من الأدب الفيتنامي:
ترجمها عن الإنجليزية: سمير أحمد الشريف
قاص وكاتب أردني
أبرز مميّزات المرأة في حيِّنا الصُّراخ.
ذلك المساء، في مبناي ذي الطوابق الأربعة، يعود السكان من أعمالهم، تُدخل النساء مفاتيح بيوتهنّ في أقفالها، بعضهنَّ يحضِّرنَ الغداء، وبعضهنَّ على وشك الذهاب لرياض الأطفال للعودة بأطفالهنّ.
ثَقَبَت هواءَ الصَّمتِ صرخةٌ من الطابق الثاني.
ـ "ثْوان" Thoan قد أسلمت الروح.
- مَن الذي مات؟
مجموعة من النسوة ردَّدنَ الاسم "ثْوان".
- ومن "ثْوان" هذه؟
- إنَّها من "وحدة" زوجي وقد عاد لبيتِه، إنَّها "ثْوان" وليس أحد غيرها.
- يا الهي.
خارج الغرف، قريبًا من صنبور الماء العام، ضجيج من حزن يملأ الحناجر، يردِّده الصدى.
خلال عشاء تلك الليلة، لم يأكل أحد، بعض النسوة ساعدنَ أطفالهنّ في إتمام واجباتهم، يعتصرهنَّ الحزن على المسكينة "ثْوان" لدرجة أنْ نظّفنَ الطاولات دون أن يضعن شيئًا في أفواههنّ.
قبل وقت قصير، كانت تعيش هنا مع زميلاتها، "ثْوان" التي تحبّ الغناء وتغنّي جيدًا، وعمرها فقط أربعة وعشرون عامًا، ماتت ودُفنت! مَن يصدِّق ذلك؟
"أترى؟"، قالت امرأة ترتدي الزيّ القطني بهدوء هامس، لأخرى تلبس معطفًا حريريًا أزرق: "لو أنَّ (ثْوان) تأخَّر عنها الموت شهرًا ووضعت جنينها بأمان ثم غادرت، لكان كل شيء على ما يرام. كانت قوية وصحتها جيدة، مَن يتخيَّل أنَّها ستموت؟".
سحَّت الدموع من عيني المرأة الثالثة التي تحمل دلوًا بلاستيكيًّا:
- هل أصابها نزيف؟
"نعم"، ردَّت المرأة التي ترتدي الملابس القطنيّة.
- لماذا لم يوقفوا النزيف؟
- نحن في الريف البعيد كما ترين، لو كانت في مستشفى المدينة لما احتاج إيقاف النزيف أكثر من دقائق.
النسوة حول صنبور المياه العام يتعافين من صدمة موت "ثْوان" مبديات مواساتهنّ وندمهنّ على امرأة ماتت وهي تضع مولودها الأوَّل.
- ماذا عن المولود؟
سألت المرأة مجعّدة الشعر وهي تغسل كومة من الملابس وحفاظات الأطفال.
- المولود على قيد الحياة.
- كم هو تعيس هذا الطفل، مَن الذي يعتني به الآن؟
- إنها والدة "ثْوان".
- هل المولود ذكر أم أنثى؟
- أنثى.
- هل أُبلغ "خان" Khanh)) عن ذلك؟
- تمَّ إبلاغه، جاءته رسالة في الخامسة مساءً، كم هو مزعج لـِ"خان"، كان يحمل على درّاجته سلتين من القرع، وقف بمحاذاة درجات العمارة يمزِّق المغلّف بعصبيّة، سائقا درّاجته إلى محطة الباص.
كل تنهيدات المواساة لم تصنع شيئًا للمنحوسة "ثْوان" ولا لمولودها ولا لزوجها "خان" مدير المطبخ في تلك "الوحدة".
شفقة النسوة تضاعفت بشدة ولبضعة أشهر، أمّا صاحبة الجاكيت القطني وصاحبة المعطف الحريري وصاحبة الدلو البلاستيكي فقد كُنّ شديدات الصخب وتساءلن بتوبيخ حاد: "لماذا لم تُرسَل المرأة لقريتها؟".
فقدت امرأة قطعة ملابس طولها متران كانت قد علَّقتها في حديقتها، ولدهشتها وجدتها في صندوق سيارة "ثْوان" بعد أسبوعين، بهذا الاكتشاف تمكّن الناس من معرفة المجرم الذي سرق الكثير.
نُسي تمامًا أنَّ "ثْوان" كانت تلتقط الأشياء الواقعة في الطريق وتعيدها لأصحابها.
كانت الأصابع تشير إلى سيّئة الحظ "ثْوان" ليس للأشياء التي فُقدت في الماضي وحسب، بل للأشياء التي اختفت بعد حادث قطعة القماش المترين: "من المؤكد أنها "ثْوان" ولا أحد غيرها"، "إذا أردتَ أن تجفِّف شيئًا فجفِّفه داخل بيتك"... "هل تعتقد أنكَ إن أردتَ تجفيفة داخل بيتك فلن تسرقه؟".. "(ثْوان) قد دخلت هنا أليس كذلك؟ ماذا تفعل هنا بحق الجحيم..؟ الآن تفحَّص كلَّ شيء لتتأكّد من عدم فقدان شيء".
