نوافذ ثقافيّة
محمد سلّام جميعان
شاعر وناقد أردني
mjomian@gmail.com
• ثقافة عربيّة
حفريّات النص الشعري/ أ.د. عبدالقادر الرباعي
يأتي هذا الكتاب في سياق الاهتمامات المتوالية للمؤلف فيما ندب له نفسه من التوفُّر على القراءات الجمالية لنصوص مختارة من أصول الشعر العربي، وفيه متابعات حثيثة للاتجاهات والنظريات النقدية الحديثة وتمثّلاتها في الشعر خاصة. لهذا تتدامج التأويلية والسيميائية وجماليات التلقي في آفاق هذا الكتاب.
وتقارب فصول الكتاب عددًا من النصوص الشعرية، فيقف المؤلف في الفصل الأول عند الجانب النظري وبخاصة التأويلية التي بدأت بالتأويل الديني للكتاب المقدّس (التوراة) في العالم الغربي، مثلما بدأت بتفسير القرآن الكريم وتأويل بعض آياته في النقد العربي. ثم ينتقل المؤلف بعدها إلى الفلسفة فالعلوم الإنسانية بشكل عام.
وفي الفصل الثاني نلمح بوضوح شديد التمثّل والتطبيق العملي، من خلال استقراء قصيدة البردة لكعب بن زهير، استقراءً تأويليًا، وهو ما منح قراءة المؤلف لها وفق هذا المنهج نكهة خاصة نفتقدها في كثير من القراءات السابقة لهذه القراءة الجديدة.
ونظرًا لما تمثله عينية ابن المعتز من إشكالات المعنى الضمني القابع خلف الكلمات، فقد خص المؤلِّفُ الفصل الثالث من كتابه بالوقوف على هذه القصيدة وتأصيل القراءة الجديدة لها. وانشغل الفصل الرابع بإيراد تمثّلات نقدية جذرية تحتاج إلى قدر من التأويل المختلف للإيحاءات النقدية الغامضة التي انبثَّت في نقدنا العربي القديم.
في الكتاب جسارة نقدية تضيف الكثير لمشروع الرباعي النقدي، وبه تكتمل منهجيته النقدية المفضية إلى التحفّز البحثي والانطلاق الفكري الحرّ من القيود التقليدية.
طبريّا/ د. عصام سخنيني
قصد المؤلف من تأليف هذا الكتاب –بحسب قوله- تقديم سجل توثيقي شامل لتاريخ طبريا على امتداد ما يزيد على تسعة عشر قرنًا، منذ إنشائها أول مرة سنة 20 للميلاد إلى أواخر الانتداب البريطاني على فلسطين. وبعيدًا عن الخطابة الحماسية نقف في هذا الكتاب على تفصيلات تبدو للقارئ للمرة الأولى على هذا النحو التوثيقي الذي انقسم فيه الكتاب إلى سبعة فصول، خصص المؤلف الفصل الأول منها لتاريخ المدينة القديم منذ إنشائها مرورًا بالعصر الروماني والبيزنطي وما فيهما من تطورات عمرانية وسكانية وسياسية. فيما خص الفصل الثاني بالحديث عن تاريخ المدينة إبان الفتح العربي الإسلامي والصراع مع الفرنجة، وهو أزهى عصورها التاريخية. ليأتي الحديث في الفصل الثالث عن انتكاستها تحت ضربات سيوف الفرنجة ومن ثم تحريرها على يد صلاح الدين الأيوبي. أما طبريا في العهد العثماني فخص سخنيني الحديث عنها في الفصل الرابع. ويستأثر الفصلان الخامس والسادس بالحديث عن المدينة ووقوعها تحت الوصاية الانتدابية البريطانية ودور المقاومة الوطنية في فلسطين والتطورات السياسية والعسكرية التي أدت لسقوط طبريا بيد الصهاينة.
يقع الكتاب في 490 صفحة مزودة بأطالس توضيحية تساعد القارئ على استجلاء كل حقبة تاريخية مرت بها المدينة.
الفلسفة للمبتدئين/ د. زهير توفيق
تجيب الفلسفة عن أسئلة أساسية عميقة ذات علاقة بالإنسان والفرد والمجتمع، فيما يتصل بالوجود، والمعرفة، والقيم، والحياة، والموت، والسعادة، واللغة.... ومن ثم فهي ذات علاقة بالاقتصاد، والأخلاق، والحرية، والعلم، والمستقبل، والتاريخ، والتربية.
ولكون التعليم الناجح هو الذي يصقل شخصية الطالب، ويتيح له فرصة اكتساب مهارات التفكير، ليكون صاحب عقل نقدي يتقن التحليل والتركيب وحل المشكلات، من خلال ابتداع أفكار أصيلة وبدائل جديدة، ويتحلى بالجرأة والثقة لاتخاذ القرار الذي يقتنع به، جاء تدريس مساق الفلسفة.
