د. يحيى البشتاوي
أكاديمي ومخرج وناقد مسرحي أردني
"سأرقد للموت. لو أنَّ هناك أبديّة.. أريد أن أكون الأبديّة". كانت هذه المقولة للكاتبة المسرحيّة والروائيّة التركيّة "عدالت آغا أوغلو"، أبرز أدباء الرَّعيل الأوّل للجمهوريّة التركيّة، والتي رحلت عن عالمنا، في تموز من عام 2020م، بعد مسيرة أدبيّة حافلة بالعطاء في ميادين الأدب والسياسة، لتصبح "قنديل التنوير والتحضُّر لمجتمعها" كما وصفها وزير الثّقافة التركي في نعيِه لها.
وُلِدت "عدالت آغا أوغلو" في 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر عام 1923 في أنقرة، لأبٍ يعمل في تجارة الأقمشة. انتقلت مع أسرتها إلى قلب مدينة أنقرة، فحظيت بفرصة التسجيل في مدرسةٍ إعدادية بالعاصمة، ومع تقدُّمها الدراسي ظهرت موهبتها الشعرية، لأوّل مرّة، في الثانوية، لكن سرعان ما جذبها المسرح، فاتَّجهت إلى الكتابة المسرحية، وظهرت أعمالها النقدية ودواوينها الشعرية، منذ أن كانت في الثالثة والعشرين من العمر، وقد درست الأدب الفرنسي في جامعة أنقرة، والتحقت بالعمل في قطاع الإذاعة والتلفزيون التركي فور تخرُّجها عام 1950، محرِّرة نصوصٍ مسرحية، حتى وصلت إلى رئاسة القطاع، وظلَّت تعمل به حتى دفعها توغُّل يد الدولة العميقة، في ظلّ الحكم العسكري في شؤون ما يبثه راديو TRT، للاستقالة عام 1970. وقد أكسبها العمل الإعلامي ثقافة وعلاقات اجتماعية واسعة أسهمت مساهمة فعّالة في تعميق تجربتها.
وفي عام 1973 عُرفت كروائيّة مع روايتها "النوم مع الموت" التي أثارت اهتمامًا كبيرًا. وأعقب ذلك صدور روايات "الوردة الرقيقة لفكري" 1976، "ليلة عرس" 1979. أمّا أولى مجموعاتها القصصيّة فكانت "التوتر العالي" 1974 ثم "الصوت الأوّل للصمت" 1978 و"هيّا لنذهب" 1982، وغيرها من المجموعات. وقد روت "آغا أوغلو" في قصصها ورواياتها، بعين ناقدة، التناقضات كما الانسجام داخل العلاقات العائلية، بأسلوب واقعي صارم، ولغة منمّقة، وذلك لتصوير واقع الناس.
تزوّجت من المهندس "حليم أغا أوغلو" واستمرَّ زواجها 64 عامًا، وساهمت "أوغلو" مع مجموعة من أصدقائها، في تأسيس أوَّل مسرح خاصّ عام 1961م، باسم (ميدان)، لتصبح هذه أوَّل خطوة على طريق تحرير القطاع المسرحي من قبضة الدولة، وعُرِضت أعمالها على مسارح الدولة، حتى منعت وزارة الثّقافة التركية، تحت الحكم العسكري، عرضَ مسرحيَّتها (الصدع الذي بالسقف)، وفي عام 1965م اتَّجهت للكتابة بأسماء مستعارة منها: "ريموس تلادا"، و"باركر كوينك"، وفي عام 1973، نشرت روايتها الأولى (الرقود للموت) أو "النوم مع الموت" في ترجمات أخرى، التي ناقشت، خلالها، التغيُّرات التي طرأت على المجتمع التركي بعد رحيل (أتاتورك)، عام 1938، وفي عام 1976، أصدرت رواية (زهرة خيالي الرقيقة) أو "الوردة الرقيقة لفكري" في ترجمات أخرى، التي تصدَّرت المبيعات في تركيا طوال أربع سنوات، حتى صادرتها السلطات التركية عام 1981، ووجَّهت لها تهمة إهانة القوّات العسكرية، وظلّت محلّ مداولة حتى تمَّت تبرئتها عام 1983م، وتزايدت شهرة الرواية، وتحوَّلت إلى فيلم سينمائي عام 1992، بعنوان (المرسيدس الصفراء) من إنتاج تركيا وألمانيا وسويسرا وفرنسا.
