قبل الأربعين

قصة: ممدوح عبد الستار

قاص مصري

mamdohabdelsattar@gmail. com

 

 

هذه الزوجة عقيم، لا ولد لها، ولا بنت. وأقارب الزوجة مثلنا بأيدٍ وأرجُل وعيون، إلا ‏أنهم ذو صيت وسُمعة. لم يطلِّقها زوجها حتى الآن.. ربّما لهذا السبب. واحد دركي ‏طوّاف ببندقية محشوة بنشارة خشب، وواحد تحت أمر حصان وكلب وبنت المأمور، ‏ومسئول عن مربض الخيل، وواحد بثلاث شرائط على ذراعه اليسرى بنقطة بوليس ‏الدلجمون، وآخر بشعبة الضبط بالمديرية، وواحد بالدفاع المدني وإطفاء الحريق، ‏ومُحضر –خير- بمحكمة كفر الزيات، وكبيرهم -الذي علَّمهم السحر- الآخذ بالسباب: ‏وكيل محام نصف عمر. هؤلاء أقارب الزَّوجة من ناحية الأب، أمّا من ناحية الأم ‏فواحد أو أكثر بالأمن المركزي، وواحد وأكثر بحرس الحدود. ‏

‏"لا يفوت يوم واحد إلا وواحد من أقارب الزوجة يقعد على رأسي. يسألني عن حالها، ‏ويدسّ في فمه طعامي، ويمضى مطمئنًّا على زوجتي العزيزة الغالية، وواحد يلبس ‏‏"هدومى" ويمضى بابتسامة عريضة تكسوني. بحثتُ عن لساني الطويل.. كان أمانة ‏عند كبيرهم. حينئذ، كنتُ أنفِّذ أيّ أمر دون اعتراض. لمَ لا يملكون أيضًا هذه الزوجة ‏التي تحاصرني بهؤلاء دومًا؟!".‏

‏ "أتمنى هلالًا يزيل ستارة العقم من امرأتي، ويضيء وجهي". ‏

‏ الآن يسيل من الزوجة ومن بين وركيها الدم بطيئًا بغير انقطاع. ‏

‏ "آه.. انقطاع الدم معناه الولد". ‏

حاولتْ القابلة أن توقف النزيف بالبنّ المحروق، أو تراب الفرن. قالت النسوة لزوجها ‏همسًا في أذنه:‏

‏ - انقطاع الدم بالولوج حول المقابر. تتخطّى جمجمة صغير سبعًا من المرات. يقودها ‏أعمى، وتكون هي كذلك معصوبة العينين. ‏

فَرَدَ الزوج جناحيه بالهمّة، وحملها، وكان يسرع ليطير، وليقف ينقر عتبة شباك ‏دكتور البندر، أو بابه.. الذي يبعد عن بلدتنا بحوالي سبعة أيام عمل متواصلة في حقل ‏وسية البلكوسى. كان أجيرًا باليوميّة، وتنتهي يوميّته عند حدود خمسة قروش لا تزيد.. ‏بل تنقص. توقف النزيف؛ ففرح. ها هو الولد يعلن عنه نفسه. توقف عند نهاية ‏الشارع، وهو يلهث، وتوقّف النّبض، فشيّعها أهلها -على مضض- إلى بيتها الآخر: ‏‏"يرحمك الله"، وكانت بطنها قد انتفختْ، وصارت ظاهرة لعين الناس.. كل الناس. ‏

‏***‏

‏ دائرة داخل دائرة. ‏

هي –الزوجة- بقبو قبرِها، وأنا في قبو بطنِها المنفوخة. ضقتُ ذرعًا بقبوي الذي ‏ضاق حتمًا عليّ. ‏

