عبدالوهاب الطراونة الإعلامي الذي أقضَّ مضاجع الفاسدين

عامر الصمادي

إعلامي ومدرب دولي ومترجم وكاتب أردني

 

يُعتبرُ الإعلامي عبدالوهاب الطراونة واحدًا من جيل المؤسِّسين للتلفزيون الأردني، فقد بدأ ‏العمل به في السنة السادسة من تأسيسه؛ أي في عام 1974، وعبْر مسيرته المهنيّة تدرَّج ‏الطراونة بالعمل من قسم رصد الأخبار، ثم مونتاج الأخبار، وبعدها قسم تحرير الأخبار، ‏ثم تحوَّل إلى قراءة التقارير الإخبارية وإعداد وتقديم البرامج، فقدّم العديد من البرامج ‏منها: "صور من الأردن"، "وطن وسياحة"، "ديرتنا"... أمّا برنامج "دليل المستهلك" فقد ‏لاقى شعبيّة كبيرة وخلَقَ ثقافة توعويّة استهلاكيّة لدى المواطنين، وكان رقيبًا على ‏الفاسدين. يختصر هذا المقال حكاية السنوات الأربعين التي عمل الطراونة خلالها في ‏مؤسسة الإذاعة والتلفزيون مرورًا بمحطات إذاعة كوريا الجنوبية، وتلفزيون سلطنة ‏عُمان. ‏

يُجمِعُ الخبراء المختصّون أنَّ للإعلام وظائف عديدة من أجل خدمة المجتمع والمساهمة ‏في تطوُّره من خلال توفير المعلومة الصادقة المتوازنة للناس، بحيث يستطيع كل فرد في ‏المجتمع تكوين رأيه الخاص تجاه أيّ قضية تُثار، ويختلف الأمر قليلًا أو يزيد عليه إذا ‏كانت وسيلة الإعلام حكوميّة وليست خاصة، لأنَّ الإعلام الرَّسمي في الدول النامية يولي ‏عناية كبيرة بكثير من القضايا التي لا يهتمّ بها الإعلام الخاص؛ مثل القضايا التنمويّة ‏المرتبطة بالزراعة والصحة والتعليم، فنجد برامج خاصّة للمزارعين وأخرى للتوعية ‏الصحيّة والبيئيّة والدفاع المدني وبرامج القضايا الوطنيّة والتعبئة الوطنيّة كبرامج الجيش ‏والأمن العام وغيرها، ومن أبرز هذه البرامج التي قدَّمها التلفزيون الأردني كان برنامج ‏‏"دليل المستهلك" الذي بدأ تقديمه في العام 1985 واستمرَّ لمدّة عشرين سنة متواصلة من ‏إعداد وتقديم الإعلامي الكبير عبدالوهاب الطراونة، وحقَّق هذا البرنامج شعبيّة كبيرة ‏ونجاحًا هائلًا حتى إنه أصبح وسيلة للجهات الرقابيّة على الغذاء والدَّواء لمعرفة أساليب ‏وطرق الغش الغذائي وأماكن تواجده وأبرز مَن يقوم به، ووصل الأمر إلى أنَّ كثيرًا من ‏أصحاب المحلات المعنيّة بالمُنتجات الغذائيّة خاصة القصابين وأصحاب المطاعم كانوا ‏يغلقون محلّاتهم بمجرَّد مشاهدتهم لسيارة التلفزيون في المنطقة خوفًا من افتضاح أمرهم.‏

يُعتبرُ عبدالوهاب الطراونة من جيل المؤسسين للتلفزيون الأردني فقد بدأ العمل به في ‏السنة السادسة من تأسيسه أي في عام 1974 وتدرَّج بالعمل من قسم رصد الأخبار ثم ‏قسم مونتاج الأخبار وبعدها قسم تحرير الأخبار، ثم تحوَّل إلى قراءة التقارير الإخبارية ‏وإعداد وتقديم البرامج، وهي مسيرة مهنيّة تجعل من الإعلامي مُلمًّا بكلّ زوايا العمل ‏الإذاعي والتلفزيوني فيصبح مؤهَّلًا للقيام بكل ما يلزم لإنجاح العمل وبحرفيّة عالية.‏