خلال هذا الاضطهاد، استمرَّت "ثْوان" بالغناء بصوتها العذب، مبتهجة، تقرش بكسل قشور الأرز بينما تعمل بلا رغبة في "وحدة المطعم".
في أواخر تشرين الثاني، تمَّ خفض أعداد العاملين، الدائرة الشخصيّة للوحدة الخاصة بمزايا تجنيد "ثْوان" قرَّرت أن تسترجعها بعد انتهاء مدة العقد.
لم يكن زوجها "خان" -مدير المطعم- مبتهجًا بالقرار، لكنه طلب أن يُسمح لزوجته بالمكوث في المستشفى مدة قصيرة حتى تضع حملها لكي تعود مع طفلها لمنزل القرية، أحيانًا تكون القسوة طبعًا في بعض الناس.
نساء الحيّ لم يستطعن تحمُّل عودة "ثْوان"، قُلنَ إنَّها ستكون وحيدة في المنزل، وهنَّ في أعمالهنّ، وعندئذ سوف تشعر بحريّتها المطلقة للسرقة.
"قوان" (quan) لم يكن مهتمًّا بالمسلة، ما الفائدة من الاحتفاظ بها؟ من سوء حظنا جميعًا، بينما النساء يولولن جرّاء عودة "ثْوان"، كانت قطعتان من الملابس الحريرية السوداء تسرقان في وضح النهار، الشخص الذي فقد القطع لم يتأخَّر عن فحص غرفة "ثْوان"عندما كان الاشتباه بها بعيدًا، ولم يجد الباحث في صندوقها غير حفاظات للوليد القادم "ربَّما خبّأت المسروقات في مكان آخر"، لا شكّ يتسرَّب لذلك الشعور، "ثْوان" ليست من الغباء لتخفي المسروقات في ذلك الصندوق، يا للنساء، "ثْوان" حقًا كسولة، ولكنها بالتأكيد ليست شخصًا غير شريف
- السرقة ليست عملًا شائنًا؟ كيف تقف بجانبها؟
إنها تحب طفلتها، وتريد أن تمنحها أجمل قطعة ملابس جميلة، لهذا فعقلها ليس نظيفًا كفاية.
- لذلك تعتقدين أنني لا أحب طفلتي؟ وهل عليّ أن أسرق؟
كم هو بائس زوجها "خان" الذي يُعايش امرأة كسولة غير أمينة! عندما نوى الزواج منها كنتُ قد نصحتُه ألّا يفعل، فلم يستمع، والنتيجة مزيد من الديون، لن يكون زوجها هو المديون فقط، ولكن إن بقيت "ثْوان" يومًا آخر فيجب علينا جميعًا أن نكون يقظين وأن نحمي أنفسنا ونوقف تعاستنا التي تجلبها لنا، نعم أيتها النساء، أوافقكنَّ إنَّها غير أمينة، لكن المشكلة ستزداد لأنَّها بولادتها ستصبح اثنان، علينا ألا ننعتها بتلك الصفات.
- يعني ذلك أنك ستحميها؟ لماذا تدافع عنها بهذه القوة؟
- ستضع مولودها كما نفعل نحن، لندعها تعتمد على مساعدتنا لها، دعوها تلد طفلتها في أمان وسلام.
- وإن سرقت شيئًا لي في الغد هل ستعوِّضني؟
- سأذهب للعمل غدًا فهل ستمكث في البيت وتحرس بيتي؟
- أيّ رجل هو السيد "قوان"، ما زال يسمح لها بالبقاء، ما الفائدة؟
- يا إلهي لماذا نمنحها فرصة الاستمرار في السرقة؟
يحترق "خان" بالخجل، يستطيع أن يبقيها بضعة أيام أخرى لكنه لا يتحمَّل حديث النساء المتواصل عن زوجته، قرَّر أن يأخذ زوجته في منتصف الأسبوع للقرية لتضع حملها هناك، بعد ذلك ببضعة أيام صرخت النساء بصوت واحد عندما اكتشفن أنَّ الريح قد حملت قطعة القماش السوداء بعيدًا، حيث حقل البطاطا الحلوة! أحد الذين ذهبوا لاقتلاع المحصول هو مَن اكتشف ذلك.
ما زالت النسوة يتذكّرن جيدًا ذاك الصباح البارد و"ثْوان" تلحق بزوجها لمحطة الحافلات، تحمل حقيبة يدويّة نباتيّة وقبّعة مخروطية تضعها على بطنها المنتفخ، جاءت لتودِّع كل بيت بذلك النَّفَس الودّي الإنساني البسيط، كل النساء أمسكن بيديها يسألنها البقاء قائلات:
- سنفتقدكِ جميعًا، غيابكِ سيجعل المكان خاليًا وسنفتقد المتعة التي كانت تظلِّلنا بوجودك.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
(*) المؤلف Nguyễn Minh Châu "نغوين منه تشاو" وُلد في العام 1930 وتوفي في العام 1989، من مواطني قرية فان التايلاندية، يحمل شهادة الهندسة، كتب القصة والمسرحية.
• المصدر
http: // vietnamwebsite.com / story / index.htm