نوافذ ثقافيّة

 

محمد سلّام جميعان

شاعر وناقد أردني

 

ثقافة عربيّة

 

آثار الأردن/ لانكستر هاردنج، تعريب سليمان الموسى

ما بين أن تكوِّن فكرة عامّة عن جغرافية موطن ما، والاهتمام بالتفاصيل، فإنَّ الذاكرة تظلُّ ‏محتفظة بانطباعاتها التي تستحقّ التدوين، وهو ما فعله مؤلِّف هذا الكتاب الذي قضى أعوامًا ‏طويلة في شرق الأردن، ابتدأها سائحًا عام 1932 وانتهاءً بعمله في منصب مفتّش آثار عام ‏‏1936 في الأردن وفلسطين حتى عام 1956، وهي فترة تسمح له بالوقوف على كثير من ‏تفصيلات المعالم الأثرية.‏

وتبدو المعلومات التي يقدّمها المؤلف في الفصل الأول عن جدليّة الطبيعة والإنسان في الأردن ‏فائقة الأهمية؛ ففي معظم الرحلات –كما يذكر- (كان حسن عواد رفيقي الأمين الذي لم يكن لي ‏غنى عنه، وكنت قد عرفته عام 1939 فتى صغيرًا في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من العمر ‏بحيث استطاع أن ينمو ويكبر في ظلّ الآثار، إنه يملك رصيدًا غريزيًا ملحوظًا للآثار، وعينًا ‏حادة النظر بالنسبة للمخلفات الأثرية، ولطالما اكتشف كثيرًا من المواقع التي تعود إلى ما قبل ‏التاريخ...)، فالمؤلف اكتشف الإنسان قبل اللّقى الأثرية، وأحاط القارئ علمًا بمعلومات غنيّة عن ‏دائرة الآثار الحكومية في الأردن ومهمّاتها وقانونها في الحقبة التي عمل فيها، وكذلك عن متحف ‏الآثار، فيما يبدو الأردنُّ طبيعيًّا عبر عصوره ماثلًا في الفصل الثاني، وهو ما شكّل بنية تمهيدية ‏للفصول المتعاقبة التي تناول فيها جغرافية المواقع الأثرية.‏

كان المؤلف معنيًّا بتطريس كلماته ومشاهداته وأعماله بلغةٍ غنيّة بالوصف الباذخ للمسافات ‏والاتجاهات مضمِّنًا حديثه بأقوال مَن سبقوه من الرّحالة والمكتشفين، وقدّم معلوماته بأسلوب ‏شائق كأنك معه تسمع وترى. وكل مَن يتعمّق في قراءة هذا الكتاب يشعر بالجهود المضنية التي ‏بذلها مؤلِّفه، وبالجهود التي بذلها معرِّبه في إيصال الفكرة والشعور لدرجة أنك تشعر وكأن ‏الكتاب كُتبَ أصلًا باللغة العربية لجمال أسلوب الترجمة ودقّته.‏

 

 

علي سيدو الكردي/ محمد علي الصويركي

حين تقرأ هذا الكتاب تسترجع ذاكرتك ما قاله "توماس كارليل" من أنَّ "التاريخ ما هو إلا سيرة ‏حياة قلّة من الرجال العظام"، فالمسطور عنه في هذا الكتاب أحد رجالات الأردن، وهو ‏دبلوماسيّ أردني ومؤرخ ولغوي ومترجم، كان له دور سياسي وثقافي في خدمة الأردن ‏وكردستان عبر عمر احتضنته السنوات (1907- 1992).‏

وقبل أن يفتح المؤلف باب الحديث على هذه الشخصية الأردنية، عقد القول على الحديث عن ‏أكراد الأردن وتاريخ وجودهم منذ العهد الأيوبي، وقدّم ببليوغرافيا وافية بأسماء العشائر ‏والعائلات الكردية في أرجاء الأردن.‏

ولعلّ الإضافة النوعية التي يجدها القارئ هنا فضلًا عن السيرة الضافية التي تتعلق بالمُترجَم له، ‏هو ما ينكشف للقارئ من الحياة الثقافية والسياسية والتشريعية في الأردن إمارةً ومملكة، فعبر ‏الحياة الأسرية والتعليمية والعملية لهذه الشخصية تتراءى لنا صور من الحياة الأردنية في مختلف ‏مناشطها.‏

ومن الجميل التنويه هنا بأبرز مؤلفات علي سيدو الكردي، على أمل أن تحظى باهتمامٍ خاص من ‏وزارة الثقافة، ولا سيما أنّ منها ما زال مخطوطًا، مثل كتابه: "من عمان إلى ملاطية"، الذي يقع ‏في باب الرحلات، مما يشكّل إضافة لكتابيه السابقين المنشورين: "من عمّان إلى العمادية" ‏و"رحلة في ربوع اليمن"، وكذلك كتابه: "أمثال وأحاجي كردية"، فضلًا عن القاموس العربي- ‏الكردي، وغيره من الكتب المترجمة، والمقالات المنشورة.‏

جديرة هذا الشخصية بالاحتفاء وإعادة الاعتبار لتاريخها السياسي والثقافي في غمرة احتفالات ‏الأردن بمئويَّته، فقد كان علي سيدو الكردي من البناة الأوائل في تأسيس الكيان الأردني ورائدًا ‏في تحقيق المثاقفة والتنوّع الثقافي.‏

 

