عامر الصمادي
إعلامي ومدرب دولي ومترجم وكاتب أردني
يُعتبرُ الإعلامي عبدالوهاب الطراونة واحدًا من جيل المؤسِّسين للتلفزيون الأردني، فقد بدأ العمل به في السنة السادسة من تأسيسه؛ أي في عام 1974، وعبْر مسيرته المهنيّة تدرَّج الطراونة بالعمل من قسم رصد الأخبار، ثم مونتاج الأخبار، وبعدها قسم تحرير الأخبار، ثم تحوَّل إلى قراءة التقارير الإخبارية وإعداد وتقديم البرامج، فقدّم العديد من البرامج منها: "صور من الأردن"، "وطن وسياحة"، "ديرتنا"... أمّا برنامج "دليل المستهلك" فقد لاقى شعبيّة كبيرة وخلَقَ ثقافة توعويّة استهلاكيّة لدى المواطنين، وكان رقيبًا على الفاسدين. يختصر هذا المقال حكاية السنوات الأربعين التي عمل الطراونة خلالها في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون مرورًا بمحطات إذاعة كوريا الجنوبية، وتلفزيون سلطنة عُمان.
يُجمِعُ الخبراء المختصّون أنَّ للإعلام وظائف عديدة من أجل خدمة المجتمع والمساهمة في تطوُّره من خلال توفير المعلومة الصادقة المتوازنة للناس، بحيث يستطيع كل فرد في المجتمع تكوين رأيه الخاص تجاه أيّ قضية تُثار، ويختلف الأمر قليلًا أو يزيد عليه إذا كانت وسيلة الإعلام حكوميّة وليست خاصة، لأنَّ الإعلام الرَّسمي في الدول النامية يولي عناية كبيرة بكثير من القضايا التي لا يهتمّ بها الإعلام الخاص؛ مثل القضايا التنمويّة المرتبطة بالزراعة والصحة والتعليم، فنجد برامج خاصّة للمزارعين وأخرى للتوعية الصحيّة والبيئيّة والدفاع المدني وبرامج القضايا الوطنيّة والتعبئة الوطنيّة كبرامج الجيش والأمن العام وغيرها، ومن أبرز هذه البرامج التي قدَّمها التلفزيون الأردني كان برنامج "دليل المستهلك" الذي بدأ تقديمه في العام 1985 واستمرَّ لمدّة عشرين سنة متواصلة من إعداد وتقديم الإعلامي الكبير عبدالوهاب الطراونة، وحقَّق هذا البرنامج شعبيّة كبيرة ونجاحًا هائلًا حتى إنه أصبح وسيلة للجهات الرقابيّة على الغذاء والدَّواء لمعرفة أساليب وطرق الغش الغذائي وأماكن تواجده وأبرز مَن يقوم به، ووصل الأمر إلى أنَّ كثيرًا من أصحاب المحلات المعنيّة بالمُنتجات الغذائيّة خاصة القصابين وأصحاب المطاعم كانوا يغلقون محلّاتهم بمجرَّد مشاهدتهم لسيارة التلفزيون في المنطقة خوفًا من افتضاح أمرهم.
يُعتبرُ عبدالوهاب الطراونة من جيل المؤسسين للتلفزيون الأردني فقد بدأ العمل به في السنة السادسة من تأسيسه أي في عام 1974 وتدرَّج بالعمل من قسم رصد الأخبار ثم قسم مونتاج الأخبار وبعدها قسم تحرير الأخبار، ثم تحوَّل إلى قراءة التقارير الإخبارية وإعداد وتقديم البرامج، وهي مسيرة مهنيّة تجعل من الإعلامي مُلمًّا بكلّ زوايا العمل الإذاعي والتلفزيوني فيصبح مؤهَّلًا للقيام بكل ما يلزم لإنجاح العمل وبحرفيّة عالية.
