أسماء زيتون
قاصة أردنية
-نريدُ إسقاطَ الظالمين.
هكذا صاح الكهلُ وهو يحاول تحفيزَ الناسِ الذين تجمّعوا في الساحة المحاطة بالتماثيل الرخاميّة أمام القصر، هاجت الحشودُ وماجت، ثم كان لها ما أرادت.
الكهلُ الذي صار زعيمًا، تعلّم الدرس، ولم ينتظر ظهورَ كهلٍ جديد ليصيحَ بالناس، فقد أمر زبانيته بإبادة كل المحتشدين في الساحة.
لكنَّ عرشَه الهشَّ اهتز تحته، عندما علتِ الصيحاتُ من جديد، نظر من شرفته نحو الساحة، وأرعبه منظرُ التماثيل الملطخة بالدماء، التي دبّت فيها الحياةُ، وهبّت لتنتصر للحرية.
نزيفٌ
- أنا لا أحبّك!
قلتها لزوجتي التي رافقتني طوال سنيّ بؤسي، ظلّت تحدّق بوجهي وهي صامتةٌ تمامًا، لحظاتٌ انقضت كأنّها دهرٌ.
- لا بأس!
ردّت بصوتٍ مضطربٍ اجتهدتْ أن يبدو متماسكًا لكن ارتعاش الحرف فضحها.
كنتُ أستطيعُ رؤيةَ مشاعرها تنزف من كل مسام جسدها، لتتناثر خلفها وهي تغادر المكان.
لماذا فعلتُ ذلك؟ لا أعلم على وجه التحديد، لكن منذ تلك اللحظة، صرت أرى الناسَ بشكلٍ يختلف قليلًا عمّا ألفته، فجاري الذي حُبس ابنه بجريمة سرقة، كان يمشي راكعًا مكسورَ الظهر، والفتاة الصغيرة في الطابق العلويّ التي مُنعت من إكمال تعليمها كانت مطفأة العينين، أما قلبُ أم أحمد المفطور لاستشهاد ابنها منذ عشرين عامًا، فقد كان فتاته يتساقط أمامها وهي ذاهبةٌ لزيارة قبره.
شعرتُ بالذكريات تجتاحُ رأسي مثل صداع، خيالها الذي لم يفارقني منذ افترقنا، يتمثل أمامي بكامل بهائه، لكنّني أعجز كالعادة عن احتضانه، أنظرُ إلى نفسي في المرآة، وأراقب ببلاهة كل تلك التمزقات في روحي وهي تتسع، حتى أختفي.
الحادث
يقود سيارتَه منزعجًا، فهو يكره العودة ليلًا على الطريق السريع، زوجته إلى جواره تحاول فضَّ نزاعاتِ أطفاله الذين يشاغبون في المقعد الخلفيّ، يتذكّر حريتَه أيام شبابه، ويتنهّد.
يقابله منعطفٌ خطر، تهتز سيارته بعنف وتخرج عن الطريق، فيغيب عن الوعي.
يفتح عينيه على فاجعة فقدهم جميعًا، يبكي بحرقة، ويتذكر لحظاته الأخيرة معهم، يقتله الندمُ، فهو لم يقل لهم أنّه يحبّهم، بل كان يراهم حِملًا ثقيلًا يقصمُ ظهره.
ينفضُ عن نفسِه الحزن، ويتوجّه إلى المقبرة ليلقي عليهم نظرةَ الوداع، يستوقفه منظرُ تحلّق زوجته وأطفاله حول قبره، ينثرون الأزهارَ عليه ثم يرحلون.