حاورتها: عزيزة علي
كاتبة وإعلامية أردنيّة
هدى فاخوري طبيبة أسنان حصلت على بكالوريوس في طب وجراحة الفم والأسنان من جامعة القاهرة في العام 1969، وإلى جانب الطب هي مبدعة قاصة تكتب في مجال أدب الأطفال حيث تستحضر البيئة والتراث والحكايات الشفويّة المرويّة، كما تكتب قصصًا للكبار وفي مجال السيرة الذاتية، وصدر لها في مجال السياسة والحياة السياسية في الأردن العديد من المؤلفات على مدار أربعين عامًا.
في كتاباتها، وبخاصة في مجال أدب الطفل، فإنَّ الدكتورة هدى فاخوري تولي اهتمامًا كبيرًا بإبراز الموروث والتراث والتاريخ الشفوي، وأيضًا تعتني عناية خاصة باللغة العربية في الأدب الموجَّه للأطفال، تقول فاخوري: "كتبتُ للأطفال إبداعيًّا وليس منهجيًّا، وحرصتُ على استحضار البيئة والتراث والحكايات الشفوية المرويّة في أدب الأطفال".
وترى فاخوري أنَّ الأطباء والمهندسين الذين أبدعوا في الأدب هم من الموهوبين، زادهم تخصصُّهم العلمي قدرات استثنائية للمزج بين المعرفة والموهبة المتأصِّلة في وجدانهم لرفد إبداعهم الأصيل، مؤكدة أنها كانت تطمح لدراسة اللغة العربية، إلا أنَّها ذهبت للطب تلبيةً لرغبة والدها.
- أنتِ طبيبة، وفي الوقت نفسه قاصة، كيف بدأت علاقتكِ مع الأدب؟
• بدأ اهتمامي بالأدب قبل أن أقرِّر دراسة الطب، وكان من المحتمل أنْ أدرسَ الأدب العربي في الجامعة الأردنية، حيث حصلتُ على منحة لأنَّ علاماتي في اللغة العربية كانت مرتفعة على الرّغم من أنَّ تخصُّصي كان في الفرع العلمي، لكنّني قرَّرتُ دراسة طب الأسنان تلبيةً لرغبة والدي الذي رحل قبل سنة التوجيهي بعام واحد.
دراسة الطب لم تؤثِّر على اهتمامي بالأدب لأنَّي تابعتُ الاهتمام بالشأن الثقافي أثناء دراستي، فالاهتمام لا يأتي فجأة في ظنّي، لأنَّ معظم الأطباء أو خريجي العلوم الأخرى الذين توجَّهوا للكتابة شعرًا أو رواية أو قصة كان عندهم هذا الشَّغف والموهبة مبكرًا، كما أنَّ الأطباء والمهندسين وغيرهم ممَّن أبدعوا في الأدب هم من الموهوبين، وقد زادهم التخصُّص العلمي قدرات استثنائية للمزج بين المعرفة والموهبة المتأصِّلة في وجدانهم لرفد إبداعهم الأصيل، ولكن هذا لا يعني أنَّ المبدعين والأدباء من غير المتخصصين بالعلوم يقلّون في إمكاناتهم عن المتخصصين، فالموهبة والاستمرار في المتابعة للشأن الثقافي والدأب وإحساس الكاتب بأنَّ لديه رسالة لا بدَّ أنْ ينجزها في حياته، هذه كلّها دوافع لإنجاز المشروع الثقافي الذي يرغب المبدع في إنجازه.
