حِصَارٌ

بهجت صميدة
شاعر مصري
أُحاصَـرُ بالجلودِ..
وحين يشتـَدُّ الحصارُ،
تمـرُّ من رأسي القصائدُ للخلودِ،
تَصُبُّ بعضَ دمِي من العينينِ؛
تحمـَرُّ السماءُ،
وتسبحُ الطيرُ الشهيدةُ،
فى فضاءاتِ الدماءِ،
ألـُمُّ أشلائي..
وأَجْمَعُ كلَّ أعضائي؛
لأغزوَ مَنْ غَزَانِي.
غيرَ أنَّي لا أراني،
أكتفي بالليلِ
أرسمُ فيه أكفاني،
أبيعُ الشعرَ للموتى،
ولا أَبتاعُ أسلحةً،
تفكُّ حصارَ قلبٍ
مزقَتْهُ الريحُ أشلاءً مفرقةً
تـَمـُرُّ النارُ مِنْ عيني؛
فَتَحْرِقُ كُلَّ أشجاري،
يـُكـَوَّرُ فِي دمِي التاريخُ،
يـَبعثُ فيَّ أشخاصًا..
تنامُ على حدودِ الموتِ
ترفعُ رايةَ العصيانِ،
تستبقي مع الليلِ النهارَ
ليُنجبا صُبحـًا يُغَنِّي من ولادتِهِ
وحتى مَطْلَعِ الحُلْمِ البعيدِ..
فيـَكثُرُونَ،
ويرفعون السيفَ في وجهي؛
فيشربون دَمِي،
وأشربُ مثلهمْ؛
فتَفِرُّ أشلائِي إلى قلبي،
ترى الوردَ المُحاصَرَ،
يملأُ الصحراءَ في روحي تباريحَ..
تفكُّ قيودَ جسمٍ
قيَّدَتـْهُ الأرضُ في أعماقِها؛
فـَنـَمـَتْ على الرأسِ الحشائشُ،
تستقرُّ بها الثعابينُ الكئيبةُ،
تسحبُ الماءَ المـَعينَ بباطنِ الحُلمِ الجميلِ؛
لِكَي تُبَخَّرَهُ على أوراقِها دَمْعـًا..
يـُغذِّي السُحـْبَ ترياقـًا..
ومِنْها يَسْقُطُ الموتُ المفاجئُ،
يملأُ الأنهارَ نيرانا،
ويغتالُ المساحاتِ المليئةَ بالخضارِ
بِحِصْن ِعقلي؛
كي تـُحـَلـِّقَ في غياباتِ الترابِ،
ويـُخرِج الجثثَ التي انشقـَّتْ
عن التاريخِ
وارتاحتْ على صخر من الرؤيا
فيا من تخنقون النارَ
كي لا تبصروا رُوْحِي،
استعينوا بالمجاهرِ؛
عـلـَّها تـُهْدِيكمُ الوَشْمَ الذي انطبعَتْ كتابتـُهُ
على ذراتِ قلبي؛
إنّ أحلامي الصغارَ أوقَفَتْ مَوْتِي،
وبـدَّلـَت الدماءَ بما تـَبـَقـَّى من شراييني؛
فصارتْ كلّ ذراتِي دماءً
تنثرُ الذكرى بِدَرْبِي،
تزرعُ الوَرْدَ الجميلَ،
تَخُطُّ - قبلَ النومِ - قصةَ مَنْ تـَهـَجـَّى الحُلْمَ
في لغةٍ تباعَدَت الحروفُ بها
كَبُعْدِ المشرقينِ؛
فصارَ في مَزْجِ الحروفِ الموتُ
حتى أعلنَ القلبُ الحِدادَ،
وأغلقَ الرئتينِ للإصلاحِ،
واستلقَى على ظَهْرِ الحياةِ
ليـُبصرَ الكونَ الحَقِيْقِيَّ المُرَادَ؛
فصارت اللغةُ اختراقًا
للمسافاتِ البعيدةِ بين قلبي والنهارِ
وأدركَ القلبُ الحصارَ..
فَشَقَّ في طرقاتـِهِ أنْهَارَ نيرانٍ
لكي تـُلقـَى على الأعداءِ؛
حتى يتركوهُ يُعيدُ تأويلَ النُّجومِ،
يَشُقُّ للكونِ الرئاتِ؛
فتختفِي الظلماتُ،
يقرأُ - جهرةً - حُلْمـًا
تـَخـَطـَّى كلَّ أحلامِ اللغاتِ..
فيا جنودًا لا أراها،
طَهـِّرُوا جِلْدِي،
وَرُدُّوا كُلَّ أَسْلِحَتِي؛
لأحيا حامًلا قلبِي،
وأُنْهِي عَنْ دَمِي بُعْدِي.