د. أمين خالد دراوشة
كاتب وباحث فلسطيني
يتابع الكاتبُ محمود شقير بثقة السير في مشروعه الأدبي المتخم بالمؤلفات، فهو بدأ ككاتب قصة قصيرة، وأبدع في كتابتها، ويُعدُّ من الكتّاب الذين رسّخوا هذا الفن، كما أسهم بمجموعاته القصصية القصيرة جداً في تثبيت هذا النوع الأدبي الجديد في فلسطين والعالم العربي. وفي مشروعه المدروس لم ينس شقير الأطفال، فخصّهم بمجموعة قصص وروايات ومسرحيات حقّقت نجاحاتٍ يُحسب لها.
ولأنَّ شقير هو ابن القدس، ولأنَّ فلسطين همّه الأول، فإنَّه قفز قفزة نوعيّة في ولوجه عالم الرواية، ليعبر عن سيرة شعب وقع ضحية مؤامرات دولية، شعب لم يستكن، وقاوم وما زال يقاوم.
ولأنَّ شقير مجددٌ ويبحث عن الجديد دائماً، فإنَّه أنتج كتابين مهمين هما "القدس وحدها هناك". (بيروت: مؤسسة نوفل. ط1. 2010م). و"مدينة الخسارات والرغبة" (بيروت: مؤسسة نوفل. ط1. 2011م). وتجاوز فيهما الشكل القصصي في مجموعاته السابقة.
في مجموعته "القدس وحدها هناك" لم يشر شقير إلى جنسها الأدبي، ولكنَّها قصص قصيرة وقصيرة جداً، إذ يتراوح طول القصص بين صفحة ونصف، وبضعة سطور، ثم سيكتشف القارئ أنَّه يقرأ رواية متكاملة من خلال هذه القصص التي لها عناوين منفردة، ويمكن قراءتها منفصلة، فالأماكن متشابهة، والشخصيات نفسها في كل القصص، والأحداث متماسكة، ومبنية بشكل درامي بحيث تتصاعد الأحداث وتتشابك، وتنحل العقد بطريقة سلسة ومنسابة. ويقول شقير إنَّه لم يشر عن قصد إلى جنس الكتاب، ليترك للنقاد أن يقوموا بتجنيسه على النحو الذي يرونه مناسباً.
وبعيداً عن أيّ تجنيس، فإنَّ الكتاب يتضمن 156 وحدة كتابية، تدور جميعها في أجواء مدينة القدس المقدسة.
هذه المجموعة التي حاول فيها شقير الانتقال من الشكل القصصي المعروف إلى بناء سردي قصصي جديد، يعمل على مبدأ بناء "كتاب قصصي" يتضمنُ نظاماً واحداً، "ويتكون من قصص قصيرة جداً أو وحدات سردية صغيرة، تنظم بطريقة قصدية وبروابط صريحة وضمنية لتؤدي معنى كليّاً، مع احتفاظ الوحدة الصغرى بالاكتمال والاستقلال رغم ارتباطها بغيرها". (محمد عبيد الله. "تحولات القصة القصيرة في تجربة محمود شقير". عمان: دار أزمنة للنشر والتوزيع. ط1. 2014م. ص173)
ويرى بعض النقاد كسامي مسلم وحسن خضر أنَّ هذه المجموعة تقترب من شكل الرواية، غير أنَّ الناقد د. محمد عبيد الله يرى أنَّها نوعٌ يسمّى المتوالية القصصية، "وهو نوع بيني ينشأ من تطوير القصة القصيرة وتحويلها إلى سلاسل وحلقات ودوائر متداخلة، -ويختلف في رأينا-اختلافاً واضحاً عن طبيعة الرواية وخصائصها الداخلية الفارقة". (محمد عبيد الله. مرجع سابق. ص173)
ويرى "روبرت لوشر" أنَّ متوالية القصة القصيرة تختلف عن الرواية، وأنَّها تهجينات متميزة، تجمع بين متعتين من متع القراءة: "الإطار المغلق للقصص المفردة، واكتشاف الاستراتيجيات الأوسع الموحّدة التي تتخطّى الثغرات الواقعة ما بين القصص. إنَّ متوالية القصة القصيرة، وهي تنبني في غياب الهيكل السردي الصلب للرواية تعتمد على تنوع الاستراتيجيات النصية لكي تصل إلى الوحدة والتماسك". (محمد عبيد الله. مرجع سابق. ص 175) فهي تلجأ إلى استعمال تقنيات بسيطة كالعناوين، والقول المأثور...وإلى أدوات عضوية كالرواة المشتركين، والشخصيات المشتركة، والأحداث المشتركة... ويضيف "لوشر" بأنَّه "يمكن للإطارات البنائية المتضمنة للتضاد أو التجاور أو التوالي الذي يفتقد للزمانية، كل هذا يمكن أن يجمع القصص مع بعضها بعضاً" (المرجع السابق نفسه. ص175).