تعود معرفتي بالزميل عبدالوهاب الطراونة إلى بداية عملي بالتلفزيون الأردني بداية عام ‏‏1990 عندما طلب منّي تقديم برنامج "المجلة الثقافية" وهو أهمّ برنامج ثقافي وقتها. ‏ودون تدريب أو معرفة بأدوات العمل التلفزيوني أو حتى الوقت الكافي للتعرُّف على ‏الاستوديوهات بدأتُ تصوير أولى الحلقات من ذلك البرنامج معتمدًا على لغتي العربية ‏السليمة ودراستي للُّغة الإنجليزية وعشقي للأدب والشعر وعلاقاتي مع معظم الشعراء ‏العرب والأردنيين بحكم تطوُّعي بإدارة أنشطة لجنة الشعر والصحافة في مهرجان جرش ‏لعدة سنوات. وما زلتُ أذكر موقفًا للأستاذ عبدالوهاب الطراونة أقوم بتدريسه لطلابي في ‏الدورات الإعلاميّة حول أهميّة العامل النفسي للإعلامي، ويتلخّص ذلك الموقف بأننا ‏وبعد بثّ الحلقة الأولى من البرنامج عقدنا اجتماعًا لفريق العمل لمناقشة الحلقة، وكان ‏هناك زميلٌ يرغب بأن تقوم بتقديم البرنامج إحدى الزميلات ولكنه فوجئ بتكليفي بتقديم ‏البرنامج، فحاول بشتّى الطرق أن يؤثِّر عليّ للانسحاب من البرنامج مستغلًّا عدم معرفتي ‏ببعض أدوات العمل التلفزيوني، ولأنه كان هو المخرج فقد تعمَّد عدم تنبيهي لبعض ‏الحركات مثل النظر إلى الكاميرا المُضاءة باللون الأحمر أو تحريك الكاميرات بشكل ‏سريع داخل الاستوديو دون معرفتي أيّها الموجَّهة عليّ، وطبعًا استغلَّ بعض تلك الهفوات ‏لإقناع الإدارة بأنني لا أصلح وأنَّ مذيعة أخرى يجب أن تقدِّم البرنامج، وفعلًا أوصلني ‏لحالة نفسيّة كرهتُ بها العمل التلفزيوني وخرجتُ من الاجتماع محبطًا وعازمًا على ترك ‏البرنامج، وفي حديقة التلفزيون التقيتُ بالأستاذ عبدالوهاب الذي لم أكن أعرفه من قبل ‏والذي بادرني بالسَّلام وأبدى إعجابه بحلقتي الأولى، وكيف أنني لفتُّ انتباهه بلغتي ‏ومخارج حروفي السليمة وطريقة تقديمي للبرنامج على الرّغم من أنها المرَّة الأولى لي، ‏وقال إنَّ لي "حضورًا" على الشاشة وشكلًا مناسبًا للتلفزيون، وكالَ لي الكثير من المديح ‏مشيرًا إلى أنّني سأصبح من أفضل مقدِّمي البرامج؛ ممّا رفع معنويّاتي وزاد من ثقتي ‏بنفسي وجعلني أعود عن قراري وأقبل التحدّي بالاستمرار بتقديم البرنامج، وهذا ما كان، ‏واستمرَّ عملي بالتلفزيون إلى يومنا هذا.‏

الميلاد والنشأة

يقول الأستاذ عبدالوهاب عن حياته ونشأته:‏

وُلدتُ في بلد شهداء معركة مؤته، جعفر بن أبي طالب وعبدالله بن رواحة وزيد بن ‏حارثة (المزار الجنوبي) في عام 1946 في بيئة دينية محافظة، وكان بيتنا بجانب مسجد ‏الصحابي الجليل جعفر الطيار.‏

والدي رحمه الله كان يعمل مؤذننًا وإمامًا لهذا المسجد، وكان حريصًا على أن أرافقه إلى ‏المسجد وعلى متابعة تعليمي في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وحتى في العطلة ‏الصيفيّة كان يحرص على أن أدرُس عند الكُتّاب لتقوية اللغة العربية والدين، وكان ‏يوكلني عندما مرض في الآونة الأخيره للقيام بواجباته كالأذان وإمامة المصلين؛ وهذا ‏عزَّز عندي القدرة على المثول أمام حشد من الناس لإلقاء الدروس الدينية، وشجَّعني أيضًا ‏على إصدار مجله الحائط الأسبوعية بعنوان (الشعلة) وكان يشارك فيها العديد من زملائي ‏الطلبة في المرحلة الإعدادية بالإضافة لمشاركة عدد من المعلمين، كل هذه المعطيات ‏عزَّزت عندي حُبّ الإعلام والانخراط في مجاله بعد إنهاء دراستي، ولكن الظروف ‏شاءت غير ذلك عندما تخصَّصتُ بدراسة الحقوق في جامعة بيروت العربية وحصلتُ ‏على شهادة الليسانس عام 1976. ‏

