الفعل الثقافي ‏ بين منسوب الأزمات وحجم الطموحات

‏ عبد المجيد جرادات

كاتب ومحلل أردني

 

 

‏ ‏

تبرز الحاجة لمناقشة هذا العنوان بناءً على جملة اعتبارات أهمّها أنَّ تطوُّرات المرحلة ‏المعاصرة أثَّرت على حسّ (التناغم الاجتماعي) في أكثر من اتِّجاه، وبدا واضحًا أنَّ ‏توجُّهات وقرارات صُنّاع السياسة في أكثر من مكان، تحتاج للوضوح والثبات، بعد ‏أنْ لمس الجميع تراجُع معايير تبادل الثقة في أكثر من ميدان، ولأنَّ الثقافة تمثل ‏الجانب المعنوي في حياة الشعوب، فلا بدَّ من الإفادة من تجارب وعِبَر الماضي، وهذا ‏يستدعي التركيز على أهميّة دور أهل الفكر الذين يقدرون على استنطاق الأحداث ‏ضمن منهجيّة فنّ التفكر وكيفيّة التدبُّر.‏

 

 

الثقافة بين القضايا الشائكة ‏

والحلول المنشودة

‏ في تتبُّعنا لأبرز القضايا التي تخضع للتحليل والسَّعي لوضع أنسب الحلول، من أجل ‏التصدّي للمؤثرات السلبية على البنية الاجتماعية، نلمس الرغبة الصادقة بتبنّي ‏سياسات تحول دون حدوث الأفعال التي نتفق على أنها تعكِّر المزاج العام، ومنها ‏تفشّي مظاهر العنف المجتمعي، وكيف يُمكن مواجهة الأزمات الراهنة؟ ومعرفة إلى ‏أيّ مدى يُمكن وضع الحلول والبدائل التي تتحقق فيها أسس العدالة والمساواة بين ‏الناس، وبأسلوب ينسجم مع تطوُّر الزمن، ويحثّ على قبول ثقافة الاختلاف، ومن ‏دون أن يُشكّل الاختلاف في وجهات النظر سببًا للتلاوم الذي يُعرقل مسيرة العمل.‏

نبقى في مجال البحث عن أهم الأدوات التي تعزز مفهوم تبادل الثقة، ونؤكد أنَّ مبدأ ‏السير في هذا الاتجاه، يتطلّب العمل بمنطق المصارحة والمكاشفة، ومحاولة الكفّ عن ‏مظاهر التجاهل أو الاستهانة التي ندرك أنها تحدّ من أساليب التصويب، وقد تحول ‏دون تعزيز مفهوم التعاون. وبالمحصلة لا بدّ من التوافق على التوسُّع في الحوار الذي ‏يسهم بإزالة الشكوك ويُقرِّب مسافات الودّ الذي يُعتبر من أرقى صفات المجتمعات ‏الحضارية.‏

أعجبتني مقالة منشورة في صحيفة "الرأي" الأردنية الصادرة بتاريخ 12/12/2021 ‏كتبها معالي د.جواد العناني، وكان عنوانها (الكرامة الاقتصادية من الكرامة الإنسانية) ‏حيث يبدأ الدكتور العناني كلامه بالقول: "في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تؤكد ‏كرامة الإنسان؛ فمنها المباشر مثل (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر، ‏ورزقناهم من الطيبات، وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلًا) الإسراء، 70"، ومن ‏فيض خبراته الواسعة وتجاربه الغنيّة ضمن مسيرته الوظيفية، يُؤكد الدكتور العناني ‏أنَّ مبدأ الحرص على مفهوم الكرامة متجذِّر في طباع وسلوك أبناء هذا الوطن الجميل ‏منذ تأسيس الدولة الأردنية. ‏

تؤكد النظرة الاستشرافية للمستقبل، أننا أمام جملة تحديات تحتاج في مجملها للتحلّي ‏بالصبر والقدرة على الاحتمال، إلى جانب توظيف الخبرات العلمية والعملية في إدارة ‏الأزمات على مختلف مستوياتها، وفي هذا السياق، نلمس أنَّ نخبة من المتنفذين في ‏الجامعات الأردنية يحرصون على أهميّة تفعيل دور الجامعات لتأخذ مكانتها الريادية ‏في تطوير أسس العمل ضمن بيئاتها الاجتماعية بحيث تتبلور السياسات والأفعال وفقًا ‏للاعتبارات التالية:‏