تعود معرفتي بالزميل عبدالوهاب الطراونة إلى بداية عملي بالتلفزيون الأردني بداية عام 1990 عندما طلب منّي تقديم برنامج "المجلة الثقافية" وهو أهمّ برنامج ثقافي وقتها. ودون تدريب أو معرفة بأدوات العمل التلفزيوني أو حتى الوقت الكافي للتعرُّف على الاستوديوهات بدأتُ تصوير أولى الحلقات من ذلك البرنامج معتمدًا على لغتي العربية السليمة ودراستي للُّغة الإنجليزية وعشقي للأدب والشعر وعلاقاتي مع معظم الشعراء العرب والأردنيين بحكم تطوُّعي بإدارة أنشطة لجنة الشعر والصحافة في مهرجان جرش لعدة سنوات. وما زلتُ أذكر موقفًا للأستاذ عبدالوهاب الطراونة أقوم بتدريسه لطلابي في الدورات الإعلاميّة حول أهميّة العامل النفسي للإعلامي، ويتلخّص ذلك الموقف بأننا وبعد بثّ الحلقة الأولى من البرنامج عقدنا اجتماعًا لفريق العمل لمناقشة الحلقة، وكان هناك زميلٌ يرغب بأن تقوم بتقديم البرنامج إحدى الزميلات ولكنه فوجئ بتكليفي بتقديم البرنامج، فحاول بشتّى الطرق أن يؤثِّر عليّ للانسحاب من البرنامج مستغلًّا عدم معرفتي ببعض أدوات العمل التلفزيوني، ولأنه كان هو المخرج فقد تعمَّد عدم تنبيهي لبعض الحركات مثل النظر إلى الكاميرا المُضاءة باللون الأحمر أو تحريك الكاميرات بشكل سريع داخل الاستوديو دون معرفتي أيّها الموجَّهة عليّ، وطبعًا استغلَّ بعض تلك الهفوات لإقناع الإدارة بأنني لا أصلح وأنَّ مذيعة أخرى يجب أن تقدِّم البرنامج، وفعلًا أوصلني لحالة نفسيّة كرهتُ بها العمل التلفزيوني وخرجتُ من الاجتماع محبطًا وعازمًا على ترك البرنامج، وفي حديقة التلفزيون التقيتُ بالأستاذ عبدالوهاب الذي لم أكن أعرفه من قبل والذي بادرني بالسَّلام وأبدى إعجابه بحلقتي الأولى، وكيف أنني لفتُّ انتباهه بلغتي ومخارج حروفي السليمة وطريقة تقديمي للبرنامج على الرّغم من أنها المرَّة الأولى لي، وقال إنَّ لي "حضورًا" على الشاشة وشكلًا مناسبًا للتلفزيون، وكالَ لي الكثير من المديح مشيرًا إلى أنّني سأصبح من أفضل مقدِّمي البرامج؛ ممّا رفع معنويّاتي وزاد من ثقتي بنفسي وجعلني أعود عن قراري وأقبل التحدّي بالاستمرار بتقديم البرنامج، وهذا ما كان، واستمرَّ عملي بالتلفزيون إلى يومنا هذا.
• الميلاد والنشأة
يقول الأستاذ عبدالوهاب عن حياته ونشأته:
وُلدتُ في بلد شهداء معركة مؤته، جعفر بن أبي طالب وعبدالله بن رواحة وزيد بن حارثة (المزار الجنوبي) في عام 1946 في بيئة دينية محافظة، وكان بيتنا بجانب مسجد الصحابي الجليل جعفر الطيار.
والدي رحمه الله كان يعمل مؤذننًا وإمامًا لهذا المسجد، وكان حريصًا على أن أرافقه إلى المسجد وعلى متابعة تعليمي في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وحتى في العطلة الصيفيّة كان يحرص على أن أدرُس عند الكُتّاب لتقوية اللغة العربية والدين، وكان يوكلني عندما مرض في الآونة الأخيره للقيام بواجباته كالأذان وإمامة المصلين؛ وهذا عزَّز عندي القدرة على المثول أمام حشد من الناس لإلقاء الدروس الدينية، وشجَّعني أيضًا على إصدار مجله الحائط الأسبوعية بعنوان (الشعلة) وكان يشارك فيها العديد من زملائي الطلبة في المرحلة الإعدادية بالإضافة لمشاركة عدد من المعلمين، كل هذه المعطيات عزَّزت عندي حُبّ الإعلام والانخراط في مجاله بعد إنهاء دراستي، ولكن الظروف شاءت غير ذلك عندما تخصَّصتُ بدراسة الحقوق في جامعة بيروت العربية وحصلتُ على شهادة الليسانس عام 1976.
