فيلم "دون/الكثيب"/2021: تكاملٌ سينمائيّ، وتمثيلٌ استحواذي مع نمطِ إخراجٍ غير مسبوق في تاريخ السينما.

م. مهند النابلسي
كاتب وباحث وناقد سينمائي أردني.

*تحفة الخيال العلميّ الجديدة/2021/ التي تتنافس لأول مرة على عشر جوائز أوسكار...
*"الملكية للأفلام": التضاريس الأردنية الخلابة أسهمت في نجاح فيلم "دون"!
*الكثيب: رواية عرضت لبعض حوارات وأحداث فيلم "دون" المحوريّة: سرد واقعي جديد سلس حي ومتتابع لاهث لحقيقة ما يجري على الشاشة، كما يحسُّ به ويعايشه المشاهد الشغوف.

*الكثيب هي (رواية) خيال علمي، تتحدث عن المؤامرة في المستقبل البعيد للبشرية، حيث يقبل الدوق "ليتو أتريدس" الإشراف على كوكب الصحراء الخطير: (آراكيس)Arrakis، المعروف أيضًا باسم (دون) Dun، المصدر الوحيد لأهم مادة في الكون وهي "التوابل"، حيث يوجد عقار يطيل عمر الإنسان ويوفر طاقة خارقة لمستويات الحركة والتفكير، ويجعل السفر أسرع من الضوء ممكنًا. على الرغم من أنَّ "ليتو" يعرف أنَّ الفرصة هي فخٌّ معقدٌ نصبه له أعداؤه، فإنَّه يأخذ زعيمة منظمة "بيني جيسريت" ليدي جيسيكا، وابنه الصغير ووريثه "بول"، والمستشارين الأكثر ثقة ل"أراكيس". ليتحكم "ليتو" في عملية تعدين التوابل، والتي أصبحت محفوفة بالمخاطر بسبب وجود ديدان رملية عملاقة تعمل كحارسة. ثم تقود خيانة مريرة ل"بول" و"جيسيكا" إلى قبضة عشيرة "الفريمن"، وهم سكان "أراكيس" الأصليين الذين يعيشون في الصحراء العميقة.
"بول أتريدس"، شاب لامع وموهوب ولد ليتلقى مصيرًا عظيمًا يفوق إدراكه، لذا يجب أن يسافر إلى أخطر كوكب في الكون لضمان مستقبل عائلته وشعبه. بينما تنفجر القوى الحاقدة في صراع حول الإمداد الحصري للكوكب بأثمن مورد موجود، لن ينجو سوى أولئك الجسورين الذين يستطيعون التغلب على مخاوفهم: ربما استبدل الكاتب مفهوم وفرة "النفط والغاز" في الصحاري العربية بمفهوم وجود كوكب صحراوي غني بالتوابل؛ كقصة توابل الهند وآسيا وطريق الحرير، تحرسه ديدان هائلة تجوب باطن رماله، إنَّها بالحق فكرة فانتازية مذهلة...
تضع قيمة مزيج التوابل الخاصة هذه كوكب "آراكيس" Arrakis الصحراوي في قلب صراع ضار، ما يُسمّى حاليًّا بالصراع الجيوبوليتيكي على السلطة على غرار ملحمة Game of Thrones بين العائلات النبيلة المختلفة مثل "بيت آتريدس" House Atreides ومنافسيهم الألداء في "بيت الهاركونين"House Harkonnen. ولكن كما سيتعلم بولس الشاب القيادي الواعد، فإنَّ الصراع الأكثر قسوةً هو الصراع الذي تخوضه القبائل البدوية المعروفة باسم "الفريمن" التي تسكن "أراكيس". يكيف "الفريمن" مجتمعهم بأكمله لهدف وحيد، وهو البقاء على قيد الحياة في الصحراء القاتلة، حيث إذا لم تقتلك الحرارة، فربما ستفعل ذلك الديدان الرملية العملاقة. يمكن التعرف على الفريمين من خلال "البذلات" التي يرتدونها (والتي تحافظ على مياه الجسم عن طريق إعادة تدوير كل جزء من الرطوبة الزائدة) ومن عيونهم الزرقاء النقية، وهو تأثير لاحق للتعرض المطول للخليط.


