عامر الصمادي
إعلامي ومدرب دولي ومترجم وكاتب أردني
سالم العبادي إعلامي أردني، بدأ عمله في الإذاعة الأردنيّة في سبعينات القرن الماضي، ويعمل حاليًّا في هيئة الإذاعة البريطانية في لندن منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا. وهو صاحب خبرة إذاعيّة طويلة زادت على واحد وخمسين عامًا، جعلت منه إعلاميًّا شاملًا يمارس معظم صنوف العمل الإعلامي، وهو يفتخر بأنَّ نجاحه في محطات الإذاعة العربية والأجنبية لا يمكن أن يعزى إلى أيّ سبب آخر غير الأسباب المهنيّة التي يتمتَّع بها، وفي الوقت نفسه فإنه يرى أنَّ أروع ما تعلّمه في الغربة هو فضيلة التواضع.
يُعتبرُ الإعلامي الأردني سالم العبادي صاحب الصوت المميَّز واحدًا من أوائل الإعلاميين الذين لا يزالون يصدحون حتى يومنا هذا عبر أثير إذاعة الـ(بي بي سي)؛ المحطة التي تُعتبر من أعرق الإذاعات العالميّة وتبثّ بعدّة لغات، فهو يعمل في محطة لا تعترف بعمر محدَّد لعطاء الإعلامي، على الرّغم من أنَّ زملاءه في الإذاعة الأردنيّة أُجبروا على التقاعد منذ سنوات طويلة.
تعود علاقتي بسالم العبادي إلى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وتحديدًا العام 1986 عندما أجرى معي مقابلة في مخيَّم صيفي كانت تقيمه جامعة اليرموك في معسكر الشباب الدائم في عجلون، يومها لفت انتباهي ذلك الشاب النحيف الذي يحمل آلة تسجيل كبيرة الحجم وتبدو مختلفة عن آلات التسجيل التي نعرفها، يومها كنتُ طالبًا ورئيسًا لنادي الحوار والفكر بالجامعة وأقوم بدور قيادي في المخيَّم، ولم أكن أعرف مَن هو ذلك الشاب الذي يحمل آلة التسجيل، فطلبتُ منه أن يعرِّف عن نفسه وماذا يفعل بمخيّمنا، لكن فعلتُ ذلك بلطف وكياسة وهو ما لفت نظره أيضًا، فطلب منّي بعدها أن يجري معي مقابلة لبرنامجه الذي يقدِّمه عبر أثير الإذاعة الأردنية، وكان برنامجًا طويلًا تزيد مدّته عن ساعة. وبعد ذلك اليوم صرتُ أحرص على سماع ما يقدِّمه سالم العبادي وأتتبَّع برامجه. قبلها كان قد قدَّم الكثير من البرامج، فهو يعمل بالإذاعة منذ بداية السبعينات ولديه جمهوره وخبرته بالعمل الإذاعي.
في عام 2015 استضفتُ الأستاذ سالم العبادي في برنامجي (يا طير)؛ وهو برنامج موجَّه للمغتربين الأردنيين في كل أنحاء العالم، بصفته إعلاميًّا مغتربًا، وتحدَّثتُ معه مطوّلًا حول رحلة اغترابه وحياته المهنيّة، وكانت هذه الإجابات، فمَن هو سالم العبادي؟
سالم كايد غنانيم العبادي، إعلامي أردني مقيم في لندن، وهو من مواليد بلدة الصبيحي في محافظة البلقاء وسط الأردن عام 1949، وصاحب خبرة إذاعيّة طويلة زادت على خمسين عامًا، أطال الله في عُمرِه.
عمل في هيئة الإذاعة البريطانية في لندن منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا، وقبلها عمل لمدة ثماني سنوات في إذاعة MBC في لندن ودبي، وكان قبلها قد عمل في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنيّة لمدة ثمانية عشر عامًا، كما عمل مراسلًا غير متفرِّغ في لندن لوسائل الإعلام الأردنيّة كافة؛ إذاعة تلفزيون ووكالة الأنباء الأردنية (بترا)، ومراسلًا إخباريًّا لتلفزيون دبي. وتشمل خبراته الإذاعيّة رئاسة التحرير، وتقديم الأخبار والبرامج الإخباريّة والحواريّة، وعمل مراسلًا ميدانيًّا في مناسبات كثيرة في دول عديدة... كما حملته مهنته للعمل مراسلًا إخباريًّا وبرامجيًّا للإذاعة الأردنيّة في الكويت والبحرين وقطر.
