عـادل عطيـة
كاتب وباحث مصري
(صعوبة بالغة للحصول على تذكرة لمشاهدة هذا الفيلم، بدور العرض السينمائية، فقد حطّم الأرقام القياسية بالإقبال الهائل من الجماهير، بكل الدول التي عُرض بها).
قصة الفيلم:
قصة حقيقيّة بدأت عام ۱۹۰۷، عندما بُنيت السفينة العملاقة "تايتانيك"، ولقبوها: "بالسفينة التي لن تغرق أبداً".. لكنَّها غرقت في أول وآخر رحلة لها!
الاسم "تايتانيك"، مأخوذٌ من الأساطير اليونانية، وكان يُطلق قديماً على قوم عمالقة يدعون "التايتان". واختير هذا الاسم للسفينة لينقل للعالم الإحساس بمدى الضخامة والفخامة والقوة التي ستكون عليها السفينة.
بناء السفينة: استغرق بناؤها عامين، بعد أن قرَّر "چي بروس إيسماي" المدير التنفيذي لشركة "وايت ستار لاين"، واللورد "جيمس بيري" أحد مالكي شركة "هارت لاند وولف"، لبناء السفن، بناء هذه السفينة.
زوّدوها بأحدث الأجهزة، وأنظمة اللاسلكي، وكانت أحدث الاختراعات في ذلك الوقت (عام ۱۹۰۷).
حمولتها: قرَّر مديرها التنفيذي تخفيض عدد قوارب الإنقاذ الملحقة بالتايتانيك من ۳۲ إلى ۲۰ فقط، حتى تستوعب السفينة ۳۵۰۰ راكب.
ركابها:۲۲۰۰ شخص من بينهم نبلاء بريطانيون، وكبار رجال الصناعة من الأمريكيين، وعدد كبير من المهاجرين الفقراء. وبدأت السفينة أولى رحلاتها بإبحارها في يوم الأربعاء 10 نيسان (أبريل) ۱۹۱۲ من ميناء "ساوث هامبتون" في بريطانيا، قاصدة "نيويورك" بالولايات المتحدة الأمريكية.
وفي يوم الأحد 14 نيسان (أبريل) أي في خامس يوم لها في عرض البحر، تلقت السفينة خمسة إنذارات بوجود جبال جليديّة في طريقها، ولكن قبطان السفينة "چي"؛ أي "سميث" أشهر ربابنة ذلك العصر، ظلَّ يبحر بالسفينة بأقصى سرعة، وكان "إيسماي" يشجعه على ذلك ليصل بالسفينة إلى نيويورك قبل الموعد المحدّد، ليضمن لها الشهرة والمجد. وفي الساعة الحادية عشرة وأربعين دقيقة مساءً، حدّد أحد رجال المراقبة موقع جبل جليدي يعترض السفينة. وصدرت الأوامر الفورية باستدارة السفينة استدارة كاملة في الاتجاه المعاكس، ولكن ضخامة حجمها وسرعتها الفائقة، وقرب الجبل الجليدي منها كل هذه حالت دون ذلك. وبعد ۲۷ ثانية فقط من تحديد موقع الجبل الجليدي حدثت أكبر كارثة بحرية في تاريخ البشرية، حيث انشطرت السفينة باصطدامها بجبل الثلج. وبدأ الحلم "تايتانيك" يغرق في ظلام المحيط على أنغام الفرقة الموسيقية التي جمع قائدها "فالنس هارتلي" أفرادها الثمانية، ليعزفوا ترنيمة الجنازات "إليك أقرب":
"یا رب!
أقرب فأقرب،
إليك أقرب وأرغب.
في الحزن والشجون،
يا سيدي الحنون،
إليك أقرب فأقرب.
* * *
إن نمت في القفار، في غربتي،
وكانت الأحجار وسادتي،
في رهبة الظلام،
وروعة الأحلام،
إليك أقرب فأقرب.
* * *
إليك أقرب
هناك لي تظهر باب السماء
وسلماً أبصر نحو العلاء
بالخير من عُلاك
مع زمرة الملائكة
إليك أقرب فأقرب
* * *
بالحمد والتهليل في يقظتي،
أقيم بيت إيل من كربتي،
بكل ويلاتي،
يا سيدي آتي.
إليك أقرب فأقرب
* * *
أو إن أكن طيراً محلّقاً
في الجو مسروراً موفقاً
أخترق الأنوار
وشدوي المختار
إليك أقرب فأقرب".
عزفت الفرقة الموسيقيّة لحن "إليك أقرب"، ليبثوا الأمل في قلوب الرجال الذين وقف معظمهم وهم في انتظار الغرق يرددون معهم الترنيمة وهم يلقون النظرة الأخيرة على زوجاتهم وأبنائهم، الذين نقلتهم قوارب الإنقاذ التي لم يكن عددها كافٍ لإنقاذ كلِّ ركابها.
