نوافذ ثقافيّة

محمد سلّام جميعان

شاعر وناقد أردني

 

ثقافة عربيّة

 

أغنية للشرفة/ جميلة عمايرة

في هذه الرواية يكتشف القارئ كيف تكون المباشرةُ لدى جميلة سبيلًا للحيلة الفنية وإحداث ‏الالتباس الفكري وتعدُّد الدلالات. فالفضاء النّصي للرواية يتكئ على الإحداثيات التي شكّلها ‏فيروس شرس، مَوْضَع الناس في أوكارهم، وأضفى عليهم مناخات من الخوف والحذر، والطبائع ‏السلوكية التي أعفت الكائنات من الملامسة، فانعطبت العواطف البشرية، وتفكَّكت بالتالي ‏المنظومة المجتمعية التي ما زالت بحاجة لمزيد من الترميم النفسي. فقد تحوّلت الأيام المتوهجة ‏إلى أيام باهتة، حتى تساءل الناس: ما جدوى أن نحيا حياة طويلة ننعزل فيها وراء الجدران ‏مسلّحين بالوقاية المفرطة بعيدًا عن استذواق الوجود والحياة؟

عبر هذا الفضاء النصي للرواية، تتشكّل بين الرمز والمرموز مجموعة من العلاقات، يضعها ‏قانون الكتابة الأدبية في دائرة تمنح قراءةً متقاربة للمرموز. عند ذلك سيتساءل قارئ هذه الرواية ‏عن ماهيّة الفيروس الذي تعنيه الكاتبة.‏

البيت لدى جميلة أكثر من ذاكرة وشرفة وحائط. هل مرموزه هنا هو الوطن؟ ربما هذا ما يتواشج ‏مع الاقتباس المضمَّن في الرواية من قصيدة زياد العناني، ومن العبارة التي استذكرتها الكاتبة ‏معلّقة على باب بيت جمال أبوحمدان "على المرء أن يحبّ بيته". وسأزيح عن كاهلي هنا تفسير ‏مرموز الأم، ففيه فائض من المعنى لا يخفى على ذوق القارئ اللمّاح.‏

وفي موضع آخر يتكشَّف لنا في الرواية كيف يتنازل الفرد عن حريته السياسية مقابل ضمان ‏حياته، فالدول وجدت ضالّتها في تفشّي الأوبئة لتبسط نفوذها على رعاياها وتحدّ من حرياتهم ‏السياسية، وبالتالي استعمار اللاوعي الجمعي والفردي. يبدو هذا في استخدام الروائيّة لبعض ‏العبارات الساخرة من طريقة معالجة السلطة للوباء.‏

 

حارسة الجهات/ يوسف احبالي

في هذا الديوان الشعري يكتب يوسف برغبةٍ شغوفةٍ للبوحِ ومتعة ينسجها في عالمه السّرّيِ ‏الخاصّ، تاركًا لحارسة الجهات أنْ تحتفي بأقمارها كما تحتفي بأزهارها. فكلُّ قصيدة تقول ‏بوحها عن عاشقٍ رومنتيكيّ لا يُرجى شفاؤه. وفي كلِّ قصيدة يبدو فرح غامضٌ، أو بهجةٌ ‏مُستتِرة وراء حزنٍ شفيفٍ يراود الكلمات عن معانيها. ويوسف حين يكتب هنا إنَّما يكتب لأنَّه ‏يريد أن يتحرَّر في حلبة التفكير والشعور، وأن يتسامى إلى أقصى درجات البوح الممكن. ‏

ثمَّة أشياء لا تُرى ولا تُلمَحُ ولا تُمسك... إنها المشاعر التي لا تُدركها إلّا حارسة الجهاتِ؛ سواءً ‏أكانت أُمًّا أو حبيبة واقعيةً أو مُفترَضة. قد يكون كلامي هنا سبيلًا لمساعدة القارئ على الإمساك ‏بناصية المعنى الذي تذهب هذه القصائدُ إلى قوله ضِمنًا أو صراحة.‏

المبهج في هذه النصوص أنّ يوسف يكتب نفسَه على سجيّتها، دون مراوغة أو خداع للذاتِ أو ‏الآخر، كأنّه شخص مسيحيّ يفضي باعترافاته أمام كاهن الكنيسة. وكما يأتي الماءُ منسابًا من ‏الحَنَفية تنساب الكلمات من قلم يوسف، حتّى لَتشعرُ وأنتَ تقرأها كأنّك تعيش متعة مشاهدة فيلم ‏جذّاب، فعبارتُه لا تُنهِك الذهن. فلحظة الكتابة لديه تمثّل حالة العيش مع ذاكرتِه ذاتِ الخيال ‏المتعب من صراع الممكن والمستحيل. إنه يستبيح ريح الوجد ويتّحد مع غيمةٍ شاردة.‏

 

الهويّة في الشعر الأردني المعاصر/ بشّار مخلد الغمّار

الهويّة هي الرابط المشترك بين الفئات الاجتماعية، والجامعة لوجدان الشعوب. وهنا يمزج ‏المؤلف بين الفكر الإنساني والعمل الأدبي، لإثبات الصلة بين هذين الأمرين، وأوجه التوافق ‏والاختلاف مع كثير من التعليل والتفسير، لاستكناه طبيعة الهوية الوطنية بعيدًا عن الانزياحات ‏العاطفية.‏

