ـــ غازي انعــيم
كثيرة هي التَّحوُّلات التي مرَّ بها المحترف التَّشكيليُّ في إربد الَّذي تعود مرجعيَّاته الأولى إلى سنوات بعيدة ضاربة في التاريخ والقدم، حيث مرَّ عليها كلّ من الحضارات الآدوميَّة والغساسنة والعربيَّة الجنوبيَّة والإغريقيَّة والرومانيَّة والإسلاميَّة. ولا يستطيع من يريد توثيق الحراك التَّشكيلي تجاهل تلك الحضارات وما رافقها من تحوُّلات لم تتوقَّف حتى اللَّحظة الرَّاهنة، نظراً للغنى الَّذي عايشته " الأقحوانة / إربد " جغرافياً، ومرورها بجملة من التحوُّلات المفصليَّة تاريخيّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً. حيث كانت " الأقحوانة " محور اتصال مهمٍّ وبوَّابة سوريا ومصر والحجاز وفلسطين، وخصوصاً خلال الفترة التي كانت فيها إربد "عروس الشَّمال" مرتبطة مع دمشق، التي كان لها أثرٌ إيجابيٌّ على الحركة الثَّقافيَّة.
وهناك الكثير من المعالم الأثريَّة في " إربد " الملقبة يـ " الأقحوانة " و " أرابيلا " و " عروس الشَّمال " التي تعبِّر عن تاريخ المدينة وعمقها الحضاريِّ مثل متحف التُّراث الشَّعبيِّ، ومتحف الآثار، وسور إربد القديم، وبرج المراقبة في وادي الغفر، والمسجد المملوكيُّ القديم، ومنزل علي خلقي الشيرازي، وكنيسة العرقوب في لواء الكورة وقصور وبيوت كثيرة..
وساكن " إربد " من عشَّاق تلك الأماكن وكذلك من عشَّاق الطَّبيعة، حيث لا يزال يهرع إلى فسحة السُّهول الخصبة وجمالها وانبساطها، إلى جمال الفطرة وبراءَتها وبساطتها ونضارتها وحلاوتها وسمائِها الصَّافية.. ولا يغيب عن أبنائِها الفنَّانين زيارة الحصن، وأم قيس، وبيت راس، وأبيلا، وحوض نهر اليرموك، وكذلك وديانها الكثيرة الرائعة الجمال؛ حيث تسيَّدت تلك الأماكن لوحات كثيرٍ من الفنَّانين في إربد.
والفنَّان الذي نشأ في هذه البيئة كغيره من أبنائِها تأثَّر بعوالمها وتعامل مع ظواهرها الطَّبيعيَّة والبيئيَّة الَّتي فرضت وجودها وفعاليتها على حياته، فكان تأثُّره بعوالم هذه البيئَة تأثُّراً ظاهراً من خلال لوحاته الفنِّيَّة..
