د. نعمات عوض الطراونة
كاتبة وباحثة أردنية
على سفح جبل يُشرف على منطقة غور الصافي من الجهة الشرقيّة الشماليّة يقع كهف لوط الذي يطلُّ على البحر الميت. وعلى بُعد (35) كيلو مترًا، على التلال الشرقيّة المُحاذية لطريق الزّارة في غور الحديثة، يُوجد تشكيل حجري مُنتصب "عمود ملح جافّ" يُشبه امرأة، ويُعتقد أنَّه لزوجة لوط. تُحيط بالكهف مواقع أثريّة كموقع (باب الذراع) الذي يضمّ مجموعة مقابر من الفترة البرونزيّة، وموقع (خربة قيزون) الذي عُثر فيه على أقمشة رومانيّة ونبطيّة، و(طواحين السُكَّر) و(تل الشيخ عيسى) وغيرها.
تنتشر على امتداد منطقة الأغوار الجنوبيّة العديد من المواقع الأثريّة والسياحيّة يزيد عددها عن ثلاثين موقعًا تعود لفترات زمنيّة مختلفة، وتشير إلى أنَّ هذه المنطقة كانت مأهولة بالاستيطان البشري لتوافر إمكانات العيش من مناخ مناسب ومكان وافر الخيرات. وقد أشارت المسوحات الأثريّة إلى وجود ملامح وبقايا أثريّة من أهمّها موقع كهف يُقال إنّ النبي "لوط" لجأ إليه بعد تدمير سدوم وعمورة. ومن الشواهد التي تؤكِّد أنَّ هذا الموقع هو لنبيّ الله "لوط" ما كان من اكتشاف حجر أثري منقوش عليه باليونانيّة اسم النبيّ "لوط"، تبعه اكتشاف الكهف والدير الملاصق له. كما تمَّ اكتشاف حجرين آخرين منقوش على أحدهما: "أيها القديس لوط بارك خدّامك".
يقع كهف "لوط" على سفح ذاك الجبل المُطلّ على منطقة غور الصافي من الجهة الشرقيّة الشماليّة، وله إطلالة ساحرة ومتميّزة على البحر الميت. وعلى بُعد (35) كيلو مترًا، وعلى التلال الشرقيّة المُحاذية لطريق الزارة في غور الحديثة يوجد تشكيل حجري منتصب "عمود ملح جافّ" يُشبه امرأة، ويُعتقد أنَّ هذا التشكيل لزوجة لوط التي عصت أوامر الله عندما أمرها بعدم النَّظر خلفها عندما حلّ العذاب على قوم لوط، فأُهلكت مع مَن هلك من قومه.
يُحيط بالكهف العديد من المواقع الأثريّة الغارقة في القدم كموقع (باب الذراع) الذي يضمّ مجموعة من المقابر التي تعود إلى الفترة البرونزية، وموقع (خربة قيزون) الذي عُثر فيه على أقمشة رومانيّة ونبطيّة، وموقع (طواحين السُكَّر) الذي يعود للفترة المملوكيّة، ويشتمل على قنوات ومعاصر حجريّة لاستخراج مادة السُكَّر، وموقع (تل الشيخ عيسى) الذي يعود للفترة المملوكيّة ويضمّ مباني إسلاميّة استُخدمت لتخزين جِرار السُكَّر.
وعلى الرّغم من أنَّ هذا الموقع الأثري كان معروفًا لدى السكان المحليين، إلّا أنَّ أولى الدراسات الأثرية التي بدأت بمسح شامل للموقع ومحيطه كانت عام 1987م، تبعها حفريات أثريّة منتظمة عام 1988م واستمرَّت حتى عام 1996م بدعم من المتحف البريطاني ووزارة الخارجيّة اليونانيّة بالتعاون مع دائرة الآثار العامة الأردنيّة.
ويعتقد الباحثون أنَّ تاريخ وجود الكهف يعود إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، وأنَّ ابني "لوط" (عمون ومؤاب) وُلدا فيه، وفي هذا إشارة إلى الرَّبط بين العمونيين الذين حكموا شمال البلاد، والمؤابيين الذين حكموا جنوبها.
وتُشيرُ الاكتشافات إلى أنَّ هذا الكهف استُخدم في العصر البرونزي المبكر (حوالي 3200ق.م). وما بين القرنين الخامس والسابع للميلاد أقام المسيحيون الأوائل كنيسة في الكهف على شكل بازليكا ذات ثلاثة محاريب، رُصِفت بالفسيفساء ذات الزخارف الجميلة لطيور وحيوانات وأشجار، وعليها بعض النقوش اليونانية، وقد استُخدمت كنيسةً وديرًا في الوقت ذاته، فقد أظهرت النقوش المكتوبة باللغة اليونانيّة (كان الخط اليوناني هو الخط الرسمي في المنطقة) اسم المطران ورئيس الرهبنة، وقد كُشف في الكنيسة عن الهيكل والمذبح الذي عُثر فيه على بقايا طاولته وكرسي المطران، إضافة إلى تواريخ البناء والترميم التي تعود إلى عام 573 ميلادي، ونيسان (أبريل) 605 ميلادي، وأيار (مايو) من عام 691 ميلادي.
