مسافرٌ على حصانٍ خشبيّ

محمد عرب صالح
شاعر مصري

كبَا الجوادُ وضاعَ الدَّربُ حينَ كبَا
فقيَّدوا حُلْمَهم في الظِّلِّ وهو أبَى
صادفتهُ في أواني الوردِ مُبتهجاً
وفي معيَّةِ مزمارٍ مقامَ صَبا
قالَ الحصانُ: أنا رافقتهُ عُمُراً
مذ كان طفلاً وكنتُ "اللعبةَ الخشبَا"
حتَّى دعاني إلى حربٍ بذاتِ مسا
وكنتُ أحسبُها من غفلتي لعبَا
أرخيتُ طرفَ لجامي وامتثلتُ لهُ
حدَّ التَّدلُّلِ حتَّى خِلتهُ ركِبا
فصارَ عودَ ثقابٍ فجأةً لمعتْ
عيونهُ وأنا من تحتهِ حطبَا
وقالَ شيخٌ روائيٌّ: أقامَ معي بينَ السُّطورِ،
تبدَّى قدرَ ما احتجبَا
ضاقَ المكانُ عليهِ والرؤى ركضتْ
إلى يديهِ سراعاً والزَّمانُ حبَا
حتَّى وصلنا قُبيلَ الحبكةِ ارتعدتْ
أوصالهُ فهجاني بعدما هربَا
وحينَ مرَّتْ عليهِ الذِّكرياتُ نمتْ
في قلبهِ وردةٌ وانسالَ ريحَ صَبا
ولم تكلِّمهُ لكن صافحتْ ومضتْ
كما يصافحُ صيادٌ قطيعَ ظِبا
***
مرَّتْ وعيناهُ إثرَ الكعبِ سارحةٌ
تتلو على معشرِ الأشجارِ ما كتبَا
يا كعبَها .. ورؤوسُ العشبِ حائرةٌ
ألؤلؤاً كانَ نبتُ الخطوِ أمْ عِنبَا
وأيُّ عينيكِ -سهواً- حرَّرتْ شفتي
من الملامِ وأيُّ الحاجبينِ سبَى
لا شاعراً لنراهُ الآنَ منسرباً
بين الكلام يواخي الصَّمتَ والصَّخبَا
أو لوحةً دونها الألوانُ، أو حجراً
كنَّتْ له نخلةٌ في صدرها عتبَا
لا ماطراً لتغنِّي تحتهُ امرأةٌ
وتدَّعي أنَّ من أسلافهِ السُّحُبا
لكنَّهُ ما رأى في الرَّملِ وحشتَهُ
إلَّا تشبَّهَ بالغيماتِ وانسكبا
****
فأمُّهُ في صباهُ خبَّأتْ وطناً
في رَحلهِ يرتديهِ حيثما ذهبَا
كانتْ خطاهُ مُنادى والطَّريقُ فماً
وظلُّهُ نحوَ نجمٍ عالقٍ وثبَا
فلا الأماني التي راودنَهُ صدَقتْ
ولا الأغاني التي واعدْنَهُ طربا
أصغى طويلاً إلى أنْ صارَ أُغنيةً
وظلَّ في زحمةِ النَّاياتِ مُغتربَا
فلم يزل للسَّهارى الحائرينَ أخاً
ولليتامى إذا حانَ البُكاءُ أبَا
وعندما اختارَ درباً صوبَ بلدتهِ
كبَا الجوادُ وضاع الدَّربُ حينَ كبَا.
***