حسين نشوان
كاتب وفنان تشكيلي أردني
تشكِّل الأزياء والملابس (وخصوصًا أزياء المرأة) جزءًا مهمًّا من مكوّنات الهويّة الوطنيّة ورمزيّاتها، لارتباطها في الغالب بالمناخ والبيئة والأرض، واتِّصالها بمنظومة القِيَم والتَّشكيل الاجتماعيّ باختلاف أنماطه الإنتاجيّة. ولا تقتصر الأزياء في المجتمع الأردني على الوظيفة النفعيّة فحسب، وإنَّما تعكس الذَّوق العام والخيارات الجماليّة والثقافيّة للشعب، كما تعكس في الآن نفسه التقسيمات والمستويات الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والبيئة الجغرافيّة، فالزيّ ولونه ومادّته والرُّموز التي يحملها يتأثَّر بالقيم الثقافيّة والجماليّة في المجتمع.
في المجتمع الأردني الذي يميل للمحافظة، فإنَّ الطابع العام للأزياء يتَّسم بالحشمة لجهة طول الملبوس وتغطية البدن والرأس والذراعين، فهو فضفاض بانسدال لا يُبرز تفاصيل الجسم، وهذا ما ينطبق على الرجل والمرأة على حدّ سواء، كما ينطبق على المجتمع بعامّة باختلاف طوائفه، ومن الصعب التمييز في بعض المناطق بين زيّ المرأة المسيحيّة عن جارتها المسلمة.
ولعلَّ من أبرز ميزات الزيّ الشعبي الأردني تنوُّع التفاصيل التي تشكل ثراءً يتجلّى في اختلاف الأسماء تبعًا للَّهجات من منطقة لأخرى بحسب لون القماش ونوعه، وزخرفاته، أو الحبكة التي تربط أجزاء الثوب، أو إضافات تطريزيّة من الحرير أو القصب تتنوَّع بين الرُّموز النباتيّة والأشكال الهندسيّة. ونظرًا لتنوُّع جغرافية الأردن ما بين الصحراء والسهول والجبال، فقد أدّى هذا التنوُّع إلى ظهور تمايز في الأشكال والزَّخارف والألوان من منطقة إلى أخرى وفقًا لطبيعتها الجغرافيّة، وعاداتها وتقاليدها، وموروثها الثقافي، وتاريخها الحضاري، لتكون أزياء كل منطقة سجلًّا تاريخيًّا كامل الأركان، معبِّرًا تعبيرًا صادقًا عن حياة الإنسان الأردني بجوانبها المختلفة حسب كل منطقة(1).
وتعود الأزياء الأردنيّة في أشكالها ومادتها تبعًا للامتداد الجغرافي لبلاد الشام منذ الفترة الأمويّة، والتي انقسمت بين الزيّ القروي والبدوي باختلاف البيئة والوظيفة المناطة بالمرأة وفق تقسيم العمل، وفي تمثُّلها لقيم الحشمة والسِّتر والثقافة الإسلاميّة التي تمتاز معها الأزياء بطولها واتِّساعها (فضفاضة لا تُبرز الجسم)، زيادة على استجابتها لعوامل المناخ ووظائف المرأة.
وتُظهر الصور التي التُقطت نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين التشابه الكبير لنمط الأزياء في مختلف مناطق الأردن، وهو الثوب الأسود (الكتّان أو الصوف) وغطاء الرأس، كما تُظهر الصور التي التقطت من المصوِّرين الأجانب الذين زاروا المنطقة بعض الأثواب التي أضيفت لها الحبكة على القبّة (الصَّدر)، وبعض التطريزات والحبكات على الأردان (الأكمام)، وداير الزيّ من الأسفل، وأثواب تنفصل فيها الأردان عن بدن الزيّ، فضلًا عن لباس الرأس الذي يغطّي الرقبة والصدر، وهو يتشابه إلى حد كبير مع الزي البدوي في فلسطين والعراق وسوريا في تلك الفترة.