وسَّعتُ طريق خروجي. البكاء للضعفاء، لم تبكِ ولا أنا. لا ألم بعد ما تدلّتْ كل ‏أعضائي، لم يأخذ بيدي أحد، فأنا قادر على رغبتي. ها أنا مبعوث الموت إلى أرض ‏القبر المترامية الأطراف. من رفات الموت، بُعثتُ. لحسَتْ الديدان والهوام والسحالي ‏أرض جسدي. مَن يفصل الآن بين حيّ وميت، وينزع الحبل السُرّي؟! قضم فأر حبلى ‏السُرّي، وكانت أعضاؤها قد تحلّلتْ ما عدا الثديين. ‏

‏ في اليوم الأول

‏ عرفتُ الثدي، وكان ينزّ، فشربتُ حتى الثمالة، ونمتُ. ‏

‏ في اليوم الثاني

‏ لقمت أذني باب القبر، فسمعتُ خفق النعال لنسوة، أو رجال بمقابر مجاورة. ‏

‏ في اليوم الثالث

‏ دثرتُ عورتي، وجسدي بكفنها الموجود أمامي. ‏

‏ في اليوم الرابع

‏ أمسكتُ عظمة مفصلها الأيمن، وزرعتُ باب القبر بأمنية الخروج. ‏

‏ في اليوم الخامس

‏ حصدتُ وجعًا لسواعدي التي مالتْ لحفر سرداب للخروج. ‏

‏ في اليوم السادس

‏ غلبتني عيناي، فتأوّهتُ، ونمتُ حتى اليوم السابع. ‏

‏ في اليوم السابع

هذا يوم "سبوعى". لا أنوار. ولا زغاريد، ولا تفريق للكرامة أو البسكويت أو الفيشار، ‏ولا عقيقة يلتم حولها الأصدقاء والفقراء. بعض الهوام والديدان والسحالي وقنفذ ‏وفأرتان يقطعون وجلي وحسرتي بأصواتهم، ويقفزون على جسدي؛ فأحسُّ أنَّ الدنيا -‏دنيا القبر- ما زالت بخير. ‏

امتلأتْ أرض القبر بأناس لا أعرف لهم لون أو هيئة. غير أنَّ بأيديهم مقاطع من ‏حديد، وسلاسل من حديد، وصوت من حديد. عميان مثلي.. ما دمتُ لم أبلغ الأربعين ‏يومًا بعد. وعيناي حتى الآن لم تريا غير بقعة القبر هذه. لقموا جسدي -وأنا فوق الثدي ‏أحتمي به- إلى المقامع، ورأسي تنطح قبو القبر. رئيسهم قال:‏

‏ - لا تجرحوا جسد الميت.‏

‏ قالوا جميعًا فرحين:‏

‏ - هذا يوم الجسد يا رئيس، فدعنا نلهو به، ونستغفر من حملنا، ومقامعنا التي صدأتْ.‏

أنزلوني، وارتختْ مقامعهم بجوارهم، وهم باسمون. هؤلاء الناس أهلي ما لم أجد ‏غيرهم، ولم أعلم بعد هيئتهم. رئيسهم قال:‏

‏ - هيا نقضى حاجتنا.‏

تحوّل واحد إلى "طستْ"، وملأ الـ"طستْ" بتراب القبر، وأذاعوا فيما بينهم دعاء ‏يعرفونه عن ظهر قلب. أنا الآن وليمة كبرى. أمسكوا بي برفق. شقّوا الصدر، ‏ووضعوا بداخله بعض المقامع والسلاسل، أو صورًا لها بأشكال متعددة، ونقروا ‏بالإزميل (يا بيت الجنّة والنار) بطني ملتصقة بظهر الأرض، ووجهي يقبّل وجه ‏الأرض، ولساني زلفى لتراب القبر، رأسي بين أيديهم، وقد انشقّ نصفين، وتعوذوا ‏بأشياء عديدة، وبصور عديدة، وقد رفع أحدهم صوته، وهو يقرأ التعويذة الأخيرة:‏

‏ - إذا متَّ اليوم؛ سيتجنّبك الموت -مرغمًا- غدًا.‏

‏ وقال آخر:‏

‏ - اطلب الموت؛ تجد الحياة.‏

وكانوا يحفرون بالإزميل في مؤخرة رأسي (إذا عشتَ على يقين؛ فمقعدك من النار)، ‏ويحفرون بالإزميل في مقدمة رأسي (إذا عشتَ على شكّ، فمقعدك من الجنّة)، وقد ‏رفع رئيسهم مقمعته قائلًا:‏

