رياض أبو زايدة
صحفي؛ مراسل، محرر، ومدرب أردني
r.abuzaidah@gmail.com
شهدَ معرض عمّان الدولي للكتاب في دورته للعام 2021 إقبالًا كبيرًا على الرّغم من إقامته وفق ظروف استثنائيّة بسبب جائحة "كورونا". وتمَّ استحضار الشاعر الأردني الراحل مصطفى وهبي التل (عرار) كرمز ثقافي ارتبط بنشأة الدولة الأردنيّة، فكان الراحل عرار "شخصيّة المعرض الثقافيّة". وحافظ المعرض على شعار "القدس عاصمة فلسطين" كما في الدَّورات الماضية تأكيدًا لموقف الأردن، قيادةً وشعبًا، في رفض المخطّطات التي تستهدف عروبة القدس والرِّعاية الهاشميّة.
ثلاثة تغييرات فرضت نفسها هذا العام على معرض عمّان الدولي للكتاب في دورته الـ(20) التي اختُتمت فعاليّاتها في الثاني من تشرين الأوَّل 2021، هذه التغيُّرات تمثَّلت في إقامة المعرض وفق ظروف استثنائيّة بسبب جائحة "كورونا" بعد أن أدَّت إلى تأجيله العام الماضي 2020. كما شهد المعرض استحضار شخصيّة الشاعر الأردني عرار بعد 72 عامًا من الغياب. أمّا التغيير الثالث فتمثّل في إقامة المعرض دون أن تكون هناك دولة كـ"ضيف شرف" كما جرت العادة في الدَّورات السابقة.
وحافظ المعرض على شعار "القدس عاصمة فلسطين" لهذه الدَّورة، كما في الدَّورات الماضية، تأكيدًا على موقف الأردن الرافض للمخططات التي تستهدف عروبة القدس والرِّعاية الهاشميّة.
• "كورونا".. وإدارة العمل الثقافي
في العام الماضي 2020، أزاحت الجائحة قطاع النَّشر في المملكة نحو قائمة القطاعات والأنشطة الاقتصادية الأكثر تضرُّرًا التي أعلنتها الجهات الرسميّة، وتسبَّبت هيئة الإعلام بمعضلة أخرى في نظام تجديد الرُّخَص؛ وتحديدًا الفقرة (ب) من المادة (15) من قانون المطبوعات والنشر رقم (9) لسنة 2017 والتي تنص على أن: (تُجدّد الرخصة سنويًّا، وتلغى بعد مرور 3 أشهر من تاريخ انتهائها دون تجديد)، وهذا يعني "إذا تأخَّرَتْ المؤسسة في تجديد الترخيص يتمّ إلغاء الترخيص نهائيًّا، وعلى الناشر أن يتقدَّم بطلب جديد برسوم جديدة مقدارها 500 دينار، و15 دينارًا رسم الطلب"، وقد تمَّ بالفعل إلغاء تراخيص بعض دور النَّشر.
وتطلَّبت ظروف الجائحة من القائمين على معرض عمّان الدولي للكتاب 2021 التعاون مع الجهات المختصّة، ومنها وزارة الصحة، لغايات تواجُد فرق التقصّي الوبائي بشكل مستمرّ لأخذ عينات من المشاركين والزوّار منذ بداية المعرض وحتى اختتام فعاليّاته ومغادرة المشاركين إلى بلادهم.
وبموجب الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة والفحوصات التي أُخذت أثناء المعرض من المشاركين والزائرين، فقد جاءت كافة النتائج سلبيّة وفقًا لمدير المعرض جبر أبوفارس في تصريحات رسميّة.
عملت اللجنة الفنيّة للمعرض على توسيع الممرّات، واستحداث مكان مخصَّص لحفلات التوقيع، وذلك لضمان عدم إقامة حفلات توقيع في أجنحة المشاركين انسجامًا مع البروتوكول الصحّي المعتمد لضمان سلامة المشاركين، والتَّباعُد الاجتماعي بين الجمهور، وفرض الإجراءات الاحترازيّة عند دخول الأشخاص للمعرض من خلال إبراز شهادة المطعوم، وارتداء الكمّامات، وتوفير المعقّمات...إلخ.
• استحضار شخصيّة "عرار" بعد غياب 72 عامًا
تجاوزت اللجنة الثقافيّة للمعرض لهذا العام عن الشروط الصارمة التي كانت تخضعها لاختيار "شخصيّة المعرض الثقافيّة"، ومنها أن تكون هذه الشخصيّة على قيد الحياة حتى يتفاعل زوّار المعرض معها وتتم مناقشة أعمالها من خلال ندوة يكون حضور هذه الشخصيّة هو المحور الأساسي فيها؛ فاحتفى معرض عمّان الدولي للكتاب هذا العام بالشاعر الأردني الراحل "مصطفى وهبي التل" (عرار)، حيث تمَّ استحضاره بعد 72 عامًا على غيابه ليكون "شخصيّة المعرض الثقافيّة" للعام 2021 وذلك "لمواكبته مرحلة تأسيس الدولة الأردنية واندماجه مع تفاصيلها؛ لربط الماضي بالحاضر وبما يؤشِّر نحو المستقبل" كما قال هزاع البراري أمين عام وزارة الثقافة في مؤتمر صحفي للإعلان عن فعاليّات المعرض. وكان من الشخصيّات الثقافية التي تمّ الاحتفاء بها وتكريمها في الدورات الماضية لـ"معرض عمّان الدولي للكتاب": المؤرخ رؤوف أبوجابر، والأديب الدكتور إبراهيم السعافين، والروائية سميحة خريس، والشاعر أمجد ناصر.