في تكييف الكتاب (الرواية) الذي كُتب في ستينيات القرن الحادي والعشرين، أراد المخرج فيلنوف (صاحب فيلمي "آرايفال وبليد رانر 2049 " وقد سبق وكتبت عنهما): التفكير في الحقائق التي حدثت فيما يتعلق بالاستغلال المفرط للأرض وموارها "البيئية/التعدينية"، واعتبر سيناريو كتابه "قصة قادمة، ولكنَّه أيضًا دعوة للعمل من أجل الشباب والبيئة". وشملت التغييرات الأخرى تغيير بعض أقواس الشخصيات النسائية في الكتاب. وفقًا ل"ريبيكا فيرغسون"، التي تم اختيرت بدور السيدة جيسيكا، "كان دينيس محترمًا وملتزما جدًّا لعمل فرانك في الكتاب، [ولكن] تمت ترقية جودة الأداء بالنسبة لكثير من النساء إلى مستوى مهني جديد. كان هناك بعض التحوّلات التي قام بها، وقد صوّرت بشكل جميل وواقعي الآن. " مُنحت السيدة "جيسيكا" دورًا موسّعًا كجندي بالإضافة إلى كونها جزءًا من منظمة "بيني جسريت" Bene Gesserit، والتي وصفها الأستوديو بأنَّها" كاهنة محاربة"، مقارنة بـتسمية قديمة غير محبذة: "كراهبة الفضاء"... شعر "فيلنوف" أنَّ الكتاب أعطاها إيّاها بحق. كما مُنحت الدكتورة "ليت كاينس"Liet Kynes ، عالمة البيئة في "كوكب آراكيس" Arrakis وقد ذكرت في الرواية، دورًا جديدًا موسعًا كقائدة للمساعدة في توسيع تنوع فريق التمثيل. فقد أراد فيلنوف أيضًا نقل البارون "فلاديميرهاركونين" من كونه "كاريكاتيرًا/كارتونيا" كما قُدّم في الرواية إلى خصم أكثر تعقيدًا كشخصية واقعية متنفذة.
ونسمع الدكتورة "كاتيز"؛ عالمة البيئة السمراء وهي تشرح وتوجّه لهم النصائح لكيفية التعامل مع بدلات الكوكب العازلة: إنَّها تبرّد الجسد وتعيد تدوير مياه التعريق للتبريد والشرب، وما الجديد في هذا الطرح المعروف؟...ويسألونها إن كانت من "الفريمن"، ونشاهد مناظر خلابة للكثبان الرملية من الأعلى كما نستدل على منظر التوابل الصحراوي الآخاذ.
نشاهد رجلًا ضخمًا أصلعَ يذكرنا بسحنة "براندو" الشهيرة في "أبوكاليبس ناو"- فيلم القيامة الآن الشهير عن حرب فيتنام-1979- كما يبدو كرشه منتفخًا، وهو يتوعد سامعيه بأنَّه لن يبقي أحدًا من هؤلاء بدو "التريديس"، ويبدو جالسًا بهيبة على كنبة طويلة، ثم نلاحظ طوله الفارع غير العادي عندما يقف منتصبًا أخيرًا.
وننتقل لاجتماعٍ محوريٍّ يتحدث عن مستودعات التوابل وضرورة ملء كل صندوق خلال 25 يومًا فقط، ثم تهبط طائرات "هليوكوبتتر" بأجنحة ناموسية دوّارة، وشخص يخبرنا بأنَّه عاش مع الفريمن لأربعة أسابيع وعرف أسرارهم، وحديث عن توفير مالي بقيمة 10 مليار "سولاري"- اسم وحدة العملة المستخدمة حينها-، ونداء: "اتركوا الصحراء للفريمن، إنَّهم يملكون قوة الصحراء المخيفة"، ونرى في ختام مشاهد الساعة الأولى القائد "ستيلغار" قادمًا بردائه الصحراوي، وهو يقول لهم: "أنتم غرباء تأتون من أجل التوابل فقط، ولا تقدمون لنا شيئًا بالمقابل". ويُطلب منه البقاء ولكنَّه يعتذر باستياء لارتباطه بموعد آخر مهم..
