أ.د. هند أبو الشعر في إنتاجها الأدبيّ

محمد المشايخ
كاتب وباحث أردني
القصة القصيرة
أصدرت القاصة هند أبو الشعر ست مجموعات قصصية هي: شقوق في كف خضرة(1982م)، المجابهة( 1984م)، الحصان(1990م)، عندما تصبح الذاكرة وطناً(1996م)، الوشم (2000م)، مارشات عسكرية(2014).
وتؤكّد هذه المجموعات ريادتها في فنِّ القصة، ونجاحها في تطويره على الصعيدين الموضوعيّ والجماليّ، متجاوزة التجريب، ومتّجهة نحو الحداثة بكل ما فيها من خلقٍ وتجديد وابتكار.
وقد حظيت لقاء ذلك بامتيازات خاصة منها: ترجمة قصصها إلى عدد من اللغات العالمية، ومنها: الإنجليزية، ولها قصصٌ قصيرةٌ مترجمةٌ إلى الفرنسية تـُـدرّس لطلبة قسم اللغات الحديثة في جامعة آل البيت، ثم تدريس قصصها في المناهج المدرسية(ومنها قصة المعطف التي تُدرّس في المرحلة الثانوية)، وإعداد رسائل لطلبة الدراسات العليا حولها(ومنها رسالة الماجستير التي ناقشتها الطالبة أ. نوارة الفواعرة في جامعة آل البيت)، وكتابة عدد من النقاد أبحاث محكمة عنها، ومنهم: د.شكري الماضي، د.نبيل حداد، د.غسان عبد الخالق، د.حسن عليان، د.منتهى الحراحشة، وبث قصصها عبر الإذاعة والتلفزيون، ونشرها في مجلات منها: الجيل الجديد، وأفكار، وفي صحف محلية وعربية، وإقامة عدد كبير من الأمسيات القصصية لها في عدد كبير من المؤسسات.
ورغم انحياز موضوعات قصصها للمرأة ومعاناتها وإخلاصها في الحب، وما تتعرض له أحيانًا من بعض السلبيات كـ:(الخوف، والوحدة، والحزن والاغتراب)، ورفضها لكثير من العادات والتقاليد، إلا أنَّها كانت تغادر الخاص، لتعالج إشكاليات حضارية، وقضايا إنسانية كونية عامة منها: الفقر والصراع الطبقي وما يسببانه من أرق للجماهير، ومن صراع وتفكك في القاعدة الشعبية متأثرة بقراءاتها في الماركسية وما فيها من نظريات حول الاقتصاد؛ ولأنَّها كانت تكتب وهي في قمة الوعي والنضج، فلم تنس الكتابة في المضامين الوطنية.
وقد لاحظتُ من خلال مطالعتي لقصصها ما فيها: من مفارقة، ومن حوار، ومن وصف، وتناص، وتعدد في الرواة والضمائر، وفي الأصوات والرموز، ومن تركيز وتكثيف، ومن خيال كان يدفعها أحيانًا لمغادرة الواقع، لتبتكر لوحاتٍ بصريةً وأخرى صوتية، وصورًا رمزية وأخرى سردية، عدا عن تركيزها على القصة السيكولوجية، وتقديمها وجهات نظر متباينة ومواقف متعارضة، قلــّبت فيها الوضع الداخلي والخارجي للشخصيات، ومعالجتها صراعات أيديولوجية، ولجوئها إلى المونولوجات الداخلية، وتيار الوعي، وانشغالها بالمكان، وجمالياته، وبالزمن الدائري وتقلـّـباته، والاستفادة من علم جمال اللغة، الأمر الذي مكّنها من استخدام لغة رمزية عميقة الدلالة، مفعمة بتجليات البلاغة.