أولًا: نطمئن إلى أنَّ مهمة البحث العلمي والإنتاج المعرفي تندرج ضمن طموحات ‏وخطط الجامعات الأردنية والدوائر المعنية بالتخطيط الاستراتيجي للدولة الأردنية، ‏ومن الأدلة على ذلك صدور كتاب جديد حمل عنوان (حلية الفضل: دراسات في ‏التكامل المعرفي) حيث أنجز بمشاركة نخبة من الباحثين والمهتمين بجميع القضايا ‏التي تنسجم مع أرقى الطموحات وتخدم المصالح العليا لجميع أبناء الوطن، بعد أن ‏أشرف على إعداد هذا الكتاب الأستاذ الدكتور عمر الفجاوي مدير مكتبة الجامعة ‏الهاشمية. ‏

ثانيًا: على صفحة الغلاف الأخيرة من كتاب (حلية الفضل) الذي صدر عن دار يافا ‏العلمية للنشر والتوزيع، نقرأ عبارات كتبها الأستاذ الدكتور فواز العبدالحق الزبون ‏رئيس الجامعة الهاشمية وفيها يقول: "لا بدّ للجامعة أن تنهض بكبير القضايا وجليل ‏الأمور، حتى تسهم في ركب العلم وتضيف إليه، وإنَّ من أهمّ ما ينبغي للجامعة أن ‏تهتم به هو إنتاج معرفة جديدة، تعود بنافع العلم على محيطها ومنسوبيها ومتلقي العلم ‏في كونها الفسيح، وهذا الإنتاج مقرون بصادق العزيمة عند أساتذتها وطلبتها، ولا ‏سيما طلبة الدراسات العليا الذين ينعقد عليهم الرجاء والأمل ليقدموا للبشرية إضافات ‏علمية في العلوم الإنسانية والتطبيقية).‏

ثالثًا: الجميل في مهمّة البحث العلمي، هو السَّعي لتأصيل خطوات العمل نحو الوفاء ‏بمتطلبات المستقبل، سعيًا للسير في ركب التنمية المستدامة بما تستند عليه من جهود ‏تنظيمية وتنسيق لمراحل العمل الذي تتحقق فيه معادلة التوازن الاجتماعي وتكامليّة ‏الأدوار، ومن المؤكد أنَّ مشاركة علماء الوطن بمثل هذه المهام، يُعتبر من أدوات ‏النجاح التي نتفق بأنها تسهم بالخروج من تبعات الأزمات الملموسة وآثارها المحتملة.‏

نتابع الجهود المبذولة من قبل قائد الوطن جلالة الملك عبدالله الثاني ودوائر صنع ‏القرار بما يتعلق بالتنمية والنهوض الاقتصادي ونتساءل: إلى أي مدى يُمكننا الرهان ‏على دور الشباب، في خلق ثقافة جديدة تواجه التحديات المستقبلية، وتحاصر حالة ‏التشاؤم التي تتطلب امتلاك الإرادة الصلبة نحو التكيُّف مع متطلبات المرحلة؟ وكيف ‏يُمكن إشاعة مفاهيم الثقافة الإنتاجية التي تبعث الأمل وتصون منجزات الوطن؟

في محاولة الإجابة لا بد من التذكير بأهمية تنشيط مؤسسات المجتمع المدني وإحداث ‏نقلة متميّزة في التعليم الأساسي والجامعي، مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ الثقافة الكونية ‏تتسم بالطابع الإنساني، ومن المستحسن التفاعل مع ما يستجد من أحداث من زاوية ‏المشاركة بصناعة الفعل بدلًا من التأثر بردود الأفعال، مع تأكيد أنَّ فاعلية الشباب ‏تتجلّى من منظورين، أوّلهما، أنهم يُشكلون الذراع الأقوى في مجتمعاتهم، أمّا المنظور ‏الثاني، فهو أنهم يمتلكون القدرات الإبداعية ولديهم فضيلة الدافعية للتميّز في الإنتاج ‏العلمي الذي يُعزز التراكم المعرفي.‏

