التَّشكيك في تأليف شكسبير دراسة مقدَّمة من "كير كاتلر"(*)‏

 

ترجمة: مصطفى أحمد نورالدين ‏

كاتب ومترجم مصري

 

ثمّة نظريّة تشكِّك بتأليف ويليام شكسبير، وتقول إنَّه لم يكتب مسرحيّاته وقصائده ‏الشهيرة، وفيما يلي ترجمة لمقالة تحاور هذه النظريّة، وتحاول الإجابة عن السؤال ‏حول إذا ما كانت أعمال شكسبير هي نتاج فردي أم جماعي، كما تبحث حول ‏مسوّغات هذا التَّشكيك في مجمل الأعمال المنسوبة إلى شكسبير؛ وتتطرَّق إلى أشهر ‏الكتب التي شكّكت في تأليف شكسبير ومنها كتاب لـِ"مارك توين"، لكن لا أحد يتطرَّق ‏إلى مثل هذه الكتب، ففي عالمنا المتحضِّر الحديث، لم نعُد نحرق الكتب، بل نتركها ‏خارج القوائم، بحسب تعبير "كير كاتلر".‏

 

بعد تخرُّجي بدرجة الدكتوراه في المسرح، أصبحتُ مونولوجيست. بالنسبة ‏لمونولوجتي الثالثة، كنتُ أبحث عن شيء لأكتبه. تذكّرتُ فكرة غريبة تسمّى "سؤال ‏تأليف شكسبير"، وهي النظريّة القائلة: إنَّ ويليام شكسبير لم يكتب مسرحيّاته وقصائده ‏الشهيرة. لم أكن أعرف الكثير عنها، بخلاف وجودها.‏‎ ‎بالتأكيد لم يسبق أن ذكرها ‏أستاذ جامعي أمامي إلّا وأضحك عليها، وأقول إنَّها نظريّة مؤامرة من طرف مجنون‎.‎

اعتقدتُ أنَّ هذا يمكن أن يجعل المسرحية مضحكة. يمكنني إنشاء شخصيّة مهرِّج ‏سخيفة تصدِّق الهراء بأنَّ شكسبير لم يكتب شكسبير‎.‎‏ لذلك، بدأتُ في البحث عن ‏معلومات حول هذا المفهوم. لم أكن أعرف ما إذا كان بإمكاني العثور عليه. لم أكن ‏أعرف حتى ما إذا كان أيّ شخص ما زال يعتقد ذلك‎.‎

ولكن بمجرَّد أن بدأتُ البحث، اكتشفتُ أنَّ هناك بالفعل آلاف الكتب حول هذا ‏الموضوع. كانت تلك مفاجأة. لم يظهر أيّ من هذه الكتب على الإطلاق في قائمة ‏قراءة أيّ أستاذ. لم أكن أبدًا قد فتحتُ واحدًا منها.‏‎ ‎لذلك، فتحتُ أحدَها، وقرأتُ لأوّل ‏مرّة: "لا توجد مسرحيات، أو قصائد، أو مذكرات، أو حتى أيّ رسائل باقية في يد ‏ويليام شكسبير من ستراتفورد‎."‎

لم أسمع هذا من قبل. فكّرتُ على الفور، "انتظِر، كيف يمكنني الحصول على درجة ‏الدكتوراه في المسرح ولم أسمع هذا من قبل؟ ولماذا لم أخبر هذا قط؟"، بدا لي أنَّ هذه ‏المعلومات كانت مثيرة للاهتمام.‏‎ ‎هناك أكثر من 900000 كلمة في مسرحيات ‏وقصائد شكسبير، وكل واحدة من هذه الكلمات، في شكلها الأصلي المكتوب بخط اليد، ‏تضيع! أليس هذا شيء تقوله لطالب مسرح؟ بدا لي، بصفتي أحمل دكتوراه في ‏المسرح، أن أعرف هذا‎.‎

وماذا عن رسائله؟ هذه هي الحقيقة التي صدمتني حقًا وغيّرتني إلى الأبد‎. ‎لا توجد ‏مراسلات في يد شكسبير (بخط يد شكسبير- المترجم). كنتُ أعرف أنَّ شكسبير قد ‏قسم وقته بين منزله وعائلته ومعاملاته التجارية في ستراتفورد أبون آفون، وعمله ‏المسرحي في لندن‎.‎‏ لذلك، ككاتب، افترضتُ أنه كتب عشرات الرسائل، وربما ‏المئات. ولكن لم تنجُ واحدة منها؟ بعد سنوات من إنهاء دراستي المسرحية، تعلمت، ‏بمفردي، لأوّل مرة: لا يوجد أثر ورقي فعلي يربط ويليام ستراتفورد بكونه كاتبًا‎.‎