ويختلف زيّ المرأة الأردنيّة بحسب المناسبة والتشكيل الاجتماعي، فملابس العروس تتميَّز بنقشات هندسيّة ملوّنة، بينما تمتاز ملابس الصبايا بالألوان الزاهية، وهو ما يقل عند كبيرات السن حدّ التلاشي، كما يختلف الزيّ التقليدي بحسب التنوُّع الثقافي في الأردن باختلاف القوميّة: (الأكراد، الشركس، الشيشان)، وباختلاف الطائفة (الدروز) والمنطقة (معان، عمّان، الزرقاء، الكرك..).
• أزياء الرِّجال
أمّا زيّ الرجل فقد تباين في شكله وألوانه بين منطقة وأخرى، فهو يتكوَّن من الثوب الأبيض والعباءة التي تتنوّع بين اللون الأسود أو المخطّطة والكوفيّة والعقال، وهو يمتدّ إلى تاريخ طويل، فأزياء الرجل في جوهرها لا تختلف كثيرًا عن الأزياء التي ظهرت في رسومات الفنّان المستشرق دافيد روبرتس التي صوّرها عند زيارته للبتراء عام 1839 والتي تبدو فيها العباءات مخطّطة، وهي قريبة من الصور (بالأبيض والأسود) التُقطت لرجال يرتدون العباءات المخطّطة مطلع القرن العشرين.
ومن المؤكَّد أنَّ أزياء الرجال تختلف باختلاف المكان والتشكيل الاجتماعي ومكانة الرجل، غير أنَّ ملابس الرجال في العموم تنوعت بين القمباز، أو الروزا أو الثوب المخطّط أو الأبيض والعباءة التي كان بعضها مخططًا (أفقيًّا) أو الدامر والكوفيّة والعقال، أمّا السروال (الشروال) فقد عُرف في الشمال، وتحديدًا في محافظة الرمثا؛ فهو امتداد من الفترة المملوكية والتركية وحوران، وكذلك العمامة التي كانت تميِّز رجال الدين وهي جزء من التراث العربي القديم.
• تحوُّلات الزيّ
تأثَّر الزيّ في الأردن بعدد من المتغيّرات التي انعكست على ملابس المرأة والرجل في آن معًا، ومنها: التواصل والانفتاح، النهضة التعليمية، ظهور التقنيات الحديثة، وظهور الدولة الحديثة.
والحقيقة أنَّ الأزياء بالنسبة للمرأة الأردنيّة لم تكن مصدر رفاه وزينة في العامل الأوَّل، بل كانت وسيلة للسِّتر وتجنُّب عوامل المناخ، ولإيمان المرأة أنَّ ما يجمِّلها أصلها، كما يقول المثل الشعبي (الفرس ما بزيّنها جلالها..)، وبالتالي فقد كانت المرأة الأردنيّة تحرص على ارتداء ما يسترها ويقيها من الأنواء، (اوقى البرد بخلقة جرد) و(اللي بوقى البرد يوقى الحر)، وربّما يكون مصدر تسمية الزيّ "الخلقة" قد استُعير من المَثَل الدّارج (الخلقة) التي تعني لغةً البالي من الثياب والجلد وغيرها، وجمعها خلقان، وفي ظلّ وظيفة المرأة في الرّعي وجمع الحطب والحصاد وأعمال البيت التي تتطلّب المشقة، فإنَّ المرأة في ذلك الوقت كانت تنظر للزيّ بوصفه رداءً وظيفيًّا (عمليًّا)، زيادة على ندرة القماش والنقود وطبيعة الحياة والتنقل التي لم تكن تتيح للمرأة المبالغة والبذخ في شكل الزيّ وعدد الأثواب. وهو ما يتأكد بتسمية الزيّ "الدراعة"، من الدّرع والتحصين.
ويستند زيّ المرأة والرجل إلى مرجعيّة ثقافيّة تتصل بالتراث العربي الإسلامي في الشكل وأسماء الملابس، حيث يذكر أبوالفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني: "العمامة والجبّة والإزار والملحفة والقميص (الجلابيّة) والملاءة والسروال الرجالي والنسائي والدراعة والزنّار والخمار والبرقع والمرط والقباء، وهو القنباز".
ومن المؤكد أنَّ الأزياء كأيّ ظاهرة تتعرَّض للتطوير والتغييرات الشكليّة، ومن تلك الشواهد الحرب العالمية الأولى، حيث لعبت الأحداث دورًا مهمًا في تحوُّلات الزيّ التي استُعملت فيها النقود، وكانت النساء يقمن بتزيين لباس الرأس بصفّ من المجيديّات العشراويّات الفضيّة العثمانيّة.