وفي متابعة وتقييم ما يُرسم من سياسات ويُتّخذ من قرارات، نلمح الكثير من التداخل ‏الذي يوصف أحيانًا بأنه (غير منضبط) مع أنَّ النظرة الموضوعية تؤكد لنا وجود ‏مرجعيّات اجتماعية مرموقة وأصحاب كفاءات على مستوى من العلم والمعرفة، ‏ويُمكن الاستئناس برأي أهل الخبرة والرأي الموثوق منهم: فهل من سياسة جديدة ‏توطِّن الحوار الذي تتضح من خلاله الحقائق، وتُستعاد فيه مقوّمات تبادل الثقة التي ‏أطاحت بها نظم العولمة وشوشت عليها السنوات العجاف وطغيان الطبيعة؟

انطلاقًا من أهميّة دور أهل الثقافة في مهمة الدفاع المرن عن المصالح العليا للناس، ‏نميل للتذكير بخطورة تعطل نسبة كبيرة من أصحاب الكفاءات والقدرات عن تأدية ‏الأدوار التي يطمحون للإنتاج فيها، حتى لا تتهيّأ الفرصة لزيادة عدد الجرائم وارتفاع ‏نسبة الطلاق والعنف، واتِّساع حلبة القلق بين أوساط الرأي العام، الأمر الذي يعني ‏تراجع حركة التطور المجتمعي، وضمن هذا المفهوم نستذكر فرضية الفيلسوف ‏الفرنسي "برغسون"(*) الذي قال إنَّ النمو والنضج والديمومة هي دلالات على تطوُّر ‏الكائن الحيّ، وانتقاله من حالة إلى أخرى، يرتبط فيها حاضر الإنسان بماضيه، بحيث ‏تكون النتيجة هي الإطلالة على المستقبل عبر محطات الحاضر. ‏

التطوّر الذي يقول به "برغسون"، هو تطوّر حيوي، يتبلور على مستوى الحياة، ‏ويحكمه ما يُسميه "برغسون" (الدفعة الحيوية)، وهي على حدّ قوله عبارة عن "تيّار ‏روحي" تأصَّل في الوجدان من خلال الزمان والمكان، وبحكم هذا التدفق الحيوي ‏يكون النضج الذي يُترجم مفهوم الإبداع، والذي يفتح أمام الإنسان أفقًا واسعًا، بعيدًا ‏عن الإحساس بالانغلاق الذي يتعارض مع مقومات تبادل المعرفة، وقد يضع المرء ‏بحدود شعوره بتلبية حاجاته، الأمر الذي يفرض عليه سلوكًا ملزمًا، فيه من النظرة ‏الضيقة أكثر من معاني الإيثار والسموّ، وهذه هي أبرز المعايير التي تتشكل من خلالها ‏المواقف الفكرية التي تؤمن بقبول التنوُّع والترفُّع عن أيّ فعل قد يؤدي للمزيد من ‏التناقضات.‏

 

مقاربات حول الثقافة والمناهج التعليميّة

نتَّفق على أنَّ ثورة التكنولوجيا الحديثة أوجدت حالة غير مسبوقة من التنافس على ‏مستوى الدول والجماعات، حيث تتسارع الاكتشافات العلمية في مختلف المجالات ‏التقنية، وبمنهجية من الواضح أنَّها لا (ترأف) بأولئك الذين لا يمتلكون خططًا ‏استراتيجية بالاتجاهات التي توظف ابتكارات وجهود المبدعين في خدمة العلم والتطوّر ‏المعرفي والتنمية، وتأسيسًا على ذلك تبرز أهمية الحديث عن المناهج التعليمية وما ‏تهدف إليه من تزويد النشء بقيم التعلّم وتغرس فيهم روح التحدّي الذي يستجيب ‏لمتطلبات واستحقاقات عصرهم. ‏

من المعروف أنَّ الهدف الرئيس للتعليم والتنمية هو الإنسان، ذلك لأنَّ بناء المنظومة ‏المعرفية والقيمية، لا يتحقق إلّا بوجود سياسات تعليمية وتربوية تستنهض الجوانب ‏المضيئة من الماضي، وتقرأ الحاضر، ثم تستشرف المستقبل، مع أهمية التركيز على ‏التحديات التي تحدث استجابات وقناعات ترقى إلى المستوى الذي يُثير الحمية الوطنية ‏لمواجهة أصعب الاحتمالات. ‏

