عامر الصمادي
إعلامي ومدرب دولي ومترجم وكاتب أردني
تميَّزت الإعلاميّة زاهية عنّاب بوقارها وهدوئها، وقربِها من قلب كل مَن يتعامل معها. شهدت عنّاب اللحظات الأولى لافتتاح التلفزيون الأردني في 27-4-1968 بعد أن عملت قبل ذلك إداريّة لمدة سنة أثناء التحضير لافتتاحه. ثم عملت مذيعة وتألَّقت في تقديم البرامج وإعدادها، وبخاصة برامج الأسرة والطفل. وبقيَتْ على رأس عملها حتى شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2001، وفي العام نفسه اختيرت للعمل ضمن الفريق الوطني لإنجاز أوّل استراتيجية وطنيّة للطفولة المبكرة، وما زالت على تواصل مع أنشطة إعلاميّة أو تدريبيّة بحكم خبراتها الفذَّة.
كانت تطلُّ مثل نسمة رقيقة في ليلة قائظة أو غيمة شفيفة في يوم مشمس، فتُحيل الأجواء المكفهرّة إلى ربيعيّة تُنعش الرّوح قبل الجسد، وكانت كحبّة (عنّاب) باردة في فم عطش ظهر يوم صيفيّ، تزهو كوردة ارتَوَت من النّدى فجرًا. زاهية عنّاب ليست مجرَّد مذيعة كانت تقرأ نشرة الأخبار وتقدِّم البرامج، بل هي باقة من الزَّهر والأناقة والرَّزانة التي تعطِّر ليل التلفزيون ومُشاهديه الكُثُر الذين تتسمَّر عيونهم يرقبونه لتطلّ عليهم بين البرامج أو من خلال نشرة أخبار أو برنامج منوَّع.
عندما فتحنا عيوننا على التلفزيون الأردني بداية السبعينات من القرن الماضي كان هنالك العديد من النُّجوم الذين تعلَّقنا بهم وحفظنا أسماءهم وكل ما يتعلّق بحياتهم، وكنّا ننتظر طلّتهم علينا من خلال الشاشة، فنشأت بيننا وبينهم علاقة افتراضيّة جميلة، فإذا ابتسم أحدهم ظننّا أنه يبتسم لنا، وإذا أشار بطرف عينه أو إصبعة ظننّا أنها إشارة لنا، حفظنا ألوان ملابسهم وربطات أعناقهم، وتتبَّعنا أخبارهم في الصحف والمجلات، وإذا تصادف والتقينا أحدهم في الشارع العام أو في مناسبة كُنّا نهرع إليه هاشين باشين، ونغضب إذا لم يتعرَّف إلينا، كيف ذلك فنحن أصدقاء كما كُنّا نعتقد؟!
تميَّزت "الزاهية" دومًا -كما أحبُّ أن أناديها- بوقارها وهدوئها وقربِها من قلب كل مَن يتعامل معها، فكانت الملاذ للجميع؛ يلجؤون إليها كلّما عصفت بهم مشكلة أو واجهتهم معضلة، فتمتصّ غضب الغاضب وتهدِّئ روع المرتاع وتتدخَّل بما لها من مكانة في قلوب الجميع لحلّ أيّ إشكال بين الزملاء أو بين زميل وبين الإدارة، خاصة وأنه كان هناك بعض المدراء الذين يتميَّزون بالخشونة والصلافة.
عندما بدأتُ العمل بالتلفزيون الأردني في بداية عام 1990 كانت زاهية عنّاب قد قطعت شوطًا طويلًا بالعمل في هذه المؤسسة العريقة؛ فقد عُيِّنَتْ في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1967، أي قبل افتتاح التلفزيون رسميًّا، وبقيَتْ على رأس عملها حتى شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2001 عندما تمَّت الإطاحة بعدد كبيرمن أكفأ العاملين بـِ"مجزرة" ما زلنا ننزف منها حتى اليوم، وتمَّ استبدال عاملين جُدد بأولئك الكبار، ولا أبالغ إن قلتُ إنَّ معظم "العاملين الجُدُد" كان من أنصاف الإعلاميين وأشباه المدراء. عملَتْ زاهية عناب بعد ذلك مستشارة لدى عدد من الهيئات المحلية والدولية، وما زالت -أطال الله بعمرها- متابعة لشؤون الإعلام وأهله حتى اليوم، وتراقب ما آلت إليه حال الإعلام والتلفزيون تحديدًا.