بعد مرحلة التوجيهي لم أتمكن من الذهاب للجامعة نظرًا لوفاة والدي في العام 1969، ‏فتقدَّمتُ بطلب للعمل في سلاح الهندسة الملكي- قسم المساحة العسكريّة كوني أحمل شهادة ‏دبلوم مساحة، وتمَّ قبولي، ولحسن الحظ تمَّ قبولي أيضًا أنا وسبعة طلاب آخرين لإرسالنا ‏في بعثة إلى هولندا لدراسة هندسة التصوير الجوي "كارتو جرافي".‏

ولكن جاءت الموافقة عليّ وحدي من بين الطلاب الآخرين نظرًا لأني أحمل دبلوم ‏المساحة، وأنهيتُ كل الإجراءات اللازمة للسفر، لكن لسوء الحظ حصلت ظروف منعتني ‏من السفر بسبب مشاكل مع قائد الوحدة آنذاك المهندس المرحوم نشأت المجالي، عندها ‏قدَّمتُ استقالتي، وكنتُ حينئذ قد قدَّمتُ طلبًا للعمل في التلفزيون، وتمَّ قبولي للعمل في ‏التلفزيون عام 1974، ومنذ ذلك التاريخ بدأت مسيرتي الإعلاميّة.‏

العمل في التلفزيون الأردني

وحول عمله في التلفزيون منذ البداية، والأشخاص الذين زاملهم، وأبرز محطات عمله ‏وبخاصّة البرامج التي قدمها، يقول الطراونة:‏

بدأت القصة من دائرة الأخبار وكنتُ أرغب أن أكون مذيعًا ومحررًا للأخبار، حيث كان ‏للتلفزيون آنذاك ألقٌ خاص وشهرةٌ واسعة حتى في العالم العربي، وكان عملُ المذيع آنذاك ‏عملًا يتمنّاه الكثيرون لِما له من ميزات كثيرة؛ فلم يكن في ذلك الوقت أيّ وسيلة للمُشاهدة ‏إلا التلفزيون، حيث لم تكُن القنوات الفضائية ووسائل الاتصال متوفرة حينئذ كما هي ‏اليوم. لكن، لكي تكونَ مذيعًا أو محررًا في تلك الفترة كان لا بدَّ وأن تمُرَّ بعدة مراحل ‏ودورات حتى تتأهَّل للظُّهور على الشاشة. كان مدير أخبار التلفزيون وقتها المرحوم ‏الأستاذ جورج حداد، فطلب منّي أن أعمل أوّلًا في دائرة رصد الأخبار، وكان معي من ‏الزملاء عمر أبوزيد رئيس القسم، وسند حدادين، وعبدالله النسور، وسمير العمد، كنّا ننقل ‏الأخبار من وكالات الأنباء ونعطيها لزملائنا في التحرير من أجل نشرة أخبار الثامنة ‏الرئيسة.‏

بعدها انتقلتُ إلى قسم مونتاج الأخبار الذي كان يرأسه الزميل المرحوم زهير صيام، ومن ‏الذين زاملتهم: كمال ماف، ويوسف الصرايرة، وعلي الطلافيح، ونائل الطراونة‎.‎

بعدها طلبتُ العمل محرِّرًا للأخبار، ولكنَّ مدير الأخبار آنذاك المرحوم محمد أمين اشترط ‏أنه لا بد من إجراء اختبار، وفعلًا خضعتُ للاختبار الكتابي وتجاوزتُه بحمد الله وتغيَّرت ‏مهنتي إلى محرِّر أخبار. لكن على الرغم من ذلك بقيتُ أرغب في الظُّهور على الشاشة؛ ‏وهو حلم كان يراودني دائمًا‎.‎