وترعرعت في فنَّاني أبناءِ " إربد "، عاصمة الثَّقافة العربيَّة للعام 2022، حاسَّة الذُّوق الفنِّيِّ والاتِّجاه إلى النَّواحي الفنِّيَّة، وظهر ذلك في أعمال بسيطة مثل الزَّخارف على الأبواب وفي البيوت القديمة وعلى الملابس مثل ثوب ( الشَّرش ) المطرَّز برسوم وأشكال تأخذ تصاميم زخرفيَّة متعدِّدة الأسماءِ والأشكال.. حتى أُنشئَت المدارس في إربد فتقرَّر تدريس الفنون ضمن مناهجها، حيث ظهرت البراعم الفنِّيَّة، وهكذا وضعت المدارس اللَّبنة الأُولى في بناءِ الحركة التَّشكيليَّة في " إربد "، وكان أول ما ظهر على صعيد الفن التَّشكيليِّ فيها.. وكانت نقطة الانطلاقة الَّتي شكَّلت فيما بعد اللَّبنة الأُولى والأَساسيَّة لحركة التَّشكيل في " إربد " الفنَّانة عفاف حجازي، الَّتي شاركت في المعرض الأوَّل لمعهد النَّهضة الفنِّيِّ عام 1953 ، أمَّا أوَّل من توجَّه لدراسة الفنون في " إربد " فقد كان الفنَّان معين قاقيش ( 1946 - 1972 ) الَّذي درس الفنّ في أمريكا وأقام معرضه الشَّخصيُّ الأوَّل عام 1965 في الكويت، وفي الفترة نفسها كان هناك شباب فنَّانون، بدءُوا بداياتهم الفنِّيَّة بجانب قاقيش منهم: الفنَّان محمد خير ديباجة، الذي حصل على دبلوم عالٍ من معهد الفنون الجميلة في بلغراد / يوغسلافيا السَّابقة، عام 1970، وأقام معرضه الشَّخصيُّ الأوَّل في " إربد " و " جرش " عام 1967، والنَّحَّات كرام النمري الذي حصل على بكالوريوس الفنون الجميلة في النَّحت من " دمشق " عام 1970، والفنَّان راتب شعبان الَّذي أقام معرضه الأوَّل في " عمَّان " عام 1971 ، والنَّحَّات غسان النمري الَّذي درس في معهد الفنون الجميلة التابع لوزارة الثَّقافة، ما بين الأعوام 1970 - 1972، حيث جاءَ هذا المعهد نتيجة للحاجة الملحَّة إلى إيجاد معلِّم وطنيٍّ مختصٍّ في تدريس الفنون.
كما ظهر في هذه الفترة الفنَّان جهاد عماري، والنَّحَّات عبد الرَّحمن المصري الَّذي حصل على بكالوريوس الفنون الجميلة في النَّحت من " دمشق " عام 1973، وأقام معرضه الشَّخصيُّ الأوَّل عام 1974 في " الحصن ". وكذلك الفنَّان طارق أبو عرجة الذي درس ( الحفر والطِّباعة ) عام 1973 في الباكستان. والفنَّانة نبيلة الريحاني الَّتي درست في كليَّة الفنون الجميلة في " بغداد " عام 1973، وكانت أولى مشاركاتها مع مجموعة من الفنَّانين العراقيِّين في " بغداد " عام 1972، وأوَّل مشاركة لها في الأُردن كانت عام 1974 في مركز شابَّات السَّلط عام 1974.
ثم ظهر الفنَّان تيم السناجلة الِّذي أقام أوَّل معرض شخصي له في " إربد " عام 1975، وكذلك الفنان محمد مريش ( 1952 – 1983 ) الذي شارك في معرض جماعي لفناني محافظة " إربد " في مركز شابَّات إربد عام 1975، وكلك الفنَّان مروان البيطار الَّذي شارك في معرض جماعيٍّ مع فنَّاني الشَّمال في مؤسَّسة رعاية الشَّباب عام 1975. وبعد عام أقام الفنَّان عمر بصول معرضاً شخصيّاً له في " إربد "، كما ظهر الفنَّان حسني أبو كريم الَّذي أقام أوَّل معرض شخصيّ له في " جامعة اليرموك " عام 1977، وفي العام نفسه أقام الفنَّان عمر بصول معرضاً شخصيَّاً له عام 1977. وظهرت عام 1979 الفنَّانة سهام خميس الَّتي شاركت في معرض " جامعة اليرموك " الفنِّيَّ، والفنَّان محمود أسعد الَّذي شارك عام 1979 في معرض جماعيٍّ في مركز شباب الرَّمثا. وكذلك أقام الفنَّان معن سناجلة معرضاً فنيّاً مشتركاً مع شقيقه الفنَّان تميم في " جامعة اليرموك " عام 1979.