شخصيات مضطربة، تسرق اللذة من عتمة الليل
يتناول شقير حياة عائلة فلسطينية تسكن القدس القديمة، منزلهم المتواضع محاط بالمستوطنين الذين استولوا على البيوت المجاورة، ويحاولون بشتى الطرق الاستيلاء على بيت عبد الرازق وخديجة. وكأيّ عائلة فلسطينية شردها الاحتلال، وقلب حياتها رأساً على عقب، نجد هذه الأسرة الصغيرة، المكوّنة من الزوج والزوجة وابنتين وابنين، تبذل جهدها للعيش مثلما يعيش بقية الناس في أي مكان من العالم.
الابن الأكبر مروان ونتيجة الضغوط التي كان يرزح تحتها غادر البلاد إلى أوروبا بحثاً عن الأمان والطمأنينة. والابن الأصغر قضى بعض الوقت في سجون الاحتلال، وحتى بعد أن ملّ من الدنيا وزهد فيها بقي الاحتلال يطارده.
أمَّا الابنتان رباب وأسمهان فهما تشعّان براءة وجمالاً، وتجدان طريقهما إلى المتعة رغم منغصات الاحتلال.
الأم ربة بيت لا تخرج من بيتها، وقد عانت الكثير في حياتها قبل الزواج، والأب صاحب حانوت يبيع السمك.
ويظهر في القصص شخصية "غزال الذرة" الفلسطينية الانتهازية الضعيفة، والخاضعة لأجهزة المخابرات الإسرائيلية، ودائماً كانت رائحتها تزكم الأنوف.
ومن الشخصيات الرئيسة التي تتكرر في القصص شخصية الفتاة الفرنسية "سوزان" التي تترك مرسيليا لتسكن في غرفة في القدس القديمة عند عائلة عبد الرازق، هرباً من مشاكلها، وعائلتها المفكّكة والمتشظيّة. ويبدو هنا وكأنَّ الكاتب يصوّر شخصيتها كنموذج متناقض مع وضع مروان الذي يهاجر إلى أوروبا بحثاً عن السكون، بينما هي تترك أوروبا لتعيش في القدس حتى الممات، غير أنَّ الاحتلال يقرّر في النهاية طردها وترحيلها لأنَّه لا يطيق رؤية الفلسطينيين في وفاق مع العالم.
الآخر ظهر أيضاً عبر مدير شرطة الاحتلال في القدس "يورام" والذي اتّصف بالشدة والعنف، وعاني من اضطرابات كثيرة، وكانت خيّالة صلاح الدين الأيوبي تلاحقه أينما يذهب، وفي النهاية ورغم القتل والاعتقالات وهدم البيوت ومصادرتها من أجل السيطرة الكاملة على القدس، لا يرى "يورام" إلا مدينة "تتطاول نحو السماء"، ولا يغيب عن باله وهو القارئ الجيد للتاريخ أنَّ المدينة "دمّرت سبع عشرة مرة، ثم أعيد بناؤها للمرّة الثامنة عشرة". (ص170) وها هي تنهض من جديد، وتصعد بإيمان صوب السماء، فالقدس باقية شامخة رغم جيوش المحتلين عبر التاريخ، وهذا ما فهمه "يورام"، الذي بدأ يحسُّ بضعفه واهتزازه أمام أسوارها القديمة. وهذا الأمر أثّر فيه نفسيّاً، فقد قيل إنَّ علاقته بزوجته كانت سيئة في الآونة الأخيرة. ومع تصاعد يأسه من السيطرة على المدينة، أُصيب بالإحباط فاستلَّ مسدسه "وأطلق النار على نفسه. اكتفى برصاصة واحدة سقط بعدها على الرصيف، والمدينة واصلت حياتها ولم تطلق على نفسها الرصاص". (ص171) فوفق رؤية القصص للصراع العربي-الإسرائيلي، فإنَّ القدس رغم الألم والمعاناة سوف تنتصر وتهزم أعداءها.