بعد فترة بسيطة تسلَّم إدارة الأخبار المرحوم الدكتور مروان خير، وكان له الفضل عليّ ‏بأن طلب منّي أن أقرأ التقارير الإخباريّة على الهواء مباشرة صوتًا فقط، وهذا منحني ‏نوعًا من الجرأة للتغلُّب على هيبة الاستوديو والميكروفون، ثم طلب منّي أيضًا أن أقوم ‏بتصوير تقارير إخباريّة ميدانيّة، وكان أوَّل تقرير ميداني إخباري لي مع الزميل المرحوم ‏صالح جبر عن مستشفى الكرك الحكومي، حيث سلّطنا الضوء على بعض المشاكل التي ‏كان يعاني منها الناس في هذا المستشفى، وبعد نجاح ذلك التقرير كُلِّفتُ بإجراء تقارير ‏إخبارية ميدانية في منطقة وادي عربة ومناطق أخرى في المملكة. بعدها استمررتُ في ‏عملي محررًا للأخبار حيث كان الزميل المرحوم عبدالحليم عربيات رئيسًا للتحرير، وكان ‏يريد أن يجعلني رئيسًا للتحرير، حيث طلب منّي في إحدى المرّات نتيجه لظروف خاصة ‏به أن أستلم رئاسة تحرير نشرة الأخبار المسائيّة الثانية التي كانت تُذاع عادة بعد الساعة ‏الثانية عشرة ليلًا بعد انتهاء مسلسل السهرة، وكان وقتها انعقاد مؤتمر القمة العربي في ‏عمّان، وبعد تجهيز النشرة جاء في وقت متأخر من الليل الزميل المرحوم المصوّر حنّا ‏فراج ومعه أشرطة تتضمَّن البيان الختامي للمؤتمر، كما تضمّنت مؤتمرًا صحفيًّا لوزير ‏الإعلام آنذاك عدنان أبوعودة، وبما أنَّ الوقت متأخر والبيان قصير والمؤتمر الصحفي ‏لمعاليه كان وقته طويلًا، اتَّخذتُ قرارًا بإذاعة البيان الختامي فقط وتأجيل بثّ المؤتمر ‏لليوم الثاني.‏‎ ‎

ولكن المفاجأة حصلت لي بعد نهاية نشرة الأخبار في الساعة الواحدة ليلاً؛ حيث اتصل ‏وزير الإعلام عدنان أبوعودة غاضبًا مهدّدًا لعدم إذاعة مؤتمره الصحفيّ، وجرت مشادة ‏كلاميّة بيني وبينه حضر على إثرها في اليوم التالي لمبنى التلفزيون واستدعاني لمكتب ‏مدير الأخبار، وجرى بعض العتاب، وتم على إثرها نقلي من الأخبار إلى دائرة الإعلام ‏التنموي التي كان يرأسها الزميل صقر الحمود.‏

وفي هذه الدائرة كانت لي تجارب رائعة وفرص ودورات في الخارج وحضور ندوات ‏ومؤتمرات لم تتمّ لي عندما كنتُ في الأخبار؛ ذهبتُ في دورات على حساب الأمم المتحدة ‏إلى كل من ماليزيا، الصين، سنغافورة، مصر، لبنان، وجامعة "جون هوبكنز" الأميركية. ‏كما أتيحت لي الفرصة لتقديم العديد من البرامج منها على سبيل المثال برنامج "صور من ‏الأردن" يتحدَّث عن القرى الأردنيّة ويتضمَّن جانبًا من التراث والفنون والعادات والتقاليد ‏والآثار، صوَّرتُ أكثر من 50 حلقة، وكانت فعلًا تجربة رائعة لي طفتُ خلالها على ‏جميع القرى الأردنيّة‎.‎

بعدها عدتُ إلى دائرة البرامج وكان مديرها آنذاك المرحوم الأستاذ محمد أمين الذي تلقيتُ ‏منه كل دعم، وكلّفني بتصوير برنامج سمّاه هو "دليل المستهلِك" وأعطاني فكرة عن ‏محتوى هذا البرنامج، لكنّي كنتُ خائفًا من هذا النوع من البرامج لأنها كانت جديدة عليّ، ‏وصوّرتُ أوَّل حلقة من هذا البرنامج وبعد بثّها لاقت نجاحًا جيدًا ممّا شجّعني على طَرْق ‏مواضيع جديدة تهمّ المستهلك وكنتُ أثناء عملي أتعرَّض لضغوطات كثيرة من المخالفين ‏للشروط الصحيّة في المخابز والمطاعم والمحلات التجارية والمستشفيات والصيدليات ‏ومحلات العطارة والعصائر ومصانع الأغذية، وأخيرًا تمَّ تكليف إخوة من الأمن العام ‏ومراقبي الصحة والأمانة والغذاء والدواء لمرافقتي، وكُنّا فريقًا مؤلّفًا من أكثر من عشرة ‏أشخاص، ولاقى هذا البرنامج شعبيّة واسعة جدًا وكان محبوبًا من الجميع إلا من المخالفين ‏الذين كانوا يعلنون صراحةً عدم ترحيبهم بي أثناء التصوير عندهم. وفي إحدى المرّات تم ‏توقيف برنامجي ومنع دخولي إلى التلفزيون لأجل خاطر أحد المتنفِّذين، لكنَّ تدخُّل وزير ‏الإعلام آنذاك أعادني إلى التلفزيون بعد توقُّف دام أسبوعين، واستمررتُ بعدها بتقديم هذا ‏البرنامج إلى أن أُحلت إلى التقاعد. ‏