- حدِّثينا عن سرّ اهتمامكِ بالتراث والحكايات الشفويّة المرويّة خصوصًا في أدب الأطفال؟
• الاهتمام بدأ في مرحلة مبكرة في حياتي، حيث إنَّ بيتنا كان يستقبل الأهل والخالات والأقرباء، وفي ليالي الشتاء الطويلة يتذكَّرون أيامهم السابقة في الكروم في "زيّ"، وكيف كانوا "يقيظون"، أي يصيِّفون في الصيف بين الدوالي لمدة ثلاثة أشهر ليتسنّى لهم قطف المحصول من العنب وتحويله لخبيصة ودبس وزبيب، كما يحصدون في أشهر الصيف أيضًا القمح لخزنِه وطحنِه وعمل الفريكة قبل الحصيدة، كذلك كانوا يسلقون القمح لصناعة البرغل بأشكاله المتعددة، ويعملون مونة الشتاء، وفي موسم قطف الزيتون يقومون بكبس الزيتون إلى جانب عصر الزيت من أجل التخزين، فكانت كل عائلة تُنتج مونتها من الأرض التي تمتلكها، ثم يعودون إلى السلط قبل بدء الدراسة، أثناء وجودهم في "التَّعزيب"، في الكروم كانوا يروون لنا القصص والأحداث التي سمعوها من الأجداد أو التي مرَّت عليهم أثناء سفرهم للقدس أو يافا أو حيفا لتسويق الفائض من الإنتاج، قصص كثيرة سمعتُها في تلك الليالي في الخمسينات من القرن الماضي، ورسخَتْ في ذاكرتي، هذا إلى جانب سماع الأمثال التي كانت ترويها أمي وخالاتي في كل مناسبة.
لقد حفظتُ كل أسماء النباتات التي كانت تنمو في منطقة وادي شعيب، زيّ، الغور، واستخداماتها من قِبَل نساء موهوبات في الطب الشعبي، ومنهنّ عمّة أمي "عربيّة"، وهكذا كتبتُ كتابي "حكايات العمّة عربيّة"، الذي يُدرَّس في ثلاث مدارس خاصة في عمّان، وكتبتُ فيما بعد "سراج الحصّادين"، الذي اعتمدته "مدرسة المشرق" في مناهجها.
- هل أثَّر عملكِ السياسي والنقابي على نصّكِ الإبداعي، خصوصًا على أدب الأطفال؟
• من الطبيعي أن يتأثَّر إنتاج الكاتب بانتمائه السياسي، لكنّني كُنتُ مُدركة أنَّ ما أكتبه إبداعيًّا يفقد قيمته الإبداعية إذا كتبتُ بشكل مباشر لموقفي السياسي. لهذا، كتبتُ عن تجربتي الانتخابيّة عندما خضتُها عام 1989 عن محافظة البلقاء كتابًا منفصلًا يحكي عن التجربة بشكل مباشر، أمّا الكتب الإبداعيّة الأخرى من قصة ونصوص إبداعيّة فهي في كتبي الثلاثة: "حديث المرايا والكوابيس، ودوائر الحب والود، وكوابيس شهر مختلف"، من خلالها يظهر موقفي في الحياة التي أعيشها ككاتبة وإنسانة ترغب في أنْ تكتبَ عن تأثير الحياة اليومية العادية على المبدع، وكيف تتشكَّل قناعاته من خلال حياته وحياة المحيط الذي يعيش فيه، وقناعاته التي تشكَّلت نتيجة للمعرفة المكتسبة شفويًّا أو من خلال القراءة والمعرفة التي تنصهر وتتشكَّل محصّلة من القناعات والمواقف من الحياة والموت والانتماء والعادات والدين والعُرف ورؤية الآخرين الذين يؤثِّرون به ويؤثِّر بهم بدرجات متفاوته، وعندما كتبتُ كتاب "ما يُشبه النضال"، كنتُ أرغبُ في أن أرتاح من عبء السنوات التي امتدَّت لنصف قرن من النضال في كل مجالات الحياة؛ في العمل السياسي المباشر من خلال الأحزاب أو من خلال النقابات المهنيّة أو من خلال رابطة الكتّاب، لكنَّ العمل الذي أعتزُّ به هو إشرافي على أكثر من خمسين نشرة في مجال "مقاومة التطبيع"، بعد توقيع معاهدة وادي عربة، وفيها تعبير جليّ عن موقفي السياسي بشكل مباشر، وأصدرته في كُتب أو نشرته على شكل مقالات في الصحف المحلية. أمّا ما كتبته إلى الأطفال فقد كُنتُ حريصة على أن يكون عملًا مختلفًا، فكتبتُ أوّلًا في مجال تخصُّصي، ثم كتبتُ عن البيئة والتراث، وأعتزُّ بكتابي "حديث الحروف"، الذي أهديتُه للأطفال العرب ليعتزّوا بلغتهم، لهذا كتبتُ إبداعيًّا للأطفال وليس منهجيًّا، وقد أدّعي أنَّ كلّ كتاب أصدرتُه لا يُشبه أيّ كتاب آخر موجود في المكتبات، وملاحظتي الأخيرة تخصُّ كتابي "حكايات العمّة عربيّة" الذي يختلف عن كل الكتب التي صدرت لليافعين، فهو يعرِّفهم على البيئة الأردنية قبل أكثر من مائة عام، كما أنه يحكي عن مجتمعنا الأردني الزراعي المنتج للقمح والزيتون والعنب ومنتجاته وتربية المواشي، وغيرها من الزراعات الموسميّة، حيث كان مجتمعًا فلاحيًّا من الطراز الأول، يُنتج ما يأكل ويعيش حياة شبه مدنيّة في المدن مثل السلط وإربد والكرك ومادبا وغيرها من المدن.