وهذا الكتاب سبق أن كان مقرّرًا في المدرسة الأردنية حتى عام 1976م، وما لبث بعد ذلك حتى أقصي من مناهج وزارة التربية والتعليم. وقد ندب الكاتب نفسه لإعادة إحياء هذا الكتاب، إيمانًا منه بدور الفلسفة في إغناء الفكر والممارسة التربوية. وقد أضاف له بعض الفصول التي رآها ضرورية للفترة الراهنة بعد ظهور الفلسفات الحديثة. كما تضمَّن الكتاب فصلًا عن الحداثة وما بعد الحداثة. وبهذا يكون كتاب "الفلسفة للمبتدئين" جزءًا يساهم في خلق حالة من الريادية والإبداع والقدرة على المنافسة والتفوق، عبر إعلاء شأن العقل والتفكير ومن ثم الموقف والقرار.
• ثقافة عالميّة
المسيح الفيلسوف/ فريديريك لونوار- ترجمة الأب إلياس زحلاوي
تبدي العلمانية شقاقًا مع الدين، غير أنَّ جذورها نابعة من فلسفة المسيح عليه السلام، بما فيها حقوق الإنسان، وحرية الضمير، وفصل الدين عن الدولة، وقد أمكن فلاسفة الأنوار من تحرير المجتمعات الأوروبية من هيمنة الكنيسة، باعتمادهم هذه التعاليم.
هذه هي الفكرة التي يتمحور حولها كتاب "المسيح الفيلسوف"، ويبدو هذا من خلال تفنيد المؤلِّف الأصلي للتعارُض بين الرسالة الثورية للمسيح وممارسة المؤسَّسة الكَنَسية منذ أن أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية عام 313م، وليس انتهاءً بتسلُّط محاكم التفتيش.
يقول "لونوار": "قَلَبَ يسوع جميع القواعد الأخلاقية التي كان يُعمَل بها قبله، فحدَّد نمطًا جديدًا من العلاقة، ليس بين الإنسان والله وحسب، ولكن بين البشر أنفسهم، كي يؤسِّس نمطًا جديدًا من الحياة، لكن القواعد التي أطلقها تجاوزت حقل المسيحية الديني، لتؤسِّس أخلاقية نعتبرها اليوم في الغرب، عمومية وعِلمانية: من المُساواة بين جميع الناس، والتي تُعارِض القواعد الاجتماعية في زمانه، بل هي تُعارِض حتى شريعة موسى، إلى الأخوّة ومفهوم الغيرية الذي شكّل ثورة حقيقية أعلنها المسيح بأنَّ أيًا كان هو قريبي، إلى حرية الاختيار التي يبرزها في كل تعاليمه، موضحًا أنَّ ما من حتميّة أو قدريّة تستطيع أن تمسّ إمكانية الإقدام على بعض الاختيارات الأساسية للإنسان، وإلى رَفْعِ شأن المرأة، والعدالة الاجتماعية، واللاعُنف، وفصل السلطات بين روحية وزمنية".
يبدأ الكتاب بوضع المسيح وجهًا لوجه مع المفتّش الأكبر، ضمن رائعة فيودور دوستويفسكي "الأخوة كرامازوف"، مُبرزًا مقولة المفتّش ليسوع "لماذا جئت لتُربِكنا؟"، ليؤكّد كيف رفضت الكنيسة دعوة المسيح للحرية باسم الضعف البشري كي ترسي قوَّتها.
ويؤكد المؤلف أنَّ انتقال مثل تلك الأفكار إلى الحَداثة الغربية وشرعة حقوق الإنسان، لم يبدأ في عصر الرُّسُل والكنيسة الأولى، لكنه جاء نتيجة التوفيق الذي افتتحه بعض مُثقّفي القرون الوسطى، بعدما سَحَرهم ثراء الثقافة الكلاسيكية، فسعوا إلى التوفيق بين الفلسفة الإغريقية والعقيدة المسيحية، لا سيما منهم أصحاب النزعة الأنسية التي تضع الإنسان في مركز الوجود كله.
وفي هذا الشأن يؤكد المؤلف "لونوار": إنَّ الحداثة التي ولِدَت في الغرب، لم تستطع أن تنمو إلا في ختام سيرورة طويلة من الاختمار، داخل رَحْمها الديني الخاص –المسيحية- ثم في تحرّرها منه، وانقلابها عليه، فلم تعد الديانة هي ما يؤسِّس عِلم الأخلاق، بل العقل البشري، وبذلك نستطيع القول إنَّ أَنَسيي عصر الأنوار منحوا أخلاقية المسيح الروحية تجسيدًا زمنيًا، أو جسدًا كانت تفتقر إليه. ليأتي الانقلاب الهائل الذي أعقب حلول الحَداثة، بما يعنيه من نَبْذِ المُحدثين للديانة المسيحية التي كانت رَحْم القوى الكبرى الموجّهة للحَداثة. ويُنهي الكاتب الفرنسي بحثه الذي جاء في 316 صفحة من القطع الكبير بسؤال: "هل حُكِمَ على المسيحية بالزوال في الحَداثة الغربية؟".