حديثٌ خاصٌّ
محمود عبد الصمد زكريا
شاعر مصري
( 1 )
يوجعني أن أتحدَّثَ عنّي
لكنّي.. أتخيَّلُ أنّي:
مسكونٌ بالنزقِ الهائجِ
والقلقِ الناضجِ
والريبِ المائجِ
والشجنِ الطازجِ ..
أحملُ كُلَّ همومِ الطقسْ.
في كهفِ الرأسْ.
وكياني منغومٌ
أو ملغومٌ..
وجدائلُ شِعري
أو فِكري تنتظرُ الغرسْ.
يوجعني حقَّاً أن أتحدَّثَ عن نفسي
لكنّي؛ أتخيَّلُ أن قالوا عنّي: إنّي
عفريتٌ مسكونٌ بالشهوةِ
والقهوةِ ..
أتراقصُ فوقَ جِراحِ العصرِ..
وشيخٌ ؛ يتعكَّزُ قاموسَ الضدِّ
يُعريِّ جسدَ القهرِ..
ويفتحُ نافذةً للفجرِ.
وزوبعةٌ ؛ تتلاطمُ في داخِلها
صرخاتُ الطلقْ.
وصاعقةٌ ؛ لكن
ليستْ للبرقِ
هنالك فرقْ!.
يوجعني فعلًا – يا خِلِّي –
أن أتحدَّثَ عنّي
لكن ؛ صدقني أتخيَّلُ أنّي:
طفلٌ ملغومٌ بالحُبْ.
سؤالٌ ؛ مرسومٌ في هيئةِ قلبْ.
وحرفٌ يمشي كالنهرْ.
ويعشقهُ النغمُ البِكرْ.
صدى..
ومدى..
لكن؛ ليس يضيعُ سُدى.!!
وسيخرجُ بالممكنِ من ضيقِ الما بين
ويعرف؛ من أينَ.. لأين.
( 2 )
هذا نغمي
هل يسمعني مَنْ علّمني
منطقَ طيرِ الشِعرِ
ولغَّمني بالحُبِّ..
وفجَّرَ فيَّ العزفَ ..
ودوّخني..
في حاناتِ الضِدِّ / الصَدِّ..
وصيَّرني كسرةَ خُبزٍ
في ساحاتِ الجوعِ ..
ورمزًا يسعى في الممنوعِ ..
سؤالًا ينزفُ..
عصفورًا؛ مُبتلَّاً
مُرتعِشًا وسطَ فضاءٍ مطريٍّ..
هل يسمعني..
أو يرحمني
وطني.؟!!
( 3 )
أتقصّى الحسرةَ
تلو الكسرةِ..
وأُدمدمُ بالأفكارِ؛ وبالأشعارِ
وأحلمْ.
والعالم أضحى من حولي بقعةَ همْ.
يتوضأ من كاساتِ الدمْ.
العالمُ جرحٌ يتورمْ.
طفلٌ منزوعُ الفِطرةِ يتلغَّمْ.
يا اللهُ!!
وأخشى ما أخشاهُ
أن يتفجَّرَ..
فارحمْ.
يا رحمنُ ؛ ارحمنا..
ارحمْ.
( 4 )
في مرآةِ الشِعرِ أراني
طيراً يحتضنُ الأفلاكَ.
رجلًا في ثوبِ مَلاَك.
أو كهفًا في جبلٍ
تتعبَّدُ فيه الكلماتُ النُسَّاك.
لكنّي في مرآةِ الواقعِ
شيخٌ قد برَّحَهُ الهمُّ..
على كتفيهِ جبلان.
وفي زنديهِ نهران.
وعيناهُ نَجمان.
أنا مهمومٌ - يا سادةُ –
أسعى لألملمَ هذا الوطنَ
المتناثرَ من حولي مِزقًا.
وألملم تعبي..
فأراني كالنقطةِ
ويدورُ العالمُ من حولي
ما أصغرني في هذا الكونِ
وما أكبرني
في المرآةْ.!!
( 5 )
لغتي جنّاتٌ معروشاتٌ
وأنا فلاحٌ
أزرعُ قمحَ الشِعرِ
على صلعةِ هذا الصمتِ
الصحراويِّ.. البدويِّ..
أرى في الشِعرِ حقولًا فيحاء.
وفي الحرفِ العربيِّ فضاء.
وحياةً أخرى للفقراءِ؛ وللبسطاءْ.
( 6 )
حين يمرُّ بذاكرتي جَدّي
آمرُ كُلَّ جذوري: اشتدِّي.
اشتدِّي..
يا كُلَّ جذوري.. اشتدِّي.
فإذا بي كالألفِ الممدودةِ
أو كالنخلةِ
أنفاسي بحرٌ يتموَّجُ بالعِطرِ
وغاية ما أرجوه عندي
والعالمُ..
كُلُّ العالمِ من بين يديَ
ومن خلفي يحسدني..
فلماذا؛ كلُّ العالم ضِدّي
حين يمرُّ بذاكرتي جَدّي؟!!
( 7 )
يحلمُ بالسلوى؛ والمنْ.
ترنو عيناهُ وراءَ حدودِ الرؤيةِ
ويراقبُ بالقلبِ الرؤيا.
رؤيتُهُ أوسعُ من حدقاتِ الواقعِ.
ولهُ أسئلةٌ كسهامٍ
يُطلقها نحو ضميرِ الغوثْ.!
مشغولٌ في مُنتجعِ الفتنةِ
بغِناءِ القلبِ
ووسطَ سُعارِ الأسعارِ
يُعلَّقُ فرحَتَهُ
فوقَ الحَملِ الكاذِبِ!
ويُشيِّدُ مائدةَ الشهدْ.!
لا بأسَ.. دعوه يحلمُ
ويسِبُّ؛ ويلعنُ..
يغدو حَجَراً
يخدشُ رأسَ الفتنةِ
يخمشُ ذاكرةَ الفطرةِ
الشاعرُ ( طرزانُ )
وربَّتهُ الغزلانُ
ليعرفَ معنى الوحشِ
ومعنى النعشِ
ويقتُلهُ دمعُ وداعِ الأمِّ
ولونُ الدمِ
دمِ الأطفالِ النازفِ كالدهنِ
على عتباتِ الأمنْ.
( 8 )
بين العاشقِ والمعشوقِ
مسيرةُ حُبْ.
قد لا تدركها اللغةُ
ولا تسلكها
غيرُ النفسِ الأمَّارةِ
بالقُربْ.!
( 9 )
الشارِعُ غير الشارعِ
والواقعُ غيرُ الواقعِ
واليوم يغيِّرُ سِحنَتَهُ
عن سِحنَةِ أمسْ.
والآتي أملٌ
مدفونٌ في قاعِ النفسْ.
( 10 )
هي لغةٌ ..
شَكَّلها سِحرُ الشِعرِ
طالعة من غَبشِ الفجرِ
أو من زَبدِ البحرِ
كخمرِ التمرِ!
يتبعها الطيرُ الهاربُ
من قفصِ الصدرِ..
لغةٌ.. من ومَضْ.
يركع بين يديها شجرٌ
مسكونٌ بالرفضْ.
لغةٌ تتشكَّلُ
من أفكارِ الماءْ.
تتعطّلُ
حين يصيرُ الماءُ
دماءْ.