للقاص رفعات راجي الزّغول
د. مسلك ميمون
ناقد مغربي
في قصص رفعات راجي الزغول، وبخاصّة من خلال مجموعته القصصية "لم أمُتْ.. ولستُ على قيد الحياة"، نجده يهتمّ بالسّارد العليم؛ على الرّغم من أنَّ السارد العليم يعدُّ من مُخلفات فترة مضت وتركت أثرها جليًّا في روايات القرن التّاسع عشر بخاصّة... غير أنّ ما يشفعُ للقاص رفعات الزغول في تعامله مع السّارد العليم، أنّ القصص واقعيّة عاشها القاص، أو كان شاهدًا على أحداثها، لذا جاء التّفاعل قويًّا، والتّأثير بالغًا، والبوح صادقًا، والأفكار واضحة.
إنّ للسّارد/ الراوي (narrator) أهمّية كبرى في الدّراسات السّردية، لأنّه يقوم بالسّرد فيتّخذ من خلاله مواقع تحدّد رؤيته، وتبيّن وظيفته. يُعرّفه "جيرالد برنس" بأنه "الشّخص الذي يقوم بالسّرد، والذي يكون شاخصًا في السّرد"(1) ويرى "رولان بارت" أنَّ "السّارد والشّخصيات بشكل جوهري، هي كائنات من ورق، وأنَّ المؤلف المادّي لسرد ما لا يُمكن أن يلتبس في أيّ شيء آخر مع سارد هذا السّرد"(2)، وترى د.يُمنى العيد أنَّ "الرّاوي عنصر من عناصر العمل الإبداعي، إلا أنّه عنصر مُهيمن يمثل الصّوت الذي يختفي خلفه الكاتب، لأنّه هو الذي يمسك بكلّ لعبة القصّ"(3).
ومن ثمّ وجبَ عدم الخلط بين المؤلف الماديّ والمؤلف الضّمني/ السّارد. ذلك أنّ الأوّل بهويّة حقيقيّة معروفة، والثّاني شخصيّة تخييليّة من ابتكار المؤلف، وقد يكون واحدًا مفردًا كراوٍ رئيس، كما هو في أغلب الأعمال الكلاسيكية، وقد يكون في النّص عدّة رواة كما هو في الأعمال الحديثة. وأهمية السّارد في النّص تتجلّى فيما يقوم به من وظائف كما حدّدها "رولان بارت": الوظيفة السّردية، والوظيفة التّنظيمية للنّص، والوظيفة التّواصلية. وهي وظائف كما نلاحظ، لا يتحقّق النّص السّردي الإبداعي التّخيلي إلا بتوفّرها.
فما دامت هناك وظائف، فهذا يحتّم وجود رؤية راصدة، أو وجهة نظر ما (View point) يحدِّدها "تودروف" في ثلاث رؤى:
الرّؤية الخلفية: وهي الرّؤية التي يمتلك فيها السّارد معرفة أكثر من الشّخصية.
الرّؤية المحايثة: وهي رؤية تتطابق فيها معرفة الرّاوي مع معرفة الشّخصيات.
الرّؤية من الخارج: وهي الرّؤية التي يعرف فيها السّارد أقلّ من أيّ شخصية من
شخصيات العمل السّرديّ.
ولعلّ كلّ الأحداث التي تسرد تفاصيلها، تجري في مَساق زمنيّ يحدّده "جرار جنيت" في أربعة مَساقات:
الزّمن اللاحق: وهو الزّمن الذي يسرد فيه السّارد أحداثًا وقعت في الماضي.
الزّمن السّابق: وهو زمن القصّة التنبؤية الذي يسرد فيه السّارد القصّة بصيغة المُستقبل.
الزّمن المُتواقت: وهو زمن القصّة بصيغة الحاضر المزامن للعمل.
الزّمن المُقحم أو المتداخل: وهو زمن تتنوع فيه الأزمنة داخل العمل السّردي(4).
بعد هذا التّوضيح لمفهوم السّارد، وأهميته، والرّؤية السّردية واختلافها، وتنوع الزّمن وتداخله.. نحاول رصد السّارد في قصص القاص رفعات راجي الزغول، وبخاصّة من خلال مجموعته القصصية "لم أمُتْ.. ولستُ على قيد الحياة".