وقد مثَّلت هذه المعارض الفرديَّة والمشاركات الجماعيَّة، بداية الانطلاقة الحقيقيَّة للحركة التَّشكيليَّة في عروس الشَّمال. وقد كانت هذه الفترة، فترة معاناة وصبر فأخذت تتحرَّك نحو تعميق التَّجربة الفنِّيَّة.. إذْ لم تتوفر في ذلك الوقت أي قاعات عرض جاهزة لاستقبال الأعمال الفنِّيَّة، كما لم يكن هناك كليَّات فنون جميلة، ولم يكن التَّركيز على ما أبدعه الفنَّان بقدر ما سوف يتحقَّق مستقبلاً من خلال إقامة المعارض وتحقيق النَّجاح للفنَّانين لإِثراءِ الحركة التَّشكيليَّة ليس في " إربد " فقط، بل في المملكة.
مهَّدت تلك البدايات لصحوة فنِّيَّة في ثمانينيات القرن الماضي، حيث أسهمت وزارة التَّربية والتَّعليم من خلال ابتعاث بعض الطُّلَّاب لدراسة الفنون في الخارج في التَّطوّر والتَّقدم للفنون التَّشكيليَّة في " إربد " وفي مناطق أخرى في المملكة، والَّذي نلاحظه من خلال الصِّيغ والمدارس الفنِّيَّة الحديثة حيث اختزلت الحركة التَّشكيليَّة في إربد كافَّة ما تموج به الحياة التَّشكيليَّة العالميَّة من الكلاسيكيَّة والواقعيَّة والتعبيريَّة والتَّجريديَّة والسِّرياليَّة.. وهذه الصِّيغ ساهمت في تنوَّع بحث الفنَّان التَّشكيليِّ عن الصيغة الأمثل، للخروج بمنتوج فنِّيٍّ يعكس تطلُّعاته من خلال لغة تشكيليَّة حديثة، بكلِّ اتِّجاهاتها، حيث بدأ بالموضوعات والمضامين الوطنيَّة، وتناول هموم الإنسان وقضاياه وتطلُّعاته، ثم وسَّع الدَّائرة لتشمل المعطيات التُّراثيَّة إشارة منه وتدليلاً على هذه الحضارة العريقة والمهمَّة. بعد ذلك اقترب أكثر، فأخذ من الزَّخارف والخطوط وأعاد صياغتها، وفق رؤْية معاصرة، ثم عاد واصطفى الحرف العربيَّ، فاعتمده المعمار الأساس في لوحته، فجاء توظيفه بما يخدم تكوين اللَّوحة، فبنى عليه لوحة جديدة، متنوعة الصيغ والأساليب، سرعان ما تطوَّرت لتُشكِّل تياراً حاضراً في الحياة التَّشكيليَّة في عروس الشَّمال.
واصلت الحركة التَّشكيليَّة مسيرتها في إربد وساندها دعم واهتمام من الدَّولة وذلك بإِنشاءِ أوَّل قسم للفنون التشكيلية في " جامعة اليرموك " عام 1981. حيث ساهم القسم في نشر الذَّوق الفنِّيِّ والثَّقافة البصريَّة، كما كان يعتبر لبنة في صرح التَّقدُّم الَّذي تخطوه بلادنا، حيث أسهم في ضخِّ دماءٍ شابَّة في حقل التَّدريس، وسدَّ النَّقص الحاصل في الكثير من المدارس، لا سيَّما أنَّ تخصُّص الفنون كان من التَّخصُّصات النَّادرة في تلك المرحلة، وبهذا يكون القسم قد حقَّق ما رسمته السِّياسة التَّعليميَّة.