وُلدت زاهية عناب لأم إيطاليّة المولد وأب شرقيّ الهوى والمنبت، كان من أوائل الأطباء في الأردن الذين درسوا في إيطاليا أواسط الثلاثينات من القرن الماضي، وتنقَّل بحكم عمله في كثير من مدن الأردن وفلسطين طبيبًا ثم مديرًا للصحة، لكنَّ الثراء الأكبر كان عندما عمل الطبيب حيدر عناب خارج الأردن في عدد من الدول؛ ممّا منح العائلة فرصة للمزيد من التجارب الحياتيّة والإنسانيّة، ووفَّر لزاهية مشارب متنوعة للثقافة والتكوين الثقافي والاستعداد للتعلم والاطلاع على محيطها، كما أتاح ذلك لها فرصة لتقرأ أعمال أشهر الكتاب أمثال إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ وحنا مينا والطيب صالح ويوسف السباعي وغيرهم.
• الدِّراسة
تقول زاهية عناب إنَّها أنهت دراستها في مدرسة الخليل الثانوية عندما كان والدها مديرًا للصحة فيها، وتتذكَّر ذلك اليوم الذي أقيم فيه حفل كبير للاحتفال بتخريج طالبات المدرسة برعاية جلالة المغفور لها الملكة زين الشرف؛ حيث حضرت جلالتها لتسليم الخريجات شهاداتهن، وتمَّ اختيار زاهية لتقديم هديّة المدرسة للملكة وكانت عبارة عن نسخة مصدَّفة من القرآن الكريم، بوجود الإذاعة الأردنية التي كانت تنقل الاحتفال بواسطة الزميل عصام علم، وكان ذلك عام 1959، وتروي عناب كيف أنها تفوَّقت باللغة العربية بفضل جهود معلمتها خديجة عابدين التي بذلت الكثير في تعليم طالباتها بسبب إيمانها بأهمية اللغة العربية.
في عام 1966 تخرَّجت زاهية في الجامعة الليبية في بنغازي- كلية الآداب قسم التاريخ والتربية، حيث كان للدكتور ناصرالدين الأسد رحمه الله بصمات واضحة في إنشاء الجامعة قبل أن يعود إلى الأردن ليسهم في إنشاء الجامعة الأردنية، وكان السبب في دراستها هناك أنَّ والدها ذهب للعمل في ليبيا التي أنشئت فيها الجامعة الليببية وكان ذلك قبل الجامعة الأردنية.
وعلى الرغم من أنَّ زاهية عشقت الحضارة الإسلامية والفن الإسلامي وحضارة العرب في الأندلس، وتعمَّقت بمواضيع التربية وعلم النفس كي تتمكَّن من أن تكون معلمة ممتازة فيما بعد، إلّا أنَّها تعتقد أنَّ أفضل ثقافة حصلت عليها كانت من خلال تقديمها للبرامج الثقافية وبرامج الأطفال عبر الشاشة الصغيرة.
في عام 1968 التحقت بالجامعة الأردنية للحصول على الدبلوم العالي في التربية، إلا أنها توقفت بعد السنة الأولى. وفي عام 1972 التحقت بدورة طويلة في كلية ثومبسون في اسكتلندا لدراسة الإنتاج والإخراج التلفزيوني لبرامج الأطفال وحصلت على الدبلوم العالي.
• العمل التلفزيوني
شهدت زاهية عنّاب اللحظات الأولى لافتتاح التلفزيون الأردني، بعد أن عملت قبل ذلك لمدة سنة أثناء التحضير لافتتاحه كإداريّة.
• افتتاح التلفزيون
تستذكر عنّاب يوم افتتاح التلفزيون الأردني في 27-4-1968 فتقول إنه كان يومًا جميلًا يزيِّنه الربيع بخضرته واعتدال أجوائه، وكان الجميع يشعرون بالإثارة والحماسة لهذا الحدث الفريد في تاريخ الأردن؛ حيث تفضَّل جلالة الملك الحسين بقصّ الشريط إيذانًا بانطلاق البثّ التلفزيوني في فضاء الأردن، ممّا غرس بنفوس العاملين التحدّي والإرادة القويّة، خاصة وأنَّ هذا الحدث يأتي بعد فترة وجيزة من احتلال الضفة الغربية لنهر الأردن والذي شكَّل جرحًا غائرًا بالنُّفوس، فكان على التلفزيون أن يقود الإعلام الأردني والعربي للتغلُّب على النكسة، وأن يرتقي بتفكير الناس ونضالهم، وأن يسعى لتحقيق أهدافهم وشرح وجهة نظرهم والدفاع عن حقوقهم، نظرًا للمكانة الكبيرة التي كان يحتلها التلفزيون في نفوس المشاهدين، فهو المحطة الوحيدة في البلاد، ويصل بثّه إلى الضفة المحتلّة، وهو محط اهتمام المسؤولين بكل فئاتهم، فكان العبء كبيرًا، لكنَّ النتائج كانت مذهلة، فقد أعاد التلفزيون للناس ثقتهم بأنفسهم واستطاع أن يسدّ الفراغ الكبير الذي كان سائدًا.
