مرحبًا بك وحيدًا منطويًا على نفسك.

إبراهيم غرايبة
كاتب وباحث أردني
يتّجه العالم اليوم إلى ردّ الاعتبار للفئات التي كانت معزولة أو غير مندمجة مع السياق العام والغالب للأمم والمجتمعات، مثل الانطوائيين والمختلفين ثقافيًا، فالوحدة ليست أزمة لفنانين ومثقفين أو مختلفين أو فقراء ومهمشين، إنَّها قضية متصلة بوجودنا وشعورنا بهذا الوجود وتقييمنا له أيضًا.. الوحدة مكان مميز؛ كما في أغنية "دينيس ويلسون" في ألبومه pacifif ocean blue
وقد منحت الشبكية معنى جديدًا للوحدة، إنَّها قدرتك على أن تكون كما يجب أو تحب أن تكون بلا مساعدة أو وصاية من أحد أو مؤسسة. وأنت في الأصل وحيد، تولد وحيدًا، وتفكّر وحيدًا، وتؤمن أو لا تؤمن وحيدًا، وتنسى أو تتذكّر وحيدًا. وتتألم أو تستمتع وحيدًا، وتجوع أو تشبع وحيدًا، وتموت وحيدًا.. وتلاقي الله وحيدًا! وقد تكون وحيدًا وأنت بين الجموع، مثلما أنَّك وحيدٌ وأنت تعيش وحدك. كيف لا تكون وحيدًا عندما تكون مع الناس؟.
إنَّ الشعور بالوحدة أو الحياة في عزلة ووحدة أصبح قضية تشغل المؤسسات الاجتماعية والثقافية، ولم يعد ينظر إلى الانطوائيين أنَّهم غريبو أطوار أو مختلفون، لكنَّهم يدفعون ثمن عجز المجتمعات والمؤسسات عن فهمهم واستيعابهم. بل ويجب أن نلاحظ أيضًا أنَّ العزلة أو الشعور بالوحدة قد تكون مستمدة من سمات إيجابية أو نزعة إلى الفردية، والتي قد تكون في كثير من الأحيان فضيلة أو ضرورة لأجل العمل والإنجاز، وفي أحيان يكتسبها الإنسان بسبب طبيعة عمله. لقد صعدت قضية الوحدة والشعور بالوحدة في عدة اتجاهات؛ باعتبارها أزمةً اجتماعيّةً يجب التصدي لها ومعالجتها، وفي أحيان باعتبارها فضيلة إيجابية، أو ضريبة لعصر الصناعة والعمل المتواصل المكثف الذي يعزل الإنسان المعاصر عن بيئته الاجتماعية، ويفصله عن أقاربه وأصدقائه. كما صعدت أيضًا بالنظر إليها أحد مؤشرات فهم وتتبع التطرف والكراهية.
تلاحظ "أوليفيا لاينغ" (كتاب المدينة الوحيدة) أنَّ موضوع الوحدة شغل كتّاب الأغاني أكثر من علماء الاجتماع والنفس، وتسرد على نحو مؤثر سيرًا لعدد من قادة الفن والثقافة أمضوا حياتهم وحيدين على نحو مريع، ومن هؤلاء "آندي وارهول" مؤسس مجلة "انتر فيو" والذي قتل في عام 1987، وكان قد تعرض لإطلاق نار عام 1968 على يد "فاليري سولاناس"، والتي تمثّل أيضًا حالةً متطرفةً للشعور بالوحدة والتهميش، وكانت قد نشرت قبل ذلك بسنة كتابها "بيان الحثالة" وكانت في حياتها وسيرتها مثالًا صارخًا ومحزنًا للموهبة والتمرد اللذين يقتلهما التهميش والوحدة، وكانت حادثة اغتيال وارهول المحور الرئيسي لفيلم " I Shot Andy Warhol" في عام 1996 وكذلك أغنية "لو ريد" "I Believe" في عام 1990. يقول "وارهول": "س هو أي أحد يساعدني على تمضية الوقت. س هو أي أحد، وأنا لا أحد".
تقول "أوليفيا لاينغ": "كم سأكون ضائعةً ووحيدةً بدون الموبايل. إنَّ علاج الوحدة في تعلم الطريقة التي يمكنك بها أن تكون صديقًا لنفسك. الوحدة تجربةٌ شخصيّةٌ، لكنَّها أيضًا تجربةٌ سياسيّة؛ إنَّها مدينة".
