د. خالد الجبر
أكاديمي وباحث أردني
يضمّ هذا الملفّ عددًا من المقالات عن ناصر الدّين الأسد، تنوّعت بين الوجدانيّ الّذي تستنبتُه الذَّاكِرة، ويتطلّع إلى تَرهين الآثار والتّنويه عن الإنجازات، والأكاديميّ الّذي يتلمّس في وَجَازةٍ جانبًا منهجيًّا، والنّقديّ الّذي يستَجْلي صُورة الأسد في مَرايا الآخَرين، ويُجلّي ملمَحًا في شِعرِه الّذي تأبّى نشره كُلّه، فأسْمَح ببعضِه بأَخَرَة من عُمره.
وقد شاركَ فيه نفَرٌ كلُّهم عرفَ الأسدَ؛ فطالب عِلْمٍ تلمَذ له، أو باحثٌ تتبَّع أطوارَ حياتِه وعلاقاتِه بمُجايِليه ومُناظِريه، أو قارئٌ استشرفَ بعضَ علمِه من مكانٍ قصيٍّ، لكنّهم جميعًا كشفُوا عن تأثُّر بشخصيّة الأسَد، وعِلمه، وفصاحتِه، وحُسنِ تأتّيه، وبراعتِه في الإدارة، وأُعجِبوا بما خلّفه الرّجل من آثارٍ ما زال صَداها ماثلًا، وحُضورُها فاعلًا.
ولستُ أُنكِر أنّي أحببتُ الكتابةَ عن جانبٍ لم يتناوَلهُ أحدٌ قبل هذا، هو الأُبوّةُ العلميّة للأسَد الّذي أشهدُ أنّه كفَلَني بها على مدار عقدٍ ونصفٍ تقريبًا، عقيبَ وفاةِ الرّاحل العظيم إحسان عبّاس، وأشهدُ أنّه كان يُخصِّص وقتًا أسبوعيًّا أجلسُ فيه إليه؛ فإمّا يُبادرُني بالسُّؤال، وإمّا أبْدُرُه به، ولم ينقطِع هذا إلّا لعارضٍ من فرحٍ أو عَياءٍ أو سفَرٍ، إلى ما سبقَ رحيلَه -رحمه الله- بأربعة أشهُر. وأَحَبُّ ما انسربَ إلى نفسي وعقلي ولُغتي منها أماثيلُ لا زلتُ أحفظُها، وأسرارٌ لا زلتُ أكتُمها، وآمالٌ ظَلّت تُعَنِّيهِ طالَما وقفتُ حِيالَها دَهْشَةً وعجَبًا.
وإذ أقدّمُ هذا الملفّ عن الرّاحل الجليل ناصر الدّين، فالشُّكر خالصًا للزّميلات والزّملاء الّذين شاركُوا فيه، والواجبُ تقديمُ عظيمِ الثّناء لمجلّة (أفكار) بلفتَتِها الجُلّى، وثقتِها المُعتَبرة، وأخُصّ هيئة تحريرها، وأَخْتصُّ منها رئيسَ التّحرير السّابق الصّديق الدّكتور غسّان عبد الخالق بعاطرِ المودّة، وأدعو للعزيزة الأستاذة سميحة خريس بوافر التّوفيق...