مها بنسعيد
باحثة مغربية/ مختصة في النقد والتوثيق والأدب المغربي- الإسباني
تتوجَّه هذه الدراسة إلى الكشف عن خصائص الخطاب الإشهاري، باعتباره عملية خطابية متميزة تجمع بین النظامين اللساني والأیقوني. فهو يسعى إلى التأثير في المتلقي (المستهلِك) وإقناعه باقتناء المنتوج، باستخدام وسائل إقناع كالوسائل الإعلامیة (الدعاية)، بهدف الترویج للمبيعات عبر وسيط سمعي بصري، بأسلوب مباشر وصريح من منتجٍ إلى مستهلك. ومن ثم يصبح هدف الإشهار استمالة وإغراء المستهلك لشراء السلعة. فهو يندرج ضمن الممارسة الثقافية اليومية لما له من طابع فني واقتصادي واجتماعي وتجاري وثقافي، بما يحمله من معاني الإفصاح التي تؤثر في المتلقي. وهو من بين الخطابات المتداولة في حياتنا اليومية، لِما يكتسيه من طابع ثقافي ودلالي.
• مفهوم الخطاب
نستهلُّ الدراسة بتحديد مفهوم الخطاب، فقد عرّفه ابن منظور في مادة (خطب) في "لسان العرب" على النحو التالي: الخَطب: "الأمر الذي تقع فيه المخاطبة والشأن والحال..."، والخطابة والمخاطبة: مراجعة الكلام، وقد خاطبه بالكلام مخاطبة وخطابًا، وهما يتخاطبان(...)، الخطبة اسم للكلام الذي يتكلم به الخطيب(...)، الكلام المنثور المسجع ونحوه(...)، والخطبة مثل الرسالة التي لها أول وآخر(...)، والمخاطبة مفاعلة من الخطاب والمشاورة(1).
فالخطاب بالنسبة لابن منظور كلام له بداية ونهاية، يتم بين المتخاطبين في تفاعل فيما بينهم، ويُعدُّ "هاريس" أوَّل مَن اهتمّ بالخطاب في إطار الأنموذج الصوري، وأوَّل مَن استخدم مفهوم الخطاب في مقال علمي، حيث عدَّه توليفًا من الجمل، فهو في تصوُّره "متوالية خطيّة تضم أكثر من جملة أوليّة"(2).
ومن تعريفات الخطاب أيضًا، ما نجده عند سعيد يقطين: "الطريقة التي تقدَّم بها المادة الحكائية في الرواية وقد تكون المادة الحكائية واحدة، لكن ما يتغير هو الخطاب في محاولته كتابتها ونظمها"(3)، وقد لحق الخطاب بعلم اللسانيات على اعتبار أنه يتكوَّن من وحدة لغوية أساسها سلسلة من الجمل تعبِّر عن أيّ رسالة، ويعتبر في هذه الحالة مجموع قواعد متسلسلة، وتتابع الجمل المكونة للمقول. كما يعرَّف الخطاب، بأنه الوسيط اللساني المستخدم لنقل مجموعة من الأحداث الواقعية والتخيلية، التي سمّاها "جينيت" (الحكاية)، وهو كما عرّفه جابر عصفور: "في كل اتجاهات فهمه، هو اللغة في حالة فعل، ومن حيث هي ممارسة تقتضي فاعلًا، وتؤدّي من الوظائف ما يقترن بتأكيد أدوار اجتماعية معرفية بعينها"(4).
• مفهوم الإشهار
وبانتقالنا للإشهار؛ نجد أنه لا يوجد تعريف موحَّد له لكثرة التعريفات، بسبب انفتاحه على العديد من وسائل الإعلام المرئيّة، والسمعيّة، والمكتوبة.
ورد في لسان العرب: مادة (شهر) بمعنى "الشهرة"، ظهور الشيء في شنعة حتى يشهره الناس، وكذلك ظهور الشيء، وشهور العلماء، والواحد شهر، ویقال لفلان فضیلة أشهرها الناس، والإشهار من أشهر الشيء: بمعنى أعلنه وأفصح عنه وصار معلومة لدى عامة الناس(5).
لم يكن الإشهار حديث العهد، بل هو نشاط قديم قدم التاريخ، "يعود إلى عصور قبل الميلاد بحوالي 3000 سنة، عندما كان يعتمد على النداء فقط، والدليل على ذلك ما روته بعض الكتب عن وجود إعلان يعود لذلك التاريخ مقتضاه البحث عن عبد هارب"(6). اكتسى الإشهار فيما بعد طابعًا تجاريًا، بتحوُّله إلى لافتات توضع على المحلات، والمتاجر، تتضمّن صور السِّلع، كصور البراميل الضخمة التي كانت توضع على أبواب الحانات الإيطالية، والصيغ التحريرية التي كانت ترافقها وتمدح أصل الخمور المباعة. وقد اعتبرت هذه الطريقة البدائية في ترويج السلع، مؤشر نشأة الإشهار(7).
تطوَّر الإشهار عبر مراحل متعددة يمكن تلخيصها فيما يلي:
أولًا- مرحلة العصور العابرة والقرون الوسطى: وُجد الإشهار فيها على شكل رموز وصور بدائية. وتتميز هذه المرحلة ببساطة الرسالة الإشهارية ومحدودية انتشارها وكثرة استخدامها للإشهارات الشفويّة.