"يام العرجة الغوازي وجنيديّات
يخضعلك جيش النازي والولايات
عصمت إينونو وهتلر ليكي خدّام
والجيش السابع والثامن للتحيّات"(*).
وكذلك تأثَّر الزيّ بالهجرات التي وفدت للأردن مع نهاية القرن التاسع عشر، ومنتصف القرن العشرين، حيث يُلاحَظ ظهور التطريزات (الأغباني)، وهي كلمة تركيّة تعني الزخرفة على القماش بخيوط القصب، مستنسخة عن الزيّ الشامي والشركسي، وكذلك التطريز فيما بعد عن الزيّ الفلسطيني، وزيّ معان الذي تأثَّر بحركة الحجيج بين الجزيرة العربية والشام والأردن الذي توفّر له قماش الصاية، وكان لسفر أبناء الرمثا المبكر إلى ألمانيا منذ أربعينات القرن الماضي أثر في تغيير العصبة التي كانت ترتديها المرأة وارتداء البشكير الألماني المطرَّز بالورود على رأس المرأة الرمثاويّة.
وكان التأثير الأكبر في تطوُّر الزيّ مع تأسيس الدولة الأردنيّة الحديثة وبروز المؤسسات ونشاط حركة التجارة والعمل الوظيفي والحركة التعليمية التي بدأت تنعكس على الزيّ في ثراء مفرداته وألوانه وأنواع الأقمشة. كما لعبت النهضة التعليمية والمدارس دورًا مهمًا في تعليم المهارات اليدوية، ومنها أشغال الحياكة والتطريز والأزياء التي أثرت مفرداتها بألوان وتطريزات وأشكال جديدة، وكذلك وظهور التقنيات الحديثة من ماكنات خياطة، واتِّساع الحركة التجارية والأسواق وتنوُّع الأقمشة والخيوط الحريرية بعد أن كان يتمّ استعمال الخيوط الصوفيّة المصنَّعة والمصبوغة يدويًّا، واتِّساع سوق العمل وتطوُّر المدينة التي أضافت الكثير من الإكسسوارات وأنواع الأقمشة والحرفيين أو الخيّاطات اللواتي أضفن مقترحاتهنّ الجماليّة على الزيّ.
• التنوُّع والثَّراء
يظهر التنوُّع والثّراء في أشكال الزيّ الشعبي الأردني في تعدُّد الألوان والتطريز والرموز والأشكال المستخدمة في الزي ولباس الرأس، فهي تعكس العلاقة مع مفردات الطبيعة، كما تعكس البيئة الثقافية لمعتقدات الناس، وتشي بالوظيفة الطقسيّة للزيّ في التعبير عن المواسم والمناسبات المختلفة التي تبرز جمال الزيّ التراثي.
وكما يختلف الزيّ الشعبي الأردني باختلاف المنطقة أو المدينة، (الثوب والمدرقة والعب والهرمزي والفستان)، فإنَّ المناسبة تفرض شكل الزيّ ولونه، فالزيّ يمثل نصًّا يُعرب عن مكنونات الإنسان وهو بمقدار ما يغطي الجسد إلا أنه يكشف عن دواخل الإنسان. وقد انقسمت أزياء المرأة إلى قسمين، لباس البدن، ولباس الرأي.
• الأزياء التراثيّة
تمتاز أزياء المرأة الأردنيّة بالثراء والبساطة في آن معًا، وتمثل انعكاسًا للبيئة والتراث العميق في الوجدان الجمعي، وتنطوي على رموز لا تنفصل عن الأرض والطبيعة والحكايات ووظيفة المرأة ودورها في المجتمع، وكما لعبت المرأة دورًا في حراسة التراث، فقد دوّنت الكثير من رمزيّاته على بدن الزيّ الذي ترتديه، ليمثِّل حكاية تقول تاريخها وانتماءها من خلال الأشكال التي ترسمها على القماش.