بعد مرحلة التوجيهي لم أتمكن من الذهاب للجامعة نظرًا لوفاة والدي في العام 1969، فتقدَّمتُ بطلب للعمل في سلاح الهندسة الملكي- قسم المساحة العسكريّة كوني أحمل شهادة دبلوم مساحة، وتمَّ قبولي، ولحسن الحظ تمَّ قبولي أيضًا أنا وسبعة طلاب آخرين لإرسالنا في بعثة إلى هولندا لدراسة هندسة التصوير الجوي "كارتو جرافي".
ولكن جاءت الموافقة عليّ وحدي من بين الطلاب الآخرين نظرًا لأني أحمل دبلوم المساحة، وأنهيتُ كل الإجراءات اللازمة للسفر، لكن لسوء الحظ حصلت ظروف منعتني من السفر بسبب مشاكل مع قائد الوحدة آنذاك المهندس المرحوم نشأت المجالي، عندها قدَّمتُ استقالتي، وكنتُ حينئذ قد قدَّمتُ طلبًا للعمل في التلفزيون، وتمَّ قبولي للعمل في التلفزيون عام 1974، ومنذ ذلك التاريخ بدأت مسيرتي الإعلاميّة.
• العمل في التلفزيون الأردني
وحول عمله في التلفزيون منذ البداية، والأشخاص الذين زاملهم، وأبرز محطات عمله وبخاصّة البرامج التي قدمها، يقول الطراونة:
بدأت القصة من دائرة الأخبار وكنتُ أرغب أن أكون مذيعًا ومحررًا للأخبار، حيث كان للتلفزيون آنذاك ألقٌ خاص وشهرةٌ واسعة حتى في العالم العربي، وكان عملُ المذيع آنذاك عملًا يتمنّاه الكثيرون لِما له من ميزات كثيرة؛ فلم يكن في ذلك الوقت أيّ وسيلة للمُشاهدة إلا التلفزيون، حيث لم تكُن القنوات الفضائية ووسائل الاتصال متوفرة حينئذ كما هي اليوم. لكن، لكي تكونَ مذيعًا أو محررًا في تلك الفترة كان لا بدَّ وأن تمُرَّ بعدة مراحل ودورات حتى تتأهَّل للظُّهور على الشاشة. كان مدير أخبار التلفزيون وقتها المرحوم الأستاذ جورج حداد، فطلب منّي أن أعمل أوّلًا في دائرة رصد الأخبار، وكان معي من الزملاء عمر أبوزيد رئيس القسم، وسند حدادين، وعبدالله النسور، وسمير العمد، كنّا ننقل الأخبار من وكالات الأنباء ونعطيها لزملائنا في التحرير من أجل نشرة أخبار الثامنة الرئيسة.
بعدها انتقلتُ إلى قسم مونتاج الأخبار الذي كان يرأسه الزميل المرحوم زهير صيام، ومن الذين زاملتهم: كمال ماف، ويوسف الصرايرة، وعلي الطلافيح، ونائل الطراونة.
بعدها طلبتُ العمل محرِّرًا للأخبار، ولكنَّ مدير الأخبار آنذاك المرحوم محمد أمين اشترط أنه لا بد من إجراء اختبار، وفعلًا خضعتُ للاختبار الكتابي وتجاوزتُه بحمد الله وتغيَّرت مهنتي إلى محرِّر أخبار. لكن على الرغم من ذلك بقيتُ أرغب في الظُّهور على الشاشة؛ وهو حلم كان يراودني دائمًا.