ومثلما عانت (أوغلو) نتيجة للأوضاع السياسية، فقد تعمَّقت معاناتها أيضًا من مكابدة الواقع الاجتماعي وفقدانها للأحبة، ففي عام 1975، فقدت أخاها في حادث مأساوي، وفي العام التالي يرحل والدها، وفي عام 1977 يسقط أخوها الأصغر مهزومًا بالسرطان، فتمرّ بفترة عصيبة، وقد انعكس أثرها على قصص مجموعتها (الصوت الأوَّل للصمت). انتقلت، بعدها، للعيش في إسطنبول، عام 1984. وتوقَّفت عشرين عامًا عن كتابة المسرح، حتى عادت، عام 1991، بمسرحيّة (بعيد جدًّا، قريب جدًّا). وحصلت عنها على جائزة (إش بنك) الكبرى. في تموز 1996، تعرَّضت لحادث سيّارة ألقت بها في البحر، في أثناء مشيها على الساحل، لترقد عامين وأكثر في المستشفى، تتعافى من عودتها من الموت.
ولم تنفصل حياة الأديبة (أوغلو) عن مجريات الأحداث السياسية، وحتى تأخذ دورها الفاعل في السياسة التركية فقد ترشّحت للبرلمان عام 1999، وبقيت من خلال كتاباتها الأدبية قريبة من واقع الإنسان التركي بشكل خاص. وقد كان لها موقفها من الثورة التي أعلنها (مصطفى كمال أتاتورك) فقد وصفت نفسها بأنها من الجيل الذي عانى أكثر من غيره من تلك الثورة، تقول في حوار مع صحيفة (الشرق الأوسط): "إصلاحات أتاتورك كانت بقرارات فوقيّة عليا. أي لم يطلبها الشعب، هو فرضها فرضًا. وكانت البدايات صعبة جدًا على غالبية الأتراك. فمثلًا بدأ بجمع غير المتعلمين من الرجال والنساء في كل القرى التركيّة وبدأ بتعليمهم الكتابة والقراءة. لم يكن الكل سعيدًا، الفلاح يريد أن يذهب للزراعة بدلًا من المدرسة، لكن لم يكن لأحد خيار، فهذه كانت قوانين إجبارية من أعلى السلطة. كأننا كنّا في معمل اختبار، والجميع أمام امتحان. لكن أتاتورك كان معنا في هذا الامتحان، فهو لم يطلب شيئًا لم يطبّقه على نفسه، بدءًا من لبس البدلة وربطة العنق، وحتى تعلُّم الحروف اللاتينية".
ولا تتوقَّف (أوغلو) عند ذلك، وإنَّما تتعرَّض لواقع المرأة من خلال كتابها الذي تناولت من خلاله أيديولوجية الجمهورية التركية الجديدة، وترى أنَّ "النساء أكثر مَن عانى من إصلاحات أتاتورك. فالكثيرات لم يردن خلع الحجاب. وكُنَّ متضرِّرات جدًا من الملابس الجديدة. كما إنَّ الكثيرات كُنّ غير راغبات في الذهاب للمدرسة، وأهلهنّ لم يكونوا متحمّسين للفكرة، ففي القرى التركية في ذلك الوقت كانت ثورة أتاتورك التعليمية والاجتماعية بمثابة نار على بعضهم ممّن يعتقدون أنَّ على البنات البقاء في المنزل لحماية شرفهن ومساعدة الأمهات.. رجال الدين الذين كانوا من صفوة المجتمع ويتمتعون بمكانة اجتماعية واقتصادية بارزة تحوَّلوا فجأة إلى مواطنين عاديين، وكبار الموظفين الحكوميين لم يعودوا بتلك الأهمية بعد قيام الجمهورية، والمتعلمون لم يعودوا متعلمين، فتغيير حروف الكتابة من الحرف العثماني إلى الحروف اللاتينية جعل الجميع يجلس على طاولة الدرس مجددًا".
