منير عتيبة
كاتب، مدير مختبر سرديات مكتبة الإسكندرية/ مصر
ساعة
تداخلت ضلوعُهما فتمنى أن يتوقف الزمن. نظر في عينيها الصغيرتين المبتسمتين. خلع ساعته من ذراعه، فتحها، أخرج بطاريتها وألقاها بعيدًا... نظرت إليه العقاربُ الثلاثة بلا مبالاة، احتضن حبيبته مرةً أخرى، طار بها بلا جناحين، فبدا العالمُ من أعلى كساعةٍ عملاقةٍ صامتةِ العقارب.
لوم
أخبره قومُه أنَّهم سيغادرون الباديةَ إلى مصر لعلّهم يحصلون على طعام ينقذهم من الجوع، نظر إلى أولاده وزوجته الذين يكادون أن يهلكوا، عضّه الألمُ لأنَّه لا يملك راحلةً يذهب عليها معهم، صرخ في إخوته لائمًا لأنَّهم لم يلقوه في البئر عندما كان صغيرًا.
خروج
طلبتُ إليهم أن يتركوني معه خمسَ دقائق، كان يلفظُ أنفاسَه، لم يكن يشغلني وداعه بقدر رغبتي في مراقبة خروج الروح منه، جلستُ أمامَه لوقتٍ لم أحسب مدى طوله أو ثقله، حتى بدأتُ أراها تخرج.
جحظت عيناي انبهارًا، وانشغلتُ بمراقبة خروجها، حتى أنّني لم أسمعه وهو يصرخُ عليهم ليدركوا جسدي الذي تدحرج على الأرض، محدثًا ضجّةً لم تعد تعنيني.
الصورة
لا أعرفُ متى التُقطت، لكنَّ حبّي للأبيض والأسود جعلني أحتفظُ بها كسرٍّ يخصّني وحدي، عثرتُ عليها في جيبِ "جاكيت" قديمٍ لوالدي. عندما رأيتُها- أوّل مرة- كان فيها جدّي الذي مات قبل زواج أبي وأمي، وعمّي الذي مات قبل ولادتي بشهرين، وجدات وخالات لم أرهن أبدًا، ووجوه ربما لم تولد بعد. كنتُ في الصورة في سنِّ الخامسة، عندما دققتُ النظر اكتشفتُ مساحاتِ البياض فيها واختفاء كلِّ هؤلاء، وبقاء الأحياء فقط. من وقتٍ لآخر أتذكرها، أرى مساحةً بيضاءَ تحلُّ محلَّ أحدهم؛ فأذهب لأشتري كفنًا نستخدمه بعد يومٍ أو أيام، منذ أيام أجلسُ أمامَها متأملًا البياضَ الذي كنتُه.