ولم يستجب لإشارات الاستغاثة الصادرة من "تايتانيك" سوى السفينة "كارباثيا"، التي وصلت إلى موقع الحادث بعد 4 ساعات، وتمكنت من انتشال الركاب الذين أنقذتهم القوارب، وكان عددهم ۷۰۷ شخصاً، وعدداً لا يتعدى أصابع اليد ممن ألقوا بأنفسهم في المحيط. وهكذا انتهى الحلم تايتانيك الأسطورة التي تجسّدت فيها كل مظاهر الفخامة والضخامة والتقدم التكنولوجيّ. كما تجسّدت فيها أروع النماذج الإنسانيّة من قصص الحب والبطولة والتضحية، فقد غرق أكثر من ۱۵۰۰ من الركاب وطاقم السفينة والمعاونين لهم.
تايتانيك الفيلم:
بطولة: ليوناردو دي كابريو" چاك"، كيت وينسلت "روز"، جلوريا ستيورات "العجوز التي تحكي القصة".
غناء: سيلين ديون.
وقد نجح هذا الفيلم، في تحطيم كلِّ الأرقام القياسيّة، سواء في عدد الجوائز التي حصل عليها، أو في مدة تصويره، أو في تكلفة إنتاجه، فقد حصد "تايتانيك"، في جوائز الكرة الذهبية والتي تُعدُّ مؤشراً لاتجاهات الأوسكار، 4 كرات ذهبية، الأولى لجيمس كاميرون مخرج الفيلم، والثانية والثالثة لجيمس هورنر عن أفضل نصٍّ للسينما وأفضل أغنية. والجائزة الرابعة لأفضل فيلم. كما استطاع فيلم "تايتانيك"، أن يعتلي عرش الأوسكار؛ فقد حصد 11 جائزة عن القصة - والسيناريو - والإنتاج - والملابس - والتصوير - والمونتاچ - والموسيقى - والمؤثرات الصوتية - إلى جانب جائزة أحسن فيلم.
كما حقَّق فيلم "تايتانيك" مكاسب تزيد على المليار دولار، وقد بلغت تكلفة الفيلم ۲۰۰ مليون دولار على حين لم تتعد ميزانية الأفلام التي فازت 50 مليون دولار. كذلك استغرق "تايتانيك"، في مدة تصويره عاماً ونصف العام.
وبهذا فقد استحق "تايتانيك"، لقب: فيلم القرن العشرين.
عبقرية مخرج:
استطاع فيلم "تايتانيك"، أن يحقّق مكانةً مميزةً في تاريخ السينما العالمية، فقد حقَّق المعادلة الصعبة بين تحقيق وتقديم الفن المبدع من ناحية، والاستثمار والنجاح التجاري من ناحية أخرى. ونجح مخرجه في أن يقدم حادثة السفينة "تايتانيك" في عملٍ سينمائيٍّ كبير، يحقّق من خلاله قصة حب كبير. ومن أجل ذلك غاص إلى أعماق المحيط ليرى ويصوّر بقايا السفينة الحقيقيّة، وكتب السيناريو بنفسه، وشارك في تكاليف الإنتاج ليصل في النهاية إلى تقديم فيلم رائع بكل المقاييس ويمزج بين الدراما والحادثة ببراعة فائقة.
عرض الفيلم:
البحث عن الماسة:
يبدأ الفيلم بفريق عمل يبحث عن ماسة نادرة موجودة داخل حطام السفينة "تايتانيك"، ويصل الفريق إلى الخزينة، ولكنَّه لا يجد الماسة، ويجد صورة لفتاة رائعة الجمال مرسومة، فيتحدث رئيس الفريق للتليفزيون ويعرض الصورة التي وجدوها، وليس لديهم أي أمل أن تكون صاحبتها على قيد الحياة. وترى الصورة سيدة عجوز تعدى عمرها المائة عام، وتعرف أنَّها صورتها وتتصل بهم. وعندما تذهب إليهم ترى بعض مقتنياتها. المرأة التي كانت تملكها، و"توكة" الشعر التي كانت ترتديها، وهي ترسم وتنتقل إلى عالم آخر هو عالم السفينة حيث تبدأ العجوز في سرد حكايتها بأسلوب الفلاش باك ( Flash Back) أي العودة إلى الماضي في سرد أحداث قصة الفيلم.
ينقلك الفيلم إلى ما كان يحدث على ظهر السفينة، وكأنَّك ترى لوحةً حيّةً مرسومةً بعناية، تمتلئ بالأحداث والصراعات والشخصيات والعلاقات الإنسانية في تناغم رائع. حيث يظهر أمامك من ركاب السفينة النبلاءُ وأبناءُ الطبقة الأرستقراطية وهم يتمسّكون لأقصى درجة بتقاليدهم المصطنعة، وهنا تظهر البطلة أو "روز" بصحبة خطيبها الذي ترفض خطبتها منه، ولكنَّها مرغمة على الارتباط به لأنَّ والدها تركها ووالدتها مفلسين، ولن ينقذهما من ذلك سوى الخطيب الثري. ينتقل بنا المخرج بعد ذلك إلى أبناء الطبقة الكادحة أو ركاب الدرجة الثالثة الذين يحلمون بطموحات في عالم يحررهم من فقرهم وهنا يكون أول ظهور للبطل "چاك"، الشاب الوسيم الذي يلعب البوكر مع أصدقائه ويفوز عليهم جميعاً، ثم يهرول مسرعاً لشراء تذكرة للسفر لحلمه أمريكا على ظهر السفينة "تايتانيك".