وفي الصحافة الورقيّة عمل محررًا وكاتب عمود في صحيفة "العرب" القطرية، ومحررًا في صحيفة "صوت الشعب" الأردنية، ومحررًا في الجمعية العلمية الملكية، ومشرفًا لغويًّا لمجلة "صوت الطلبة" في الجامعة الأردنية.
قابل العبادي عددًا من زعماء الدول ورؤساء الحكومات وكبار المسؤولين في العالم العربي، وله متابعون كثيرون في الدول العربية، وآخرون في دول غير ناطقة بالعربيّة.
أمّا على الصعيد الشخصي، فهو متزوِّج وله ولدان وابنتان جميعهم درسوا في لندن وتخرَّجوا في جامعاتها وانتقلوا للعمل في لندن وسويسرا والأردن.
وهو معروف بانتمائه إلى عروبته ووطنه العربي الكبير، وتأييده لقضايا الأمة العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
يسعى سالم العبادي دائمًا للإبقاء على علاقة قويّة مع متابعيه وأصدقائه من خلال ظهوره على قناته (القناة الإعلاميّة للتعارف) على منصّة "يوتيوب" وعلى الـ"سوشيال ميديا"، فهو دائم التواصل مع زملائه وأصدقائه ومتابعيه في دول عربية وأجنبيّة، بهدف الإفادة وتبادل الآراء ووجهات النظر في شؤون إذاعيّة وإعلاميّة.
• البدايات والعمل في الإذاعة الأردنيّة
يقول الأستاذ سالم إنه كان عاشقًا للعمل الإذاعي، وعندما كان في المرحلة الإعدادية كان يخبر زملاءه بأنه سيكون في يوم من الأيام مذيعًا في هيئة الإذاعة البريطانية لأنها كانت وقتها أهم إذاعة عالميّة تبثّ باللغة العربيّة... ويستشهد بكل طلاب صفّه وقتها ومنهم الوزير الأسبق سمير الحباشنة، والعقيد المتقاعد سالم المعايطة، وغيرهم.
وحول دخوله للإذاعة الأردنية يقول العبادي: "دخلتُ الإذاعة الأردنية بعد سماعي إعلان طلب مذيعين، وتمَّ اختياري بعد امتحان أجراه لي الأستاذان نقولا حنّا وغازي زعبلاوي.
أمضيتُ سنة كاملة في إذاعة عمَّان وأنا أرافق المذيع الأستاذ ليلًا ونهارًا. وكان يُسمح لي بالإعلان عن هويّة الإذاعة أو تقديم أغنية خلال فترة التدريب.. وذات ليلة من العام 1973 كنتُ مذيع ربط (مسير فترة) وفجأة جاء رئيس تحرير النشرة الإخبارية حاملًا النشرة بيده يسأل عن قارئ النشرة، وإذا به غير موجود... طلب منّي المحرِّر أن أقرأ النشرة على مسؤوليّته... وبعد تردُّد وافقتُ ودخلتُ إلى الاستوديو مستعينًا بالله. كانت النشرة طويلة وتحمل في مطلعها بيانًا من رئاسة الحكومة عن إفشال محاولة لتفجير الرئاسة قام بها شخص يدعى "أبو داوود"... انتابني مزيجٌ من الشُّعور بالخوف والسَّعادة معًا، فهذه هي الفرصة التي لا تُعوَّض لإثبات كفاءتي وقدرتي على مواجهة الصِّعاب. قرأتُ النشرة كاملة، وخرجتُ من الاستوديو أتنفَّس الصَّعداء... وعند خروجي ناداني مدير الاستوديو وأخبرني بأنَّ مدير الإذاعة مروان دودين يريدني على الهاتف... هنَّأني على قراءتي للنشرة وطلب منّي أن أداوم في اليوم التالي في مكتب المذيعين الأساتذة... وللمصادفة كانت لنا دورة إذاعيّة في البتراء بإشراف مدير البرامج معاذ شقير، وأذكر أنَّ من بين المتدرِّبين فيها الزميل عدنان الزعبي، وقد فوجئ الجميع بي كقارئ للنشرة وبأدائي المتقن لها".