ثم علمتُ أنَّ الباحثين قد وجدوا آخر وصيّة لشكسبير ستراتفورد. لكن وصيّته الطويلة ‏والمفصَّلة، التي تمتدّ لثلاث صفحات، مكتوبة بخط اليد من قبل محامٍ، وتذكُر كلَّ ‏أنواع الأشياء مثل الجواهر، والسيوف، والأوعية الفضيّة المذهّبة، وثاني أفضل ‏سرير، لم يذكر أبدًا أنَّ شكسبير كان كاتبًا، ولا تذكر أبدًا كتابًا واحدًا أو مسرحية أو ‏قصيدة أو عملًا أدبيًا غير مكتمل، ولا تذكر قطعة من مخطوطة من أيّ نوع. هذه ‏وصيّة وليام شكسبير؟ كيف حصلتُ على دكتوراه في المسرح ولم أسمع هذا؟ ‏

ولكن بعد ذلك، وبالتعمُّق أكثر، علمتُ أنه من المفترض أنَّ هناك مخطوطة نصيّة بيد ‏شكسبير. ليست مسرحية كتبها.‏‎ ‎ساعد شكسبير في إعادة كتابة مسرحية من قِبَل ‏شخص آخر. وكان النص الأصلي المكتوب بخط اليد قد نجا من العصر الإليزابيثي. ‏أُطلق على المسرحية اسم "السير توماس مور"، وأعاد ستّة كتاب، من بينهم شكسبير، ‏كتابتها، وكان يُعتقد أنَّ الكاتب الرابع، أو ما يسمى "اليَد دي"، هو شكسبير. إذا كان ‏الأمر كذلك، فستكون هذه المخطوطة النصيّة الوحيدة بيد شكسبير المعروف وجودها. ‏وهذا هو المكان الذي يوجد فيه اتصال كندي مثير للاهتمام‎.‎

في عام 1960، كان مهرجان ستراتفورد في كندا يعقد سلسلة من المحاضرات، ‏وقرّروا إجراء واحدة حول هذه النظرية الغامضة. أخذوا نسخة من مخطوطة "اليد ‏دي"‏‎ ‎ونسخًا من توقيعات شكسبير الستة المعروفة، وذهبوا إلى قوّة الشرطة الوطنيّة ‏الكنديّة، شرطة الخيّالة الكنديّة الملكيّة، وسألوا، "هل لديكَ خبير خطّ يد؟" وقد تبيَّن ‏أنهم فعلوا؛ "روي إيه هوبر"، شارَكَ في تأليف كتاب عن تحليل خط اليد، "تحديد خط ‏اليد: حقائق وأساسيات" (ما يزال الكتاب متاحًا للشراء على أمازون حتى يومنا هذا).‏

طلب مهرجان ستراتفورد من "روي إيه هوبر" إجراء تحليل والتأكيد، مرَّة واحدة ‏وإلى الأبد، أنَّ شكسبير قد كتب "اليد دي". إنها تسمّى يد السكرتارية، وكل من ‏توقيعات "اليد دي" مكتوبة فيه‎.‎

ذهب "هوبر" إلى ستراتفورد أونتاريو لإلقاء محاضرته. كان الجميع يتوقعون منه أن ‏يؤكد أنَّ شكسبير كتب "اليَد دي"،  لكن هذا ليس ما حدث‎.‎

أعلن "هوبر": "لا يمكن تحديد هويّة شكسبير على أنه اليَد دي". أظهر لهم "هوبر" أنَّ ‏كلّ "أنا" مرقّطة في التوقيعات، ولم يكن أي من "أنا" منقطة في "اليَد دي". كانت ‏الحروف المحدّدة مختلفة تمامًا. تبيَّن أنَّ‎ ‎‏"كيه"‏‎ ‎في شكسبير مختلف تمامًا عن‎ ‎‏"كيه" في ‏‏"اليَد دي" شيء يمكن لأيّ شخص تأكيده عن طريق تنزيل‎ ‎‏"اليَد دي"‏‎ ‎والتوقيعات ‏الستة وإجراء تحليل خاص بها.‏

قام‎ ‎‏"هوبر" بهدم‎ ‎‏ فرضيّة أنَّ شكسبير هو "اليَد دي" تمامًا، وقد يعتقد المرء أنَّ ذلك ‏سيكون نهاية‎ ‎‏"اليَد دي"،‎ ‎إلا أنه لم يكن كذلك. في الواقع، على الرّغم من أنَّ محلل خط ‏اليد الرئيس لقوة شرطة وطنيّة كبيرة قد قرَّر أنَّ "اليَد دي" لا يمكن أن تكون مرتبطة ‏بشكسبير ستراتفورد، تمَّ تجاهل النتائج تمامًا. وحتى يومنا هذا، يؤكد المتحف ‏البريطاني في لندن أنَّ "اليَد دي"‏‎ ‎هي خط يَد شكسبير. وهذا يشبه الجدل حول كَفَن ‏‏"تورينو"‏‎.‎