المسلمون والغرب/ أحمد الفرّاك

يقترح هذا الكتاب مدخلًا منهجيًا ومعرفيًّا من شأنه أن يؤسس لأصول المشترَك الإنساني في حقل ‏الديانات والطبيعة والعمران والبيئة بين العالم الإسلامي والغرب، في إطار من استيعاب ‏الخصوصيات الدينية والقومية والجغرافية والعِرقية، ويستحضر في الوقت نفسه التطوّر التقني ‏والثقافي والسكّاني والاقتصادي لعالم اليوم.‏

وينوّه المؤلِّف في الكتاب إلى أنَّ البحث في إشكاليات العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب وما ‏يرتبط بها من مشكلات تاريخية وواقعية ليست وليدة الحقبة الراهنة، فيؤكّد امتداداتها وجذورها ‏وأبعادها وتداخل عناصرها. ويدعو إلى التخلُّص من القراءات التقليدية الموروثة عند الفريقين ‏حول علاقة الأنا بالآخر المخالِف دينيًّا وعِرْقيًّا وجغرافيًّا في ظلِّ التغيُّرات العالميّة ومعطياتها ‏الزمانيّة المتسارعة والتحوُّلات الكونيّة، وهي العوامل التي -من وجهة نظر المؤلِّف- غيّرت ‏جغرافية المكان وطرائق التفكير وطبيعة المصالح. وتحتاج أسئلة من مثل: ما علاقة المسلمين ‏بالغرب؟ ولماذا تأخر المسلمون وتقدَّم غيرهم؟ وهل الإسلام يتعارض مع المدنيّة الحديثة؟ وما ‏موقف الإسلام من القيم الأخلاقية والسياسية الغربية؟... إلى مزيد من التعمّق بعيدًا عن النمطية ‏التي تحكم الديانات والاستشراق لتكون الإجابات بعيدة عن آثار الصدام التاريخي الذي ألغى ‏التبادل والتعارف ومَوْضعَ الاختلاف الحاد والتناقض. هذه القضايا يعالجها الكتاب في خمسة ‏فصول تمتدّ على 354 صفحة مشفوعة بالإحالات والمراجع العربية والغربية.‏

 

ثقافة عالميّة

أشياء تتداعى/ تشينوا أتشيبي- ترجمة سمير عزت نصار

حظيت هذه الرواية التي تصوّر الحياة في نيجيريا في مطلع القرن العشرين، بترجمات متعددة، ‏وعنوانها مستلهَم من بيت شِعْر في قصيدة "المجيء الثاني" للشّاعر والكاتب الإيرلنديّ "دبليو بي ‏ييتس". ففي هذه القصيدة يصف "ييتس" رؤية مُروّعة للعالم الّذي يتداعى إلى الفوضى بسبب ‏خلل داخليّ في البشريّة. ويوضّح أتشيبي هذه الرّؤية من خلال إظهار ما حدث في "مجتمع ‏الإيغبو في نيجيريا" خلال فترة استعمار البريطانيّين لها؛ إذ بسبب الطبيعة المنقسمة لمجتمع ‏الإيغبو، يعجز عن الصّمود في وجه موجة المدّ والجَزْر للدّين الأجنبيّ والتّجارة والتّكنولوجيا ‏والحكومة. وفي الوقت نفسه تقدّم الرواية رؤية مختلفة للمجتمع الأفريقي تتجاوز أنّ القارة ‏الأفريقية مكان مُظلم يسكنهُ شعب بدائيّ مُتحجِّر. ‏

ويتجسّد فهم الأوروبيين لأفريقيا -كما يتراءى في هذه الرواية- في شخصيّتين: القِسّ "جيمس ‏سميث" ومفوّض المنطقة الّذي لم يُذكَر اسمه. فالسّيّد "سميث" لا يرى أيّ حاجة للتوصُّل إلى حلّ ‏وسيط بشأن العقيدة أو الممارسات الدّينيّة الّتي لا جدال فيها، حتّى خلال فترة التّعريف بالدّين إلى ‏مجتمع مُختلف تمامًا عن مجتمعهِ، إنّه ببساطة لا يعترف بأيّ فائدة للسّماح للنّيجيريّين بالاحتفاظ ‏بأُصول تُراثهم. وعلى الجانب الآخر، يفخر مفوّض المنطقة بكونه تلميذًا لعادات بدائيّة، ويعتبر ‏نفسهُ زعيمًا خيِّرًا ليس لديه سوى أفضل النّوايا لتهدئة القبائل البدائيّة وإدخالها إلى العصر ‏الحديث. وقد يُعرب كلا الرّجلين عن دهشتهما إذا اقترح عليهما أيّ أحد أنّ قيمهم الأوروبيّة قد لا ‏تكون مناسبة تمامًا لهذه المجتمعات. وتُوضّح خطّة المفوّض لمعالجة قصّة البطل "أوكونكوو" ‏بإيجاز الميل نحو التّبسيط الغربيّ للثّقافة الأفريقيّة وإضفاء الطّابع الجوهريّ عليها.‏

ويصوّر أتشيبي المستعمرين البيض على أنّهم صارمون ومعظمهم ذوو نوايا إمبرياليّة، في حين ‏أنّ الإيغبو مختلفون أحرار للغاية وكثير منهم منفتحون على أفكار جديدة. ويصوّر أتشيبي ‏عناصر سلبيّة وإيجابيّة في ثقافة الإيغبو، فهو ينتقد شعبه في بعض الأحيان كما ينتقد ‏المستعمرين.