بعد تخريج الفوج الأوَّل من طلَّاب قسم الفنون وعودة الدَّارسين في الخارج انطلقت مسيرة الحركة التَّشكيليَّة بقوَّةٍ فائقة في " إربد " وجوارها، من حيث الكثافة والكمّ في الإنتاج الفنِّيِّ والمعارض الفرديَّة والجماعيَّة، حيث تميَّزت مدينة " إربد " بصفة تنفرد بها عن باقي المناطق الأُخرى وتحديداً في عمَّان بصفتها المركز والَّتي كانت تقام فيها النَّشاطات التَّشكيليِّة.. قد يكون أسبابها وجود مجموعة من الفنَّانين وكذلك روح التَّنافس فيما بينهم.. ويعتبر من أبرز الفنَّانين الَّذين ظهروا في ثمانينيَّات القرن الماضي كلٌّ من الفنانين: " خالد الحمزة، ضيف الله عبيدات، باسم بدارنة، عصام السيلاوي، جودت عبد الحميد، فيصل عاشور، قاسم الدويري، محمد العامري، محمد صادق شعبان، معن سناجلة، ويلدز الترك، أسامة العمري، أوس سناجلة، إدريس الجراح، بسام الردايدة، سلام كنعان، خليل الكوفحي، زياد حداد، عائشة مطاحن، عادل الشرع، عبد الحكيم لبابنة، علي العامري، غادة بيضون، محمد البربري، محمود عيسى موسى، وداد العلاونة ".
وبرز العديد من الفنَّانين في تسعينيَّات القرن الماضي، وتعتبر هذه المرحلة من المراحل الذَّهبيَّة للمشاركات والمعارض الفنِّيَّة، ونذكر من هؤُلاءِ الفنَّانين الَّذين كان لهم حضور مهمٌّ في المشاركات الفنِّيَّة:" أيمن غرايبة، جهاد العامري، رسمي الجراح، سليم اللبابنة، سوسن شحادة، شادي غوانمة، عبد الرحيم الجداية، عبد الله كمالة، عبد الله عبيدات، عمر العيدة، غاندي الجيباوي، فاتنة قعقورة، فراس الرواشدة، محمد عبيدات، محمد خالد عبد السلام، محمود بني خالد، مصطفى القيام، منال برقاوي، ميسون جرادات، ميسون الفار، نادية عبيدات، هاني خزاعلة، وصفي بني سالم، يحيى خشروم، حازم نمراوي، دانا خريس ".
وقد أثمرت حقبة الألفيَّة الجديدة نشاطاً ملموساً على مستوى مدينة " إربد "، ودَعَّم ذلك تحويل قسم الفنون التَّشكيليَّة عام 2001 إلى كلِّيَّة فنون جميلة تمنح درجة البكالوريوس، لا سيَّما أنَّ من أهداف الكلِّيَّة: " تأهيل خريجين مختصِّين ومحترفين في حقول الفنون التَّشكيليِّة، قادرين على تحمُّل المسْؤُوليَّة في حمل أعباءِ ونشر رسالة الفنِّ التَّشكيليِّ، ورفع وتطوير المنهج وفلسفة الحركة الفنِّيَّة التَّشكيليَّة ".
ومن أهدافها أيضاً: " تأهيل خريجين مسلَّحين بالعلم والمعرفة التِّقنيَّة والإبداع قادرين على تغطية وتلبية حاجات السُّوق المحلِّيِّ ومؤسسات التَّعليم العالي والتَّربويِّ الفنِّيِّ العامِّ والخاصِّ ".
وقد أسهمت " كليَّة الفنون " في نهضة الحركة التَّشكيليَّة وتطوُّرها، حيث تزايد عدد الفنَّانين وتزايدت أعداد المعارض، وشهد هذا العقد وكذلك العقد الَّذي تلاه تقدُّماً سريعاً، لم تشهده مدينة " إربد " عبر تاريخها.. كأَنَّها في سباق مع الزَّمن.. وكان بالتالي على الفنِّ التَّشكيليِّ، أَنْ يسير بالسُّرعة والإيقاع نفسيهما.