• عنوان المجموعة
لعلّه من الأفيد قبل الخوض في حالات السّارد أن نقف عند عنوان المجموعة الذي جاء في صورة جملتين مُتناقضتين، مُشْبعتين بالنّفي، الأولى: "لم أمتْ.." نفي الموت، بمعنى الإقرار بالحياة. والثّانية: "ولست على قيد الحياة" نفي للحياة بمعنى إقرار بالموت. فكيف يجتمع نفي الموت ونفي الحياة؟ والإقرار بالحياة والإقرار بالموت؟! إلّا أنْ يكونَ ذلك مَجازًا، الشّيء الذي يذكر بقوله تعالى: "ثمّ لا يموت فيها ولا يحيى"(سورة الأعلى/ آية 13)، وهذا على مَذْهب العَرب، تقول للمُبتلى بالبلاء الشّديد: لا هو حي ولا هو ميت. وفي هذا إشارة مبدئيّة لمعاناة ذاتيّة مُستمرّة، لبعض أبطال النّصوص.
تذكِّرنا أيضًا بأسطورة بروميثيوس من الميثولوجيا الإغريقية، الذي سرق النّار ومنحها للبشر، فغضب منه (الإله) زيوس، فعاقبه بأن قيّده بالسّلاسل إلى صخرة كبيرة في القوقاز... وسلّط عليه نسرًا جارحًا ينهش كبده كلّ يوم... ثمّ ينمو الكبد مجدّدًا في اللّيل.. أو قصّة سيزيف الذي عاقبه زيوس أيضًا، بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمّة، تدَحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمّة، ويظلّ هكذا إلى الأبد، فأصبح بذلك رمز العذاب الأبديّ.
وأسفل العنوان الرئيس، وردت عبارة توضيحية: "قصص وأحداث من واقع الحياة"، فكان الكاتب/ القاص رفعات راجي الزغول واضحًا مع نفسه وقارئه؛ بأنّ الكتاب يتضمّن نصوصًا قصصية، ونصوصًا أخرى عبارة عن تقارير لأحداث، وذكريات، وأماكن، وعادات، وتقاليد.. ولقد أفصح عن ذلك في تصدير نص "طريق الآلام": "لا أعرف لماذا اخترتُ هذا العنوان لهذه الذّكريات"(ص67).
• السّارد العليم في صورته المهيمنة
اهتمّ القاص رفعات الزغول بالسّارد العليم (Omniscient) ويقول السّرديون: "إنَّ استراتيجية السارد العليم هي أبسط أنماط السّرد، ولكنّها بالأساس أخطر أنساقه"، ونلمس ذلك في قصّة "حمدة" إذ نلاحظ تبئيرًا خارجيًّا، السّارد يعلم: [الشخصية= الرّؤية من الخارج= حكيًا موضوعيًّا سلوكيًّا]، إذ يعمد السّرد إلى الوصف الخارجي الواقعي: "منذ الصّباح الباكر وصلت حمدة إلى بيت أخيها، كان الكلّ في استقبالها، يا له من استقبال حافل!!! الأولاد جميعهم يقتربون منها ويقبلون يديها، زوجة الأخ عانقتها بكلّ شوق، الأخ عانقها العناق الأخير وهو يرتجف ويبدي لها شوقًا غير مسبوق، شعرت حمدة أنّها تملك الدّنيا وما فيها"(ص6)، ففي مثل هذه الحالة تكون للسّارد وضعيّتان: فإمّا أن يُذكر من طرف القاص (intradiégétique)، ويمكن ألا يُذكر في المَشهد إطلاقًا (extradiégétique)، ولكن القاص فضَّل الحالة الأولى فجاء بالسّارد العليم في صورته المهيمنة، يدلي برأيه، فمثلًا: يصف الأخت التي احتال عليها أخوها وأخذ منها نصيبها من الأرض بالمسكينة: "دخلت ميسون الغرفة وكانت تسترق السّمع