- وآخر حديثنا عن تجربتكِ في القاهرة، كيف أثَّرَت عليكِ في تلك المرحلة؟
• سجّلتُ في كتابي "ما يُشبه النضال" هذه التجربة الغنيّة التي عشتُها بين عامي 1964- 1969، كانت القاهرة مركزًا ثقافيًّا وعلميًّا وسياسيًّا بامتياز، وصلتُ في أواخر عام 1964 وقد كانت المرَّة الأولى التي أغادر فيها عمّان على طائرة الملكيّة، في اليوم التالي ذهبتُ إلى جامعة القاهرة وذُهلتُ من عظمة وجمال الجامعة حيث تستقبلكَ القبّة بتلك الأبَّهة الباذخة.
كنتُ أسير وأنا أفتخر بوجودي هنا في القاهرة، وبالوقت نفسه أحسُّ أنّني فتاة من عمّان لم تختبر الحياة بعد وعليّ إثبات وجودي، وكانت كلمات أمي ترنُّ في أذني: "الصحة، السُّمعة، العلم"، يا إلهي.. عليّ ألّا أخذل مَن وضعوا ثقتهم بي. الحقيقة أنَّ الهيئة التدريسية والطلاب والطالبات كانوا محبين ودودين ويرغبون في مساعدة الطلاب الذين تأخروا عن الفصل الأوَّل حوالي شهرين. أحببتُ أجواء الانفتاح والمرح والحياة الثقافية المتمثلة في الصحف والمجلات والمسرح والسينما والإذاعات.
كنتُ أشتري الصحف يوميًّا وأقتني المجلات الأسبوعيّة مثل "صباح الخير" و"روز اليوسف"، وأذهب لحضور الأفلام السينمائية أسبوعيًا تقريبًا حيث كانت تُعرض أحدث الأفلام في دور السينما. أمّا المسرح فقد صادقتُ فريدة مرعي المهتمّة بالمسرح، وكنتُ أرافقها كلما سنحت لي الفرصة، وقد حضرتُ معظم المسرحيات لسميحة أيوب وعبدالله غيث وسناء جميل وكل المشاهير في المسرح المتألق في ذلك الزمان. كانت نهضة في كل مجالات الحياة في عهد القائد القومي جمال عبدالناصر، وكنتُ أهتمّ أيضًا بدراستي وأنجح بتفوُّق.
***
من الكتب والمجالات التي كتبت فيها فاخوري (على مدار 40 عامًا) كما تقول: "في البداية كتاباتي كانت تتعلّق بمهنتي كطبيبة أسنان، كتبتُ في مجال التثقيف الصحي السِنّي وكان أولها "قصة الأسنان" الذي اشترته وزارة التربية والتعليم ووُزِّع على كل مدارس المملكة للمرحلة الابتدائية في العام 1980، وصدرت نسخة أخرى مهمة عن مؤسسة "ماكميلان" البريطانية ووُزِّعت منها آلاف النسخ في مدارس السعودية والوطن العربي، ثم أصدرتُ في العام 1994 كتاب "السنونيّة"، الموجَّه للأطفال؛ وهو عبارة عن قصص من التراث حول أهميّة الأسنان في حياة الطفل والاحتفال عند بزوغ السنّ الأولى وغيرها من القصص".