فما بين دواعي الخوف من ضياع الهوية الوطنية، وتنامي الحسّ القومي، تبدو هذه الدراسة ‏منسجمة مع دواعيها التي عرض المؤلّف أسبابها، بعيدًا عن المناكفة والجدل العقيم. فالفصل ‏الأول ينعقد الحديث فيه على أهمية البُعد الاجتماعي وأثره في تشكيل الهوية، موضحًا بعض ‏المظاهر الاجتماعية والثقافية ذات الاتصال الوثيق بالشعر، وأهم الموضوعات المطروقة، ‏وتناول مفهوم التناصّ بوصفه آليةً لاستدعاء الهوية والتراث الفكري.‏

وتناول في الفصل الثاني البُعد المكاني وارتباطه بالهوية، فالعلاقة بين الإنسان والمكان علاقة ‏ترابطية -كما يرى الكاتب- وأضاء في هذا الجانب عمّا ألهمه المكان للشعراء الأردنيين.‏

وحظي البُعد الإسلامي وأثره في الهوية بقراءة شاملة في الفصل الثالث بيَّن فيها المؤلف أثر ‏العقائد واستلهامها لدى الشعراء الأردنيين، معززًا دلالاته بالآيات والأحاديث النبويّة.‏

وبدا الحديث عن الموقف السياسي العام ببعديه الوطني والقومي واضحًا في البُعد السياسي ‏والهوية، وكيف أنَّ العلاقة الجدليّة بينهما أثارت وجدان الشعراء تجاه القضايا التي تشغل الرأي ‏العام كالقضية الفلسطينية والعراقية واللبنانية وقضية الوحدة العربية. وهو ما ظهر في مدارسة ‏الفصل الرابع.‏

والرَّبط بين البُعد النفسي والهوية يبدو واضحًا في الفصل الخامس، ففضلًا عن الحديث عن ‏المزاج العام والخاص، تناوله المؤلف في الفصل الخامس، غير غافل عن الحديث في ظاهرة ‏الزمن داخل الإطار الكوني، ونظرة الشعراء له بشكل شعوري خارج إطار الواقع.‏

ويضيء الكتاب على الأعمال الشعرية الأردنية التي صدرت ونشرت في الفترة بين الأعوام ‏‏(1985- 2005) في شكل ببليوغرافي.‏

 

ثقافة عالميّة

 

‏"عصر النهضة: مقدمة قصيرة جدًّا"/ جيري بروتون ‏

ترجمة: إبراهيم البيلي محروس

عصر النهضة لحظة تاريخية حاسمة، جرى فيها تبادل كثيف للأفكار والمهارات والبضائع وفيه ‏فنّ عظيم وأدب راقٍ. وفي هذا الكتاب يفسر "جيري بروتون" أسباب حدوث ذلك، ويكشف ‏النقاب عن العوامل الكثيرة التي تقف وراء هذه الإنجازات: التطورات التكنولوجية في الطباعة ‏ورسم الخرائط، والتطورات في الفلسفة والدين والاستكشاف، وكذلك التقدم في مجال التجارة ‏الدولية‎.‎‏ وهو ما جمع بين الشرق والغرب. ولا يطرح هذا الكتاب هذه الحقبة أو الفترة بلُغة ‏المسلَّمات والحقائق المطلقة، بل يتناول كافة الأفكار المتصادمة فيما بينها، ويعرض الأحداث من ‏كافة الجوانب السياسيّة والدينيّة والفكريّة وما يماثلها والتي حدثت وقتها على نحو إيجابيّ وسلبيّ.‏

ويشير المؤلف إلى الخصائص والسمات التي نُقشت على قلب عصر النهضة في الفنّ التشكيليّ ‏والنحت والعمران والموسيقى، والمجال العلمي مثل الفلك والهندسة والعلوم الطبيعية والجغرافيا، ‏ثم الإنسانيّ الذي يحوي الفلسفة والدراسات الدينيّة والترجمة وفقه اللغة والسياسة مع المجال ‏الأدبي المتجلّي في المسرحيات والأشعار‎.‎

ويشرح مؤلف الكتاب أنّ معظم المؤلَّفات التي تنتج عن عصر النهضة تتجاهل بشكل أساسي دور ‏الممالك البعيدة عن أوروبا، خاصة الشرق؛ سواء الحضارات العربية أو الآسيويّة التي يرى فيها ‏عصرًا نهضويًّا بامتياز، بل ومن العوامل الأساسيّة التي ساعدت في ازدهار عصر النهضة في ‏أوروبا‎.‎

ويطوف الكتاب في معارف متعددة في الرحلات البحريّة وما كشفته من عالم جديد من المعادن ‏والثروات والحيوانات والمناطق الجديدة في العالم‎.‎‏ وتحالف الحروب مع التجارة، والأدب وما فيه ‏من الشعر والنثر والمسرحيات والرواية والقصة. ‏

ولم تغب المرأة بوصفها إنسانًا لديه ذات ورغبات ويتوق إلى الحرية والكتابة والعمل على الرّغم ‏من كل التقاليد، مستشهدًا بقول الشاعرة الإنجليزيّة "إيزابيلا ويتني": "طالما أنّ شؤون البيت ‏تشغلني فسوف استخدم كتبي وقلمي". ‏