وراء الباب لتسمع جواب المسكينة"(ص7)، بل يواصل السّارد اقتحامه وفرض رأيه، وكأنّه يوضِّح لماذا وصف "حمدة" بالـ"مسكينة" فيقول: "حمدة هي المثال للعطاء والإيثار، حمدة هي مثال للضّحايا، حمدة هي مثال للمرأة السّاذجة البسيطة، تنازلت حمدة عن حصّتها في الإرث مقابل كلمات، تنازلت حمدة عن حصتها لأخ لن يعود لدعوتها مرّة أخرى"(ص8)، ولم يكتفِ بهذا، بل يبدي تعجُّبه واندهاشه: "كم من حمدة تعيش بيننا هذه الأيّام؟ كلّ النّساء حمدة، ولكن كلّ واحدةً على طريقتها"، ثمّ يستمر السّرد في الحديث عن سيدة أخرى هي "صبحا"، وكيف سُجّلت الأراضي باسم إخوتها الذّكور فقط، وحُرمت من الإرث. ثمّ ينتقل السّرد بعد ذلك للحديث عن "جانيت"؛ سيدة أخرى من ضحايا مجتمع ذكوري، وهنا يصبح السّارد مشاركًا إذ يقول: "كنتُ أذهب لشراء العنب من جانيت لتحدثني وتقول إنّها لا تملك شيئًا من هذه الأرض وأنّه من العيب أنْ ترث الأرض، فالأرض هي من حقّ الذّكور ولا حقّ للإناث في الأرض"(ص9)، أو قوله: "قال لي أحد المعذبين في الأرض إنّ إبن الأخت..."، أو قوله في سرد آخر: "ولقد حدّثني أحدُ الأصدقاء عن حمدة أخرى.."(ص10)، وينهي السّارد القصّة التي تضمّنت جملة أقاصيص لنساء وثقن في إخوتهن الذّكور وتنازلن عن حصّتهن أملًا ألا يتجاهلَهن الإخوة عند الحاجة، ولكن العكس هو الذي وقع نتيجة الشّرَه وحبّ التّملك.. فيعلّق السّارد المُهيمن: "مجتمعنا الظّالم يَغصّ بأمثال حمدة وصبحا وجانيت، وأكاد أجزم أنّ معظم نساء وطني هنّ جانيت وحمدة وصبحا، فهل من منقذ لهؤلاء؟؟!!"(ص11).
وفي نص "أمّ سليم" ظاهرة تقديم العزاء في رجل توفي وذكره بالذّكر الحسن حتّى وإن كان في حياته عكس ذلك: بخيل في أعمال الخير، كريم في أعمال الفساد. أمّا وفاة أمّ سليم على الرغم من أنّها سيّدة، وزوجة فاضلة وواعية ومثقفة، وأمّ لخمسة أولاد وخمس بنات، لم يقم لها عزاء كما تستحق، ولم يقم لها صوان، ولم يعلن عن اسمها، ولم يتم نعيها في الصحف، ولا في الرّاديو ولم تقم دعوات "للمناقيص" ولم يتقبّل أهلها العزاء في المقبرة كما هو الشّأن في الموتى الرّجال. لا لشيء إلا لأنّها امرأة. يهمّنا من كلّ هذا السّارد الذي تابع السّرد بتوضيح قصصي كانَ كافيًا لإيضاح مدى الفرق بين جنازة الرّجل وجنازة المرأة؛ ما يوضّح بجلاء نظرة العادات والتّقاليد المتوارثة في شأن المرأة، في مجتمع محافظ، تشكّل المرأة وذكرها عوْرة، ينبغي تفاديها.. ولكنّ السّارد يأبى إلّا أن يُدلي برأيه فيعلّق: "وعلى استحياء كان عزاء أمّ سليم، لم تعط حقّها على الإطلاق"(ص14)، ثمّ يعقّب في نهاية القصّة: "مرّت السّنون دون أن تتغيّر نظرة النّاس لتقبل العزاء في المرأة. هل لنا أن نكون فاعلين للتّغيير؟!!!!"(ص14). ويتكرّر السّارد العليم المُهيمن في نص "مريض الطّوارئ"(ص80)، ونص "حفلة التخرج"(ص83).