قرأ العبادي نشرات الأخبار وقدَّم البرامج خاصة الميدانيّة التي تتطلَّب حركةً وتنقلًا في مختلف محافظات المملكة، وهذا ما أعطاه بُعدًا جماهيريًّا كبيرًا لدى مستمعي الإذاعة الأردنية فهناك فرق بين مَن يطلُّ على المستمعين من خلف الميكرفون فقط وبين مَن يتجوَّل بينهم ويتعرَّف عليهم ويتعرّفوا عليه. وحول ما قدَّمه من برامج يقول:
"في الإذاعة الأردنية قدَّمتُ برامج كانت الأولى من نوعها مثل (ليلة سمر) وهو البرنامج الذي كنتُ ألتقي فيه مع النوادي لتسجيل حفلة لمدة ساعة مع التركيز على المواهب وإبراز التراث. وقد نجح هذا البرنامج في توظيف عدد من المواهب التي شاركت في البرنامج في فرقة الإذاعة... وكان لي برنامج (سهرة خليجية) لمدة ساعة؛ حيث قدَّمته من الكويت والبحرين وقطر، وكان البرنامج يسجَّل مع أبرز فناني هذه الدول في كافة المجالات ويُرسل إلى عمّان على طائرة الركاب الأردنيّة (عالية)... كما قدَّمتُ في الإذاعة الأردنية برامج عديدة مثل "ركن العمال"، برنامج "السياحة"، برنامج "الشرطة"، برنامج "الجيش"، برنامج "البث المباشر الصباحي"، وكنتُ مذيعًا شموليًّا في النقل الخارجي، كالنقل الحيّ للمناسبات الوطنيّة، وصلوات رمضان من "المسجد الحسيني" و"مسجد أبو درويش"، ومذيع النقل الخارجي لمباريات كرة القدم في استاد عمّان مع الزميل المرحوم كنعان عزت.
• إعلامي شامل وجدارة مهنيّة
خبرة سالم العبادي الطويلة وتنقُّله في عدد من البلدان جعلت منه إعلاميًّا شاملًا يمارس معظم صنوف العمل الإعلامي، وهو يفتخر أنَّ ذلك تمَّ مع محطات عالميّة وغير أردنية؛ وبالتالي فإنَّ نجاحه بها لا يمكن أن يعزى إلى أيّ سبب آخر غير الأسباب المهنيّة التي يتمتَّع بها، ويضيف:
"اختارتني الإذاعة البريطانية بعد إجراء امتحان في استوديو الإذاعة الأردنية بإشراف (سام ينغر) الذي كان يقوم بجولة في بلدان الشرق الأوسط لاختيار عدد من المذيعين الجُدُد لضمِّهم إلى هيئة الإذاعة البريطانية، وكان (ينغر) آنذاك واحدًا من كبار موظفي (بي بي سي). كما اختارتني إذاعة MBC بعد امتحان أجراه لي مدير الإذاعة آنذاك رياض معسعس.
ما أردتُ قوله: إنَّ حياتي العمليّة لم تشهد (واسطات)، وهذا فضل من الله وهو صاحب الفضل العظيم".
• العمل في هيئة الإذاعة البريطانية
عندما سألتُ الأستاذ سالم العبادي: "ماذا اكتسبتَ من عملكَ في هيئة الإذاعة البريطانية؟"، أجابني: "كنتُ محظوظًا بأن أكتسب شهرة واسعة (ليس مدحًا للذات) عندما التحقتُ بالإذاعة البريطانية 1987 التي كانت المصدر الإعلامي الوحيد الذي يستقي منه المستمع العربي حقيقة ما يجري في وطنه، فقد كنتُ مذيعًا رئيسًا للأخبار والبرامج الإخبارية. في تلك الفترة كانت الإذاعة البريطانية تغطّي أنباء أحداث جسيمة مثل الحرب العراقية الإيرانية، والاحتلال العراقي للكويت، ومعاهدة أوسلو، وتوقيع معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل، وأحداث أخرى في الدول العربية.
في تلك الفترة ترسَّخ اسمي وأسماء زملائي في الإذاعة البريطانية في أذهان المستمعين العرب الذين يعرفوننا بمجرَّد أن نبدأ بالحديث.
