تحوُّرات للخريف العنيد

شعر: د. سحر سامي

شاعرة وكاتبة مصرية

 

كلُّ المخاوف في دمي تمضي إليك

يا موعدي المفقود يا شوق النَّوافذ لانبثاق الغائبين من المدى

كلّ المدى يأتيني من عينيك مبهورًا ويركع في انهزامي

كم كنتُ أمعنُ في الفرار إلى الدُّروب المقفرات

وأكتفي بالسَّوسنات الذّابلات،

 

لا كان خبزك خمرتي

لا كان وجهك غير أرضٍ لاشتعالِ قصائدي

لا كنتُ غيري

 

أنا يا أنا كنتُ المسافةَ بين عصفورٍ وغصنٍ للغناء

كنتُ المدينة والمهاجر والبحّار وساحةً للنَّزف والتَّعب البهيّ

علَّمتني لغة التمنطق بالحنين ووهج الدُّخول إلى الصَّلاة،

عيناك آخر قِبلة.. والرّيح.‏

 

إنَّ الصَّغيرة لم تكُن تدعوك إلّا خلسة‏

من أحاديث النساء ومن أقاويل الصِّحاب

ومن سكون الحلم في أوراقها...‏

وإذّاك تبتكر ابتهاجي والحقول، وتنتمي للمدّ.‏

‏-‏ ينساكِ صوتُكِ.. فارجعي.‏

‏ كل المدائن عندما تسمو لوجهك في الصَّباح الرَّطب يكتمل الجنون الموسمي، ويمرُّ ‏سهم بين قافية تمارس حزنها.. ويمامةٍ خرجت على طوع الفصول. ‏

 

ممتدَّة عبْر العواصم أضلعك

فلتحتوِ منّي سماءً مارست ألق انشطار القلب،

أو شفق الغناء المستشيط مواجدًا.. بين الظلال ووردةٍ للنّار تشدو وتمرُّ منك إليك فيك ‏إلى الذي أعلاك نخلًا من جذوري في خضوع الريح للفرس المعبَّأ بالأماني،

ثم لقّن مقلتيك الماءَ والزلزالَ، تاريخَ اشتياقي للجديلة والمدينةِ إذ تبوح بغنوةٍ شردت.. ‏وألقت في يدينا البحر موّالًا طويلًا.‏

 

نبضي عناوين البداية.. والمدائن كلها صوتان يلتقيان جهرًا

أو يضمّان الوجود فراشةً في الرّوح تنسج طقسها

وتسرُّ شيئًا بيننا.. وتمُرّ.‏

‏ ‏

‏-‏ ينساكِ حرفُكِ فارجعي.‏

وأراك وحدك في صحارى القلب، انشر حزنك البدوي فيّ

هي أعلنت عصيانَها: صوتَ الذي جمع الكواكب في يديه ورشَّها فاستبشَرَتْ

كلّ الشّوارع خطوةً نحوك

وظِلّي خيمة.‏

 

‏-‏ ينساكِ ظلُّك.‏

خيلُ المساء تمُرُّ دون حبيبها

لي أن أقوّلك، ثم أشبك زهرة في مفرقي ‏

وأطير ضوءًا فوق ليلات البكاء ‏

‏(بيد أنَّ الماء بعد الجهد ماء)‏

 

وجهان والريح العنيدة والندى المنسيّ

كلٌ الذي أبغيه بعضُك

بعض الذي قد كان منّي.‏

أورثتني عشقَ التبعثر في العطور الفاطميّة،

وتركتني عطرًا شريدًا في البلاد الأنكرت سفري إليك،

فَصَل نشيدَك بانهزامي...‏

كل الذي قد كان منها موجة عبرت جراحك وانطفت فوق ارتجالك لليمام.‏

كل الذين تشاكوا من وحدتي سقطوا، ويداك لألأةُ التأرحج بين قافية وسيف.‏

خذني إلى آخر حدودك وانسني،

إنَّ المساء معلَّق في الصَّمت

خذني إليّ

وارسل بريدك إنني..‏

يا كلّ كلّ مخاوفي، يا موعدي المفقود، يا دميَ المسافر في الزُّجاج المنصهر،

أدمنت صوتك... وانتحرت.‏