ومن شخصيات الآخر العدو أيضاً: المستوطنون والمتدينون اليهود، الذين يسكنون بيوت الفلسطينيين بعد مصادرتها والاستيلاء عليها، وقد ظهروا كمحتلين قساة يقتلون ويطلقون النار على بيوت الفلسطينيين في محاولة لإرعابهم وإجبارهم على مغادرة القدس، ومظهرهم يثير السخرية بلحاهم الطويلة جدّاً لدرجة الانشغال بها "قال عبد الرزّاق: لو أنَّه اكتفى بالانشغال بلحيته لما كان لنا أيّ اعتراض. لو أنّ هذه هي مشكلته الوحيدة لقدّمنا له بعض الاقتراحات. لو أنّه لم يقتل واحداً من شباب الحيّ حينما توهّم أنّ الشابّ يضمر له شرّا، لقلنا لحيته وهو حرّ في علاقته بها...هناك...يأخذها معه في نزهة على شاطئ البحر، يحاورها، يصغي إليها، لا يلبّي لها طلباً، يعرّضها للهوان، يعرضها للبيع بأبخس الأثمان، يفعل بها ما يشاء، مثلاً: يشعل فيها النيران". (ص22)
كما ظهرت شخصيات دينية وتاريخية عدة في القصص، كالمسيح، وصلاح الدين، وملك الكنعانيين، وقادة وفرسان الحروب الصليبية...
المكان "القدس" في حضور طاغ
سنتناول النصَّ وكأنَّه قصص قصيرة جداً لا رواية يربطها المكان والأحداث والشخصيات.
تمتاز القصص بلغتها الشعرية الرقيقة، ومن خلال التقنية المستخدمة في رواية القصص استطاع الكاتب إظهار شخصياتها وتبيان أوصافها وأحلامها، وإن كان الزمن في بعض القصص واضحاً، إلا أنَّه في المجمل كان زمناً طويلاً يستغرق آلاف السنوات.
ومحمود شقير ولأنَّه كاتبٌ محترفٌ، فإنَّه "يستعيض عن السرد باللمسات الشعرية، مع حدث ناعم، رشيق، هو ما يجعل هذه القصص القصيرة جداً مستساغة، ومرحّبا بها". (رشاد أبو شاور. "قراءات في الأدب الفلسطيني". عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع. ط1. 2007م. ص57)
إنَّ الزمن والمكان والمشاعر الإنسانية الحميمة أبطال القصص. شقير كاتب مهتم بالإنسانية، والإنسان وأحزانه وأوجاعه، وغربته واغترابه، وأحلامه وآماله، وهو يعبر عن هذا في كل مؤلفاته المتنوعة.
تناول الكاتب في عديد القصص المستوطنين وأفعالهم الهمجية والعنيفة ضد الفلسطينيين لإرهابهم، وتحويل حياتهم إلى جحيم ليتركوا المدينة المقدسة، يقول في قصة "لحى طويلة":
"يظهرون في الشرفة كلّ صباح. إنّهم خمسة ولهم لحى طويلة. يظهر معهم في بعض الأحيان ملتحون آخرون ونساء. ينظرون نحو البيوت المجاورة بعيون لا تبشّر باطمئنان. وفي الليل يعربدون ويطلقون رصاصاً في الفضاء. وحول البيت الذي استولوا عليه شبك من أسلاك، وأضواء كاشفة. سوزان يزعجها استمرار الضجيج وإطلاق الرصاص، وما يعقب ذلك من عربدة وهياج. خديجة تطلّ من شبّاك غرفتها وترفع صوتها في احتجاج. وعبد الرزّاق يرجوها أن تخفض صوتها. يقول لها: لا تفضحينا يا بنت الناس.