‏ - قد تمّتْ الوليمة، و"سبوع" المولود. ‏

‏ قالوا جميعًا للرئيس:‏

‏ - نسينا أنْ نسمّيه.‏

‏ قال:‏

‏ - يسمّيه الناس خارج هذا القبر. ‏

‏***‏

قضيتُ يومي السابع -وكان مشهودًا- في مرح.. حتى اختفتْ الحركة، وانتهتْ إلى ‏صمت وظلام، وجدران محكمة عليّ. أزحف إلى القبر مرّة، وإلى ثدي أمي مرّة. ‏أطبق القبر على دماغي وصدري. أنا الآن مشطور الرأس. لو يتحلل هذا الثدي هو ‏الآخر. كم كان احتفالًا بهيجًا. لم هذا الاحتفال؟! لو أرى أحدًا غيري، لفهمتُ نفسي. ‏متوحِّد مع أرض القبر وهذا الثدي. فلتكن الروح محبوسة كما الجسد، قد قضيتُ أجلي، ‏وعشتُ سبعة أيام. غدًا فرصتي الوحيدة والأخيرة؛ لأجرِّب قبرًا آخر، وظلمة أخرى. ‏

تدبُّ الأرجل دبًّا خفيفًا غير متواصل. قبري هو المنطقة الحيّة الوحيدة بهذا العالم، ما ‏الذي يشغلهم عنّي؟

يا هذا الرجل الذي لم يقرأ الفاتحة على روح زوجته ولو مرة واحدة. قد فرحت حين ‏دسستها لحضن زوجها الأبدي. ‏

أرجوك.. لا تفقد نفسك بحضن امرأة، إذا فقدتَها كنتَ عبدًا. تعس عبد المرأة يا هذا ‏الرجل. تشاغل عنها بأشياء أخرى.. كأقارب زوجتك الماضية، تكُن سيِّد نفسك، وهي ‏‏-أية امرأة- جاريتك. ‏

كان منذ أن دسَّ زوجته لحضن القبر، قد عزم على عدة أشياء:‏

الجمعة

‏ جمع أبعاضه، وقضى ليلته على أريكة الانتظار، وترقَّب المصائـب من أقارب ‏الزوجة.‏

السبت

‏ سبت نورك يا هذا الرجل. شدَّ راحلته، ورحلته مضنية، أقسى من رحلة الشتاء ‏والصيف. هاجَرَ -وهجرته إلى ما هاجر إليه- بعدما اطمأنَّ على نفسه قليلًا، وكان قد ‏سمع: (خير أمتي في المدن. لا تشدّوا الرحال إلّا..)، آه يا هذا الرجل من الطواف ‏حول قاهرة المُعزّ. ‏

الأحد

حدّ الغربة، علّم قدميكَ معنى السّعي. ‏

ورمتْ قدماه، وهو يمسك مجمرته، يدخل جوف المحلات، يصعد البخّور، فيعطس ‏المكان، ويخرج النّحس. لكنه أخيرًا، قد استقرّ في تشحيم أبواب المحلات. ‏

الاثنين

تثنَّيتَ يا هذا الرجل، بنات مصر يسرقن الكحل من العين. أعجبته واحدة من بنات ‏مصر، فعقد قرانها، وحين دخل عليها -بقدرة قادر- كانت قد تبدَّلتْ بواحدة مفقوءة ‏العين. ‏

الثلاثاء.. يومه الخامس

لا يسلم الشرف الرّفيع من الأذى. ‏

عاد إلينا، وقد شاع خبر زوجته العوراء. أراد أن يردَّ الصّاع لبنات مصر، فاختارتْ ‏له أخواته البنات -إلا الصغرى- واحدة اسمها خديجة، ونظير هذا أخذن من أم ‏العروس: كيلتين قمح، وبرنية سمنة بلدي، وأردب ذرة، وجلباب كستور، وجنيهًا أحمر ‏صحيحًا.. غير منقوص. ‏