وتحدَّث في الندوة المخصصة لشخصية المعرض الثقافيّة الدكتور زياد الزعبي الأكاديمي والناقد الأردني الذي جمع وحقَّق ديوان "عشيات وادي اليابس" منذ أربعة عقود، ودعا الزعبي لإعادة اكتشاف الشاعر عرار ضمن إطار ثقافي جديد يُعيد قراءة منجزه الإبداعيّ من خلال دراسات معمَّقة تلقي الضوء على الكثير من التفاصيل في حياته وشعره، كشخص شكَّل نموذجًا في سلوكه الخارج عن المألوف.
وكشف الدكتور الزعبي خلال الندوة أنَّ علاقة الشاعر عرار بالغجر كانت مُحاكاة لما اطَّلع عليه من الأدب العالمي وما كتبه الدارسون الفرنسيون عن الغجر، وتأثُّره بشكل كبير بشعراء الفرس حافظ الشيرازي وسعد الشيرازي، بدلالة ما ذكره الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي في كتاباته، ولم يذهب أحد إلى قراءة هذا الجانب في شعر مصطفى وهبي التل.
• ضيف شرف معرض عمّان 2021
جرت العادة في معرض عمّان الدولي للكتاب على اختيار دولة عربية كـ"ضيف شرف المعرض" يعلَن عنها من قِبَل القائمين على المعرض قبل إقامته بوقتٍ كافٍ، حيث حلَّت فلسطين عام (2016) كضيف شرف للمعرض، والإمارات بعدها عام (2017)، ومصر في عام (2018)، وتونس عام (2019)، وكان من المقرَّر أن تكون الكويت لاحقًا لولا الظروف الاستثنائية التي فرضتها "كورونا"، وما تسبَّبت به من أضرار على القطاعات كافة ومنها قطاع النشر والمعارض تحديدًا.
وكان ما يميِّز حضور ضيف الشرف من الدول خلال السنوات (2016- 2019)، حضور الشخصيّات الأدبيّة والثقافيّة التي تُثري البرنامج الثقافي للمعرض، حيث أقيمت -على سبيل المثال- في العام (2019) الأيام الثقافيّة الأردنية- التونسية في عمّان، والتي صاحبها الكثير من الأنشطة والندوات المشتركة المتميزة خلال البرنامج الثقافي للمعرض.
هذا العام، اعتمد المعرض مناسبة تأسيس الدولة الأردنيّة كضيف شرف للمعرض، فأقيمت الدورة (20) ضمن الإطار العام للاحتفاء بمئوية التأسيس، وفق الخطة الوطنية للاحتفاء بهذه المناسبة، حيث تمَّ اعتماد شعار المئوية شعارًا رسميًّا للمعرض، وتمَّ تخصيص جناح خاص يروي قصة المئويّة أشرفت عليه وزارة الثقافة والمكتبة الوطنية وأمانة عمّان الكبرى، وتضمّن الجناح عرض وثائق وصور وإصدارات خاصة تبيِّن أهميّة مئويّة التأسيس ودورها في استلهام التاريخ المُشرق لدى الأردنيين.
وضمن هذه المناسبة تمَّ إشهار جانب من إصدارات مئويّة تأسيس الدولة الأردنيّة، وهي كتاب "الحكمة في إدارة الندرة"، وكتاب "تاريخ الإذاعة الأردنية"، وكتاب"الوزارات الأردنية في مئة عام".
• البرنامج الثقافي
عُقدت ضمن البرنامج الثقافي للمعرض الذي استمر لمدة عشرة أيام 38 فعالية ثقافية منوَّعة بين أمسيات شعريّة، وأخرى قصصيّة، بمشاركة عدد من الأدباء الأردنيين، ومسابقات ثقافية وفنية للأطفال، وفعاليات شبابية عن وسائل التواصل الاجتماعي، وتمَّ تكريم الفائز بالمركز الأوَّل في "مشروع تحدّي القراءة العربي" لهذا العام الطالب عبدالله أبوخلف، وعُرضت أفلام ضمن محور خاص أطلق عليه: القدس في التوثيق الدرامي.