وهذه التحوُّلات السياسية التي حدثت في تركيا في زمن الجمهورية، والتي عايشتها "أوغلو" كان لها دورها في تشكيل وعيها السياسي، وقد بقيت مخلصة لوطنها ولمشروعها الأدبي، وفي عام 2010 تبرَّعت بكلّ أرشيفها وجوائزها ومكتبتها لجامعة (بوغازتشي)، وتَمَّ تسمية المشروع باسمها، وصار متحفًا مفتوحًا للجميع، وفي عام 2018، حصلت على الدكتوراه من الجامعة نفسها عن إسهاماتها خلال سبعين عامًا في الأدب والفكر والتنوير، وفي 2018، وبعد صدور مجموعتها القصصية الأخيرة (الخوف من السقوط)، مات زوجها المهندس "حليم" ممّا ترك أثرًا بالغًا على حياتها وواقعها النفسي، وفي 14 تموز/ يوليو، 2020 توفِّيت الكاتبة التركية "عدالت آغا أوغلو" عن عمر ناهز ما يقرب من سبعة وتسعين عامًا.
وقد رثاها وزير الصحّة التركي قائلًا: "لقد ذبلت زهرة خيالنا الرقيقة". كما كتب المؤرّخ التركي "ألبير أورتايلي" مقالًا نعى فيه الكاتبة، في صحيفة (حرِّيّت) قائلًا: "كانت الأطول عمرًا بين كتّاب الأدب الحديث، متَّقدة الذهن، تكتب وتناقش دائمًا، لقد فقدَ الأدب التركي (عدالت أغا أوغلو) ولكنني على يقين من أنَّ أعمالها لن تُنسى". في حين صرَّح الكاتب المعروف "أحمد أوميت" قائلًا: "اليوم، عرجَتْ إلى الأبديّة، واحدة من أعمدة الأدب. لقد كانت كاتبة عملاقة، أنارت لنا الطريق. ستبقى حيّة بحبِّنا، وبأعمالها، وبقرّائها".
تُعَدُّ "عدالت آغا أوغلو" أحد أبرز أدباء الرّعيل الأوَّل للجمهورية التركية، وتوصف كتاباتها الروائية والمسرحية بحسّ عبثي ساخر، وهي أستاذة اللعب بتيّار الوعي وتنويعات المونولوج الشخصي في كتاباتها التي تحفل بالوقوف على آثار التغيُّرات الاجتماعية والثّقافيّة التي تركتها التحولات السياسية على المجتمع التركي، وما انعكس فيها من توابع الحداثة، ونموّ الفردية، والشعور بالاغتراب، ورصد القيم المتحلِّلة في الطبقة البرجوازية البارزة، وللتعبير عن هذه الموضوعات، تلجأ "أوغلو" في كتابة نصوصها إلى مجموعة من الأدوات الإجرائية لعلَّ أهمّها مفهوم (القارئ الضّمني)، الذي يبيّن من خلاله ارتباط القارئ بالعالم الداخلي للنص، وكيفية توجيه النص للقارئ أثناء بنائها للمعنى التأويلي، من خلال المحافظة على المنظور النقدي، مع الإشارة إلى الهيكل النمطي للمجتمع، والسعي إلى كشف الآليات التي تعزز هذه الصور النمطية، دون أن تفرض أفكارها الخاصة في النص، كي تسمح للقارئ بالمشاركة في بلورة المعنى والسَّعي إلى كشف الغامض والمستتر من خلال الواضح المكشوف، أي اكتشاف ما لم يقُله النص.
تعرض "أوغلو" مشاهد مجتزأة من أحداث الحياة اليومية، ولا تنفصل أحداثها الأدبية عن الواقع السياسي، فنتيجة للتغييرات الجذرية في عصر الجمهورية، اتَّخذت نهجًا جديدًا في الكتابة حينما أدخلت أشكالًا جديدة على الرواية التركية. وقد أوضحت أنها سئمت من الرواية الكلاسيكية، واستطاعت استخدام اللّغة التركية بشكل جعلها تنجح في استعادة بعض الألفاظ والمصطلحات، لينعكس انتشارها في اللّغة اليومية، ونتيجة لمواقفها السياسية قُدِّمت ثلاث مرّات للمحاكمة بسبب أعمالها، ومرّة بسبب ترجمتها لمسرحية لفيلسوف الوجودية الأكبر "جان بول سارتر". وقد ساهمت "عدالت" عام 1986 بتأسيس جمعية حقوق الإنسان في تركيا، لكنها تقدَّمت باستقالتها عام 2005، وذلك لاقتناعها بأنَّ المؤسّسة بدأت تتَّخذ مواقف قوميّة متطرِّفة وعنصريّة، وقد تبنَّت "أوغلو" في حياتها مواقف وسطيّة من وجهة نظرها ممّا جلب لها السّخط؛ وتَمَّ انتقادها لحصولها على جائزة رئيس الجمهورية للأدب، وعلى موافقتها على تغيير الدستور عام 2010م، إلى درجة أنها تعرَّضت للرَّمي بالبيض من إحدى الجماعات الطلّابية. وقالت في لقاء تليفزيوني: "أنا مواطنة تركية، وإن لم أذهب لدعوة رئيس الجمهورية، فلأمزق بطاقة هويَّتي، إذن".