• السّارد العليم المشارك
هذا السارد يشبه الذي نجده في قصة "ثقيل الظّل"؛ فهو سارد مُمثّل في الحكي، أو جوّاني الحكي (Homodiégétique) فهو بطل حكيه، والحكي يأخذ صبغة ذاتيّة (Autodiégétique)، فالسّارد وبضمير المتكلّم يحكي عن صديقه الفضولي كثير الأسئلة: "وصلت إلى القسم في الصّباح الباكر... دخل وسيجارته في فمه، أزاح عن الطريق كلّ الكراسي ليصل إلى الطّاولة التي أجلس خلفها، ليهديني قبلاته الحارة على الوجنات... جلس على الكرسي بدون استئذان.. بحث عن منفضة السّجائر لكي ينفض الجزء المنطفئ من السّيجارة.. بدأ بالسّؤال عن زوجتي وعن الأولاد فردًا فردًا، سألني عن أحد الأولاد وعن معلومات لا أفتّش عنها ولا أعرفها إطلاقًا، استدرك قائلًا: ابنك الكبير لماذا لم ينهِ دراسته في الوقت المحدّد...؟
عاد ليتابع أسئلته، فخرجتُ من الغرفة دونما استئذان، عدتُ إلى الغرفة فلم أجده ووجدت أسئلة مكتوبة في ذاكرتي سيسألني عنها في زيارته القادمة!!!".
ويتكرّر السّارد العليم المشارك وبصيغة المتكلّم في قصّة "الصديق"(ص18): "كنتُ على موعد للذهاب معه إلى دعوة عشاء.."، وكذلك نجده في نص "جمع الوثائق"(ص21): "صديق هادئ، لمّاح، مخلص، يحبّ الخير للنّاس".
أمّا في قصّة "الإندونيسي"، وإن كان السّارد عليمًا ومشاركًا، فقد جعله القاص مهيمنًا أيضًا، بمعنى أنّ السّارد لم يكتف بالسّرد، بل علّق على الحدث أيضًا: "جاء هذا الإندونيسي ليعلّمني أنا العربي المسلم دروسًا في كافة مناحي الدّين الإسلامي، وهو ليس بخرّيج من كلية الشّريعة...
ودّعته وأنا أرثي حالنا، وبُعدنا عن لغتنا، وتركنا لها، وإهمالنا تعلّمها، والحرص عليها، وتكالب مؤسساتنا الرّسمية على هدم أسس اللّغة العربية، لغة القرآن الكريم، فهل من عودة لها!!!"(ص25).
أمّا في قصة "زليغم" فنجد ساردًا عليمًا ومشاركًا ولكنَّ القاص جاء به مُحايدًا، يكتفي بالسّرد، ويحتفظ بمسافة محققًا بذلك التّبئير الخارجي، بحيث أنّ السّارد يعلم، والشّخصية= الرّؤية من الخارج، والحكي موضوعي/ سلوكي، إذ يَعمد السّارد إلى الوصف الخارجي للواقع: "دخل إلى غرفتي كالمارد، يروح إلى اليمين والشّمال بلا تركيز، شفتاه متدليتان، يرفع يديه إلى الأعلى، يهذي ويتمتم أحيانًا بكلمات غير مفهومة..."(ص26)، ويتكرّر السّارد نفسه في النصوص: "النّصف الآخر والحقوق"، و"عشرة أيّام في موسكو"، و"العربية المخلصة"، و"التّطوع"، و"المختار"، و"النّصف الآخر والمهمات"، و"التأشيرة"، و"رفقَا بنا يا إبراهيم"، و"طريق الآلام"، و"في ذكرى الأربعين"، و"ليلة هادئة"، و"توأم الروح"، و"لم أمت ولست على قيد الحياة"، و"مطجة".
• وظائف السّارد في المجموعة
إذا اعتمدنا وظائف السّارد الخمس التي جاء بها "جرار جنيت": السّردية، والتّنظيمية، والتّواصلية، والتّوثيقية، والأيديولوجية، فإنّها وردت جميعها متفرّقة في نصوص المجموعة
وأهمّها الوظيفة الأولى:
1- الوظيفة السّردية: فقد عمد القاص من خلال السّارد إلى سرد الأحداث في ترابط، وتكامل وتجانس.. خدمةً لفكرة النّص، كما اهتمّ بتقديم الشّخصيات بحسب الأهمية والخيار القصديّ كما هو في النّص الأوّل "حمدة": حمدة، (وأخوها وأسرته)، وصبحا (وإخوتها الذين أوهموها أنّهم وحدهم الوارثون حتّى أصبحت تعتقد الأمر كذلك)، وجانيت (والسّارد وكيف كان زبونها يشتري منها العنب، وكيف أخبرته أنّها لا تملك الأرض بل هي لإخوتها الذكور، وأنّه عيب أن ترث الأرض، فذلك من حقّ الذكور).