قبل تقاعدي كُلِّفت ببرنامج آخر هو "وطن وسياحة" كان من إعداد الزميل المرحوم ‏غازي دميثان المجالي وإخراج الزميل عارف سطام الفايز. كان البرنامج يركِّز على ‏التعريف بالمواقع السياحيّة والأثريّة في الأردن، وصوّر البرنامج في عدّة محافظات ‏أجملها كانت في العقبة والبتراء، وكان البرنامج يُذاع على الهواء مباشرة. أيضًا كان يتمّ ‏تكليفي أثناء شهر رمضان بتصوير برنامج "سهرات رمضانيّة"، وكان معي الزميل ‏المخرج مرعي الشعار، صوّرنا حلقات مع بعض سفارات الدول الإسلاميّة مثل باكستان ‏وماليزيا، بالإضافة لسهرات مع عائلات أردنية. بعد ذلك طلب مني تصوير برنامج ‏‏"ديرتنا" وكان يهدف إلى التعريف بالقرى الأردنية، وكان يرافقني الزميل المخرج ناصر ‏الزعبي، وقد صوَّرنا أكثر من ستين حلقة، ولاقى البرنامج شعبيّة جيدة.‏

كان آخر أعمالي في التلفزيون الأردني برنامج "المتميزون" وصوّرتُ أكثر من 60 ‏حلقة، وهو برنامج كان مدفوع الأجر من قبل المصانع والشركات التي كنّا نصوِّر فيها. ‏تقاعدتُ من المؤسسة عام 2007، لكنني استمررتُ بالعمل بنظام المكافأة حتى عام ‏‏2016، بعدها غادرتُ التلفزيون نهائيًّا؛ هذه المؤسسة التي أحبُّ وأكنُّ لها ولكل الزملاء ‏الذين عملوا فيها سابقًا ولاحقًا كل تقدير واحترام، لها ذكريات جميلة في نفسي لن أنساها ‏ما حييت.‏

العمل في الإذاعة الأردنيّة

أمّا عملي في الإذاعه فقد كان على نظام المكافأة، وكانت البدايات في عام 1976 وكانت ‏وقتها الإذاعة مستقلّة عن التلفزيون، وكان مديرها آنذاك معالي الأستاذ نصوح المجالي ‏‏"أبو ذاكر" الذي لاقيتُ منه كل ترحيب ودعم، وتمَّ تعييني في قسم الأخبار كوني كنتُ ‏أعمل في أخبار التلفزيون. ‏

وفي دائرة البرامج الإخبارية التي كان يرأسها المرحوم سليمان خيرالله الذي كلفني بالعمل ‏بمشاركة الزملاء السيدة مريم الدجاني، والزملاء سهيل خوري، ومحمد الشريف، ومحمد ‏نويران، والمرحوم محمود الفاعوري. جميعهم لقيتُ منهم كل محبّة وترحيب، خاصة ‏الزميلة مريم الدجاني "أم هاشم"، وكان لنا برنامج مسائي يومي اسمه "جريدة المساء" ‏وهو برنامج إخباري محلّي يومي بمساعدة المندوبين في ألوية ومحافظات المملكة. أيضًا ‏تمَّ تكليفي بتقديم برنامج إذاعي اسمه "وجهة نظر" وكانت كل حلقة تتحدث عن مواضيع ‏الساعة، ويُذاع البرنامج على الهواء مباشرة. وكذلك قدَّمتُ برامج أخرى على الهواء منها ‏برنامج "قريتنا" الذي كنتُ أذيعه سابقًا على شاشة التلفزيون. وهنا لا بدَّ أنْ أشيرَ إلى ‏التعاون البنّاء الذي وجدته من الزملاء في بداية عملي في الإذاعة منهم الزميل العزيز ‏شاكر حداد الذي كان له الفضل عليّ بأن درَّبني على قراءة نشرة الأخبار، فكنتُ أبقى ‏معه في الاستوديو طيلة النشرة، وسمح لي بعد فترة التدريب أن أكون مسير فترة إذاعية ‏فقط أقول: "هنا عمّان إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية"، أو "تستمعون الآن لبرنامج أو ‏أغنية كذا"، وبقيتُ فترة طويلة على هذه الحال إلى أن كُلّفتُ بالبرامج التي ذكرتها سابقًا. ‏وكان معي من الزملاء المرحومين جبر حجات، وسحوم المومني‎.‎