لقد تناولت "أوغلو" في كتاباتها الروائيّة والمسرحيّة مشكلات الفرد المتعدِّدة في ظلِّ الأيديولوجيات التي أثَّرت على مسار حياته، والمعايير الاجتماعية التي تدخَّلت في بناء كينونته ووعيه وأسلوب حياته، لذلك فقد أضفت على شخوص وأمكنة مسرحيّاتها صفة العالميّة، ويمكن القول إنه كما تتناول "آغا أوغلو" معضلة المجتمع من خلال كشف بنيته المتحجرة وغير القابلة للتطوُّر، نرى في شخوص مسرحيّاتها، أشخاصًا قد تمّ تطبيعهم من قِبَل الأيديولوجيات والأنماط الاجتماعية القائمة والخطاب السائد، يتصرَّفون بسلوك القطيع، وطُمست شخصيّتهم الفرديّة، وحُوصروا في طريق مسدود. كما نرى أيضًا، أشخاصًا مثقفين، استطاعوا التحرُّر واستقلّوا بشخصيّتهم الفرديّة. وذلك يمثّل أحد أهم ملامح التنوُّع الظاهر في مسرحيّاتها.
وتحضر قضايا المرأة حضورًا واعيًا في كتابات "أوغلو" الأدبية، حيث تتناول قضايا حرية المرأة والأفكار المفروضة عليها من زوجها وأبيها وأخيها، وعلاقة هذه الأفكار بالقوى المهيمنة والخطاب السائد في المجتمع، إضافة إلى خوفها من العالم الخارجي، وطرق خداعها بسوء هذا العالم، وحالات القمع التي تتعرَّض لها منذ طفولتها، والمشاكل التي تواجهها في حياتها المستقبلية جراء ذلك، ومحاولات طمس الهوية الجنسية للمرأة، وإجبارها على ممارسة الدور الذي فُرض عليها، ولا تكتفي "أوغلو" بتسليط الضوء على نمط حياة المرأة في ظلّ هذا المجتمع الذكوري الذي يصادر طموحاتها وأحلامها ويعرِّضها للتهميش الواضح، وإنَّما توجِّه الأنظار نحو مدى تأثير ذلك على المجتمع ومؤسساته، وعلى أنماط عيشه وتفكيره والجوانب الأخلاقية التي تسود فيه.
وتشكّل كتابات "أوغلو" وحدة متكاملة، تتضمَّن أسباب تجنُّب المرأة المشاركة في عملية تحرُّرها، والعقبات التي تواجهها إذا حاولت التمرُّد والتحرُّر من قيود المجتمع النمطيّة، وما تتعرَّض له حينما تنجح أو تفشل بالتحرُّر. كما يمكن ملاحظة أنَّ اللغة والمكان هما وسيلتا الكاتبة للتواصل مع قارئها، وما يردِّده شخوص رواياتها ومسرحيّاتها من خطاب وأمثال وتعابير دراميّة، تهدف إلى كشف دور القوى المهيمنة بفرض أشكال معيّنة من الخطاب النمطي والتفكير على الإنسان والمجتمع. أمّا المكان، فهو الغرفة والبيت حيث تُحبس فيهما المرأة وتقضي معظم أوقاتها. لذلك فاللغة والمكان هما الجسر الأهمّ الرابط ما بين القارئ وشخوصها، فمن خلالهما تؤكِّد الكاتبة أيضًا، على تشارك أيديولوجية هيمنة الذكور، قوى النظام البطريركي والرأسمالي، وتكشف مدى خضوع وإذعان المرأة لهذه الهيمنة، وتختار الكاتبة طريقًا شائكًا في كتابة نصوصها، وذلك لتحطيم التابوهات، ونقلها لنماذج من القيود المفروضة على المرأة.