وتتشابه غالبيّة الأزياء الأردنيّة في الشكل العام الفضفاض والمُبالغ في طوله، حيث يدلّ طول الثوب وطبقاته (طيّاته)على الكبرياء والوجاهة، كما تتشابه في التزويقات التطريزية أو الحبكات، ولباس الرأس، غير أنها تختلف في بعض التفاصيل الصغيرة التي تتصل بالإكسسوارات.
• المدرقة والعبّ
كانت النساء قديمًا ترتدي الزيّ التقليدي (المدرقة)(**)، وهي ثوب من القماش الأسود السادة، وقد يكون بـ"كم" كامل أو بدون أكمام "مردن"، وترتدي المرأة تحته قميصًا ملوّنًا، وهناك أنواع من الثياب مطرزة بخيوط ملوّنة مثل الثوب (الرمثاوي) المطرّز بالأبيض على الأكمام أو صدره و(أجنابه).
أمّا الثوب الكركي ويسمى (عب، عبوب)، فيتكوّن من طبقات من القماش، ويمكن أن ترتدي المرأة (الدامر) الذي يُصنع من قماش الجوخ الملوَّن، ويختلف لون القماش من الخارج عنه في الداخل، وهو يشبه المعطف الشتوي ويُلبس فوق الثوب أو المدرقة، ويُصنع العب من القماش الأسود "الدبية" وهو قماش رخيص الثمن مقارنة بقماش الحرير أو المخمل، وسمي ثوب العب بهذا الاسم لأنه يتكوّن من طبقتين إحداهما تعلو الأخرى، غير أنَّ الطبقة العليا تكون أقل طولًا، ويُطرَّز صدر الثوب على شكل مستطيل بألوان زاهية مختلفة الأشكال، باستخدام خيوط تسمى "الكباكيب" ويطرَّز داير أسفل الثوب بمثل تلك الألوان، ولكون ثوب العب بلا أكمام، يتمّ ارتداء قميص ملوّن بالنسبة للمرأة في مقتبل العمر أو الألوان الداكنة للمرأة الأكبر سنًّا.
ويقول الباحث في التراث نايف النوايسة إنَّ طول ثوب (العب)، يبلغ نحو 15 ذراعًا، تلبسه المرأة بعد أن تطويه عدة طويات بواسطة الحزام المصنوع من الصوف (المذيع)، وتطرّز عليه بعض المطرّزات النباتية أو الهندسية، ويشير إلى أنَّ غطاء الرأس عند المرأة الكركيّة يتكوّن من العصبة والمحرمة والمقنعة، "فالمحرمة بيضاء اللون في الحالات العادية، وفي حالة وفاة زوج المرأة تلبس محرمة سوداء أو زرقاء"، وكذلك "الشطفة"، بالنسبة للشابات وهي منديل من "الجورجيت"، وتعصبه الشابة على كامل رأسها، وتربطه من الخلف. أمّا غطاء الرأس في منطقة السلط، فيتكوّن من الحطّة السلطيّة الملوّنة، وإذا خرجت المرأة بكامل لباسها تلبس "الجبة"، وهي عبارة عن (جاكيت)، وتكون ملوّنة بالأخضر أو الأزرق(2).
أمّا لباس الرأس بالنسبة للمرأة الكركيّة فيتكون من ثلاث قطع هي: العصابة وتستخدم لتثبيت الشطفة (تشبه المنديل) والمقنع على الرأس، وتتكوّن العصابة من قماش الجورجيت أو قماش ملوّن أكثر سماكة بلون أحمر أو أسود وتسمى العصابة المصنعة من هذا القماش باسم "الكسماية"، ولعمل العصابة يُثنى القماش على شكل طبقات ويُترك جزء منها يتدلّى من خلف الرأس إلى الظهر، أمّا الشطفة فهي قماش أبيض يُربط على الرأس ويُلبس فوقه "المقنع" وهو من قماش من الجورجيت الأسود يُلف به الرأس من المنتصف حتى نهايته بحيث تظهر في مقدمة الرأس الشطفة البيضاء.
