لا لا مستحيل


تغريد شاهين
قاصة سورية

"معقول يكون بخيلاً؟؟...لا لا مستحيل"
كررت الممثلة في إحدى لوحات المسلسل الكوميدي الناقد "بقعة ضوء" هذه العبارة على مدار الحلقة، كانت تروي قبلها قصصاً تدين زوجها بالبخل وبشكل لا يقبل الشك، ثم تتساءل ببلاهة:
"معقول يكون بخيلاً"،ثم تنهيها بالنفي القاطع: "لا لا...مستحيل"
ربما كانت من أكثر الحلقات التي أضحكتها، حتى أنَّها استخدمت لازمتها بين أصدقائها عندما كانوا يتحدثون عن أمر واضح جداً لكن يتم نفيه لسبب ما، وكانت تنتهي من الجملة بضحك يعادل ضحكها على الحلقة كلها.
لم تتذكر ذلك وهي تحدث نفسها: "معقول يكون بيحبني... لا لا مستحيل"
الهاتف في يدها...
أزالت قرطي الفضة اللذين قدمهما لها بدون مناسبة، فقط لأنَّها عندما جربتهما في محل الأنتيكات، لمعت عيناها إعجاباً بهما فخاف أن تبكي كلما مرّا أمام المحل؛ لذا وفر على نفسه علب المناديل واشترى القرطين.
هذه كانت روايته الساخرة وفي عينيه رواية أخرى.
في يدها وضع ياسمينات صغيرات فواحات، قال: "بيشبهوك"...ردت: "شو حلوة ريحتهون"
بعد أن أمسك يدها وقربها من أنفه. قال: "الله !! شوفي شو عملوا ايديك بالياسمين"
هذه أيضاً اعتبرتها مجرد لطف مبالغ فيه.
"معقول يكون بيحبني؟؟... لا لا مستحيل"
الوقت الذي كان يقضيه بالاستماع إلى قصصها، أحلامها، أحزانها، حتى الأشياء السخيفة منها، كانت تعتبره من أفضال لطفه فقط، لطفه الذي يوزعه على الجميع وهي منهم، ولا يعني شيئاً أنَّه كان يقتص من وقته دوماً لأجلها، أو أنَّه كان لا يخرج أبداً إن كان هناك احتمال واحد أن تتصل هي، أو أنَّه اشترى هاتفه النقال بعد أن احتاجت أن تكلمه ولم تجده في البيت، فراح يعتذر لها وأقسم أنَّه سيجلب هاتفاً نقالاً فقط لكي لا يتكرر الموقف.
تذكرت تلك المرة التي كان يحاول فيها تهدئتها عبثاً، كانت تبكي بحرقة، عندما انهار أخيراً وبكى معها، تفاجأت طبعاً فهو لا يبكي، وليس أمام أحد. (ربما لديه ما يحزنه)..
"شلعتيلي قلبي بدموعك" جملته التي قالها في لحظات انهيارهما لم تسمعها بجدية كافية...
"معقول يكون بيحبني؟؟.... لا لا مستحيل"
اتصل بها مرة وهي تقرأ رواية "الغريب" لألبير كامو، أخبرته بذلك وأخبرته أنَّ النسخة التي معها تجاريّة جداً وتنغص عليها متعتها، ففاجأها في اليوم التالي بالمرور عليها قبل ذهابه للعمل وفي يده الرواية بترجمة أدبية محترفة....
لم تتساءل لم فعل ذلك، فاللطف المحايد كان التفسير الجاهز الآمن لها..
"معقول يكون بيحبني ؟؟... لا لا مستحيل"
الكتب التي قرأتها قرأها هو أيضاً كلها وتحدثا بشأنها ساعات، الأفلام التي أحبتها، شاهدها هو وأثنى عليها، الموسيقى التي كانت تطربها أصبحت المفضلة لديه، ولم يعد يمانع أن يذهب مشياً إلى عمله كنوع من الرياضة الوحيدة التي يمارسها حسب نصائحها التي لا تنتهي عن الصحة... لطالما ظنت أنها تثير ضجره بها وفقط...
ملابسه التي بدلها كلها بتدرجات الأخضر الزيتي بعد أن علم أنَّه لونها الرجالي المفضل، وعطره الذي بدله بنسخة مخففة لأنَّها تتضايق من الروائح النافذة حتى لو كانت جميلة...
"معقول يكون بيحبني؟؟"
واجهت كل ذلك دفعة واحدة وهي تضع الهاتف متراجعةً عن اتصالها به خوفاً من أن تشغله عن أمر أهم.....كذلك فعلت على مدار الأشهر الماضية بعد آخر لقاء لهما..
"معقول يكون بيحبني؟؟
إن كان يحبها فلماذا لم يقل ذلك ببساطة، لماذا يفعل كل ذلك لأجلها؟ ولا يقول: أحبك. أمسكت الهاتف مرة أخرى واتصلت به بسرعة قبل أن تغير رأيها، سمعت صوته على الجهة الأخرى..: "معقول تكون بتحبني؟"
سألته دون مقدمات.
صرخ: "ولك أي أي أي بحبك، لسا ما عرفت إنَّي بحبك... والله بحبك... بحبك ..بحبك، اليوم وبعد كل شي عم تسأليني: "معقول كون بحبك؟"
ردّت بصوتٍ مخنوق وهي تضعُ السماعة: "لا لا مستحيل".