يهدأ الحيّ بعد منتصف الليل، وينام الجميع ما عدا واحداً من ذوي اللحى الطويلة، يضع لحيته تحت الغطاء فلا يعجبه الحال، يضعها فوق الغطاء، فلا يعجبه الحال، يظلّ منشغلا بلحيته حتّى الصباح". (ص21)
ويسخر الكاتب من هذه اللحى التي لا تدلُّ على تدين، وإنَّما على قلوب قاسية لا تعرف الرحمة.
ولأنَّ المدينة المقدسة تتعرض للتدنيس فهي ولا شك تحتاج المطر السماوي ليغسل أوجاعها، ولينظف حجارتها القديمة التي تدل على عراقة المدينة، وتاريخها الذي يحاول المستوطنون طمسه وتزويره.
يقول في قصة "اغتسال":
"مطر خفيف على المدينة. يغسل أزقّتها وأسواقها وأسطح البيوت. يشطف حجارتها القديمة ورخامها الأليف، يعابث حبال الغسيل، ويلامس زجاج النوافذ.
سوزان تقف عند نافذة غرفتها، ترى المدينة وهي تغتسل دون ارتباك، تتذكّر مطراً آخر في مدينة أخرى، وتجيش نفسها بمشاعر غامضة. تخامرها رغبة في الاغتسال، تمضي إلى الحمّام المشترك بينها وبين الجيران. هناك، تقضي نصف ساعة وهي مع الماء في حالة اشتباك". (ص33)
كما يشير المطر إلى ولادة جديدة، التي تحتاج إلى المسيح ليهب روحه وجسده من أجل أن تحيا وتنهض المدينة التي غاب عنها السلام، فيقول في قصة "صعود":
"وأنا أمشي في الدرب الصاعد نحو باب الأسباط، رأيته يصعد حاملاً صليبه على كتفيه، نحو المدينة التي لن تنساه. يتوقّف كلّما أضناه التعب، ثم يمضي متقدّما نحو مصيره المحتوم. من حوله فقراء طيّبون، يتلفّعون بالصمت وبالأحزان، وحول المكان جيش مستبدّ يحرس المشهد ويذهب به إلى منتهاه.
يقطع الدرب المتعرّج وصليبه على كتفيه. على أطراف المشهد: أمّ حزينة، والمدينة غافلة عن المأساة التي تدبّر في إحدى ساحاتها، وهو يواجه مصيره دون أن يعتب على المدينة. والمدينة لا تنتبه لغزارة الدم الذي سال.
بعد ذلك تصحو من غفلتها، كما لو أنّها هزّها زلزال". (ص49)
فالمدينة التي لم تعرف ما كان يدبر لها من الأعداء، بحاجة لزلزال كصلب المسيح لتستنفر قواها وتقاوم.
إنَّ الفلسطيني في قصص شقير لا يكبر بشكل طبيعي ويعيش كما يعيش الآخرون، ولكن الوطن يكبر معه و"في ذاكرته، في وعيه، مع نمّو بدنه، في يفاعته، وشبابه، وكهولته، وهو يورث (كّل) هذا الوطن لأبنائه وأحفاده، وهكذا تتواصل الأجيال الفلسطينيّة جيلاً بعد جيل". (رشاد أبو شاور. مرجع سابق. ص102)
إنَّ "القدس وحدها هناك" كتاب مليء بالأماكن وتفاصيلها الدقيقة التي ترتبط ارتباطاً لا فكاك منه، إنَّ الكتابة عن القدس بهذا التعبير البليغ والفعّال والمؤثر من قبل شقير جعل من المدينة كائناً حيّاً، قلبها ينبض، وروحها لا تحدّها الأسوار والجدر، وما كان للشخصيات أن تكتمل لولا هذه الأماكن الحميمية في حياتهم، فهي ترتبط بأهلها تتألم كما يتألمون، وتفرح كلما لاح ضوء الشمس في طريق أحد سكانها الفلسطينيين.