تصبح "جيسيكا" الأم الموقرة لعشيرة "الفريمن" من خلال تناول ماء الحياة، وهو سمٌّ قاتلٌ تجعله غير ضار باستخدام قدرات "بيني جيسريت" السحرية. ثم في حلم استبصاري، علم بولس بمؤامرة الإمبراطور لقتله. ويرى أيضًا أنَّهم يخشون أن يستهلك ماء الحياة. عندما تتوقف أحلام "بول" فجأة، يشرب ماء الحياة ويقضي رحلة عميقة في الصحراء. يكتسب قوى نفسيّة قوية وقدرة على التحكم في ديدان الرمل التي يدرك أنَّها مصدر التوابل. ثم حشد الإمبراطور المسيطر أسطول غزو ضخم فوق "أراكيس" للقضاء على "الفريمين" واستعادة السيطرة على الكوكب. وقام بقطع رأس "رابان"؛ "الجاسوس المتمرد" واستدعى البارون "هاركونين" لشرح سبب توقف التنقيب عن التوابل. لكن "بول" شنَّ هجومًا أخيرًا على "آل هاركونين" وجيوش الإمبراطور "سارداوكار" في "أراكين"، العاصمة. ومن خلال الركوب فوق الديدان الرملية والتلويح بالأسلحة الصوتية، يهزم محاربو"باول" Paul's Fremen بسهولة مع دعم جحافل الإمبراطور، ثم بجروح مميتة يخرج البارون هاركونين من المعركة. لكن بولس يواجه الإمبراطور المهزوم ويقاتل القائد الأسمر "فيد-الروثا" في مبارزة مصيرية حتى الموت. ثم بعد قتل "فيد" ودفنه في كفن أبيض مهيب مع طقوس جنائزية معبرة، أظهر بولس أخيرًا قواه المكتشفة حديثًا محقّقا "نبوءة الفريمن" من خلال التسبّب في سقوط المطر على "أراكيس": الكوكب الصحراوي الجاف!
أعتقد -ربما- أنَّ كاتب الرواية قد استند لخيالة الروائيّ الفانتازيّ الخصب وللمرويات الفروسية "القروسطية" والدينية الأسطوريّة، ولقصص الأفلام المختلفة في كتابة فحوى روايته اللافتة، وربما لم يلجأ لمراجع علميّة فضائيّة معتمدة لتبرير مكوّنات الأحداث باعتبارها ستجري في المستقبل البعيد، ولا ننسى أنَّه في زمن ظهور الرواية في العام 1965 لم يكن الانترنت متاحًا كما هو حاليًّا للبحث والتنقيب، لذا من الصعب في اعتقادي تصنيف الرواية والفيلم تباعًا كخيالٍ علميٍّ محتمل، وإنَّما هي مزيجٌ من الفانتازيا والفروسية ومعارك القرون الوسطى البطولية مع بعض المعطيات البيئية والأساطير الدينية مع الخيال العلمي المحدود، وقد خلط كل هذه المكوّنات بمهارة ليحقّق هذا النمط من الأدب الروائيّ الشيّق الحافل بالبعد الحضاري-الإنساني والنكهة الأسطورية، وهذا ما يجب الاعتراف به، وتجاوز تقديس الرواية وتبجيلها... وكذلك "تقييم" الفيلم الذي التزم بنصها حرفيًّا مع الحد الأدنى من التعديل...علمًا بأنَّهم يعملون حاليًّا على إنتاج الجزء الثاني المكمل لنصِّ الرواية وإخراجه!
• آخر نصف ساعة:
يقول "ليو": "نحن على ارتفاع 5000 متر عن الأرض"، وهو يقود طائرة "الثوبتر" مقتحمًا الأفق، ويبدو وكأنَّها فقدت جناحًا، ثم يطلب من أمه: "عندما نهبط اركضي نحو الصخور"، ونرى مناظر خلابة فريدة لتضاريس "وادي رم" في جنوب الأردن...