كان من المفترض أن يكون كَفَن "تورين" هو الكفن الفعلي لدفن يسوع المسيح، ‏وعندما أقامه الله بعد الصلب، احترقت صورة يسوع على القماش. كانت المشكلة ‏الوحيدة في هذا الاعتقاد أنه تمَّ اكتشاف تأريخ الكربون في القرن العشرين. سمح ‏الفاتيكان للعلماء بقطع قطعة من الكفن وإرسال قطع منها إلى ثلاثة مختبرات لتأريخ ‏الكربون. عادت جميع المختبرات الثلاثة بالنتيجة نفسها، وهي أنَّ الكفن لم يتم تصنيعه ‏قبل 2000 عام في زمن المسيح، ولكن في القرن الرابع عشر، ممّا يجعل الكفن عديم ‏القيمة باعتباره قطعة أثريّة مسيحيّة قديمة‎.‎

وكان ينبغي أن تكون تلك نهاية الأمر. لكنّها لم تكن كذلك. كان للاكتشاف تأثير ‏ضئيل. استمرَّ الأشخاص الذين أرادوا الإيمان بالكفن في الإيمان به- تمامًا مثل ما ‏حدث مع‎ ‎‏"اليَد دي". وهنا أدركتُ لماذا لم يتمّ تدريسي أيّ من الأسئلة حول تأليف ‏شكسبير في جميع الدورات المسرحيّة في طريقي إلى الدكتوراه في المسرح.‏‎ ‎شكسبير ‏ليس واقعيًّا. شكسبير ليس تاريخيًّا. شكسبير هو في الحقيقة شبه ديني ولا يمكن ‏التشكيك فيه‎.‎

بعد ذلك، اكتشفتُ أنَّ هناك العديد من العمالقة في التاريخ الذين نظروا في سيرة ‏شكسبير، على عكس طلاب الدكتوراه في المسرح مثلي، وخلصوا إلى أنَّ شكسبير من ‏ستراتفورد لم يكن كاتبًا قط. سيغموند فرويد، والت ويتمان، وناثانيال هوثورن، ‏وهنري جيمس، وحتى مارك توين‎.‎

درس "توين" سيرة شكسبير وزار ستراتفورد أبون آفون بإنجلترا، واستنتج أنَّ كل هذا ‏هراء شكسبير، وفقًا لـِ"توين"، لم يكتب أبدًا أيّ شيء. حتى إنَّ "توين" كتب كتابًا عنها ‏في عام 1909 بعنوان (هل شكسبير ميت؟)، في ذلك، يسخر "توين" من التخمين ‏الكلي لسير شكسبير. لم أسمع بهذا الكتاب من قبل. لم يذكره أيّ من أساتذتي. وحتى إنَّ ‏بعض المحررين أغفلوا (هل شكسبير ميت؟) من قائمة كتب "مارك توين". لا يعجبهم ‏ما يقوله الكتاب، لذلك لم يحدث الكتاب أبدًا. على ما يبدو، في عالمنا المتحضِّر ‏الحديث، لم نعُد نحرق الكتب، بل نتركها خارج القوائم‎!‎

كل هذا، الذي كنتُ أتعلّمه لأوّل مرّة، لم يكن يتعلّق كثيرًا بمن كتب شكسبير. من ‏الواضح أنَّ المسرحيات والقصائد رائعة، وقد كتبها شخص ما أو مجموعة ما. ما ‏كنتُ أتعلّمه كان عن شيء أكبر من شكسبير. كان هذا عن التعليم، أو بالأحرى سوء ‏التعليم. كان لي الحق في هذه المعلومات، وأن أفعل بها ما أختاره! ومع ذلك، فإنَّ ما ‏أعطاني إيّاه جميع المعلمين، في جميع المدارس التي كنتُ قد التحقتُ بها، كان العقيدة. ‏نعم، الأرثوذكسية، من اليونانية، ‏orthos ‎‏ تعني الحق، وdoxa‏ تعني الإيمان‎.‎

شكسبير كتب شكسبير، كنتُ أتعلّم بمفردي، بعد سنوات من إنهاء دراستي المسرحية، ‏لم يكن حقيقة، إنه اعتقاد. ربّما كان هذا صحيحًا، لكن الطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك ‏هي فحص الأدلّة. لسوء الحظ، هذا لا يحدث أبدًا‎.‎