الرواية
صرّحت لجريدة الرأي بتاريخ 8/1/ 2020أنَّها بدأت بكتابة روايتها الأولى واختارت لها عنوان(العتبة)، وقالت إنَّها توظّف فيها تقنياتها في مجال القصة القصيرة، وجماليات اللون، مع الاعتماد على خلفية تاريخية لزمن الرواية الذي يمتد ما بين سنوات1912وحتى الستينيات، والبطولة فيها للمكان وهو مسقط رأسها: "الحُصُن".
وبتاريخ30/10/2021قالت في الندوة التي عقدتها مؤسسة شومان بعنوان(هند أبوالشعر: أديبة ومؤرخة وموثقة):إنَّها بدأت بكتابة رواية أحسّت أنَّها التجلّي الحقيقي في عالمها اليوم، لكنَّها توقفت عن كتابتها بصورة قاسية لانشغالها بكتابة موسوعة «تاريخ الأردن في عهد الإمارة»، ولأسباب عائلية عندما ضربَنا زلزال كورونا واختطف أخيها الحبيب الطبيب "وليد أبو الشعر".
الشعر
كتبت قصائد كثيرة، نشرت بعضها في الصحف، واحتفظت بعشرات القصائد في مكتبتها، ولم تنشر منها إلا(11) قصيدة في الصفحات379-395 من أعمالها الكاملة، ورغم ما في تلك القصائد من تركيز على الهم العام، وعلى جماليات الأرض والطبيعة الأردنية والعربية، ورغم ما فيها من اتكاء على التراث الإنساني، ومن تغنٍّ بالماضي، واسترجاع لأساطيره، حتى غدا شعرًا كونيًّا، إلا أنَّها لم تخفِ بين السطور إلا ما أسمته الحب البكر، ذلك الحب الذي لم تتفرغ له، ولم تسقه من ينابيع عواطفها، حتى أطفأه التزامها بالقضايا القومية لأمّتها، وبالقضايا الإنسانيّة.
كتبت قصائدها وهي في مرحلة الوعي المبكر بين الطفولة والشباب، ولم تكن مشغولة آنذاك، إن كان سيتم تصنيف تلك القصائد ضمن الشعر العمودي أو التفعيلة أو قصيدة النثر، بقدر ما كان يهمّها أن توصل رسالتها الأدبية والوطنية لمجتمعها.
أبدعت قصائدها وهي في عمر الورود، ولكن ورودها كانت محاطة بأشواك، لم تكن تسمح لما في خيالها المحلـّق أن يحقّقَ شيئًا من أحلامه أو تطلعاته على أرض الواقع، فأخفت عبر تشبيهاتها وكناياتها واستعاراتها، كلَّ أسرارِ عمرها، ولكنَّها أبرزت في الوقت نفسه، ما تتمناه للبشرية من زوال للأحزان، وحضور للمحبة والسلام والتسامح والوئام.
النصوص
في نصوصها الـ(28) التي نشرتها في الصفحات317-375 من أعمالها الكاملة، تعبيرٌ صادقٌ وجميلٌ عن وقع الحب على وجدانها، بلغة سرقتها من رسائل العشاق، وبثتها في زمن لم تكن فيه قصيدة النثر معروفة، وإلا لكانت من رائداتها.
ولأنَّها مبدعةٌ، فقد كانت تبتكر تشبيهاتٍ تخترق جغرافيا العالم، وتمزج بين المادي(مياه الدانوب) والمعنوي(الموسيقى)، وما أجمل التشخيص والتجسيد البلاغي الذي كان ينجم عن ذلك المزج، تقول:(مثل مقطوعات "شتراوس" الدافئة.. تلك الموسيقى المـُغـَمـّسة بمياه الدانوب الأزرق)، ورغم تلك البلاغة، إلا أنَّها اعترفت في أكثر من موقع بأنَّ حالة الحب التي كانت تعيشها، لم تكن تتيح لها التعبير عن وضعها(أنت يا رائع الحنان.. تشعرني بعجزي عن التعبير)، وفي مواقع أخرى كانت ترسم مشاهد سينمائية، يمتزج فيها التشكيل الصوتي بالبصري، وتسترجع التراث الإنساني، وأساطيره، مـُتكئةً على البيئة المحلية، مبدعة على صعيد الزمن.