وأمّا زيّ الرمثا فيتكوّن من ثوب الحبر، وغطاء الرأس العصبة أو (البشكير الألماني) بألوانه ورسوماته الزاهية، وغطاء الصدر، وتدل العصبة الحمراء على الشابة، بينما السوداء فترتديها المرأة المتقدمة في السن، كما ترتدي الشابة المتزوجة ثوبًا مزخرفًا بألوان مختلفة عن العزباء بحسب المنطقة. ويقول الباحث الأكاديمي د.حكمت النوايسة إنَّ البشكير يمثل "علامة مميزة للمرأة الرمثاوية، ونعتزّ به كجزء من تراثنا"(3).
ويُعدُّ الثوب المقطع أو الدراعة، الزيّ التقليدي للمرأة في المناطق الشمالية والشرقية والوسطى، وهو ثوب فضفاض يصل طوله حتى الكعبين، تُخاط فيه (البنيقه) على الجانبين، لتمنح الاتساع اللازم لحرية الحركة وتخفي تفاصيل الجسم، وتكون الأكمام طويلة وواسعة عند الكتف، ثم تضيق تدريجيًا حتى تصل الرسغ.
ويُعرف الثوب المعاني بالثوب الهرمزي، وتتم حياكته على شكل مستطيلات (بنايق) بشكل متشابك، وتتم خياطة منطقة الصدر بشكل بارز فضفاض ويطلق عليه (العُب) ويأتي بروزه نتيجة وضع الحزام على الخصر، وسحب الثوب إلى الأعلى، وينتج عن ذلك تشكيل طبقة ثانية للثوب، ممّا يزيد الثوب جمالًا وحشمة، ويتكوّن لباس الرأس من قطعة قماش شفّافة مستطيلة الشكل تستعمل كغطاء للرأس وفي الغالب تكون سوداء تسمى بـ(الشد)، وقطعة قماش متعددة الألوان لا يتجاوز عرضها 12سم وبطول متر ونصف المتر وتستعمل للتقليل من طول الثوب وهذا ما يطلق عليه الحزام(4).
أمّا الزيّ الشركسي فيتكوّن من ثوب طويل يشبه العباءة، بتطريزات نباتيّة فضيّة على البدن والجوانب والأردان والقبّة، وتحت الثوب قميص طويل بخطوط أفقيّة تزيينيّة على الصدر، أمّا لباس الرأس فتعتمر الفتاة طربوشًا ينسدل عليه منديل شفّاف.
أمّا زيّ النساء عند الدّروز (بني معروف)، فهو عبارة عن فستان قماشي فضفاض، وفي الأفراح يكون من المُخمل، وكذلك غطاء الرأس، وأحيانًا يكون الغطاء مصفوفًا بالقطع الذهبيّة الذي يشبه العصبة.
وترتدي المرأة في منطقة جرش الثوب الأسود الطويل المطرّز بالخطوط الملوّنة المتجانسة المعروفة باسم "حلي" أو "شرشة"، وبأشكال هندسية مختلفة وتغطي رأسها بعصبة حمراء اللون.
وترتدي المرأة العجلونيّة البيرمة؛ ثوب أسود واسع فضفاض، النساء المتزوجات، يبلغ طوله قبل تفصيلة (22) ذراعًا من قماش يسمى (الملس أو المارونس أو الحَبَر) بشكل مطوي ثلاث مرات، وتكون أكمام البيرمة واسعة ومفتوحة بحيث يلف هذا الكم (الردن) حول رأسها، وترتدي المرأة قميصًا قطنيًّا أو صوفيًّا مزركشًا يغطي الصدر، ويمكن أن ترتدي المرأة فوق البيرمة الدامر، أمّا لباس الرأس فيتكون من الحطة أو العرجة أو السفيفة(5).
وفي السلط ترتدي كبيرات السن الخلقة، أمّا الشابات فيرتدين "المدرقة"، والخلقة عبارة عن ثوب أسود طويل فضفاض له قطع مثلثة الشكل تضاف على الجوانب لتمنحه الاتساع تسمى "البنايق"، وله أكمام طويلة جدًا بحيث ترفعه المرأة إلى أعلى رأسها، وهو مصنوع من قماش التوبيت الأسود الذي يطرز باللون الأرجواني أو الأحمر أو الأزرق، ويبلغ طول الثوب من ثلاثة إلى أربعة أمتار من القماش، ترفع المرأة ثوبها إلى أعلى بواسطة (السفيفة) المصنوعة من الصوف أو بحزام عريض مجدول يسمى (اشويحية)، وتغطي رأسها بالحطة أو الشماغ (الحطة)، بالإضافة إلى العصبة المقصَّبة الحمراء أو السوداء التي تحتوي على خيوط من الحرير تلفّها على رأسها(6).