لماذا؟ لماذا شكسبير إله لا يمكن المساس به ولا يجب فحصه أبدًا؟ خاصة عندما تكون ‏هناك كل هذه الحقائق المقلقة التي تشير بوضوح إلى الاتجاه المعاكس الذي قرر أمثال ‏‏"فرويد" و"ويتمان" و"توين" أنه كان هناك بالفعل سؤال؟ ‏

كتب البروفيسور "جيمس شابيرو" من جامعة كولومبيا، وهو أحد أبرز المراجع في ‏العالم عن شكسبير والمؤمن بشدة بالسيرة التقليدية، في كتابه "الإرادة المتنازع عليها": ‏‏"لا يزال هناك موضوع واحد، بعيدًا عن الدراسة الجادة لعلماء شكسبير؛ سؤال ‏التأليف من المحرمات تقريبًا في الأوساط الأكاديمية".‏

لم أكن أعرف أنَّ هناك أسئلة أدبية من القرن السادس عشر "محصورة" و"محرَّمة" ‏في الجامعات. في الواقع، هذا النوع من الأرثوذكسية المفروضة هو عكس التعليم ‏تمامًا‎.‎

هناك أوقات في الحياة يُصاب فيها المرء بالجنون الشديد، والغضب الشديد، والغضب ‏الشديد لدرجة أنه لا يوجد سوى شيء واحد يمكن أن يفعله الشخص. وهذا هو كتابة ‏وتقديم عرض رجل واحد. كان هذا أحد تلك الأوقات، القطعة التي كنتُ سأكتبها عن ‏مهرِّج يعتقد أنَّ شكسبير لم يكتب شكسبير، لم يحدث‎.‎

بدلًا من ذلك، قمتُ بتعديل فيلم "مارك توين" (هل شكسبير ميت؟) وظهر لأوّل مرّة ‏في مهرجان مونتريال فرينج لعام 2002. تمَّ تصويره لاحقًا للتلفزيون الكندي، وهو ‏الآن على‎ ‎يوتيوب‎ ‎يتلقى الآلاف من الزيارات في جميع أنحاء العالم كل عام‎.‎

أخيرًا، من المهم أن نلاحظ إلى أيّ مدى تحرَّكت قوائم المرمى من قِبَل أولئك الذين ‏يدافعون عن الموقف التقليدي الذي كتبه ويليام من ستراتفورد؛ أعمال شكسبير. عندما ‏بدأتُ دراستي المسرحية في السبعينات، كان موقف معظم العلماء هو أنَّ شكسبير كتب ‏شكسبير مع استثناء محتمل لبعض "بريكليس"، والذي ربّما كان تعاونًا وبالتالي تمَّ ‏استبعاده من الورقة الأولى‎.‎

اليوم، اعترف صندوق "شكسبير بيرث بليس" في كتابهم، (شكسبير ما وراء الشك: ‏دليل، حجة، جدل)، "بتقدير متحفظ أن جون فليتشر، توماس ميدلتون، توماس ناش، ‏جورج بيل، جورج ويلكنز" كمساهيمن‏‎ ‎في كتابات شكسبير. وتضيف جامعة أكسفورد ‏اسمًا آخر للمساهمين، كريستوفر مارلو، الذي يُنسب إليه الآن الفضل في هذه المؤسسة ‏المهيبة للمشاركة في كتابة مسرحيات هنري السادس الثلاث. تؤكد‎ ‎‏"أو يو بي"‏‎ ‎أيضًا ‏أنَّ 38 بالمئة كاملة من المسرحيات هي أعمال تعاونيّة‎.‎

بالنسبة للعلماء الأرثوذكس، فإنَّ تحرُّكهم بعيدًا عن شكسبير كمؤلف وحيد، هو بالتأكيد ‏بمثابة قبول بسؤال شكسبير حول التأليف‎.‎

‏- - - - - - - - - - - - - - ‏

‏(*) كير كاتلر: ممثل مقرّه في مونتريال. كتب العديد من العروض الفردية حول مسألة ‏التأليف، ويمكن العثور على مقتبس من فيلم‎ ‎مارك توين "هل شكسبير ميت؟" على‎ ‎يوتيوب‎.‎‏ كما تمَّت ترجمة تعديله لمواد‎ ‎مارك توين‎ ‎إلى اللغة الألمانية، وتم تشغيله ‏بنجاح في مهرجانات بألمانيا‎.‎

‏- المصدر/‏http://www.critical-stages.org/18/a-theatre-artists-‎path-questioning-shakespeares-authorship‏/