• العمل مذيعة
وحول بداية عملها مذيعةً، تقول زاهية عناب إنها كانت تعمل بمكتب المدير العام عملًا إداريًّا، وكان التلفزيون يعتمد طريقة الرَّبط بين الفقرات من خلال ظهور مذيع أو مذيعة بين البرامج لتقديم الفقرة التالية أو الإعلان عن حدث ما، أو حتى تقديم فقرة الإعلانات. وذات يوم فوجئت بمخرج البثّ يقف أمامها متوترًا وهو يطلب منها أن تنقذ الموقف، فقد غابت المذيعة المكلَّفة بتقديم الرَّبط بين الفقرات، وكان البثّ على الهواء مباشرة، فتردَّدت ثم وافقت، فهي لم تظهر على الشاشة من قبل، لكنَّ النتيجة كانت مذهلة للجميع، وكان هذا الحدث وغياب تلك الزميلة سببًا بتغيير مجرى حياتها. فبدأ المخرجون يطلبون منها تقديم فقرات لهم، ومن ثم طُلب منها تقديم برنامج كامل لوحدها وهكذا كانت البداية.
• أوَّل البرامج
وحول أوَّل برنامج قدَّمته زاهية، تقول إنَّها قدَّمت برنامجًا اسمه "هذا بلدي"، كان يتمّ فيه تسليط الضوء على منطقة أردنيّة في كلّ حلقة، ويتمّ عرض تاريخها وبماذا تشتهر وأبرز معالمها. وتضيف: "بعد ذلك بدأتُ بإعداد وتقديم البرامج واكتشفتُ أنَّ هذا الأمر يشكِّل تحديًا كبيرًا، فقد كان التلفزيون الأردني يُشاهَد على نطاق واسع في الأردن وسوريا وفلسطين؛ ممّا يزيد من المسؤوليّة المُلقاة على المذيع الذي يقدِّم برنامجًا ما، كي يجتهد ويقدِّم أفضل ما عنده. وقد قدَّمتُ الكثير من البرامج الثقافية والاجتماعية والصحية والأسرية، وبرامج المنوّعات والمسابقات، وبرامج خاصة، وأخرى للجيش العربي، ممّا أغنى تجربتي الإعلاميّة، فكنتُ أعدُّ برامجي وأقدِّمها بنفسي، إلا أنّني قدّمتُ برامج من إعداد أساتذة كبار أمثال الدكتور محمود السمرة وفواز طوقان وأمين شنار وغيرهم".
• تقديم نشرة الأخبار
في عام 1980 عملت زاهية عنّاب بدائرة الأخبار مقدِّمةً لنشرات الأخبار بمعيّة الزملاء إبراهيم شاهزاده ومنير جدعون وغيرهم، وبقيَتْ لمدة عام، إلا أنها اكتشفَتْ أنها تحبّ عالم البرامج أكثر، فعادت إلى البرامج وبقيَتْ فيها حتى أحيلت إلى التقاعد.
• برامج الأطفال
كان للدَّورة الطويلة التي ذهبت من خلالها إلى اسكوتلندا للتدرُّب على إنتاج برامج الأطفال الأثر الكبير في نفسها، فتحوَّلت إلى برامج الأطفال وأصبحت في العام 1983 مسؤولة عن برامج الأسرة والطفل، وبقيت حتى عام 1995 عندما أصبحت مساعدة لمدير التلفزيون، لكنها ظلَّت تعمل مشرفة على برامج الأسرة والطفل، وحتى بعد تقاعدها بقيت مستشارة للعديد من المنظمات والهيئات المعنيّة بهذه الشريحة.