من حيث المبدأ يُمكن تأكيد أنَّ نجاح الخطط التنموية يعتمد على نمط النظام التربوي ‏وكفاءته، ومن خلال التعليم المتميّز، تُبنى جسور وأعمدة المعرفة، ويأخذ رأس المال ‏البشري دوره الفاعل في بناء نهضة الأمة وازدهارها، ولهذا نجد أنَّ الدول المتقدمة ‏تعطي أولوية الإنفاق من دخلها القومي للحركة التعليمية التي توظف الكفاءات في ‏خدمة المشاريع التنموية ومضاعفة الإنجازات. ‏

الأصل في مهمة التعليم هو (ترسيخ الثوابت والمعتقدات) التي تحفِّز مجمل الكفاءات ‏نحو الريادية، بكل ما تهدف إليه من إحداث "نقلات نوعية" وعطاء متجدد وابتكارات ‏تبرهن على أنَّ الإنجازات المتميّزة للشعوب، تتحقق بفعل الروّاد والبناة من أبناء هذه ‏الشعوب، وعندما تتبلور هذه المعادلة، فمن المؤكد أنَّ منسوب النجاحات، سيبُرز ‏الوجه المشرق للعلم والثقافة، ويُضفي على المسيرة الحضارية طابع الديمومة.‏

يُستدلُّ من نتاج معظم الباحثين في حقول التربية، أنَّ التعليم بأطره العامة ومستوياته ‏المختلفة، يُشكل الأساس والبناء الذي تقوم عليه نهضة الدول والجماعات، وبحسابات ‏موضوعية، فإنَّ التعليم المتميّز والثقافة المجتمعية، يفتحان الآفاق باتجاه اقتصاد ‏المعرفة الذي يُشجع على التسلّح بالخبرات العلمية وتأصيل مهارات التفكير القائم على ‏أحدث النظريات التقنية والعلمية حيث القدرة على رصد الأزمات ومواجهتها بأسلوب ‏يُكرِّس روح المبادرات الخلاقة والإفادة من التجارب الناضجة.‏

من أبرز الجوانب التي تهتم بها استراتيجية التعليم، بناء شخصية الطالب وتزويده ‏بمنظومة القيم التي توجِّه سلوكه نحو التفاعل الإيجابي مع بيئته الاجتماعية، وهذا ‏يتطلب إعادة النظر بطبيعة العلاقة بين المعلم والطالب، فقد جرت العادة أن يُصغي ‏الطالب للمعلم ضمن مفهوم (التلقين)، في حين أنَّ أنجح التجارب التربوية تؤكد ‏ضرورة تشجيع المعلم للطالب على طرح أسئلته من دون تردُّد، على أن يستمع المعلم ‏للطالب، أكثر ممّا يتحدث إليه، وأن يوضح له حقيقة الأمر والخطوات العلمية للحل ‏النموذجي، ومن المؤكد أنَّ حصيلة المعرفة التي يستنبطها الطالب ضمن هذا الأسلوب، ‏سوف تستقر في ذاكرته، لأنها تجيء بعد مرحلة من التفكير الذي لا يخضع لتخوُّفه ‏من سلطة المعلم.‏

قلنا إنَّ غاية التعليم هي بناء الشخصية التي تبحث عن المعرفة، وتحرص على التزوّد ‏بكل المؤهلات والخبرات التي تمكِّن الشبان من مواجهة متطلبات الحياة، والسعي ‏لتحقيق نظرية المواكبة، ومن هنا تحرص السياسات التعليمية على محاولة الربط بين ‏مخرجات التعليم الجامعي وحاجات سوق العمل، وهي فكرة هادفة، لأنها تشجع على ‏التعلّم الذاتي واكتساب المهارات التي تُمكِّن أصحاب الكفاءات من التفاعل وقبول ‏الفرص المتاحة، والجميل في هذه المعادلة، أنها توفر أرضية صلبة لتنوُّع الإنتاج ‏والتنافس في ميادين الجودة، مثلما تحول دون حدوث التزاحم الذي يؤدي للتآكل وربما ‏يدفع بعضهم للانسحاب المبكر من ميادين الحركة الإنتاجية.‏

في جدلية العلاقة بين المعلمين الذين توكل لهم مهمة تعليم النشء، وأعضاء هيئة ‏التدريس في الجامعات والمعاهد العليا من جهة، والطلبة منذ المراحل التأسيسية لحين ‏الوصول لنيل الشهادات العليا من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى موضوع في غاية ‏الأهمية وهو: ضرورة تبنّي فلسفة تهدف لتنمية العقول والإدراك وصولًا إلى إنتاج ‏المعرفة، وهي نظرية ترتكز على حسن التوجيه والإرشاد، وتعتمد على التشجيع الذي ‏يدفع الطالب نحو مفهوم التميّز في الأداء.‏