كما أقيمت ندوة حول واقع الثقافة والإعلام في الأردن خلال مئة عام بمشاركة مختصين، بيَّنت التطوُّر الثقافي منذ تأسيس الإمارة، وتحديدًا مرحلة تأسيس الصحافة الأردنية التي احتضنت الإنتاج الأدبي والفكري، وتطوُّر الدراما التي لم تكن تتمّ بشكل مؤسسي وإنَّما كانت تعتمد بالدرجة الأولى على أشخاص خاضوا غمار هذه التجربة بشكل فردي، وفيما يتعلّق بالحركة التشكيلية خلصت الندوة إلى أنَّ هناك عدم إدراك لطبيعة هذا النَّوع من الفنّ، وغياب واضح للإدارة والتدريب في إدارة العمل الفني، بل إنَّ هناك ضعفًا في الإدارة الثقافيّة ككل، إضافة إلى تأثير التطور التكنولوجي السريع على الفن التشكيلي الذي أصبح يقدَّم بصورة ضعيفة، ومعاناة الفنان التشكيلي مع التسويق وتقبُّل المجتمع للفنّ التشكيلي كصناعة ثقافيّة تساهم في الناتج المحلي للدول.
• صناعة النَّشر والجوائز
أخذت صناعة النشر حيِّزًا لا بأس به في البرنامج الثقافي لمعرض عمّان الدولي للكتاب؛ حيث ناقش ناشرون ومدراء معارض كُتُب التحدِّيات التي تواجه صنّاع النَّشر ومستقبل هذه الصناعة في ظلّ أزمة كبرى -كما وُصفت- مثل جائحة "كورونا"، وخلصت الندوة إلى أنَّ الناشر يواجه الكثير من التحديات منها: كلفة الورق والطباعة، التزوير والقرصنة، والعلاقة بينه وبين المؤلف، الملكية الفكرية، وتكلفة الاشتراك في المعارض، بالإضافة لعدم وجود أرقام ودراسات مُعلنة بخصوص صناعة النشر على أرض الواقع، وأنَّ الدول -بشكل عام- مُطالبة بمعالجة هذه التحدّيات لتطوير هذه الصناعة.
أمّا الطرف الآخر في معادلة النشر "الكُتّاب"، وفي محور حول بحث أهميّة الجوائز الثقافيّة في تنشيط حركة النشر في العالم العربي، فقد رأى روائيون أنَّ هناك تأثيرًا لهذه الجوائز في المشهد الثقافي في السنوات الأخيرة التي شهدت الكثير من الإصدارات التي أصبحت تلاحق هذه الجوائز وتسعى للظفر بها.
أصبحت هذه الجوائز واقعًا ملموسًا في المشهد الثقافي، تضع الرِّوائي في بؤرة الاهتمام، وتُسهم في انتشار الأعمال الروائيّة والوصول إلى القرّاء والتأثير فيهم بشكل ملموس. كما تسهم الجوائز في إذكاء روح المنافسة بين العاملين في القطاع من كُتّاب وناشرين، وتدفع إلى الاهتمام بالمراجعة والتدقيق لغايات تجويد المنتج الإبداعي، كما إنَّ ترجمة الروايات الفائزة يزيد من فرصة المثاقفة بين الشعوب، ويزيد القبول المتبادل، ويزيل الاحتقان، ويتيح تبادل وجهات النَّظر.
وفي لقاء مفتوح مع ممثلين لإدارة "المشروع الوطني للقراءة" الذي تديره مؤسسة البحث العلمي الإماراتية، شهدت الدَّورة مطالبات من ناشرين أردنيين بأن يكون الأردن الوجهة المُقبلة للمشروع الذي ينفَّذ الآن في دولة مصر؛ على اعتبار أنَّ الأردن -بفئات المجتمع كافة- سبق وأن تفاعل بشكل كبير مع مشروعات المؤسسة المشابهة، ومنها "مشروع تحدّي القراءة" حيث فاز في دورة هذا العام الطالب عبدالله أبوخلف –كما أسلفنا- وقبله فازت شيماء قواقزة بالمركز الأوَّل، إضافة إلى مشاركة واسعة من الطلبة والمدارس.
• الإقبال على المعرض
حظي المعرض الذي نظَّمه اتحاد الناشرين الأردنيين بالتعاون مع وزارة الثقافة وأمانة عمّان الكبرى باهتمام كبير؛ بدءًا بالرعاية الملكية السامية للمعرض التي تواصلت منذ عام 2016، وحضور وزراء أردنيين وعرب وسفراء مقيمين لدى المملكة، إضافة إلى مشاركات بأجنحة رسميّة من فلسطين، وتونس، والإمارات ممثَّلة بهيئة الكتاب في الشارقة، والسعودية ممثلة بدارة عبدالعزيز، ومشاركات محليّة من رابطة الكتاب الأردنيين ومؤسسة شومان ومركز التوثيق الملكي.
ووفقًا لأرقام غير رسميّة صادرة عن اتحاد الناشرين الأردنيين، الجهة المنظمة للمعرض، فإنَّ عدد زوّار المعرض هذا العام قارب على نصف مليون زائر، وشاركت أكثر من 360 دار نشر محلية وعربية ودولية من 20 دولة بشكل مباشر أو عن طريق التوكيل، ومن الدول المشاركة، إضافة إلى الأردن؛ فلسطين، لبنان، السعودية، قطر، الإمارات، عُمان، العراق، سوريا، الكويت، المغرب، تونس، مصر، السودان، تركيا، أميركا، كندا، بريطانيا، الهند، إيطاليا، الصين.