تعرض "أوليفيا لاينغ" قصة صادمة ومشهورة في الوسط الثقافي والفني؛ حارس المستشفى والفنان "هنري دارجر"؛ الذي كان يعيش وحيدًا في مأوى في شيكاغو، في انعدام شبه كامل لأي رفقة أو جمهور، كان وحده في كون خيالي بالكائنات المخيفة والرائعة، وعندما تخلّى عن غرفته دون رغبة منه في سن الثمانينات ليموت، اكتُشفت مئات اللوحات الفنية المخبأة في غرفته والتي لم يسبق له أن عرضها على أي إنسان من قبل. كما وُجدت لديه مخطوطة لرواية هائلة وجميلة، وقد نُشرت الرواية بعد وفاته وحُوّلت إلى فيلم، كما نُقلت لوحاته إلى المعارض الفنية، لكن الصدمة أنَّ أحدًا لم يكن يعرف عن "دارجر" اهتمامًا فضلاً عن الانشغال بالفن والثقافة، لم يكن لكل من يعرفه سوى عامل نظافة في مستشفى، ظلَّ في عمله هذا أكثر من ستين سنة.
الفردية بما فيها من وحدة وعزلة تمثّل استجابة طبيعية ومتوقعة لانحسار المجتمعات، والحلّ يكون بـ "الذات الفاعلة"، وفي ذلك يقدم المفكّر الاجتماعي الفرنسي "آلن تورين" في كتابه "براديغما جديدة لفهم عالم اليوم" مقاربة مهمة وربما تكون فريدة، فهو يرى أنَّ المجتمعات والحركات الاجتماعية تمضي إلى الزوال، أو هي تتغير تغيّرًا جوهريًا، لتفسح المجال للذات الفاعلة والحركات الثقافية لتستوعب عالم اليوم المتشكّل حول الشبكية والعولمة، هكذا أيضًا يجب برأيه أن تخلي سوسيولوجيا الأنساق المكان لسوسيولوجيا الفاعلين والذاوات الفاعلة. وقد يبدو ذلك صعب التقبل على الاجتماعيين، لكن لا مناص لنا نحن الخارجين من مرحلة تاريخية طويلة سيطرت عليها فكرة المجتمع من التخلي عن أداة تحليل فقدت قوتها. إنَّنا نعيش نهاية التصوّر الاجتماعي، وندخل في قطيعة تشبه تلك التي تشكّلت قبل قرون خلت عندما نهضت المجتمعات بديلاً تنظيميًا للمؤسسات الدينية والإقطاعية، وأنشأت ديمقراطيات وأنظمة سياسية كانت تبدو في ذلك الحين خيالًا متطرفًا!
كانت الفردانية ضريبة عصر الصناعة، لكنَّها فضيلة عصر المعلوماتية، وتصعد بقوّة الاتجاهات الفكرية والفلسفيّة التي تمجّد "الفرد" ويتحوّل الاتجاه إلى الفردانية إلى تيار اجتماعي قوي، يعتبر أنَّ الوحدة أو الاجتماعية (الانتماء إلى المجموعة) أو "الانقباض والانبساط" مسألة متعلقة بطبيعة الإنسان كل إنسان على حدة، نصف أو ثلث الناس على الأقل يولدون وهم يفضلون على نحو فطري أو جينيّ أن يكونوا وحيدين في العمل وأسلوب الحياة، كما في التفكير والاختيارات، بل وتضايقهم كثيرًا المحادثة مع الناس من غير سبب أو ضرورة أو لأغراض التسلية والترفيه. فالناس تتسلى بالمحادثة، والعالم لا يكف عن الحديث كما تقول" سوزان كين" مؤلفة كتاب "الهدوء: قوة الانطوائيين".
لقد تعودنا على الاستماع والتعلم على نحو إغراقيّ في ذم الانطوائية والهدوء والعزلة والفردية باعتبارها نقيصةً يجب التخلص منها، وتؤكد المدارس والجامعات ومؤسسات العمل دائمًا على الجماعية والعمل الجماعي والانتماء إلى المجموعة وربط المشاركة والإنتاج بالقدرة على الاندماج والمشاركة الاجتماعية، وبالطبع فإنَّها قيم ضرورية ومهمة، لكن في عصر المعلوماتية أو تكنولوجيا المعنى يُعاد النظر في فهم الانتماء والعمل الجماعي والمشاركة، إذ ليس شرطًا لتحقيق هذه القيم والأفكار أن يتحلى المرء بمهارات اجتماعية جماعية.