بعد فترة بسيطة تسلَّم إدارة الأخبار المرحوم الدكتور مروان خير، وكان له الفضل عليّ بأن طلب منّي أن أقرأ التقارير الإخباريّة على الهواء مباشرة صوتًا فقط، وهذا منحني نوعًا من الجرأة للتغلُّب على هيبة الاستوديو والميكروفون، ثم طلب منّي أيضًا أن أقوم بتصوير تقارير إخباريّة ميدانيّة، وكان أوَّل تقرير ميداني إخباري لي مع الزميل المرحوم صالح جبر عن مستشفى الكرك الحكومي، حيث سلّطنا الضوء على بعض المشاكل التي كان يعاني منها الناس في هذا المستشفى، وبعد نجاح ذلك التقرير كُلِّفتُ بإجراء تقارير إخبارية ميدانية في منطقة وادي عربة ومناطق أخرى في المملكة. بعدها استمررتُ في عملي محررًا للأخبار حيث كان الزميل المرحوم عبدالحليم عربيات رئيسًا للتحرير، وكان يريد أن يجعلني رئيسًا للتحرير، حيث طلب منّي في إحدى المرّات نتيجه لظروف خاصة به أن أستلم رئاسة تحرير نشرة الأخبار المسائيّة الثانية التي كانت تُذاع عادة بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا بعد انتهاء مسلسل السهرة، وكان وقتها انعقاد مؤتمر القمة العربي في عمّان، وبعد تجهيز النشرة جاء في وقت متأخر من الليل الزميل المرحوم المصوّر حنّا فراج ومعه أشرطة تتضمَّن البيان الختامي للمؤتمر، كما تضمّنت مؤتمرًا صحفيًّا لوزير الإعلام آنذاك عدنان أبوعودة، وبما أنَّ الوقت متأخر والبيان قصير والمؤتمر الصحفي لمعاليه كان وقته طويلًا، اتَّخذتُ قرارًا بإذاعة البيان الختامي فقط وتأجيل بثّ المؤتمر لليوم الثاني.
ولكن المفاجأة حصلت لي بعد نهاية نشرة الأخبار في الساعة الواحدة ليلاً؛ حيث اتصل وزير الإعلام عدنان أبوعودة غاضبًا مهدّدًا لعدم إذاعة مؤتمره الصحفيّ، وجرت مشادة كلاميّة بيني وبينه حضر على إثرها في اليوم التالي لمبنى التلفزيون واستدعاني لمكتب مدير الأخبار، وجرى بعض العتاب، وتم على إثرها نقلي من الأخبار إلى دائرة الإعلام التنموي التي كان يرأسها الزميل صقر الحمود.
وفي هذه الدائرة كانت لي تجارب رائعة وفرص ودورات في الخارج وحضور ندوات ومؤتمرات لم تتمّ لي عندما كنتُ في الأخبار؛ ذهبتُ في دورات على حساب الأمم المتحدة إلى كل من ماليزيا، الصين، سنغافورة، مصر، لبنان، وجامعة "جون هوبكنز" الأميركية. كما أتيحت لي الفرصة لتقديم العديد من البرامج منها على سبيل المثال برنامج "صور من الأردن" يتحدَّث عن القرى الأردنيّة ويتضمَّن جانبًا من التراث والفنون والعادات والتقاليد والآثار، صوَّرتُ أكثر من 50 حلقة، وكانت فعلًا تجربة رائعة لي طفتُ خلالها على جميع القرى الأردنيّة.
بعدها عدتُ إلى دائرة البرامج وكان مديرها آنذاك المرحوم الأستاذ محمد أمين الذي تلقيتُ منه كل دعم، وكلّفني بتصوير برنامج سمّاه هو "دليل المستهلِك" وأعطاني فكرة عن محتوى هذا البرنامج، لكنّي كنتُ خائفًا من هذا النوع من البرامج لأنها كانت جديدة عليّ، وصوّرتُ أوَّل حلقة من هذا البرنامج وبعد بثّها لاقت نجاحًا جيدًا ممّا شجّعني على طَرْق مواضيع جديدة تهمّ المستهلك وكنتُ أثناء عملي أتعرَّض لضغوطات كثيرة من المخالفين للشروط الصحيّة في المخابز والمطاعم والمحلات التجارية والمستشفيات والصيدليات ومحلات العطارة والعصائر ومصانع الأغذية، وأخيرًا تمَّ تكليف إخوة من الأمن العام ومراقبي الصحة والأمانة والغذاء والدواء لمرافقتي، وكُنّا فريقًا مؤلّفًا من أكثر من عشرة أشخاص، ولاقى هذا البرنامج شعبيّة واسعة جدًا وكان محبوبًا من الجميع إلا من المخالفين الذين كانوا يعلنون صراحةً عدم ترحيبهم بي أثناء التصوير عندهم. وفي إحدى المرّات تم توقيف برنامجي ومنع دخولي إلى التلفزيون لأجل خاطر أحد المتنفِّذين، لكنَّ تدخُّل وزير الإعلام آنذاك أعادني إلى التلفزيون بعد توقُّف دام أسبوعين، واستمررتُ بعدها بتقديم هذا البرنامج إلى أن أُحلت إلى التقاعد.