وكنتُ محظوظًا أيضًا عندما انتقلتُ للعمل في إذاعة (MBC) السعودية في لندن، والتي كانت أول إذاعة عربية في الخارج تبثّ إرسالها على موجة FM وتقدِّم نشرات إخباريّة مفصَّلة مرفقة بأصوات مراسلين ومسؤولين عرب وأجانب.
وزاد من سمعتي الإذاعيّة برنامجًا صباحيًّا اسمه (ضيف الصباح) يُبثُّ لمدة خمس دقائق لاستضافة مسؤول خليجي أو من دول أخرى والتحدُّث إليه حول تصريح أدلى به أو مشروع افتتحه... وكان هذا البرنامج يلاقي شعبيّة واسعة في الخليج لدرجة أنَّ عددًا من كبار المسؤولين كانوا يطلبون منّي استضافتهم.
• فضيلة التواضع
عندما سألتُ الإعلامي سالم العبادي حول أبرز إنجازاته، قال: "صحيح أنني أتقن كافة المهام الإذاعية بصفتي:
Multi Skillful Radio Journalist
وشاركتُ في أكثر من سبعين دورة ومحاضرة، وفي إلقاء دروس على شبكة الإنترنت... إلا أنني أفخر بواحدة من أروع ما تعلّمته في الغربة وهي فضيلة التواضع؛
التواضع لله عزّ وجلّ الذي يدعونا أن نفعل خيرًا ويكافؤنا بعشرة أمثال ما نفعل.
التواضع للإنسان من كل لون وجنس ودين وعقيدة وطائفة.
التواضع للآخرين واحترام الرأي الآخر واحترام الإنسان، خاصة ونحن نتعامل في بريطانيا مع أكثر من مئة وعشرين جنسيّة.
التواضع للعيش، والاعتماد على النفس، لا أحسد أحدًا على ما يملك، وأطلب من الله أن يزيده، ويزيدني في رزقي، رزقًا حلالًا طيبًا مباركًا..
• الفرق بين الإعلام في بريطانيا والإعلام العربي
وعن الفرق بين الإعلام في بريطانيا والإعلام العربي، يقول العبادي: "الإعلام في الغرب يلتزم جانب الحياد في تعامله مع الأحداث، فهو إعلام محايد ومستقل ومتوازن؛ ولهذا يلجأ المستمعون والمشاهدون العرب إلى وسائل الإعلام البريطانية وعلى رأسها هيئة الإذاعة البريطانية لمعرفة الخبر اليقين عن الأحداث في بلادهم، كما إنَّ الإعلام البريطاني يؤمن بالرأي والرأي الآخر لأنَّ العدل لا يستوي إلا بالاستماع إلى وجهات نظر بين أطراف حدثٍ بعينِه.
أمّا الإعلام في بلدي الأردن فهو لم يتغيَّر منذ نشاة الدولة وحتى اليوم، وظلَّ هذا الإعلام على خطاب واحد، ملتزمًا بدعم سياسات الحكومة والدفاع عنها وإبراز الشخصيات المؤيِّدة لها، فهو إعلام حكومات وليس إعلام شعب.
أستطيع القول إنه لا يوجد إعلام حُرّ في العالم العربي، وحتى القنوات الكبرى فإنها لا تحيد عن الالتزام بالخط الحكومي، وهو ما نشاهده الآن، حيث تنأى محطات بنفسها عن التحدُّث إلى مسؤول في صنعاء، بينما لا تسمح أخرى بتوجيه انتقاد إلى إيران، وكذلك اختلاف المواقف بين هذه القنوات إزاء الأحداث في تونس، وليبيا والسودان وغيرها".
***
ما زال سالم العبادي إعلاميًّا منتجًا في هيئة الإذاعة البريطانية، ويتنقَّل بين لندن وعمّان التي ابتنى بها دارة ومزرعة، وشجَّع أبناءه على العودة للعمل في بلدهم الأم كتعبيرعن انتمائهم، على الرّغم من أنهم يحملون جنسية بريطانيا وبإمكانهم العمل هناك أو في أيّ بلد أوروبي. ويعبِّر العبادي عن استعداده لمساعدة الإعلاميين الجُدُد بالتدريب والتوجيه ما أمكن.