المسرح
رغم نشرها في الصفحات399-415 من أعمالها الكاملة، ثلاثة مشاهد مسرحية حملت عناوين:(الجوع، العفن، المنظار)، إلا أنَّها كانت في قمة الإبداع وهي تضع بين كلماتها، كلَّ ما يتعلق بالإخراج، والديكور، والإضاءة، والموسيقى، والملابس، والصوتيات، والمكياج، وغيرها من عناصر المسرح.
في نصِّها المسرحي(الجوع)، تغادر هند أبو الشعر الواقع، وترفض المباشرة، لتدخلنا(عبر سيناريو مزدحم بالحركات) في عالم الفنتازيا والغرائبية والهذيان واللامعقول، وخلال النص تكسر الحائط الرابع، وتنزل بطلها عن المسرح ليجلس بين الجمهور، كما تكسر كلَّ المفاهيم الفلسفية حول (الجوع)، باعتباره واقعة «طبيعية» تتعلق باستعمال الأجساد، وكأنَّي بها تؤكّد أنَّ تاريخ الجسد ليس مشكلاً جسديًّا، بل إنَّه- دومًا - جزء من ثقافة ومن تاريخ معين للأجساد ليس من الهيّن عزله فلسفيًّا والتفكير فيه.
وفي نصِّها المسرحي(العفن) تنتقل إلى هواجس الفنان التشكيلي، وعلاقته بالمرأة، تلك العلاقة التي تؤدي به إلى الجنون حينا، أو توصله إلى قمة الإبداع في أحيان أخرى، وما بين هواجس المفارقة، وثنائيات الطهارة والقذارة، الشرف والخيانة، الكبرياء والضعف، الجمال والقبح، يجد الفنان نفسه حائرًا بين إخراج تلك المرأة من حياته، أو ضمها لتصبح جزءًا من جسده.. وخلال تلك الحيرة لا تنفك ذبابة عن إزعاجه ليدخل في حالة من اللاوعي كي لا يتخذ أيَّ قرارٍ تجاهها، ولا تخل المسرحية من إبراز ثقافتها التراثية (ديانا..عشتار..أفروديت).
أمَّا النصُّ المسرحي (المنظار) فتبدع فيه على صعيد المسرح الشعري، وتحديدًا شعر التفعيلة، وعلى صعيد المونودراما، حيث لا يتحدث إلا ممثل واحد، بينما يدير الآخر ظهره للجمهور وكأنَّه تمثالٌ، وتـُـقحم فنَّ المسرح في جوع الجماهير وأرقها وأوجاعها، ويحتاج الممثل إلى منظار كي يرى ما لا يراه المعنيون بالشأن العام.
المقالة
تعيد سبب نجاح مقالاتها التي نشرتها في جريدتي الرأي والدستور وغيرها في زوايا:(ذاكرة الوطن)، و(أوراق الأجداد)، والحلقات الـ(48)التي بثّتها عبر الإذاعة الأردنية، لتوظيفها قلمها الأدبي، وخبرتها في خطاب الصحافة، مع الحفاظ على الروح الأكاديمية واحترامها، غير أنَّ ما طالعناه لها من مقالات نقدية ولا سيّما فيما كتبته عن الأديب الراحل تيسير السبول في الكتاب المشترك(دم على رغيف الجنوبي)، وعن الشاعر إلياس جريس في مقدمتها لديوانه(تضاريس الوجه المتعب)، وفيما كتبته عن الروائي(عقيل أبو الشعر) وفي كتابها المشترك مع د.عزيز الماضي(الرواية في الأردن)، وفي غيرها من المقالات، ما يؤكّد امتلاكها أدواتها النقدية، التي أسهمت في تقييم وتقويم الكثير من النصوص الأدبية التي كانت توقفت عندها.