قبل تقاعدي كُلِّفت ببرنامج آخر هو "وطن وسياحة" كان من إعداد الزميل المرحوم غازي دميثان المجالي وإخراج الزميل عارف سطام الفايز. كان البرنامج يركِّز على التعريف بالمواقع السياحيّة والأثريّة في الأردن، وصوّر البرنامج في عدّة محافظات أجملها كانت في العقبة والبتراء، وكان البرنامج يُذاع على الهواء مباشرة. أيضًا كان يتمّ تكليفي أثناء شهر رمضان بتصوير برنامج "سهرات رمضانيّة"، وكان معي الزميل المخرج مرعي الشعار، صوّرنا حلقات مع بعض سفارات الدول الإسلاميّة مثل باكستان وماليزيا، بالإضافة لسهرات مع عائلات أردنية. بعد ذلك طلب مني تصوير برنامج "ديرتنا" وكان يهدف إلى التعريف بالقرى الأردنية، وكان يرافقني الزميل المخرج ناصر الزعبي، وقد صوَّرنا أكثر من ستين حلقة، ولاقى البرنامج شعبيّة جيدة.
كان آخر أعمالي في التلفزيون الأردني برنامج "المتميزون" وصوّرتُ أكثر من 60 حلقة، وهو برنامج كان مدفوع الأجر من قبل المصانع والشركات التي كنّا نصوِّر فيها. تقاعدتُ من المؤسسة عام 2007، لكنني استمررتُ بالعمل بنظام المكافأة حتى عام 2016، بعدها غادرتُ التلفزيون نهائيًّا؛ هذه المؤسسة التي أحبُّ وأكنُّ لها ولكل الزملاء الذين عملوا فيها سابقًا ولاحقًا كل تقدير واحترام، لها ذكريات جميلة في نفسي لن أنساها ما حييت.
• العمل في الإذاعة الأردنيّة
أمّا عملي في الإذاعه فقد كان على نظام المكافأة، وكانت البدايات في عام 1976 وكانت وقتها الإذاعة مستقلّة عن التلفزيون، وكان مديرها آنذاك معالي الأستاذ نصوح المجالي "أبو ذاكر" الذي لاقيتُ منه كل ترحيب ودعم، وتمَّ تعييني في قسم الأخبار كوني كنتُ أعمل في أخبار التلفزيون.
وفي دائرة البرامج الإخبارية التي كان يرأسها المرحوم سليمان خيرالله الذي كلفني بالعمل بمشاركة الزملاء السيدة مريم الدجاني، والزملاء سهيل خوري، ومحمد الشريف، ومحمد نويران، والمرحوم محمود الفاعوري. جميعهم لقيتُ منهم كل محبّة وترحيب، خاصة الزميلة مريم الدجاني "أم هاشم"، وكان لنا برنامج مسائي يومي اسمه "جريدة المساء" وهو برنامج إخباري محلّي يومي بمساعدة المندوبين في ألوية ومحافظات المملكة. أيضًا تمَّ تكليفي بتقديم برنامج إذاعي اسمه "وجهة نظر" وكانت كل حلقة تتحدث عن مواضيع الساعة، ويُذاع البرنامج على الهواء مباشرة. وكذلك قدَّمتُ برامج أخرى على الهواء منها برنامج "قريتنا" الذي كنتُ أذيعه سابقًا على شاشة التلفزيون. وهنا لا بدَّ أنْ أشيرَ إلى التعاون البنّاء الذي وجدته من الزملاء في بداية عملي في الإذاعة منهم الزميل العزيز شاكر حداد الذي كان له الفضل عليّ بأن درَّبني على قراءة نشرة الأخبار، فكنتُ أبقى معه في الاستوديو طيلة النشرة، وسمح لي بعد فترة التدريب أن أكون مسير فترة إذاعية فقط أقول: "هنا عمّان إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية"، أو "تستمعون الآن لبرنامج أو أغنية كذا"، وبقيتُ فترة طويلة على هذه الحال إلى أن كُلّفتُ بالبرامج التي ذكرتها سابقًا. وكان معي من الزملاء المرحومين جبر حجات، وسحوم المومني.