العمل في كوريا

أمّا عن قصة عملي في إذاعة كوريا الجنوبية، فيعود الفضل فيها إلى الصديق العزيز ‏الأستاذ هاني فراج الذي كان رئيسًا لشؤون الموظفين، وكان يعلم أني أعمل مذيعًا في ‏الإذاعة، وطلب منّي مقابلة مدير عام التلفزيون الأردني المرحوم محمد كمال، وأعلمني ‏أنه تمَّ ترشيحي للعمل في إذاعة كوريا الجنوبية، وكم كنتُ سعيدًا بهذا الخبر.‏‎ ‎

وللحقّ، فقد وجدتُ كل الاهتمام والرعاية من السيد هاني فراج والسيد محمد كمال مدير ‏التلفزيون السابق رحمه الله، وتمَّ تجهيز أوراق السفر وتعبئة الطلب باللغة الإنجليزية من ‏قبل الأستاذ إبراهيم شاه زاده الذي كان يعمل وقتها مديرًا لدائرة التبادل الإخباري لأنَّ ‏لغتي الإنجليزية وقتها كانت ضعيفة، وهذه لها قصة؛ فعندما وصلتُ لعملي في كوريا ‏الجنوبية، وكانت تلك رحلتي الأولى لكوريا الجنوبية عام 1978، طُلب منّي بناء على ‏العقد الموقَّع معهم أنْ أقومَ بعمل ترجمة وتحرير الأخبار وترجمة التعليق وترجمة البرامج ‏الأخرى التي كانت تُبثُّ على الموجة القصيرة الموجَّهة لدول الشرق الأوسط. الإذاعة ‏الكورية ‏kbs‏ تتألف من تسعة أقسام تبثّ برامجها بتسع لغات إلى مختلف دول العالم، ‏وكان يوجد وقتها اهتمام كوري كبير بدول الشرق الأوسط، خاصة دول البترول لأنَّ ‏كوريا الجنوبية كانت تسعى لإيجاد مشاريع لها في تلك الدول، وهذا ما حصل لاحقًا. ‏وطُلب منّي في القسم العربي تدريب الموظفين الجُدُد للعمل في العديد من البرامج وهذا ما ‏تمَّ فعلًا. ‏

واجهتُ صعوبات في بداية عملي، لكنَّها ذُلِّلت بفعل تعاون مدير عام الإذاعة الكورية معي ‏وسارت الأمور على ما يرام إلى أنْ طلبَتْ منّي بعض الجامعات الكوريّة مثل: جامعة ‏هانكوك للغات الأجنبية وجامعة ميونجيه الكورية وكذلك جمعية الصداقة العربية الكورية ‏أن أدرِّس اللغة العربية لطلبتها، خاصة في الفترة المسائيّة لأنني نهارًا كنت مشغولًا في ‏الإذاعة، بعدها وافق مدير القسم الدولي على أن أعمل مدرّسًا للغة العربية في هذه ‏الجامعات، وكانت فرصة رائعة جدًا لي إضافة للرواتب الجيدة التي كنت أتقاضاها من ‏الإذاعة، وهو مبلغ لم أكن أحلم به طيلة حياتي، إضافة إلى البرامج الوثائقية التي كنتُ ‏أعلِّق عليها وأتقاضى عنها أيضًا مبالغ خياليّة مقارنة براتبي الضعيف في التلفزيون الذي ‏لم يتجاوز 160 دينارًا. ‏