2- الوظيفة التّنظيمية: وقد حرص القاص من خلال السارد على دقّة تنظيم الأحداث في تسلسل واقعيّ تبعًا لمبدأ الأسْباب نفسها التي تؤدي للنّتائج نفسها/ كما هو في نص "أم سليم" فإنّ اعتماد النّظرة التّقليدية المتخلّفة للمرأة وعدم التّحرر منها، انعكس على وضع ومكانة المرأة في المجتمع حيّة وميّتة بحيث وقعت المفاضلة الظّالمة بين الجنسين، ففضلًا عن أنّ المرأة قد تحرم من إرثها الشّرعي لصالح إخوتها الذّكور، وتقوم بكلّ واجباتها كزوجة وأمّ، وقد تكون مثقفة، فإنّ رجُلًا أقلّ منها شأنًا، وقد تكون عيوبه منفِّرة ومع ذلك إذا مات يُذكر بخير ويعلن عن وفاته، ويقبل أهله العزاء، بينما المرأة تحرم من كلّ ذلك.
3- الوظيفة التّواصلية: ونلاحظ أنّها شائعة في كلّ النّصوص، ما دام القاص قد اعتمد أساسًا السّارد العليم المهيمن والمُشارك.. إذ -وكما لاحظنا آنفًا- إنَّ السّارد لا يتردّد في أن يرسل إشعارًا مُباشرًا للمَسرود له، ليكون على بيّنة ممّا يهدف إليه السّرد، وما ترمي إليه فكرة النّص. لهذا اتّسمت اللّغة بنوع من الوضوح.. لا يَفترِض تأويلًا.
4- الوظيفة التّوثيقية: تكاد تكون عامّة، لأنّ النّصوص واقعية اجتماعية، وتأخذ طابع الذّكريات واسترجاعها باعتماد الأشخاص المقرّبين، وممّن لهم صلة بالسّارد/ القاص: مثل
"النّصف الآخر والحقوق" و"المختار" و"رفقًا بنا يا إبراهيم".. وكذلك الأمكنة "عشرة أيّام في موسكو" و"طريق الألم" و"التأشيرة"..
5- الوظيفة الأيديولوجية: وهي مسألة قد تكون خفيّة بين السّطور يمكن استنتاجها، وقد تكون معلنة وصريحة كما هي في جلّ نصوص المجموعة. فالسّارد لم يكتم شيئًا، ولم يعمد إلى التّلميح والإيماء وفسْح المجال للتّأمّل والتّساؤل، بل عمد إلى التعليق وإبداء الانطباعات، واستصدار الأحكام... والمسألة عادية ما دام القاص ارتأى اختيار سارد عليم مهيمن، وقد لاحظنا آنفًا تدخُّلاته المباشرة وبخاصّة في نهاية بعض النّصوص كقوله في ختام نص "حمدة ": "..وأكاد أجزم أنّ معظم نساء وطني هنّ جانيت وحمده وصبحا، فهل من منقذ لهؤلاء؟؟!!".
حقًا إنّ التّعامل مع السّارد العليم تضاءلَ بشكل ملحوظ في السّرديات عامّة. وذلك يعود لعدّة اعتبارات فنّية، وذوقية وفلسفية.. لأنّ السّارد العليم من مُخلفات فترة مضت وقد تركت أثرها جليًّا في روايات القرن التّاسع عشر بخاصّة. فكثير من النّقاد يرون أنّ ما كان مُمكنًا ومُستساغًا في ظرفٍ زمنيّ ما، قد لا يُناسب حساسيات العصر الحاضر... غير أنّ ما يشفعُ للقاص رفعات راجي الزغول في تعامله مع السّارد العليم، أنّ القصص واقعيّة عاشها القاص، أو كان شاهدًا على أحداثها، لذا جاء التّفاعل قويًّا، والتّأثير بالغًا، والبوح صادقًا، والأفكار واضحة، فلا غروَ إن كان رأيه على لسان السّارد رأي العارف المتمكّن.
• الهوامش:
(1) المصطلح السردي، جيرالد برنس، ترجمة عابد خزندار، ط7، المجلس الأعلى للثقافة (المشروع القومي للترجمة)، القاهرة، ص751.
(2) طرائق تحليل السرد الأدبي، رولان بارت وآخرون، (التحليل البنيوي للسرد، رولان بارت) ص27.
(3) تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، د.يمنى العيد، ط1، دارالفارابي، بيروت، لبنان، ص715.
(4) معجم مصطلحات نقد الرواية، لطيف زيتوني، ص106.