• العمل في كوريا
أمّا عن قصة عملي في إذاعة كوريا الجنوبية، فيعود الفضل فيها إلى الصديق العزيز الأستاذ هاني فراج الذي كان رئيسًا لشؤون الموظفين، وكان يعلم أني أعمل مذيعًا في الإذاعة، وطلب منّي مقابلة مدير عام التلفزيون الأردني المرحوم محمد كمال، وأعلمني أنه تمَّ ترشيحي للعمل في إذاعة كوريا الجنوبية، وكم كنتُ سعيدًا بهذا الخبر.
وللحقّ، فقد وجدتُ كل الاهتمام والرعاية من السيد هاني فراج والسيد محمد كمال مدير التلفزيون السابق رحمه الله، وتمَّ تجهيز أوراق السفر وتعبئة الطلب باللغة الإنجليزية من قبل الأستاذ إبراهيم شاه زاده الذي كان يعمل وقتها مديرًا لدائرة التبادل الإخباري لأنَّ لغتي الإنجليزية وقتها كانت ضعيفة، وهذه لها قصة؛ فعندما وصلتُ لعملي في كوريا الجنوبية، وكانت تلك رحلتي الأولى لكوريا الجنوبية عام 1978، طُلب منّي بناء على العقد الموقَّع معهم أنْ أقومَ بعمل ترجمة وتحرير الأخبار وترجمة التعليق وترجمة البرامج الأخرى التي كانت تُبثُّ على الموجة القصيرة الموجَّهة لدول الشرق الأوسط. الإذاعة الكورية kbs تتألف من تسعة أقسام تبثّ برامجها بتسع لغات إلى مختلف دول العالم، وكان يوجد وقتها اهتمام كوري كبير بدول الشرق الأوسط، خاصة دول البترول لأنَّ كوريا الجنوبية كانت تسعى لإيجاد مشاريع لها في تلك الدول، وهذا ما حصل لاحقًا. وطُلب منّي في القسم العربي تدريب الموظفين الجُدُد للعمل في العديد من البرامج وهذا ما تمَّ فعلًا.
واجهتُ صعوبات في بداية عملي، لكنَّها ذُلِّلت بفعل تعاون مدير عام الإذاعة الكورية معي وسارت الأمور على ما يرام إلى أنْ طلبَتْ منّي بعض الجامعات الكوريّة مثل: جامعة هانكوك للغات الأجنبية وجامعة ميونجيه الكورية وكذلك جمعية الصداقة العربية الكورية أن أدرِّس اللغة العربية لطلبتها، خاصة في الفترة المسائيّة لأنني نهارًا كنت مشغولًا في الإذاعة، بعدها وافق مدير القسم الدولي على أن أعمل مدرّسًا للغة العربية في هذه الجامعات، وكانت فرصة رائعة جدًا لي إضافة للرواتب الجيدة التي كنت أتقاضاها من الإذاعة، وهو مبلغ لم أكن أحلم به طيلة حياتي، إضافة إلى البرامج الوثائقية التي كنتُ أعلِّق عليها وأتقاضى عنها أيضًا مبالغ خياليّة مقارنة براتبي الضعيف في التلفزيون الذي لم يتجاوز 160 دينارًا.
