى الهادئة التي تسيل في إيقاعاتها.
تفاصيل/ جمعة شنب
هذا الكتاب يتضمّن مختارات قصصية للقاص جمعة شنب. وتوحي مفردة "تفاصيل" بما في تجربة القاص من تعدُّد وامتدادات في النماذج القصصية، وألوان متشاكلة في الموضوع والبناء الفني حفلت بها مجموعاته القصصية الخمس، وما يُنشر في هذه التفاصيل للمرة الأولى. وهنا تكتمل الصورة للمتلقي حين يقرأها في لحظة واحدة مؤتلفة زمانيًا، ليستجمع وعيه الواقعي والفانتازي، والسوداوي وملامح فنية أخرى.
يُذكر هنا أنَّ تجربة جمعة شنب مع القصة القصيرة كانت ثمرتها المجموعات التالية: "الرسالة الأخيرة" (1982)، ثم صدرت له مجموعة "موت ملاك صغير" (1984)، وتوقف بعدها فترة من الزمن، قبل أن تصدرَ مجموعته "قهوة رديئة" (2015)، وتتبعها مجموعته "بنت الحرام" (2017)، وأخيرًا كانت مجموعته "رجل غير مهمّ بالمرّة" (2018)، (وقد بدا جمعة شنب، منذ بداياته، حتى أحدث كتاباته، الكاتب "المختلف"،... بدءًا من اختيار فكرته وموضوعه وتفاصيله، مرورًا بأسلوب معالجته وبنائه المتميز، وصولًا إلى التأثير الذي تتركه قصصه في المتلقي. فهو يكتب واقعه وإحساسه بهذا الواقع كما "يراه" هو، وكما يشعر به من خلال معايشته ووعيه هو، لا كما يراه أو يريده الآخرون) بحسب محرِّر الكتاب.
ومن جانب آخر يرى آخرون أنّ تجربة جمعة شنب، شهدت تحوُّلات واضحة، من عالم المخيَّم وصولًا إلى عالم الجريمة البشعة غير المبرَّرة، لكنه عالم البشر بكل ما يمتازون به من صفات وسمات، عالم تلتقي فيه وتمتزج طينتان من الناس؛ الضعيف الفقير المتخاذل الصامت المهزوم والمهمَّش، مقابل عالم القويّ المتسلط الثريّ الهمجيّ.. يتواجَه الطَرَفان في زاوية ضيقة من الحياة، ويبطش الثاني بالأوَّل بشدَّة.
• ثقافة عالميّة
روسيا والغرب... لمن الغَلبة/ ألكسندر رار، ترجمة: محمد نصرالدين الجبالي
الفكرة الأساسية، التي يؤكدها هذا الكتاب هي: الحاجة إلى التعاون البنّاء بين روسيا والغرب. فروسيا هي جزء لا يتجزأ من الحضارة الأوروبية، ولن تقبل ببناء منظومة الأمن الأوروبي بالاعتماد فقط على الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
ويوضِّح المؤلف حالة الاتحاد الأوروبي وخضوعه إلى قواعد حلف الناتو، حتى فيما يتعلق بالتعاون في مجال الطاقة مع روسيا، كون واشنطن تفرض قواعدها على الاتحاد الأوروبي.
ويرى المؤلف أنَّ جوهر الصراع الحالي، بين روسيا والغرب، هو جيوسياسي. وبالموازاة؛ قدَّمت روسيا مشروعًا لبناء أوروبا جديدة، أثار مخاوف الغرب، الذي كثيرًا ما يشكو من غياب الديمقراطية في روسيا.
وقال "رار" في كتابه؛ إنه تحدَّث في أثناء العمل على كتابه هذا مع زملاء وسياسيين روس، وحاول إقناعهم أنَّ القوى التي تدعم إقامة علاقات جيدة مع روسيا في الغرب في حاجة إلى شركاء لهم في أفكارهم داخل روسيا.
ويوضِّح الكتاب كيف تحوَّلت وسائل الإعلام إلى "أحزاب حرب" على الساحة الدولية، وأنَّ روسيا ستظلّ مهتمّة بمنطقة الشرق الأوسط، فاهتمامها يشبه اهتمام الولايات المتحدة بالأوضاع في أميركا اللاتينية.