تمردٌ: تشعر البطلة بالملل الشديد من مجتمعها ومن خطيبها الذي لا تجد أي لغة للتفاهم معه، فهي تهوى الرسم والفن بعامة، وهو لا يعرف سوى الحديث عن الأموال. وتصل البطلة إلى قمة الصراع مع نفسها، وتقرّر أن تنتحر، وتذهب إلى مقدمة السفينة لتلقي بنفسها في مياه المحيط، فيظهر "چاك" في الوقت المناسب، ويحاول منعها، وينجح في ذلك وهنا يبدأ صراع آخر، هو صراع البطلة مع نفسها في المقارنة بين خطيبها و"چاك"، فالثاني كان على استعداد أن يلقي بنفسه وراءها في المحيط لو أصرت على الانتحار، فهذا هو كلُّ ما يملكه ليقدمه لها، في حين أن خطيبها عندما علم بما حدث أعطى "چاك" مبلغاً من الدولارات، مما أشعرها أن حياتها عنده لا تساوي سوى هذه الدولارات. ثم يقدّم لها خطيبها عقداً من الماس كهدية خطبتهما، ليشعرها بمدى حبّه لها. ولكنّها لا تريد المال، تريد أن تتحرر من عالمها المليء بالكذب والمظاهر والتقاليد الصارمة.
يعلم خطيب الفتاة بحب روز لجاك فيضع "چاك" في السجن بتهمة سرقة العقد الماسي. ويتحوّل "چاك" إلى مسجون، و"روز" إلى أسيرة للتقاليد، ورغبة والدتها الصارمة في زواجها من ذلك الخطيب الغني. في تلك اللحظات تعلم روز في تطوّرٍ سريعٍ للأحداث بأنَّ السفينة ستغرق وتقرّر إنقاذ "چاك" بعد أن تتأكد أنَّ السرقة ملفقة له ليبعدوه عنها.
الحبُّ حتى الموت:
وتذهب روز إلى چاك" في قاع السفينة لتنقذه، وتحاول فعلاً إنقاذه، فقد وصلت المياه في قاع السفينة إلى رأسها، ولكنَّها تحاول بكل ما لديها من قوة حتى تنقذه. وفي أروع وأغنى مشاهد الفيلم الرومانسية، نجد روز ترفض أن تُنقذ في أحد قوارب الإنقاذ دون حبيبها، فتقفز من القارب وتعود إلى السفينة لتبقى مع "چاك".
"ستعيشين مئة عام"!
المشاهد الأخيرة في الفيلم، توضح التفاوت والصراع الطبقي، فكأنَّ الأغنياء فقط هم الذين من حقهم الحياة، ويتم إنقاذهم في قوارب النجاة، أمَّا الفقراء فليس لهم سوى الموت. وعندما تحدث الكارثة، يظلُّ أفرادُ الفرقة الموسيقية يعزفون ليبثوا الأمل في القلوب.
وتغرق "تايتانيك" وسط صرخات وأنّات أكثر من ۱۵۰۰ راكب كانوا يرتدون سترات الإنقاذ، من بينهم "روز"، أمَّا "جاك" فلم يرتد السترة. ويهوى الجميع في مياه المحيط شبه المتجمدة.
بعد صراع يطفو الركاب بفضل سترات الإنقاذ، ويبحث الحبيبان عن بعضهما، وسط صراخ ورعب الآخرين، حتى يتلاقيان، ثم يجدان قطعة خشبية فتقفز فوقها "روز"، ومن بعدها "چاك"، ولكنهما يسقطان معاً في الماء، فالقطعة لا تتحمل أكثر من فرد واحد فوقها. فيضحي "چاك" بنفسه، ويصمّم على بقاء "روز" فوقها، على حين تتشبث هي بيدي "چاك"، وهما يرتعشان، وقد تجمدت قطرات الماء على وجهيهما ورأسيهما.
ويشجع "چاك "، "روز"، على أن تتمسك بالحياة فكانت آخر كلمات له إنَّك ستعيشين من العمر مئة عام. وستموتين عجوزاً على فراشك الدافئ..!. ثم يغيبان عن الوعي من تأثير البرودة القارصة على أجسادهما. وتفيق "روز" فلا تسمع حولها سوى الصمت القاتل. وتلتفت نحو "چاك" وتناديه ولكنَّه لا يرد عليها فقد تجمد ومات وهو مازال متشبثا بيديها.
وتبكي "روز" وهي تكلّم "چاك"، في هذه اللحظة كان أحدُ قوارب الإنقاذ يجوبُ وسطَ جثثِ الركاب المتجمدة الطافية فوق الماء، علَّها تجد أحداً ما زال حياً، حتى وجدوا "روز" متشبثةً بالقطعة الخشبية، وبآخر كلمات "چاك" لها: ستعيشين مئة عام..!