في إذاعة كوريا كُلِّفتُ بإجراء مقابلات مع العديد من الضيوف العرب من بينهم وزراء وسفراء كانوا يحضرون إلى كوريا من أجل المشاركة في مؤتمرات وفعاليّات أخرى. بعد مرور سنتين عدتُ للأردن وطلبَتْ مني إذاعة كوريا مذيعًا أردنيًّا يحلّ مكاني، وتم ترشيح الزميل جمال ريان من التلفزيون وعمل عندهم لمدة سنتين عاد بعدها للأردن، وذهبتُ مرّة أخرى مكانه، وبقيتُ هناك سنتين ثم عدتُ للأردن، جاء بعدي زميل من القاهرة، وأخيرًا عدتُ للمرّة الثالثة إلى كوريا في العام 1992 وبقيتُ فيها حتى نهاية عام 1994 وكان هذا عامًا حزينًا بالنسبة لي لأني فقدتُ والدتي ولم أستطع مشاهدتها قبل وفاتها بسبب وجودي في الغربة، وتأخَّر إخوتي بإبلاغي بوفاتها، ودفعتُ ثمن الغربة غاليًا بفقد والدتي دون أن أُلقي النظرة الأخيرة عليها، عندها قرَّرتُ عدم الاغتراب عن الوطن نهائيًّا.
هذه باختصار حكاية السنوات الأربعين التي عملتُ خلالها في مؤسستي التي أحبّ الإذاعة والتلفزيون والتي ستبقى ذكراها في قلبي للأبد، وأكنُّ لجميع منتسبيها كل الحب والاحترام.
• في بلاط جلالة السلطان
كان عملي في ديوان البلاط السلطاني في سلطنة عُمان عام 1985؛ حيث عملتُ هناك مستشارًا إعلاميًّا ومُعدًّا للبرامج في تلفزيون عُمان، وكان انتدابي للعمل في عُمان –أيضًا- بفضل الأستاذ العزيز "أبوسليمان" هاني فراج الذي رشَّحني لهذه المهمّة، وانصبَّ عملي هناك على إعداد برامج خاصة بالتحضير لمؤتمر قمّة مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة التي كانت ستعقد في العاصمة العُمانية مسقط.
وكذلك كُلِّفتُ بكتابة نصوص دراميّة للتلفزيون يقوم بأدائها عدد من الفنانين العُمانيين مثل فخرية خميس وأسماء أخرى غابت عن ذاكرتي، إضافة إلى كتابة نصوص دراميّة للإذاعة أيضًا يؤدّيها فنانون عُمانيّون، وكانت جميعها تهدف إلى التوعية والتثقيف بالشؤون البيئية والصحية وذلك للحفاظ على نظافة العاصمة التي ستستقبل وفود الدول العربية المشاركة في مؤتمر القمّة. كان يشاركني من الزملاء في الإخراج الزميل محمد الطراونة الذي عمل لفترة طويلة في التلفزيوني العُماني، وساعدني في كتابة النصوص وفي صياغة اللهجة العُمانيّة كونه أقدم منّي في السلطنة. وكان أيضًا من الزملاء الذين عاصرتهم هناك السيد عمر عبدالرحيم مصور والسيد خالد مساد مصور والسيد منذر الشوا.
قدَّمتُ أيضًا في الإذاعة العُمانيّة برنامج البلدية والمواطن في خدمة المجتمع، وكان وجودي في السلطنة فرصة جميلة للتعرُّف على هذا البلد الطيِّب وشعبه الكريم، لكن لظروف خاصة بي لم أجدِّد عقدي معهم، كان فقط سنة واحدة عدتُ بعدها لعملي في التلفزيون الأردني.
لا يزال عبدالوهاب الطراونة ينبض بالعطاء ويقدم خلاصة تجاربه للأجيال الجديدة من خلال مشاركتهم إيّاها عبر وسائل التواصل الاجتماعي واللقاءات الاجتماعيّة المختلفة، وهو يشعر بالأسى لتقاعده كونه ما يزال قادرًا على تقديم المزيد، فالإعلامي لا يتقاعد، تمامًا مثل الكاتب والمفكِّر وأصحاب الرَّأي.