مجدي ممدوح
كاتب وباحث أردني
تنوّع النتاج الفكري للمفكر خليفات خلال مسيرته الفكرية. فقد بدأ مشروعه في البحث في جذور التحليل اللغوي المنطقي في الفكر العربي الإسلامي، وأنتج في هذا السياق سفره النفيس بأجزائه الثلاثة، وقد تطرقت أغلب القراءات المقدمة في هذا الملف إلى هذا الجانب الجوهري في نتاج خليفات الفلسفي. في مرحلة لاحقة تفرغ خليفات لنقد ودراسة فلسفة الأخلاق والتحليل اللغوي في الفكر الغربي المعاصر، وتناول بالتحليل والنقد أهم فلاسفة هذا التيار من أمثال "لودفيج فتجنشتين" و"برتراند رسل". كما ظهر في وقت لاحق اهتمامه بتحقيق الكتب والمخطوطات، حيث أنجز مؤلفًا مهمًّا عن الفيلسوف العربي ابن هندو، بالإضافة لتحقيقه لرسائل أبي الحسن العامري، ومقالات يحيى بن عدي. كما أنَّ خليفات أنجز تحقيقًا لرسالة الفارابي المعنونة " التنبيه على سبيل السعادة"، والتي تضمنت أفكار الفارابي في فلسفة الأخلاق.
تطرق الملف إلى قضية مهمّة احتلت حيّزًا في السجال الفلسفي في الفكر الإسلامي الوسيط، وهي قضية المفاضلة بين المنطق اليوناني والنحو العربي، ومدى صلاحية كل منهما في قراءة النصوص المؤسسة في الحضارة الإسلامية، خاصة النصوص الدينية وما يترتب عليها من أحكام وتشريعات فقهية. وقد تناول الملف المحاورة الأشهر في الفكر العربي، والتي جرت بين "متي بن يونس" المؤيد لتوظيف المنطق اليوناني في فهم النصوص، و"أبي سعيد السيرافي" الذي كان يرى أنَّ النحو العربي وليس المنطق اليوناني هو المعول عليه في فهم وتفسير النصوص الإسلامية؛ لأنَّ المنطق اليوناني مشتق من قواعد النحو اليوناني ولا يصلح في الحالة العربية.
ورد في الملف عرضٌ لآراء خليفات حول العلاقة بين الفكر واللغة، والتي تعتبر من القضايا الشائكة في عصور التفلسف كافة. ويمكن اختصار رأي خليفات حول هذه المسألة بالقول إنَّه تبنّى رؤية جدلية حول العلاقة بين اللغة والفكر، وأنَّ الفكر واللغة هما وجهان لعملة واحدة، وأنَّ من المستحيل الفصل بينهما، ولا يمكن تخيّل أحدهما دون الآخر. ويشير خليفات في هذا السياق إلى حقيقة أنَّ الفكر لا ينبثق في العقل الإنسانيّ إلا مترافقًا مع قالبه اللغوي، وأنَّه لا وجود لفكرٍ مجردٍ بحتٍ منفصل عن التعبير اللغوي.
أسهم خليفات بتحليلات متماسكة حول تطوّر فلسفات التاريخ عبر العصور. ويشير خليفات إلى أنَّ فلسفات التاريخ تطوّرت من التصوّرات اللاهوتية ثم التصورات المثالية التي كانت ترى أنَّ العقل هو محرك التاريخ والذي مثّله بوضوح الفيلسوفان الألمانيان "جورج هيجل" و"فريدريك شلنغ". بعد ذلك ظهر المذهب الحيويّ الذي مثله "أوشفالد اشبنجلر" و"هنري برجسون". يعتقد "اشبنجلر" أنَّ الحضارة كائنٌ عضويٌّ يمتلك كل صفات الكائن العضوي، ولكل حضارة طفولتها وشبابها ونضجها وشيخوختها، أو أنَّ لها ربيعها وصيفها وخريفها ثم أخيرًا شتاءها. ويشير "اشبنجلر" إلى أنَّ الحضارة تذوي وتموت بعد أن تكون قد حقّقت جميع ما بها من إمكانات على هيئة شعوبٍ ولغاتٍ ومذاهبَ دينية وفنونٍ وعلومٍ ودول. وهذه النظرة للتاريخ تعدُّ تشاؤمية لأنَّها تسدُّ الطريق على التواصل والتمازج بين الحضارات، حيث كل حضارة تولد وتموت منعزلة عن غيرها. أمَّا "هنري برجسون" فكان أكثر تفاؤلاً حيث كان يؤمن بتقدمية التاريخ ولا يتفق مع "اشبنجلر" حول النهاية الحتمية للحضارات. ثم قدّم خليفات نقدًا وتحليلاً معمقًا للتصوّر الماركسي للتاريخ، بالإضافة لنقد التيار الوضعيّ الذي مثله في العصر الحديث المؤرخ البريطاني "أرنولد توينبي".
بحث خليفات في شعر المعري نقدًا وتحليلًا، محاولًا استجلاء معضلة الشر الأخلاقي وعلاقته بالألوهية. وقد توصل خليفات بعد دراسته لشعر المعري إلى حقيقة أنَّ المعري كان يعتقد بعلاقة تلازميّة بين ماهية الإنسان وبنيته ونزعة الشر فيه. وهو يرى أنَّ الله لحكمة أرادها زرع هذه النزعة في الإنسان عن سابق تدبير. وبالتالي فإنَّ الله يعلم ويريد ما سيصدر عن الإنسان من شرور وفق ماهيته المخلوقة من قبل الله. ويستشهد خليفات بما جاء في لزوميات المعري، حيث يقول: "لَو حاطَنا اللَهُ لَم نَحفِل بِمَرزِيَةٍ وَكَيفَ يَخشى رَزايا الدَهرِ مَن حاطا".