كما ظهر جيل من الفنَّانين الشَّباب الَّذين انصهروا في مناخ التَّغيير، وخاضوا التجارب الفنِّيَّة، تحدوهم الثِّقة في بحثهم لاقتحام مجالات الواقع الجديد بمتغيِّراته التِّقنيَّة، وتحقيق رُؤْيتهم الجديدة للحياة من خلال هذا الواقع.. لذا خاضوا التَّجارب نحو صيغ جديدة.. فاستمدُّوا رُؤْيتهم من التُّراث الشَّعبي، ومن عناصر الزَّخرفة الإسلاميَّة، الغنيَّة في تنوُّعها، كما جاءَت تعبيرات البعض من خلال الواقع المتغيِّر، للدَّلالة عليه، وعلى ما وقعت عليه أبصارهم، وما أدركته عقولهم للتَّعبير عمّا حولهم من التَّغييرات، ومن مظاهر الواقع.
ونذكر من جيل الألفيَّة الجديدة كل من الفنَّانين: " إبراهيم الخطيب، بيان يعقوب، جهاد الحايك، سلطان الكوفحي، سوزان السباح، غدير غنيمات، محمد المقدادي، محمد الذنيبات، محمد ذيابات، محمد هزايمة، محمود القرعان، محمد عمر الخطيب، ميساء المشني، نصر الزعبي، ودانا أحمد أبو خليل ".
وواكب الألفيَّة الجديدة في " إربد " تأسيس جمعيَّات تشكيليَّة تُعنى بالفنِّ التَّشكيليِّ مثل " جمعيَّة الرُّوَّاد للفنون التَّشكيليَّة " التي تأَسَّست عام 2015، و " آرت جاليري تو دي " الَّذي تأَسَّس عام 2021 و " جمعيَّة الفنِّ المعاصر " و " بيت عرار " الَّذي تولَّت وزارة الثَّقافة الإشراف عليه في عام 1994 و " مديريَّة ثقافة أربد " التَّابعة إلى وزارة الثَّقافة، وهي تشرف على 124 هيئَة ثقافيَّة موزَّعة على ألوية المحافظة، وتنفِّذ نشاطات سنويَّة من ضمنها النَّدوات والمعارض الفنِّيَّة.
لقد عكست أعمال الفنَّانين منذ التأَسيس حتَّى الآن تنوُّع الأساليب الفنِّيَّة وغناها، حيث تأَثَّروا في إربد ومناطقها كغيرهم من فنَّاني المملكة بالأساليب والاتِّجاهات المعاصرة، رغم محاولة البعض بانفراد الأسلوب وطريقة العمل.. وقد اكتسب الفنَّان في عروس الشمال نتيجة الاطِّلاع والاحتكاك خبرات لعبت دوراً كبيراً في فهم العمل الفنِّيِّ الَّذي انتهى به المطاف لتحديد مساره الفنِّيِّ ضمن ما يسمى بالمنهج الفكريِّ والفنِّيِّ. حيث ذهب بعض الفنَّانين نحو فضاءِ التجريد لخلق علاقات لونيَّة متناغمة واستخلاص الجوهر من الشكل الطَّبيعيِّ وإعادة صياغته في شكل جديد، وأنَّه ليست ثمَّة أُمَّة تآلفت مع القيم التَّجريديَّة كالأُمَّة الإسلاميَّة الَّتي أحاطت كلَّ حياتها بضروب من عناصر الزَّخرفة الإسلاميَّة؛ والمتمثِّلة في العناصر الهندسيَّة والنباتيَّة والآدميَّة والخطيَّة.
وذهب بعض الفنَّانين إلى الواقعيَّة والتَّعبيريَّة وإلى الصُّورة الفوتوغرافيَّة لإبراز التُّراث الأُردنِّيِّ والزِّيِّ الشَّعبيِّ والنَّمط العمرانيِّ التقليدي في " إربد " ومناطقها. وعكس بعض الفنَّانين جماليَّة الطَّبيعة، وأخذت المتلقِّين في طواف بصريٍّ ببعض المواقع التَّاريخيَّة والأثريَّة.