اليوم يتحوّل العالم إلى شبكة يقف فيها على قدم المساواة جميع المشاركين فيها، سواء كانوا أفرادًا او مؤسسات أغنياء أو فقراء، ومن أي بلد كانوا وبأي لغة يتحدثون؛ يصعد الفرد قوة عظمى مؤثرة، وتصعد أيضًا أفكار وفلسفات تخاطب الأفراد بما هم أفراد؛ تقول "سوزان كين": "كن كما أنت انطوائيًا، ولا تنشغل بتغيير نفسك، ولا تحتاج أن تكون كما يراد لك أو يتوقع منك، إذ ليس الانبساط متعة بالضرورة، بل إنَّ البعض يراه مصدرًا للطاقة السلبية والشعور بالتعاسة، فإذا كنت تجد نفسك أفضل وأنت وحيد، وإذا كنت تعمل وتنجز أفضل وأنت وحيد فكن وحيدًا، واستمتع بعزلتك، وكن وفيًا لطبيعتك الخاصة. ولا تقلق بشأن التواصل مع الآخرين وبناء علاقات اجتماعية وصداقات أنت لا تحبّها أو لا تسعدك. اعمل ما تحب وما يسعدك، ولا تشغل نفسك بالآخرين إذا لم تكن تسيء إليهم أو تخالف القوانين والقيم".
ليس الانطواء هو الخجل، فهما أمران مختلفان. الانطواء هو تفضيل بيئات عمل وحياة معينة، لكن الخجل هو الخوف من الرفض الاجتماعي والنبذ. الانطواء ممتع ومفيد لكن الخجل مؤلم، وإذا كان طفلك انطوائيًا، فلا تجبره على المشاركة والانبساط، وفكّر فيما يمكن أن يتفوق فيه أو يحبه كالقراءة والرسم أو تخصصات وهوايات واتجاهات معينة يبدي ميلًا إليها أو تتفق مع طبيعته، وفي الصداقة أيضًا فإنَّ اتجاهات الناس مرتبطة بطبيعتهم، وقد لا يحتاج المرء أكثر من صديق وقد يكون صديق نفسه.
وفي العمل أيضًا يستطيع الانطوائي أن ينجز عمله بكفاءة، ولا يحتاج كما هو شائع أن يكون "انبساطيًا" ويقدر أيضًا على أن يكون إيجابيًا وأن يبثَّ الإيجابية في عمله من غير حاجة لمعايير تبدو له غير جوهرية، إذ لا يحتاج تقسيم العمل وتكامله سوى قيم التعاون والتنظيم المختلفة تمامًا عن النشاط الاجتماعي. هذا الخلط بين التعاون والمشاركة الاجتماعية؛ الإيجابية والتسلية؛ يضر بالعمل والقيم أيضًا. فالانطوائي قادر على التحدث وعرض وجهة نظره والمشاركة في الأفكار والحوار والجدل وتبادل المعرفة والمهارات، والمزاح وإطلاق النكات، والحال أنَّ أحدًا لا يكون سيئًا لأنَّه انطوائي أو انبساطي، فالأمر ليس أخلاقيًا، لكنَّه يشبه أن يكون أحد طويلاً أو قصيرًا، أو ما تكون عليه لون بشرته.
القراءةُ قوّة الوحيدين
إذا كنت وحيدًا أو انطوائيًا فأنت تملك فرصةً عظيمةً للتفوّق والنمو الذاتي بالقراءة؛ إذ أنَّ المشكلة الرئيسة للقراءة هي الوقت والعزلة. إنَّ القراءة تشكّل المصدر الرئيس والأكثر أهمية لبناء المعارف والمهارات وتطوير الأعمال والتخصصات ومتابعة الشأن العام والمهني والتعلم الذاتي والتعليم المستمر، ويحتاج القارئ والمثقف أن يركز جهده ويوظف الوقت المتاح لأجل مناهج وعادات قرائية مفيدة وليتجنب التشتت الهدر، وليميز المفيد والمهم وما يحتاج إليه في ظلِّ انفجار المعرفة. والحال أنَّه لا قراءة بلا عزلة.
إن كنت تحتاج إلى نصيحة في القراءة والتعلم الذاتي والمستمرح دعني أقول لك: يحتاج كلُّ إنسان أن يلم بمبادئ الثقافة العامة المكوّنة للمعرفة الأساسية. وهذه تتكوّن من قراءة الكتب الأساسية والتقليدية في المعارف والتخصّصات المكوّنة للشخصية، وهي التاريخ والفلسفة والدين والمعرفة العامة والعلمية والآداب والفنون والاجتماع والاقتصاد والسياسة وعلم النفس.