يحاول شقير في قصصه تثبيت الأسماء العربية للحواري والشوارع والساحات والأسواق والخانات...، لذا هو لا يمل من تكرارها في محاولة لمقاومة التهويد الممنهج للأماكن فيها بغية إضفاء الطابع اليهودي عليها. فيقول في قصة "ابتلاع المكان":
"ونحن في السرير، سألتها: قلتِ: الكنبة تبتلع المكان؟ قالت: نعم قلت. أدركت أنّها غير راغبة في الكلام ربما لسبب ما.
بعد نصف ساعة، بدت كأنّها استعادت رغبتها في الكلام. قالت: لو اقتصر الأمر على ابتلاع الكنبة للمكان لهان الأمر. قلت: أعرف ما تقصدينه. إنّهم يبتعلون المدينة..." (ص 156)
ففي قصة "كنبة" التي تسبق هذه القصة، يشترى الراوي كنبة، وهو يعرف أنَّ زوجته رباب سترفضها، وتقول: "...ليت هذا الحمّال الذي جاء بالكنبة هرب بها ولم أرها هنا تبتلع المكان". (ص 154)
إنَّ الكاتب يحاول في متواليته القصصية الربط بين الوحدات التي تظهر مستقلة بذاتها، ويمكن قراءتها منفردة. وإذا كانت مدينة القدس كمكان وحيد أسهم في الربط والوصل المتين بين القصص، إلا أنَّ شقير سعى إلى مزيد من الربط والوصل "عبر حرصه على الربط بين الشخصيات، وتقديم حكاياتها ووحداتها المترابطة التي تمثّل أجزاءً من حكاية ممتدة هي حكاية القدس نفسها في حراكها الاجتماعي والإنساني، وفي مواجهتها الراهنة والقديمة مع الغزاة والمحتلين". (محمد عبيد الله. مرجع سابق. ص 210)
وسعى شقير بقوّةٍ إلى خلق صور تفصيلية من الربط ليزيد القصص اتصالاً. ومن صور الربط ما يدخل في رنين الكلمات أو صداها، كما يقول عبيد الله، فالكلمات المقصودة تبقى ترن في الذاكرة. وهذا ما نجح فيه شقير في القصتين السابقتين، حيث ترن الجملة في قصة "كنبة" وفي قصة "ابتلاع المكان" مع إعطائها دلالات جديدة، وإن ظهرت القصة الثانية كاستئناف للقصة الأولى إلا أنَّها لا تكررها بطريقة ممجوجة، بل تهب النص معنى جديداً لم يكن في النص الأول.
ينهي شقير كتابه في قصة "عيد الميلاد" التي يقول في نهايتها:
"...وأنا بكيت، لأنّ رباب بكت، ولأنّنا نختطف الفرح اختطافاً ونحن ما زلنا تحت الاحتلال. جفّفتُ دموع رباب، ورقصت معها في ربع الساعة الأخيرة". (ص 176)
فالفلسطيني يحاول بشتى السبل أن يلتقط الفرح من براثن الاحتلال. إنَّ شقير لا يكتب عن وطن يحلم به، بل هو وطن له وجود حقيقي قد سُرق، لذا يجب التشبث به والبقاء فيه، والقتال من أجل استعادته.
إنَّ محمود شقير من الكتّاب الفلسطينيين الذين يحرسون الذاكرة، ويزرعون الوعي والانتماء في نفوس شعبهم. فالوطنُ موجودٌ في كتاباته ككائنٍ حيٍّ بحكاياته وتضاريسه، ورائحته تكاد تخرج من مؤلفاته لتنثر عبيرها ليستنشقها الفلسطيني في كل مكان، في الوطن المسروق، وفي المنافي.