وكانت فاخوري قد أصدرت لليافعين كتابًا بعنوان "أسنانك رمز الشباب" في العام 1990. أمّا فيما يتعلق بالبيئة وأهميّة المحافظة عليها فقد أصدرت كتبًا موجّهة للأطفال واليافعين، أولها "صديقتي شجرة اللوز"، قصص قصيرة، في العام 1996، وصدرت النسخة الثانية ووُزِّعت على الخطوط الجويّة الأردنيّة للأطفال المسافرين على متنها، إلى جانب اهتمامها بمجال التراث فصدر لها "حكايات العمّة عربيّة" عام 2006، ويحكي قصة "التعزيب" من السلط إلى زيّ في فصل الصيف، كما ورد سابقًا.
أمّا كتاب "أيام صبا الباسمة"، الذي صدر في العام 1999، فيتحدَّث عن قيمة الغذاء في حياة الأطفال على شكل قصة طويلة بأسلوب مشوّق وجذّاب، ووُزِّعت نسخ هذا الكتاب على الأطفال المسافرين أيضًا. وفي العام 2001 أصدرت فاخوري كتاب "اللؤلؤة دانة" وهو حول مغامرات صياد في أثناء اصطياد اللؤلؤ من البحر. وفي العام 2004 صدر لها كتاب "سامية وشقيقتاها" حول الإعاقة الحركيّة.
وصدر لها كتب عن تجربتها في الحياة السياسية منها كتاب "انطباعات في التجربة الانتخابية" وهو حول مشاركتها في أول انتخابات نيابية عامة في الأردن عام 1989. وفي العام 2017 صدر لها "ما يشبه النضال"، وهو سيرة حياة شخصية يتناول دراستها في القاهرة، وتجربتها كطبيبة أسنان، ثم تجربتها في العمل السياسي والحزبي والنقابي وكعضو هيئة إدارية في رابطة الكتاب الأردنيين في الفترة 2007- 2011.
وفاخوري كانت عضو هيئة إدارية أيضًا في نقابة أطباء الأسنان خلال الفترة 1992- 1994، ثم رشَّحت نفسها كنقيب لأطباء الأسنان في العام 1994، ولم يحالفها الحظ، وهي أوَّل نقابيّة ترشِّح نفسها لمنصب النقيب. ثم صدر لها عام 2017 كتاب "ذكريات حياة مشتركة"، ويتحدَّث عن المناضلة سلوى زيادين وحياتها المشتركة مع رفيق دربها د.يعقوب زيادين.
وفي مجال القصة القصيرة والنصوص الإبداعية صدر لها كتاب "حديث المرايا والكوابيس" عام 2010، وتُرجم للُّغة الإنجليزية، وهو كتاب معتمد للتدريس في جامعة "ديبول" في شيكاغو لطلبة الدراسة العليا في اللغة العربية. وصدر لها في العام 2013 "دوائر الحب والود"، ويتضمّن قصصًا حول الحب والود في حياة المبدع، وهي أقرب إلى البوح. وفي العام 2011 حصلت على التفرُّغ الإبداعي من وزارة الثقافة الأردنيّة عن كتابها "حديث الحروف"، وهو كتاب نصوص، كل نص يحكي سيرة حرف من حروف اللغة العربية بطريقة لامنهجيّة تحفِّز خيال القارئ حول حروف اللغة. وأخيرًا صدر لها عام 2020، كتاب نصوص تحت عنوان "كوابيس شهر مختلف"، وهي كوابيس حياة حول المخاوف التي تحيط بالإنسان مثل كابوس الحلم وكابوس الخوف والامتحان والمرض وغيرها من الكوابيس التي يعانيها الإنسان في مسيرة حياته، إلى جانب أكثر من ألفي مقال في الصحف والمجلات وواحد وخمسين نشرة حول مقاومة التطبيع، أشرفت على إصدارها لمدة خمسة عشر عامًا.