• المواقع الإداريّة والأنشطة الإعلاميّة
خلال عملها التلفزيوني تولَّت زاهية عددًا من المواقع الإدارية كان معظمها متخصّصًا بشؤون الأسرة والطفل، فقد ترأست لجنة انتقاء برامج الأطفال التي شُكِّلت من عدد من المختصين في مجال التربية والطفولة لتقييم برامج ومسلسلات الأطفال، واختيار ما يناسب الفئات العمرية، ومراعاة قيم وعادات وثقافة المجتمع.
كما شاركت بالعديد من المؤتمرات والمهرجانات المحليّة والدوليّة ممثلةً لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون أو حتى بصفتها الشخصيّة، وتمَّ تكليفها بإدارة القناة الأولى بالإضافة لمسؤوليّتها كمساعدة لمدير التلفزيون للبرامج المحليّة.
شاركت باللجنة الوطنية لشؤون المرأة منذ تأسيسها عام 1992، وشاركت ضمن فريق العمل العربي المنبثق عن توصية اللجنة الدائمة للإعلام في جامعة الدول العربية والمتعلق بإقامة مشروعات لإنتاج أفلام الرسوم المتحركة للطفل العربي بين عامي 1996- 1997. وشاركت باللجنة التحضيرية لمؤتمر الأطفال العرب منذ تأسيسه في الثمانينات من القرن الماضي لوضع الخطط والبرامج والأنشطة الخاصة بالمؤتمر، وإنتاج برامج تلفزيونية وإذاعية ذات علاقة.
وفي مرحلة لاحقة تم اختيارها بصفتها الشخصية عضوًا في اللجنة الوطنية الأردنية للتربية والثقافة والعلوم برئاسة وزير التربية، وتضم اللجنة ممثلين عن العديد من المؤسسات الرسمية ذات العلاقة، إضافة إلى عضوين بصفتهما الشخصية وكانت عنّاب أحدهما، وفي مرحلة لاحقة تم انتخابها رئيسة للمكتب التنفيذي للّجنة.
ساهمت بتخطيط وتنفيذ العديد من الحملات الإعلامية التوعوية الخاصة بالطفولة والأسرة؛ مثل تشجيع الرضاعة الطبيعية وأهمية التطعيم والكشف المبكر للإعاقات ومكافحة التدخين وغيرها الكثير، وكانت معظم تلك الحملات مع منظمات دولية كاليونيسيف وجامعة جون هوبكنز وغيرها.
كما شاركت عنّاب في اللجنة العليا لمسابقة الملكة علياء للعمل التطوعي لعدة دورات، والتي ينفذها الصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية، وتهدف إلى توعية طلبة المدارس في مجالات الصحة والبيئة وتنمية مفاهيم العمل التطوعي والمواطنة الفاعلة.
التحقت عام 1975 بالاتحاد النسائي الأردني بعد عودته للحياة إثر إعلان الأمم المتحدة ذلك العام عامًا للمرأة تحفيزًا لها ودعمًا لدورها، وانتُخبت عضوًا بالهيئة الإدارية وبقيت لعدة دورات، وشاركت بمؤتمر المرأة ممثلةً للأردن في المؤتمر الذي عقد في كازاخستان وضمّ مندوبات من معظم دول العالم.
وانتُخبت بالهيئة الإدارية لجمعية العناية بالأطفال الأردنية التي ترأسها سمو الأميرة بسمة بنت طلال، وبقيت فيها لعدة دورات. كما تم اختيارها عضوًا فخريًا بالهيئة الإدارية لجمعية الحسين لرعاية ذوي التحديات الحركية؛ حيث ساهمت في تقديم الكثير من قصص الدعم النفسي والصحي والتأهيلي للمعاقين حركيًّا من خلال الإعلام الأردني والعربي.
وفي عام 2001 اختيرت للعمل ضمن الفريق الوطني الذي ترأسته الملكة رانيا العبدالله لإنجاز أوّل استراتيجية وطنيّة للطفولة المبكرة.
• البرامج التي قدَّمتها
خلال مسيرتها الطويلة قدَّمت زاهية عناب عددًا من البرامج منها:
- هذا بلدي.
- من هنا وهناك.
- مجلة التلفزيون.
- عالم الكراميش.
- الأسرة.
- صراع البقاء: (برنامج مدبلج عن الطبيعة وعالم الحيوان) وهو أوَّل برنامج مُدبلج بالأردن عام 1968، وسُجِّل في أوَّل استوديو خاص بالدوبلاج.