ولا يختلف زيّ قبيلة العدوان قديمًا عن الثوب (المدرقة) التي تمتاز بالأردان الواسعة وغطاء الرأس المكوّن من المنديل والعصبة.
ويمتاز زيّ الأغوار بالثوب (المدرقة) الفضفاضة، وانفتاخ القبّة ببرواز تطريزي يحيط بالصدر، وأساور تطريزية على الأردان التي تضيق عند الرسغ في عدد من الحلقات، وحبكة عريضة على داير الزيّ في ثلاث حلقات، وغطاء الرأس الذي يتكوّن من العصبة.
• العصابة والبشكير
يُعدُّ لباس الرأس عند الأردنيين من أهم مكونات الزيّ التقليدي سواء عند الرجل أو المرأة، وهناك العديد من ألبسة الرأس عند المرأة، منها:
الإعصابة: أو العصبة أو (الهبرية)، وهي قطعة حرير موشّاة بالقصب الذهبي أو الفضي أو كليهما، وتكون حمراء أو سوداء اللون، ويمكن أن تكون بلون بنّي غامق أو زهري أو برتقالي، تطرّز على شكل حزام مستطيل للرأس ويربط على أعلى الجبين، يتراوح طولها بين متر ونصف إلى أربعة أمتار.
وفي الكرك تكون العصبة على شكل حزام دائري ترصّع طرفيها بقطع نقدية ذهبية، وفي السلط تزيّن أطرافها السفلى بالشناشيل، أمّا في معان فتكون قصيرة ومليئة بالقطع الذهبية الصغيرة، وبعض النساء يزينّها من الجانب (بالمباري) وهي قطعة دائريّة كقطعة النقود بشكّ خرز أزرق وأخضر وأصفر وأحمر أو تثبّت بدبّوس مصنوع من الذّهب.
وفي بعض المناطق، ومنها: مادبا وضواحيها ووادي موسى والشوبك، لا تعتمرها المرأة على رأسها إلا بعد أن تتزوّج أو تنجب مولودها الأوّل، وتسمّى في بعض المناطق "الحطة" أو "الهبرية".
الشنبر: يسمى أيضًا المنديل أو المسفح أو الملفع، قطعة قماش ذات ألوان متعددة أشهرها الأسود والأبيض أو مقصبة باللونين معًا، تلف على الرأس قبل وضع العصبة على الجبين، وقد يطول الشنبر ليصل أسفل الظهر.
العُرجة: قطع ذهبية توصل بتعاريج من الخرز الصغير بالألوان الزاهية، توضع أحيانًا في مقدمة الرأس بشكل متعرج، ومن هنا جاء اسمها، وتتكوّن من صفّ (ليرات) ذهب، تبدأ من مقدمة الرأس وتمتد إلى الظهر ولا تلبسها إلّا العرائس والمتزوّجات في الأفراح.
الصَّفِة: تشبه العرجة إلا أنها لا تمتدّ إلى الظهر، وتخلو من الخرز، ولا تلبسها إلا المتزوّجات، وهي جزء من جهاز العروس (المهر).
البشكير الألماني: منديل صغير بألوان زاهية مزيَّن بالورود، ويُلبس فوق الشنبر(الملفع).
• رمزيّات الزيّ
يمثل الزيّ جملة من الرمزيّات التي تتصل بالمكانة الاجتماعية والكبرياء والشموخ، وتعكس في الوقت ذاته الانتماء للبيئة وتعبّر عن الهوية الجمعية، وفي الوقت نفسه فإنَّ تلك الأزياء تتشبّع بالأشكال والمفردات التي تتّصل بالموروث الثقافي الشعبي، ومنها الأشكال الهندسية، مثل: المعينات والمربع والمثلثات، والزخرفة النباتية وسبل القمح الذي يشير إلى الارتباط بالبيئة والأرض والبركة والجمال الذي يعبّر عنه بالأزهار البريّة.