ثم يتابع: "يجب إيجاد الفريمن"، ويضعان كمامات لمواجهة أغبرة الرمال الخانقة، ثم يسيران بانزلاق فوق الرمال ويستريحان لبرهة، ونرى البدوية الخلاسية الجميلة ذات العينين الزرقاوين تعلق على مشهد فئر صحراوي صغير يسعى للنجاة وكأنَّه مؤشر لهم، ونرى سيفًا تراثيًّا ملقى على الرمال، ثم "سأريك طرق الصحراء"، يقول أحدهم ويشير لملجأ "الدايكن"، مما يؤكّد أنَّ "الفريمن" يعيشون هناك، ثم سنعبر الصحراء وسندخل منطقة الديدان الخطرة، لكن علينا السير بحذر على الرمال بأسلوب "الزكزاك"، الركض الاتجاهي يمينًا ويسارًا، لكي نتجنب ملاحقة الدودة الرملية ونضمن الوصول بآمان، ونشاهد فجأة زوبعةً رمليّةً كاسحةً تلاحقهم، ونتمكن أخيرًا من مشاهدة دودة رملية هائلة ماصّة تلاحقهم... لكنَّه "الضارب" الذي أبعدها عنهم، فقائدهم شغّل ما يسمّى "الضارب" الذي يبدو وكأنَّه شيء "سحري" يبعدها، ثم يقال بأنَّ أحدهم قد استدعاها، فلسنا وحدنا هنا، ونسمع نصيحةً بعدم الركض واستهلاك مياه جسدهما المحدودة، وتساؤلاً غريبًا: "كيف يمكن أن يكون لسان الغيب هو الذي فعل ذلك؟"؛ تعبير عربي كغيره من المصطلحات التي استخدمها الكاتب خلال روايته بغموض وتكرار ورغبة في إقحام البعد الأسطوري الصحراوي على ثنايا أحداث روايته الغريبة، (فهناك مناظر خلابة لصحراء "أبو ظبي" كذلك)... ثم تقول البدوية إنَّه جهاز "الضارب" الذي أنقذ حياتكما! ولا نعرف كنه هذا الجهاز ولا شكله، ثم يطلبان باستعطاف: "ساعدونا للمغادرة إلى كوكب "كالادان".، ثم يتصارع "ليو" مع متحديه الأسمر المستنفر ب(شبريّة) مع كلٍّ منهما أمام جمعٍ متحمّس: "كدت تذبحني"!..ويستل ليو مسدسًا صغيرًا للدفاع عن نفسه، ويتصاحب ذلك مع تعليق بلغة صحراوية... "أراك مهتاجًا لكنَّك تبدو كفتى صغير! فلماذا اخترت الحياة الصعبة؟"...ولا تراجع عن مواجهة "جاميس" المقاتل الجاهز، فيتصارعان معًا، ونعود ونرى سيفًا ملقيًّا على الرمال، ويبدأ النزال، ويقول القائد المراقب بأنَّه لا توجد رحمة قط، فالموت يحسم التحدي... ثم يقتل خصمه مجبرًا، فتقول الفتاة: "لا أصدق أنك لسان الغيب".، ونسمع اسم "كويستاز هايدراخ" وتعابير مثل: "يجب أن يموت أحدهما". ووصف لسكين كريس بأنَّه مصنوعٌ من معدن خاص، كما نسمع اسم "شاي هولود" يتردّد ولا نعرف مغزاه... وفي خلفية المشهد الذي صُوّر ببطء مقصود ومع نغمات موسيقى تصويرية آخاذة للموسيقي العالمي الشهير "هانز زيمر"، ومع صوت أوبرالي أنثوي جماعي حزين معبر يحفل بالنواح البدويّ، ويقال له أخيرًا: "لقد أصبحت واحدًا منا"؛ حسب تعبير القائد الممثل البارع "خافير باردم". ثم نسمع: "لم يأتِ أحد إلى هنا من أجل التوابل فقط، بل لمصلحة شعبكم"، ثم يسيرون جميعًا بهيبة في الصحراء بعد أن حملوا نعش القتيل المكفن. ونشاهد عبر الغبار دودة رملية تجتاز الرمال بصمت وكأنَّها تتابعهم عن كثب..."إنَّها البداية فقط" تقول الفتاة، فيبتسم بهدوء ثم يقول: إنَّها قوة الصحراء!.
وهكذا ينتهي الجزء الأول وبانتظار الجزء الثاني لتكملة قصة الرواية التي لا تستحق (من وجهة نظري الشخصيّة) كلَّ هذا الاحتفاء والتبجيل والضجيج، خاصةً مع خلط الروائي للمكوّنات والسمات والصراعات والتقنيات، وكأنَّها بالفعل خلطة "توابل"!
• ملخص نقدي شامل:
الفيلمُ ليس "لورنس العرب في الفضاء"، لكنَّه يقترب كثيرًا من ذلك مشهديًّا ومجازيًّا، وأنا أقول ذلك كشخصٍ دخل في تيهٍ وشكٍّ ومقارنة. لكنَّه افتقد لنماذج "بيتر أوتول وعمر الشريف" وكذلك لعبقرية الإخراج تحديدًا!
أنا معجبٌ بأيِّ مخرجٍ قادرٍ على خلق عالم قائم بذاته بهذا الحجم المذهل الأخاذ، لكن هذه ملحمة للعين وليس للقلب، وهي تفتقد حقًا لرؤيا المخرج الإبداعيّة الذي التزم بالنصِّ الروائي.