الأربعاء.. يومه السادس

يا هذا الرجل، اضرب أخماسًا في أسداس. ‏

لا تتعجب. عصابة العينين أمر بيدنا الرحيمة، فاقنع بالناتج.. القسمة. ‏

يستعدّ لليل كله أنس. شرب وحده، وأوقدتْ خديجة –الهبلة- الكانون. أمامها رطلان ‏من اللحم، ورطلان من الفشّة، وقد اختارت سلق الفشّة. رأتْ الفشّة تخسّ؛ فانزعجتْ، ‏وابنتها المولودة تبكى، والكلاب تنبح. فتحتْ الباب، ورمتها، وكانت تنادي الكلاب ‏لتأكل ابنتها. قام من فوره، وراح للأخت الصغرى "الحقي بنت أخيك قبل أن تأكلها ‏الكلاب". ‏

الخميس.. يومه السابع

طلّق الزوجتين، واستراح بقيّة يومه في مرح، يشرب. ‏

‏***‏

واحد من أقارب الزوجة اسمه "عامر"، قد مات –عفوًا- على وسادته. وأقارب ‏الزوجة -لهم الرحمات- ارتدوا ملابسهم الرسمية. تتزيَّن بلدتنا الآن بهذه الملابس ‏الجميلة. تطوَّع اثنان من العامة، وحملا زوجًا من الجياد.. بل أربعة. يا لها من فكرة ‏جميلة!‏

ما زال الرجلان يحملان خشبة النعش. وبَّخ أقارب الزوجة الرجلين على تعطيل ‏المسيرة بهذه الخشبة المستطيلة القذرة. ما كان من الرجلين إلا أن ركضا بعيدًا، طوّق ‏الناس رقاب الجياد بالفُلّ والياسمين، ورفعوا صورة "عامر" الميت عاليًا. أقفلتْ ‏الورشات والمحلات أبوابها. اصطفَّ التلاميذ من جميع المراحل على جانبي الطريق، ‏يرتّلون بعض الأناشيد التي تصلح لجميع المناسبات. يبلّون مناديلهم بالمخاط. يضربون ‏بعضهم بعضًا، فيبكون على "عامر". وكلاء النظّار، والمدرسون سينخرطون خلف ‏العربة التي تجرّها الجياد. "عماد المصوّراتي" يحمل كاميرا الفيديو، وصبيّه "جابر" ‏أو "محمود" يحمل حامل الإضاءة. يبتسم بحزن، ويلتقط صور الحزن. سائق الجياد ‏يلكزها ببنصره، فيسمع الناس صهيل الجياد، وبكاء كأنه بكاء الملائكة. وكأنها هي ‏الأخرى تشارك في الحزن، وترفع رأسها للسماء. ترتل التكبيرة والصمدية بنغمة ‏حزينة، وترتفع رويدًا.. رويدًا. ‏

يا هذا الرجل الذي لم يخرج للجنازة، اكتفيتَ بالفُرجة، وقد أصابكَ بعض الأسى. له ‏الرّحمة، ولنا عطلة اليوم الحزين، وبلدتنا تُجيب دعوة الدّاعي، وأقارب الميت لهم ‏الصّيت والسمعة. ‏

يا "عامر"، يا ميت.. شاركتَ في عربة "كارو" بحصانين، وبعتَ الحصانين والعربة ‏وصاحبي العربة، وقرط زوجتك وخلخالها، وشاركتَ في عربة نقل ماركة "فورد". ‏قضى شريككَ نحبه، فضمنتَ العربة، ووسّعتَ نشاطك -فأقاربك لهم الصيت ‏والسمعة- حتى كنتَ المسؤول الوحيد عن النقل لعدّة شركات قبل أن تشتريها، وكنتَ ‏لا تلخبط في "الكيف".. صنف أو صنفان لا أكثر، ودائمًا تضع الأفيون، وعرق ‏الشغالة تحت لسانك. ‏