وترمز العرجة والصفة إلى العزّ والثروة، فيما ترمز أطوال الثياب وطيّاتها إلى الكبرياء والشموخ، ولا تبتعد الألوان عن تلك الرمزيّات في توظيفها المناسباتي، فالأبيض هو عنوان الفرح، أمّا النيلي فهو يرمز للترح، والأحمر للخصب والأخضر للطهارة والأصفر للنضج، فيما يبقى اللون الأسود محايدًا.
هذه الرمزيّات تختزل علاقة المرأة الأردنيّة، حارسة التراث وسادنته مع البيئة والأرض، وتدوّن ليس التحوُّلات التي عاشتها المرأة فحسب، بل تنقش على الزيّ تاريخ الوطن الحضاري والجمالي ورمزيّات هويّته التي تختزل في الخطوط الحريرية والألوان الزاهية والحكايات.
أمّا الأشكال الهندسية، فهي تمثل اختزالات أسطورية لدلالة الشكل الذي لم يكن يستخدم على الأزياء فحسب، وإنما في الرسوم على الآنية الفخارية وجدران البيوت لطرح البركة وطرد الكائنات الشريرة، فدلالة المربَّع -سواء علمت الحائكة بذلك أم لم تعلم- تدلّ على الدنيا، بينما يشير المثلث إلى الثبوت والاستقرار، ويشير أيضًا في الموروث إلى شجرة السرو التي تتمتع بمكانة مهمة في الوجدان نظرًا لطولها وشموخها وخضرتها الدائمة وارتباطها بالمعتقد الديني كواحدة من أشجار الجنّة، بمعنى أنّ الرموز لم تأت اعتباطًا، وإنما اختزلت كمتبقيات من الذاكرة الشعبية البعيدة في امتداداتها الأسطورية التي ترنو للفرح والسعادة والاستقرار الذي جسّده الزيّ.
نتيجة للتحوُّلات الاجتماعية والاقتصادية وحركات اللُّجوء والنهضة العلمية ونزعات الحداثة ونشوء المؤسسات والأحداث المختلفة وتطوُّر الحواضر المدنيّة، وارتفاع كلف الأزياء التقليدية والانفتاح على الغرب وأمزجة الأجيال واهتماماتها، وبروز النزعات الاستهلاكية، فقد أدَّت إلى انعكاسات سلبيّة أفقدت الزيّ التراثي دوره كجزء من مكوّنات الهوية الوطنية وارتباطها بالأرض، وانتقلت الأزياء التراثيّة إلى شكل جديد من التمثيل الكرنفالي والمناسباتي.
• مراجع وقراءات:
(1) قاسم عبدالكريم خميس الشقران وآخرون، الوحدات الزخرفية لبعض الأزياء التراثية الشعبية الأردنيّة، دراسة فنية تحليلية المجلة الأردنيّة للفنون، مجلد 13، عدد 1، 2020.
(*) كلمات الأغنية الشعبية التي حوَّلها وغنّاها توفيق النمري باسم (لوحي بطرف المنديل).
(**) أظنّ أنها كلمة من مصدر أجنبي، Drag، يجرّ، والدراق كوين (Drag Queen) هم في الغالب رجال يرتدون الملابس النسائية، ومثلها بنطلون التي يعود أصلها إلى اللغة الإيطالية، وقد نقلها العرب عن الإنجليزية بعد أن دخلت إليها، Pants، فأخذها العرب وردوها إلى أصلها الإيطالي.
(2) منى صبح، الزي الشعبي.. جزء من التراث والأرض والتاريخ، صحيفة "الغد" الأردنيّة، 4/10/ 2015 الموقع الإلكتروني، https://alghad.com
(3) منى صبح، المرجع السابق.
(4) عبدالله آل الحصان، الثوب الهرمزي المعاني.. حشمة تزينها الفخامة، صحيفة "الدستور" الأردنيّة، 22/5/2010.
(5) مريم بني مرتضى وإشراق محمود الشريدة، الأزياء التراثية الأردنيّة واللباس الشعبي في محافظة عجلون، موقع وزارة الثقافة، http://www.ich.gov.jo/
(6) مرجع سابق، قاسم عبدالكريم خميس الشقران وآخرون.