في إذاعة كوريا كُلِّفتُ بإجراء مقابلات مع العديد من الضيوف العرب من بينهم وزراء ‏وسفراء كانوا يحضرون إلى كوريا من أجل المشاركة في مؤتمرات وفعاليّات أخرى. بعد ‏مرور سنتين عدتُ للأردن وطلبَتْ مني إذاعة كوريا مذيعًا أردنيًّا يحلّ مكاني، وتم ترشيح ‏الزميل جمال ريان من التلفزيون وعمل عندهم لمدة سنتين عاد بعدها للأردن، وذهبتُ ‏مرّة أخرى مكانه، وبقيتُ هناك سنتين ثم عدتُ للأردن، جاء بعدي زميل من القاهرة، ‏وأخيرًا عدتُ للمرّة الثالثة إلى كوريا في العام 1992 وبقيتُ فيها حتى نهاية عام 1994 ‏وكان هذا عامًا حزينًا بالنسبة لي لأني فقدتُ والدتي ولم أستطع مشاهدتها قبل وفاتها ‏بسبب وجودي في الغربة، وتأخَّر إخوتي بإبلاغي بوفاتها، ودفعتُ ثمن الغربة غاليًا بفقد ‏والدتي دون أن أُلقي النظرة الأخيرة عليها، عندها قرَّرتُ عدم الاغتراب عن الوطن ‏نهائيًّا‎. ‎

هذه باختصار حكاية السنوات الأربعين التي عملتُ خلالها في مؤسستي التي أحبّ الإذاعة ‏والتلفزيون والتي ستبقى ذكراها في قلبي للأبد، وأكنُّ لجميع منتسبيها كل الحب ‏والاحترام.‏

في بلاط جلالة السلطان

كان عملي في ديوان البلاط السلطاني في سلطنة عُمان عام 1985؛ حيث عملتُ هناك ‏مستشارًا إعلاميًّا ومُعدًّا للبرامج في تلفزيون عُمان، وكان انتدابي للعمل في عُمان –‏أيضًا- بفضل الأستاذ العزيز "أبوسليمان" هاني فراج الذي رشَّحني لهذه المهمّة، وانصبَّ ‏عملي هناك على إعداد برامج خاصة بالتحضير لمؤتمر قمّة مجلس التعاون لدول الخليج ‏العربيّة التي كانت ستعقد في العاصمة العُمانية مسقط.‏

وكذلك كُلِّفتُ بكتابة نصوص دراميّة للتلفزيون يقوم بأدائها عدد من الفنانين العُمانيين مثل ‏فخرية خميس وأسماء أخرى غابت عن ذاكرتي، إضافة إلى كتابة نصوص دراميّة ‏للإذاعة أيضًا يؤدّيها فنانون عُمانيّون، وكانت جميعها تهدف إلى التوعية والتثقيف ‏بالشؤون البيئية والصحية وذلك للحفاظ على نظافة العاصمة التي ستستقبل وفود الدول ‏العربية المشاركة في مؤتمر القمّة. كان يشاركني من الزملاء في الإخراج الزميل محمد ‏الطراونة الذي عمل لفترة طويلة في التلفزيوني العُماني، وساعدني في كتابة النصوص ‏وفي صياغة اللهجة العُمانيّة كونه أقدم منّي في السلطنة. وكان أيضًا من الزملاء الذين ‏عاصرتهم هناك السيد عمر عبدالرحيم مصور والسيد خالد مساد مصور والسيد منذر ‏الشوا. ‏

قدَّمتُ أيضًا في الإذاعة العُمانيّة برنامج البلدية والمواطن في خدمة المجتمع، وكان ‏وجودي في السلطنة فرصة جميلة للتعرُّف على هذا البلد الطيِّب وشعبه الكريم، لكن ‏لظروف خاصة بي لم أجدِّد عقدي معهم، كان فقط سنة واحدة عدتُ بعدها لعملي في ‏التلفزيون الأردني.‏

لا يزال عبدالوهاب الطراونة ينبض بالعطاء ويقدم خلاصة تجاربه للأجيال الجديدة من ‏خلال مشاركتهم إيّاها عبر وسائل التواصل الاجتماعي واللقاءات الاجتماعيّة المختلفة، ‏وهو يشعر بالأسى لتقاعده كونه ما يزال قادرًا على تقديم المزيد، فالإعلامي لا يتقاعد، ‏تمامًا مثل الكاتب والمفكِّر وأصحاب الرَّأي. ‏