وتتخذ "أوغلو" من الرمزية وسياقات العبث واللامعقول وسيلة للتواصل مع المتلقي للتعبير عن الواقع الاجتماعي، وهي تتوغل في أعماق اللاوعي لشخوصها، لاسيّما شخصية المرأة وتحوُّلاتها الاجتماعية، وأثناء ذلك تترك "أوغلو" للمتلقي فراغات وفضاءات ليملأها بنفسه، فتحقق بذلك، ما تهدف إليه من تفعيلٍ لدور القارئ وتوضيحٍ لرؤياه، ليدرك بنفسه، حقيقة مجتمعه الذي يعيش في وسطه.
ولا تقدِّم الكاتبة الحلَّ المثاليّ في نقدها الاجتماعي، وإنَّما تكشف آليّة عمل الأيديولوجيات القائمة في المجتمع، وتترك مساحات من الفراغ لتتيح لقارئها مجالًا في الحرية بالتفكير. وقد تذهب إلى التجريد في نصوصها، وتعطي مكانًا للرمز والقفز المكاني، لتفسح المجال لمخيلة القارئ بالتأويل ومضاعفة الفهم، مما يمكِّن المتلقي من الوقوف على الجوانب السلبية للأوضاع الاجتماعية، وكل ما يمكن أن يهدد حرية الفرد وآماله وتطلعاته. وحين ندقق في مضامين مسرحيات "أوغلو"، نلاحظ أنَّ هناك أيديولوجيات مختلفة تسود بحسب كل مرحلة، وهكذا فالأيديولوجيات السائدة هي صاحبة الدور بتحديد ورسم إطار العلاقات الاجتماعية.
كتبت "أوغلو" عددًا من الأعمال الروائية وصدر لها عدد من المجاميع القصصية، كما كتبت عددًا من المسرحيات منها: "لعبة الزواج"، "بينغو"، "صدع في السطح"، "على الحدود"، "موت بطل"، "الخروج"، "الأغنية التي كتبت نفسها"، "الشرانق"، "بعيد جدًا قريب جدًا"، "وردة أفكاري الرقيقة" وهي مسرحية مستقاة من رواية لها بالاسم نفسه، "سمسار عصرنا". ولها أعمال مسرحية عديدة عُرضت خلال خمسينات وستينات القرن الماضي ولم تُنشر في كتاب مثل: "لنكتب مسرحية"، "العيش"، "الغيقان"، "بين شخصين"، "بالنيابة عن الآباء".
في مسرحيّات "لعبة الزواج"، و"بينغو"، و"صدع في السطح"، تقدِّم "أوغلو" نظرة تحليليّة للتقاليد، ومؤسسة الزواج، والفهم الخاطئ للقضاء والقدر، من خلال تناولها للحياة الخاصة اليومية لشخوصها النسائية. كما تُظهر الكاتبة في مسرحيّاتها الثلاث مدى الضَّرر الذي يلحق بالرجل كما المرأة، جرّاء التقاليد والزواج الفاشل والفهم الخاطئ للقضاء والقدر والأيديولوجيات المتحجرة الراسخة في المجتمع، وتكشف أنَّ الافتقار إلى التعليم هو السبب الرئيس للانصياع لهذه الأيديولوجيات، والتسليم بها كأمر واقع لا مردّ له.
وفي مسرحية "بعيد جدًا- قريب جدًا"، تقدِّم الكاتبة نظرة تحليلية للقبول الأعمى للخطاب السائد في المجتمع، مستخدمة تقنية القفز الزمكاني في تواصلها مع قارئها، لتتيح له رؤية صور المرأة من زوايا مختلفة، حيث تعرض أمامنا شخصيتين متناقضتين، الأولى: سيدة أعمال متزوجة، لا تأبه بأسرتها، والأخرى: فتاة تسعى لإثبات ذاتها أمام أخيها التوأم، دون أن تعي انقيادها الأعمى للسلطة البطريركية. في حين تستخدم عناصر المسرح العبثي في مسرحيّتها "موت بطل"، حيث تقدِّم لنا شخصيتين لرجلين على خشبة المسرح، هما في الواقع يمثلان رجلًا واحدًا، ثنائي الشخصيّة، ويعيش في تناقضات داخليّة. إعلان هذا الرجل بطلًا جماهيريًّا، يُظهر المفهوم السائد والنمطي للمجتمع أنَّ البطولة تخص الذكور دون الإناث.