ابن "عامر الميت" رأى شيخًا قد أضناه التعبُّد والحزن، يبكى بحرقة، وزبيبة الصلاة ‏في محيّاه واضحة. قال للشيخ:‏

‏ - صليتَ كثيرًا؟!‏

‏ - طوال عمري.‏

‏ - لا يشغلنّك عيالكَ وطعامكَ وملبسك، وكل ما يحتاجه البدن والزوجة والولد، بشرط ‏أنْ تقعدَ بالجامع لحساب الميت. إذا جاء الصبح صلِّ لكَ، ثم للميت. بل أفضل أن ‏تصلي للميت فقط، فعندكَ من الحسنات الكثير يا شيخنا. ‏

ارتفع صوت المشادة على صوت مسيرة النعش. وكان ابن عامر الميت قد هدّد الشيخ، ‏لولا أصحاب الخبرة والمحنكين؛ لانقلبت الجنازة إلى نصفين: مؤيِّد، ومعارض. ‏

‏"هذا شَرعَه يا ابن عامر، و لكَ شَرعَك".‏

على لسان بلدتنا ذكر مَن غابوا. تزلّفوا للمقابر بالدعاء، حتى تتّسع القبور بأصحابها. ‏قال أقارب الزوجة لبعضهم بعضًا لمّا رأوا قبرها: "لن نفتح قبر قريبتنا الآن"، ‏ومَروّا، وابتعدوا قليلًا، ودفنوا الميت. ‏

لمّا سمعتُ خفق النعال؛ تركتُ ثدي أمي، وزرعتُ باب القبر بأمنية الخروج، ومسكتُ ‏عظمة المفصل الأيمن، وتأوّهتُ عاليًا، وبكيتُ. يا يومي الثامن كُن لي. وضع كلُّ مَن ‏حضروا آذانهم على القبر، وامتلأتْ بأنيني وبكائي. أمروا بفتح القبر على رأس شهود ‏الأعيان من أهل قريتي. قريتي كلها حاضرة. أرسلوا في أثر زوج الزوجة، فأتى ‏مكبّلًا ليشهد هو الآخر. أبلغوا الشرطة، وأقسموا على خراب بيت زوج الزوجة. ‏يشكّون فيه، ويظنون به الظنون. هو الذي هاجر إلى مصر بعد اليوم الأوّل من دفن ‏زوجته. ربّما يكون قد قتلها. وأقسم هو –الزوج- أنَّ ليس له يد في موتها. ‏

نور "الكلوبات"، والكشّافات الأميرية، يرتكز على باب القبر. ‏

ما إن فتحوا القبر حتى ابتعدوا. لا قدرة لكم على هذا القبر. انتشرتْ رائحة العفن، ‏وانطلق الدود يزحف على الأجساد. هو اللحم نفسه يا دود. قالوا في نَفَسٍ واحد: ‏‏"سبحان الله"، والتصقتُ بثدي أمي، وبكيتُ كثيرًا. فصلوا كل الأعضاء عنى.. إلا ‏الثدي المربوط بفمي. من أين يأتي اللبن؟! حاولتُ أن أرى بعيني هذا النور. النور ‏كالظلمة. ‏

رويدًا.. رويدًا سحبوني إلى خارج القبر، وأنا أحسُّ بالوجل. أعطوني لأبي الذي ليس ‏له زوجة، وأطلق الناس -من أهلي- علىّ: "ابن الميتة". ‏

‏***‏

‏ في يومي الثامن هذا، رأيتُ العسكر. ما أجملهم! كانوا واقفين كتماثيل الرخام. هذا ‏أول رؤيتي خارج القبر. تحققتُ منهم جميعًا، وأطبقتُ جفني على صورتهم حتى اليوم ‏الأربعين(*). ‏

‏______________________‏

‏ * قالت لي أمي: "حين يولد الطفل لا يرى، ولا يتحقق من أيّ صورة، إلا بعد اليوم ‏الأربعين من ولادته". ‏