ويوجد في كلِّ فرع أو باب للمعرفة كتب أساسية وكلاسيكية. ففي القواعد الأساسية المنظمة للحياة والاجتماع يمكن اقتراح كتب مثل" العدالة كإنصاف"/ جون رولز، و"فكرة العدالة"/ امارتيا سن/ و"الحرية"/ اشعيا برلين، و"علم الجمال"/ هيغل. و"المدينة عبر العصور"/ لويس ممفورد، و"المدينة العتيقة"/ وستيل دي كولانج، و"روح الشرائع"/ مونتسكيو. وفي الدين هناك الكتب المقدسة، ويجب على المثقف أن يقرأ لمرة واحدة على الأقل الكتب الأساسية للأديان الكبرى والعامة، اليهودية والمسيحية والإسلام والهندوسية والبوذية والتاوية والشنتوية والبهائية، وللمسلمين يجب أن يقرأ كل مسلم إضافة إلى القرآن الحديث النبوي، وأفضل كتاب يقدم السنة النبوية هو "رياض الصالحين" للإمام النووي.
وتعدّ الأساطير مصدرا ملهما للفكر الإنساني ومن أهمها (إلياذا وأوديسا والتحولات (أو مسخ الكائنات) وبهابهارتا ورامايانا، وجلجامش)، ويلحق بها قصص الأمم وتراثها الأسطوري والقصصي، مثل "ألف ليلة وليلة"، و"ديكاميرون"، وقصص وأساطير الشعوب والأمم مثل الأفارقة والهنود الأمريكان.
وفي التاريخ أقترحُ كتاب (تاريخ البشرية) ل"أرنولد توينبي"، ومجموعة "أريك هوبز باوم" (عصر الثورة، عصر رأس المال، عصر الامبراطورية، عصر التطرفات) وفي الفلسفة "مدخل إلى الفلسفة" لعبد الرحمن بدوي، أو "مباهج الفلسفة"/ ول ديورانت، وهناك كتب أخرى كثيرة في مداخل الفلسفة، وفي الاقتصاد كتاب "رأس المال" لكارل ماركس، و"ثروة الأمم"/ آدم سميث، وكتاب "علم الاقتصاد"/ بول أ. سامويلسون، ووليام د. نورد هاوس، والتقرير السنوي للأمم المتحدة عن التنمية البشرية في العالم، والتقرير السنوي للبنك الدولي عن التنمية في العالم، وفي السياسة: "الحكم المدني"/جون لوك، و"لفياثان"/ توماس هوبز، و"الأمير"/ مكيافيلي، وفي علم النفس يعتبر" إريك فروم" أفضل من كتب للمثقفين، مثل "فن الإصغاء"، و"فن الوجود"، و"فن الحب"، لكنَّه لا يغني عن قراءة فرويد ويونغ، وإدلر، وأنصح بكتاب "فن العيش الحكيم" لشوبنهاور و"هكذا تكلم زرادشت" لنيتشه، و"اللامنتمي" لكولن ولسن. وفي الاجتماع كتاب "علم الاجتماع"/ أنتوني عيدنز، و"الجماعات المتخيلة"/ بندكت أرسن.
في مقدور القارئ أن يعرف ويتابع في الآداب والفنون ما صدر ويصدر من الروايات والأعمال العالمية والعربية، وهي من الشهرة والكثرة ما يجعلها معروفة، ويمكن الاستدلال عليها بالجوائز العالمية وسعة الانتشار والاهتمام النقدي والثقافي. شخصيًا أعجبت بأعمال "هرمان هسه، وماركيز، وميلان كونديرا، وعاموس عوز، وأندروتي روي (إله الأشياء الصغيرة) وإيزابيل اليندي، وهاروكي مواراكامي، وأورهان باموق، ونجيب محفوظ، وإبراهيم عبد المجيد، وفي الرواية الأردنية غالب هلسا ومؤنس الرزاز ومحمود سيف الدين الإيراني وهاشم غرايبة وسميحة خريس وليلى الأطرش". ولا يمكن بالطبع تجاوز أو عدم قراءة روّاد الأدب العالمي مثل (تولستوي وغوركي وديستويفشي وتشيخوف وغوته وفيكتور هوغو وأرنيست همنغوي). والحال أنَّ الأدب العالمي غنيٌّ بروايات وقصص عظيمة ومدهشة وكثيرة.