يوجد بجانب الكهف خزّان ماء كبير يبلغ طوله 17م وعرضه 7م وعمقه 10م، وتصل سعته إلى 880 ألف لتر لتجميع مياه الأمطار عبر أقنية مكشوفة مبلَّطة بالحجارة، وجدرانه وأرضيّته مغطّاة بطبقة المونة البيضاء، وتعلو السقف أقواس حجرية مغطّاة بجذوع وسعف النخيل وأجزاء منها ما زالت ظاهرة للعيان، ويمكن النزول إلى قاعه من خلال الدَّرَج الحجريّ الموجود بجانبه.
ليس ذلك حسب، بل تمَّ اكتشاف غرفة صغيرة مرصوفة ببلاط رخامي أبيض ذي جودة عالية، إضافة إلى مئات الأسرجة الفخارية والزجاجية؛ أشارت جميع هذه الأدلّة إلى أنَّ هذا المكان كان من أكثر الأجزاء المقدَّسة في الكنيسة، كما كُشف فيه عن ثلاثة نقوش حجريّة تؤكِّد أنَّ المكان هو دير للنبي لوط، ويؤكد ذلك خارطة مادبا الفسيفسائية المشهورة التي تضمّ تصوير الموقع في القرن السادس الميلادي، كما عُثر فيه على موجودات خزفيّة تشير إلى استعمال الموقع في الفترة العباسيّة الأولى، وهذا يدلّ على قدسيّة المكان التاريخيّ وتلاحم الرّوابط والعلاقات بين الإسلام والمسيحية على أرض الأردن.
أقيمَ متحف بالقرب من الكهف (متحف أخفض بقعة في العالم)، وعند اللقاء مع الدكتور محمد زهران مدير المتحف، أشار إلى أنَّ المتحف تم افتتاحه رسميًّا أمام الحركة السياحية في السابع من نيسان/ إبريل عام 2002، وقد بُني من حجارة المنطقة، وتَروي مقتنيات المتحف، من القطع الأثرية كالفخاريات والمعادن والنقوش والكتابات من العهد الحجري القديم وحتى العصور الإسلاميّة، تروي قصة اكتشاف الكهف، وتفاصيل الاستقرار البشري في أخفض بقعة على الأرض وما اشتهروا به من إنتاج وزخارف، وتُشير إلى حضارة الأنباط العربيّة التي وصل حكمها إلى ساحل البحر الميت، إضافة إلى الحضارة الإسلاميّة، كما يضمّ المتحف مختبرًا لفحص القطع الأثريّة وترميمها، إضافة إلى وجود نُزل لخدمة الباحثين يتَّسع لحوالي أربعة عشر شخصًا، وتوجد ساحات خارجيّة لعرض القطع الأثرية الكبيرة الحجم والأشجار المعروفة في تلك المنطقة.
وقال د.محمد زهران مدير المتحف: "على الرّغم من ربط مسار المتحف سياحيًّا بالمسارات المجاورة له، أي في مسار بانوراما البحر الميت والعقبة، حيث يتيح للسائح زيارة المتحف والكهف، ومن ثم التوجُّه إلى باقي المواقع السياحيّة والدينيّة الجنوبيّة القريبة مثل: المغطس، والبحر الميت، والبترا، ووادي رم والعقبة، على الرّغم من ذلك فإنَّ معظم الأردنيين لا يعرفون أنَّ كهف "لوط" موجود في بلدهم"، وأضاف: "إنَّ الإقبال على هذا المعلم التاريخي الديني قليل من قِبَل أصحاب الديانات (المسلمين، والمسيحيين)؛ مع أنَّ نبيّ الله لوط معروف لدى هذه الديانات، لذا لا بدّ من إظهار الموقع على الخارطة السياحية".
تفتقر منطقة الكهف إلى الترويج والإقبال السياحي، فلا يزوره إلاّ (3500 شخص خلال العام)، وهناك نقص في الخدمات السياحية بالقرب من الكهف أو حتى في المنطقة المجاورة، سوى ذلك النُّزل/ المنامة التابعة للمتحف، إضافة لحاجته إلى ترميم المنحدرات الموجودة على جوانبه وإعادة تأهيلها؛ لأنَّها تشكِّل خطرًا على الزوّار بسبب انحدارها الشديد وغياب وسائل السلامة العامة، لذا لا بدّ من وجود حواجز إسمنتيّة على جوانبها؛ لتكون طريقًا آمنة وسهلة لسالكيها.
ويأمل أهل المنطقة أنْ يجذبَ الموقع مزيدًا من الزوّار في المستقبل، وأنْ تولي الجهات المعنيّة بالسياحة في الأردن هذا الموقع المزيد من الرِّعاية والاهتمام.
تعودُ زيارتي الأولى لهذا الموقع عندما قمتُ في العام الماضي 2020 بمرافقة مجموعة من مسؤولي الكشّافة والمراشدات في مديريّة تربية الأغوار الجنوبيّة أثناء رحلة سيرًا على الأقدام، وقد ذكر بعض أفراد المجموعة أنه لم يزُر الموقع من قبل. تبع هذه الرِّحلة عدّة زيارات لي، وفي كلّ زيارة أقفُ على شيء جديد في الموقع، وفي مقتنيات المتحف.