المَسْرَد الزَّمَنيّ لعلاقة الدكتور الأسد محمود محمد شاكر

أ‌. يوسف السِّنَّاري
معهد المخطوطات العربية
المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)

يتتبّع هذا المَسْرَد العلاقة الكبيرة الّتي امتدّت بين الأسد ومحمود شاكر أكثر من أربعة عقود. وقد ائتلفت روح الأسد بروح شاكر لمشتركات بينهما، منها الاشتغال بدراسة الشّعر الجاهليّ خصوصًا والأدب العربيّ عمومًا، ومخالفة طه حسين في قضية إثبات الشّعر الجاهليّ، رسالة الأسد (مصادر الشعر الجاهليّ: 1955) الّتي صُنعت على عين محمود شاكر. وتوطَّدت تلك العلاقة بحضور الأسد ندوة الجمعة التي كان يعقدها محمود شاكر في بيته بمصر الجديدة. وقد جمعت الرّجُلَين عُضويّةُ اللّجنة الاستشاريّة لمعهد المخطوطات العربيّة في سبعينيّات القرن الماضي، ومجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة (الأسد: 1973، وشاكر: 1983)، ومجمع اللّغة العربيّة بدمشق (الأسد: 1969، وشاكر: 1980)، والمجلس الاستشاريّ لمؤسّسة الفرقان للتّراث الإسلاميّ بلندن (1991). هذا فضلًا عن حصولهما على بعض الجوائز العلميّة الكبرى، مثل جائزة الملك فيصل العالميّة للأدب العربيّ (الأسد: 1982، وشاكر: 1984).
بيد أن أيّ علاقة معرّضة لشيء من الاضطراب والخروج عن معهودِها، كما حدث بين الأسد وشاكر من جفوة حينما تضمَّن مقالٌ كتبَه الأسدُ للمشاركة به في الكتاب التّذكاريّ المُهدى إلى محمود شاكر، بعضَ عباراتٍ أغضبته؛ فحجبه عن النّشر. ولم يمض وقتٌ طويل حتى عادت العلاقة الطيّبة.
أوّلًا: ما قبل العلاقة
1944: دخل الأسد القاهرة ملتحقًا بجامعة فؤاد الأوّل (القاهرة)( )، وتخرّج في قسم اللّغة العربيّة سنة 1947م.
1947-1948: عمل مدرِّسًا في المدرسة الإبراهيميّة بالقدس، ومقدِّمًا برنامجًا إذاعيًّا من الإذاعة العربيّة بمحطّة الشّرق الأدنى بعنوان (حديث الصّباح)( ).
1949: عاد إلى القاهرة لدراسة الماجستير.
1951: حصل على الماجستير عن أطروحته (القيان والغناء في العصر الجاهلي) من كلّيّة الآداب، ونشرها سنة 1960 في دار المعارف، ولم يذكر شاكرًا في مقدمة الكتاب، ولكنَّه أحال في ثبت المصادر والمراجع على تحقيقه (طبقات فحول الشُّعراء: ص276)، و(تفسير الطّبريّ: ص277).