يحتاج القارئ أن يقرأ الجديد في مجال تخصصه واهتمامه من الكتب والدراسات العميقة والمهمة، وهذه قوائم تتشكل كل عام من الكتب والمجلات والمنصات المتخصّصة، ويجب أن يكون للمثقف برنامج قراءة في الكتب الصادرة حديثًا، بمعدل كتاب إلى أربعة كتب في الشهر حسب وقته وعمله، وأن يكون نصفها إلى ثلثيها في مجال تخصصه، وثلثها إلى نصفها في مجالات وتخصصات إضافية. وللقارئ العربي فإنَّ سسلسلة عالم المعرفة والأدب العالمي الكويتيتان تشكلان مصدرًا عمليًّا ومفيدًا في الثقافة العامة والعلمية والمتخصصة، وتصدر دور النشر ومراكز الدراسات عددًا جيدًا من الكتب والإصدارات وخاصة المترجمة منها، مثل الأهلية والشروق والجمل ومدى والشبكة العربية والمؤسسة العربية والمركز العربي والساقي والمركز القومي للترجمة (مصر) والمجلس الوطني للثقافة والآداب في الكويت والبحرين وكلمة (أبو ظبي) والمركز الثقافي العربي ومركز دراسات الوحدة والآداب والمتوسط. وهناك أيضًا مجلات ثقافية جيدة مثل عالم الفكر والعربي والدوحة وأفكار والفيصل والمجلة العربية ونزوى والمستقبل العربي، وتصدر الجامعات ومراكز الدراسات مجلات علمية متخصّصة ومحكمة.
تشكّل القراءة والمتابعة اليومية للأخبار والمصادر الأعلامية من الصحف والمنصات والإذاعات واللقاءات الشخصية والاجتماعات مصدرًا مهمًّا لتشكيل المعرفة وتحديثها ومتابعة الأحداث والأفكار الجديدة والاتجاهات السائدة. وكذلك البحث والقراءة غير المخطط لهما بشكل مسبق. إنَّ خمس الكتب والمصادر التي نقرأها والمعارف والأفكار التي توصلنا إليها تحصلت من المتابعة غير المقصودة أو المخطط لها للمكتبات ودور النشر والفهارس والمراجع ومن الحياة اليومية والاهتمام والتأمل العام.
يحتاج القارئ أو المتابع الأساسي إلى قراءة بمعدل ساعة إلى ساعتين يوميًا، ويحتاج المثقف العام إلى أربع ساعات، يستدل عليها بكتاب أسبوعي (350 صفحة) منها واحد على الأقل متخصّص، وأمَّا المتخصّص المتفرغ فيحتاج إلى 8 – 12 ساعة يوميًا، ثلثاها على الأقل في مجال التخصص والعمل.
يجب أن يطوّر القارئ تركيزه ومهاراته ليمكنه قراءة 250 كلمة في الدقيقة، ويبدأ بالقراءة كلمة كلمة ثم جملة جملة، ويتخلص نهائيًا من القراءة حرفًا حرفًا. القراءة السريعة ليست فقط زيادة في المعرفة والتحصيل، لكنَّها تطوّر التركيز والمهارات العقلية والاستنتاجية والتأملية، وتريح الجسم والنظر، وأمَّا القراءة البطيئة فإنَّها ترهق القارئ وتثقل على عينية ودماغه وأعصابه.
القراءة وفق عادات وطقوس أمرٌ جيّد، ويكتشف كلُّ قارئٍ عاداته الخاصة التي تشجعه على القراءة وتحببه بها، مثل مكان معين، أو القراءة في الخلاء، أو القراءة مع المشي، وشرب الشاي والقهوة مع القراءة، وتناول الشوكولا المرة أو المحلاة قليلًا. ويمكن بالقراء فهم الذات وملاحظة العيوب والأزماته النفسية والشخصية، ويسمى ذلك العيادة القرائية، وفي مقدور كل قارئ أن يطوّر بذكاء وتلقائية اكتشافه لذاته وذكرياته وتجاربه ثم علاج نفسه من خلال التأمل والمقارنة والتداعيات والتذكر والانفعال مع القراءة. لكن يجب التمييز هنا بين أحلام اليقظة والذاكرة والتأمل. إنَّ أحلام اليقظة كسلٌ عقليٌّ يجب التخلص منها، لكن الذاكرة والتأمل والمراجعة والمقارنة المنشئة للإيجابية والتعلم والآفاق العملية الجديدة هي أفضل ما يمكن تعلمه من القراءة.