وضمن هذا السياق يبرز دور الإشراف التربوي، فالمفهوم العام للإشراف التربوي أنه ‏‏(خدمة تربوية متخصصة) تحرص على النهوض بنوعية التعليم عبر توفير أفضل ‏الظروف والسبل التي تمكِّن المعلمين من القيام بأدوارهم على الوجه الأكمل، والمهم أنَّ ‏الجانب العملي في مهمة الإشراف هو: تهيئة الأجواء المناسبة لإتقان المهام التربوية ‏بمنهجية تعمِّق الإحساس بفن التدبُّر، وتشجِّع الطلبة على التزوُّد بمختلف مهارات ‏التعلّم. ولنا أن نذكر أنه في أوج التغيير المتسارع بمظاهر الحياة والتطور المستمر في ‏النشاط الإنساني، فإنَّ مهمة السير في ركب التطوّر المعرفي، وتطوير المناهج ‏التعليمية تأتي في مقدمة الجهود المخلصة نحو السَّير في ركب التطوّر الحضاري.‏

عند الحديث عن واقع الثقافة، نجد أنَّ التواصل الحضاري، يُعتبر مكونًا أساسيًا ‏للثقافة، ويُستدل من وجهات نظر المتابعين للحركة الفكرية أنَّ الثقافة بما تمثله من ‏آداب وتقاليد وعادات ونظم اجتماعية، هي في حقيقة الأمر ثمرة التفاعل بين الإنسان ‏والكون، ومتطلبات الحياة المتشعبة، ولأنَّ التميّز من أهم متطلبات الثقافة، فلا بد من ‏القول: إنَّ الإبداع الإنساني، يحظى بقدرات متجددة وآفاق واسعة، شريطة امتلاك ‏الإرادة والقابلية للتزوّد بالمعرفة، وفقًا للمعادلة التربوية التي ترتكز في جوهرها على ‏طبيعة الميول والاتجاهات والتي تختلف في معاييرها ومقاييسها من إنسان لآخر، ‏وعندما يتم الاحتكام لفرضية الدافعية نجد مَن يقول إنَّ القلب النابض فيه فكرة نابضة.‏

‏***‏

نخلص إلى التذكير بجملة حقائق يُمكن توثيقها على النحو التالي:‏

أولًا: تستمد النظم التربوية قوتها من قيم وثقافة المجتمع بكل مكوّناته، ويتجلى دور ‏الثقافة ببذل الجهود لتعزيز روح الدافعية التي تهتم برعاية التفوّق واستغلال قيمة ‏الوقت.‏

ثانيًا: تأخذ المناهج التعليمية دورها الفاعل في بناء القدرات الأساسية للشبان لأنهم ‏يُشكلون نصف الحاضر وكل المستقبل، ومن هنا تبرز أهمية الإشراف التربوي، ‏والذي يوصف بأنه (صمّام الأمان) في العملية التعليمية، حيث تقاس مخرجاته ونتائجه ‏بناء على مستوى مؤهلات وقدرات مَن توكل إليهم هذه المهمة، وهو جزء لا يتجزأ ‏من الإدارة التربوية.‏

ثالثًا: من المعروف أنَّ للطاقة الإبداعية تيّاراتها وقوّتها ومجالاتها التي تتراوح في ‏العادة بين عمق التجربة ومنسوب الإبداع، أمّا الفكر المبدع فهو يتمثل بحصيلة ‏النشاطات العقلية التي تبدأ من فهم الطبيعة وقوانينها، ثم السعي لتوظيف النتاج الفكري ‏في خدمة البيئة المحيطة بمختلف مكوناتها.‏

رابعًا: ندرك أنَّ الهدف الأسمى للقائمين على المناهج التعليمية هو رعاية الإبداع، لأنه ‏يؤدّي للتقدُّم، ويعكس أبرز عناصر بقاء الأمم واستمرار تطوُّرها.‏

 

‏- - - - - - - - - - - - - ‏

‏(*) جرادات (عبدالمجيد)، كتاب ثقافة المعرفة والتفكير الاستراتيجي، الصادر في ‏العام 2011 عن دار عالم الكتب للطباعة والتوزيع والنشر، ص85.‏