ثانيًا: بدء العلاقة
4 يوليو 1953: أهدى شاكر تحقيقه (إمتاع الأسماع، للمقريزي) للأسد وكتب له: هديّة إلى الأسد من أخيه.
1955: كان الأسد يعمل ملحقًا ثقافيًّا بجامعة الدّول العربيّة، وفيها حصل على درجة الدّكتوراه في كلّيّة الآداب بجامعة القاهرة عن رسالته (مصادر الشّعر الجاهليّ وقيمتها التّاريخيّة). وقد نصّ على شكر شاكر وبيان فضلِه (مقدمة الكتاب: ص10).
1956: كتب الأسد نقدًا على تحقيق محمود شاكر لكتاب الطّبريّ مع أخيه أحمد، ونُشر في مجلّة معهد المخطوطات العربيّة (مج2: ص207)، بيد أنه قَرَنَ هذا النّقد بكثيرٍ من عبارات الثّناء والمدح لعمله (ص209).
1956: نشر الأسد وإحسان عبّاس تحقيقهما لكتاب (جوامع السّيرة) لابن حزم بمراجعة الشّيخ أحمد شاكر، ونصَّا في مقدّمة التّحقيق على شكر محمود شاكر حيث قالا (ص25): "نشعر في أعماقنا أنّ كلّ ما يتمتّع به عملنا هذا من ضبط وإتقان، فإنّما الفضل فيه إلى صديقنا العالم الأديب الأستاذ محمود محمد شاكر، الّذي أخذ بيدنا في كلّ خطوة، وبصَّرنا بالطّريق الّذي نسير فيه".
27 أكتوبر 1959( ): كتب شاكر من بيته بمصر الجديدة رسالة إلى الأسد أثناء مقامه ببنغازي. أوّلها: أخي ناصر، السّلام عليكم وعلى السّيّدة عواطف( ) وعلى سائر الأسرة ورحمة الله وبركاته.
24، 28 نوفمبر 1959( ): كتب إليه شاكر رسالة أخرى شبيهةً بالّتي تقدّمتها.
6 ديسمبر 1959( ): كتب شاكر إليه رسالة ثالثة شبيهة بسابقتيها.
10 ديسمبر 1959( ): كتب الأسد من بنغازي للأستاذ شاكر رسالة ردًّا على رسائله السّابقة. أوّلها: أخي وأستاذي محمود، هبطت عليَّ رسالتك الثّالثة صباح اليوم، ولم أكن قد قرأت رسالتك الثّانية بعدُ، أعني لم أكن قد قرأتُها إلّا مرَّتين.
9 يوليه 1960( ): كتب شاكر إلى الأسد رسالة رابعة، آخرها: ذكرُك لا يُفارقني، وبغيرك لم يكن لاجتماعنا، أنا وراتب وإحسان، معنًى كالمعنى الّذي احتسينا لذَّاته حسوة في ما غبَر من أيّام لا تُنسى نشَواتُها.
1962: أصدر الأسد ديوان قيس بن الخَطِيم في مكتبة دار العروبة، تلك الّتي أسّسها محمود شاكر ومحمّد رشاد سالم، وأحمد عبيد( ). وقد نصّ الأسد على شكره محمود شاكر والثّناء عليه في مقدّمة تحقيق الدّيوان حيث قال (ص30): "فإنّ صاحب الفضلِ في صدور هذا الدّيوان هو العلّامة الجليل الأستاذ محمود محمد شاكر: فهو الّذي بدأ بحثِّي على العمل فيه، وأخذ يتعهَّد عملي بالتّشجيع والرّعاية والتّوجيه".
1963: أعان الأسدُ أبا فِهر على مراجعة فهارس كتاب الوحشيّات لأبي تمّام، بتحقيقه مع الشّيخ الميمنيّ، وقد صرَّح بذلك شاكر في مقدّمة التّحقيق (ص10): "تولّى بعض إخواننا عمل فهارس الكتاب، ثم راجعها أخي الدّكتور الأسد متفضِّلا مشكورًا".
3 أبريل 1972: زار الأسد طه حسين برفقة محمّد رشاد عبد المطّلب، حاملًا إليه هديّة من شاكر هي كتابه (أسمار وأباطيل)( ).
1974: أصدر محمود شاكر الطّبعة الثّانية من كتاب (طبقات فحول الشّعراء)، وقد شكر الأسد في مقدّمة التّحقيق (ص71): "أمّا أخي الدّكتور الأسد، فقد أفادني قديمًا فوائدَ جليلةً، ثم لمّا بدأت طبع الكتاب تولّى بكرمه قراءة الملازم بعد طبعها، ونبّهني إلى كثير من أخطاء الطّباعة".
ثالثًا: جَفْوة في العلاقة
1979: جُمع كتاب عن محمود شاكر بعنوان (دراسات عربيّة وإسلاميّة مهداة إلى أديب العربيّة الكبير أبي فهر محمود محمد شاكر بمناسبة بلوغه السَّبعين)، شارك فيه أكثر تلاميذه وأصدقائه، وكان المُثيرُ غيابَ اسم الأسد عن المشاركة في هذا التّكريم.
وقد عرفتُ من الأستاذ أحمد العلاونة أنّ الأسد كتب مقالًا عن شاكر للمشاركة في الكتاب، ثم عُرض المقال على شاكر فلم يرُق له؛ ووجّه بعدم نشره. ولعلّ الأسد نشر ملخَّص المقال بعد وفاة المرحوم شاكر (جريدة الرأي سنة 1997) بعنوان: أبو فهر محمود محمد شاكر... لمحات من علمه وخلقه.
ولعلّ لرفْض شاكر نشرَ مشاركة الأسد في الكتاب أسبابًا هي: مُبالغَةُ الأسد في مدحه في بعض فقرات المقال والثّناء على علمه، وتعرُّضُهُ لما لا يحبّ شاكر الحديث عنه، مثل توقُّفه عن إتمام: تفسير الطّبريّ، وإمتاع الأسماع للمقريزيّ، وجمهرة نسب قريش للزُّبير بن بكّار، وكتابه عن الأحرف السَّبعة، ووصفُهُ شاكرًا بالحِدّة في الطَّبع، وخروج المقال عن سياق الأبحاث والدّراسات المنشورة فيه.

رابعًا: عودة العلاقة
1996: أهدى محمود شاكر نسخة من كتابه (نمطٌ صعب ونمطٌ مخيف) للدّكتور الأسد وكتب فيه: إلى صداقة عُمرٍ لم تتغيَّر، ولم تتبدَّل، ومحبَّة لا تَبلى( ).
7 أغسطس 1997: توفّي العلّامة محمود محمد شاكر.
22 أغسطس 1997: نشر الأسد المقال الذي حجب شاكر نشره في الكتاب المُهدى إليه، في جريدة الرّأي الأردنيّة بعنوان: أبو فهر محمود محمد شاكر .. لمحات من علمه وخلقه.


ناصر الدين الأسد ومحمود محمد شاكر.

 

الأسد مع الأستاذ محمود شاكر والدكتور إسحاق الحسيني في منزل شاكر بمصر الجديدة 1960