"الكثبان الرمليّة" هي وليمةٌ مطلقة للعيون والأذنين، تصويرٌ سينمائيٌّ مذهلٌ مصحوبٌ بموسيقى تصويرية غامرة تناسب كلَّ مشهدٍ مثل القفازات. بالنسبة لأولئك الذين حالفهم الحظ لقراءة الرواية، ستتم مكافأتهم. لقد كنَّا ننتظر منذ أكثر من نصف قرن ما أعتبره أفضل قصة خيال علمي فانتازيّ على الإطلاق. وبتنا ندرك الآن كيف يلعب التقادم الزمني مع أولئك الذين لا يعرفون القصة بعمق، مثل أولئك الذين قرأوها بشغف وفضول وأولهم المخرج "فيلينوف" نفسه.
الجهاز والأزياء والتكنولوجيا تتحقّق بشكل خيالي مذهل. على الرغم من تقدم تقنية المؤثرات الخاصة بحيث يمكن تحقيق ذلك، فإنَّ المخرج "دينيس فيلينوف" Denis Villeneuve وفريقه يستحقون التنويه للرؤية الإبداعية في التكيف من سرد الكتاب إلى الشاشة بأقل قدر من الخدع السينمائية المعروفة. فعلى سبيل المثال؛ لم أستطع أبدًا تخيّل "اوميثوبترز" "ornithopters" - السفن الطائرة الأصغر على كوكب Arrakis كما ظهرت في الشريط بشكل واقعي ممكن ومتوقع.
هنا يتم تمثيلهم على أنَّهم أجنحة X تشبه اليعسوب، وهي ساحرةٌ بحق وممكنة التطبيق تقنيًّا. ثم هناك البذلات الفضائية الثابتة، و"الباحث عن الصياد" مفهومٌ غامضٌ ورد في نصِّ الرواية، وكل ممثل عليه أن يجلب لعبته معه، لكن "ريبيكا فيرغسون" بدور جيسيكا، و"تيموثي شالاميت" في دور بول، فقد كانا رائعين حقًا، لكنَّني أشكُّ في ذلك! فهناك مشهد مبدع في الرواية حيث يخضع بول لاختبار Gom Jabbar، أعتقدُ -والله أعلم- أنَّ كاتب الرواية قد اقتبس هذا المفهوم من تعبير "قوم جبارين" " العربي –الإسلامي" القرآني تحديدًا"، وهو اختبار حياة أو موت. حيث يتطلب المشهد من كل من "جيسيكا وتيموثي" أن يعبّرا عن نفسيهما فقط من خلال تعابير وجههما وحركاتهما الجسدية، وكانا رائعين بتقمص هذا المشهد الذي أثبت مهارتهما التمثيلية المدهشة، (لكن هناك مبالغة مقصودة في تقدير عظمة هذا المشهد وكأنَّه غير مسبوق في تاريخ السينما من وجهة نظري الشخصية).
أخيرًا؛ وفي قناعتي الخاصة فأعتقدُ أنَّ المخرج نجح في اختيار معظم الشخصيات التي أدت أدوارها ببراعة كبيرة وتقمصت الشخصية تمامًا، إلا باختياره لدور "الدوق ليو"/بول "الأساسي" فلم يوفّق أبدًا، ولم يكن "تيموثي تشالاميت" مقنعًا، وبدا كطفل متحمس على أعتاب المراهقة... يلعب دورًا محوريًّا صعبًا للغاية... يفوق مظهره العام البريء "غير البطوليّ إطلاقًا" وإمكاناته التمثيلية المتواضعة بالمقارنة مع الآخرين المشاركين، وربما لا يتفق الكثيرون مع وجهة نظري هذه. علمًا أنَّ إعجاب المخرج وشغفه بممثلٍ ما، لا يكفي هنا؛ وخاصةً في عمل ملحميّ جدليّ عالميّ "باهظ التكاليف"... والجدير بالذكر أنَّ ناقدة سينمائيّة "يوتيوبية" غربية قد استغربت كثيرًا من عدم مشاركة ممثل "شرق أوسطي" واحد في الطاقم التمثيلي، بالرغم من أنَّه صُوّر جزءٌ كبيرٌ منه في "وادي رم، جنوب الأردن، وصحراء (أبو ظبي)" الإماراتية، وبالرغم من أنَّ الشريط يتحدث عن أحداث تجري في كوكب صحراوي مقفر تسكنه عشائر بدوية، فقط لنتخيل "لورنس العرب" دون مشاركة الفنان العربي-المصري "عمر الشريف" كمثال معبر في دور "الشيخ علي" المحوريّ على سبيل المثال!