- كتاب وقارئ: وهو من إعداد الأستاذ الدكتور محمود السمرة.
- الفنون الجميلة: وهو من إعداد الدكتور فواز طوقان، ويتحدَّث عن فنون الحضارة الإسلاميّة.
- الجيش العربيّ.
- سهرة مع فنّان.
- أحلى الكلمات (شعر).
- المرأة اليوم.
- أضواء.
- أمومة.
- النباتات المنزليّة.
بالإضافة إلى العديد من البرامج الوثائقيّة وبرامج المناسبات الخاصة. كما أعدَّت وأشرفت على معظم برامج الأطفال في التلفزيون الأردني حتى تاريخ تقاعدها.
• الجوائز والأوسمة
خلال مسيرتها الطويلة حصلت زاهية على العديد من الأوسمة والتكريمات من مؤسسات عدَّة، لكنها تفخر دائمًا بما حصلت عليه من بلدها، فقد حصلت على:
- وسام الحسين للعطاء المميَّز من الدرجة الثانية عام 2007 من يد جلالة الملك عبدالله الثاني.
- وسام الاستقلال من الدرجة الثالثة عام 1993 من يد جلالة الراحل الكبير الملك الحسين بن طلال بمناسبة اليوبيل الفضّي للتلفزيون الأردني.
• التلفزيون هذه الأيام
عندما تسأل زاهية عنّاب عن رأيها بما يقدِّمه التلفزيون هذه الأيام مقارنة بما كان يقدِّمه سابقًا، تبتسم ابتسامتها الدبلوماسيّة المعهودة، وتقول: إنَّ التلفزيون بحاجة ماسّة لإعادة النَّظر بما يقدَّم حتى يرتقي إلى ذوق المُشاهد ومُواكبة المستجدّات، مع الفرق الكبير بين الإمكانيّات المتوفرة هذه الأيام مع تلك التي توفّرت قديمًا، فقديمًا كان لبرامج التلفزيون نكهة خاصة وهناك رضا عام عنها، أمّا اليوم فعلى الرّغم من الإمكانيّات المتوفرة إلّا أنَّ التلفزيون ما زال غير قادر على مُجاراة بقيّة تلفزيونات المنطقة والحصول على ثقة المشاهد المحلّي الذي هجره إلى محطّات أخرى.
وحول الاستغناء عن الكفاءات العالية في مؤسسة التلفزيون تقول: " كان التلفزيون وما زال مدرسة تخرِّج الكفاءات العالية لكل الوطن العربي، وكان الأردنيون وما زالوا ينتشرون بكل محطات التلفزة العربيّة والعالميّة يقدِّمون خبراتهم وتميُّزهم للارتقاء بتلك المؤسسات، لكنْ للأسف فإنَّ التلفزيون يتعرَّض لعمليّة إبعاد لكلّ القادرين على إدارته، وتعيين أشخاص يهبطون عليه من السماء لا يفقهون بالإعلام أو العمل التلفزيوني الفنّي، ونظرًا لجهلهم بفنيّاته فإنّهم يبدأون بالتخلُّص من الكفاءات بإحالتها على التقاعد أو النقل والتهميش والإبعاد كي لا يظهر عجزهم وعدم معرفتهم.
وتضيف عنّاب: الإعلامي لا يتقاعد ولا يتوقف عطاؤه، ويبقى قادرًا على العطاء المنتج حتى نهاية عمره مهما طال، ولدينا نماذج عالميّة كثيرة لإعلاميين بلغوا الثمانين والتسعين من العمر وما زالوا يقدِّمون برامجهم عبر الشاشات والإذاعات؛ فهم يصبحون أيقونة لمحطّاتهم التي تفتخر بوجودهم لأنهم أصبحوا هويّة لها، ولا يجوز التعامل معهم كأيّ موظّف حكومي يعمل بمجال آخر.
ما زالت زاهية عنّاب -أطال الله بعمرها- تقضي أوقاتها بمتابعة محطات التلفزة والإعلام بشكل عام وتشارك بكل ما يسمح به الوقت من أنشطة إعلاميّة أو تدريبيّة للأجيال الجديدة متطلِّعة إلى مزيد من اهتمام المسؤولين بالإعلاميين المتقاعدين والاستفادة من خبراتهم، ويشاركها بذلك كل زملائها ممَّن أفنوا حياتهم بخدمة الإعلام الأردني.