وهناك من اتَّجه إلى السِّرياليَّة والبحث عن المجهول وعن مصادر خياليَّة تلهمه إبداعاته بعيداً عن عالم الواقع والشُّعور.
وإذا كانت الحركة التَّكعيبيَّة قد سلكت طريقها على يدي كل من ( بيكاسو وبراك ) فهي في الأصل اتِّجاه يعمد إلى اتخاذ حركة مضادَّة للتَّأثيريَّة الَّتي تصوِّر الجانب العرضيَّ من الأشياءِ دون النَّظر في مضمونها أوْ موضوعاتها، وهناك من الفنَّانين من توصَّل إلى الأسلوب الهندسيِّ، ومنهم من اقترب إلى الواقعيَّة بأسلوب تكعيبيٍّ.
وهناك من الفنَّانين من اتَّجه إلى التَّجريد، وهذا التَّوجُّه أتاح لهم مساحة أكبر من حرِّيَّة الحركة وحرية التَّفكير وحرِّيَّة استخدام العناصر بلا حدود، وبلا شروط، ولا تقاليد ثابتة، أوْ قواعد أكاديميَّة تتعلَّق باللَّون أوْ الخط أوْ المساحة، أوْ التَّكوين، أوْ الدَّرجات اللَّونيَّة أوْ الملمس، أوْ تقنيَّة عجينة اللَّون، كلّ ذلك أعفوا أنفسهم منه وانطلقوا بكل حرِّيَّتهم، وبكل مشاعرهم وأحاسيسهم، يرسمون كلّ ما يخطر على بالهم بالطَّريقة التي يرونها مقبولة لديهم.
لقد عملت تلك الأجيال التي تُمثِّل معظم التَّيَّارات والاتِّجاهات الفنِّيَّة التي أشرنا إليها، في مجالات التَّصوير والرَّسم والحفر والطِّباعة والخزف والنَّحت والعمل المركب أوْ التَّشكيل في الفراغ والكمبيوتر جرافيك وفنَّ الفيديو والتَّصوير الضَّوئيِّ.
أمَّا من حيث مسار الحركة التَّشكيليَّة في " إربد "، فإنَّ الخطوات تُبشِّر بالخير، حيث برز العديد من الفنَّانين الَّذين ظهرت شخصيَّاتهم وأخذت في التَّطوُّر والظُّهور، ومنهم من استطاع أنْ يجعل له نمطاً وأسلوباً خاصاً به، والبعض الآخر استمرّ في تطوير المدارس الفنِّيَّة وتطويعها لتخدم المواضيع التي يريد أنْ يعبِّر عنها.
كما لا بدَّ من التنويه بأنَّ الحركة التَّشكيليَّة في " إربد " شهدت تطوُّراً عن مثيلاتها في محافظات المملكة وبشكل خاص في عمَّان، من حيث الأساليب الفنِّيَّة المطروحة الَّتي أشرنا إليها، أوْ الأفكار والانتماءَات إلى المدارس الفنِّيَّة المختلفة.. بالإضافة إلى التِّقنيَّات الحديثة، رغم أنَّها لم تتجاوز الثلاثة عقود من الزَّمان، رغم ذلك فهي الآن بدأَت تخطّ لنفسها منهجاً، وبذلك تكوِّن لنفسها مجموعة أصداءٍ شدَّت انتباه الدَّارسين والباحثين والنُّقَّاد إليها.
أخيراً نودُّ الإشارة إلى أنَّ المقالة شاملة لجميع الفنَّانين في محافظة إربد، وإذا كانت هناك أسماءٌ لم نتطرَّق لها، لا يعني تجاهلنا سوى أَنَّنا لم نحصل على معلومات كافية لتوثيقها ضمن المراحل المتسلسلة الَّتي تناولناها.