ثانيًا- مرحلة ظهور الطباعة: في القرن الرابع عشر الميلادي اخترعت آلة الطباعة التي تعتبر من معالم الحضارة، وفي سنة 1940 بدأ استخدام الحروف المتحركة في الطباعة، ثم ظهرت الصحيفة والآلات، وتزايد عدد الراغبين في الإشهار، حيث وجدوا في هذه الوسيلة فرصة لزيادة المبيعات(8).
• أنواع الرسائل الإشهارية
تطرَّق أغلب العلماء واللغویین إلى تحدید أنواع الإشهار والمتمثلة في:
1. الإشهار المسموع:
أقدم وسیلة استعملها الإنسان في الإشهار، وذلك عبر الإذاعات والمحاضرات والندوات والخطب... إذ یلعب الصوت دورًا بالغ الأهمیة في التأثیر على المتلقي، بما یحمل من خصوصیات التنغیم والنبر والجهر والهمس، كما تصحب الكلمة المسموعة أحیانًا، الموسیقى فتزیدها طاقة كبرى على الإیحاء والوهم والتخیُّل.
2. الإشهار المكتوب:
تعتبر التلفزة الوسیلة الأساسیة لهذا النوع من الإشهار، فهي عبارة عن میكروفیلم یتعاون على إنجازه وإنتاجه فریق عمل متخصص في الإخراج والدیكور والأثاث والتجمیل والتسجیل وضبط الصورة والتمثیل... كما یستعمل أیضًا وسائل أخرى تتمثل في الصحف والمجلات والكتب والمنشورات والملصقات على جدارن المدن.
3. الإشهار السمعي البصري:
تُعدُّ الرسائل السمعیة البصریة ملجأً للإشهار وترویج المنتجات عبرها، مثل: التلفاز والهاتف المحمول والكمبیوتر... فهي ولیدة عصر التكنولوجیا، وتستعمل كوسائط لتحقیق غایة التواصل مع الجمهور(9).
تشير الدراسات الإعلامية إلى إمكانية التمييز بين أنواع عدة للفعل الإشهاري، في ضوء تعدُّد أغراضه وموضوعاته، من ذلك:
ـ الإشهار الإرشادي: يهدف هذا النوع إلى تزويد الجمهور بمعلومات تفصيليّة عن مكان اقتناء السلعة، وكيفية استخدامها، والانتفاع بمزاياها، وربما اتَّجه هذا النوع وجهة تعليمية تقوم على تلقين الفائدة العملية للسلعة.
ـ الإشهار الإعلامي: إنَّ الهدف الحقيقي لهذا النوع يتمثل في إقامة علاقة ثقة بين المنتج والمستهلك، من خلال تصحيح خطأ شائع عن سلعة معيّنة يتم تداولها في السوق.
ـ إشهار الأعمال: يخص فئة معيَّنة من الجمهور، هم الوسطاء التجاريون، وأرباب العمل المنتفعون بالسلعة بشكل رئيس.
ـ الإشهار البريدي: يعتمد مروِّجو السلع في كثير من الأحيان الرسالة البريدية لإيصال معلومات مهمة ومثيرة عن سلعهم إلى الزبائن، فيكون هؤلاء على تماس مباشر مع الهدف موضوع الإشهار، من مثل ما تقوم به كثير من محلات البيع، والمطاعم الفخمة، وبنوك التعمير والسلف.
ـ إشهار التجزئة: يسعى هذا النوع إلى استمالة الزبون لكي يقتني العلامة من نقطة بيع معيَّنة، على الرغم من وجودها في نقاط أخرى قد تخضع للرقابة والمسؤولية الإدارية نفسها، ولكن التنافس بين الفروع التجارية يستدعي الإفادة من هذا الأسلوب في إغواء المشتري، مثل: (دجاجة المزرعة في سوق بندا)، ممّا يعني لدى الزبون: اشترِ العلامة من عندنا، بعلامة خاصة من الموزِّع.
ـ الإشهار الدفاعي: يظهر هذا النوع حين يتوالى إشهاران على الوسط الإعلامي نفسه وفي فترة زمنية متقاربة جدًا، يعمل فيها الإشهار الثاني على تحجيم الأثر الإشهاري للسلعة الأولى، وليس هدف هذا النوع زيادة المبيعات بقدر حماية وجودها وتداولها في السوق.
ـ الإشهار الدولي: غايته الترويج للسلعة والعلامات خارج الموطن الأصلي لها، ويتخذ هذا الضرب وسائط عديدة أكثر انسجامًا مع طبيعة الجمهور الثقافية والنفسية والدينية والأيديولوجية، والقائمون على تصميم نصوص الإشهار الدولي يتوافرون على معرفة موسوعية تتعلق بأفق انتظار مخالف تمامًا لأفق انتظار أبناء موطن العلامة.
ـ الإشهار السياحي: هدف الإشهار السياحي توجيه السائح إلى سلوك سياحي معيَّن مؤطر ثقافيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا بمنطلقات حضاريّة عامة لصاحب السياحة، أو الساهر على تنظيمها من خلال الخدمات الانتفاعية المبرمجة في رحلة معيّنة(10).
إنَّ الفاحص لهذا النوع من الخطابات يعاين هيمنة نسبيّة للصورة ثابتة كانت أو متحركة، ولعلَّ ذلك راجع إلى:
ـ الوظيفة الجماليّة للصورة.
ـ الوظيفة التوجيهية للدلالة، إذ تحيل الصورة على قراءة الخطاب الإشهاري وتأويله وفق ما يبدي من أفكار وحجج.
ـ الوظيفة الإيحائية للصورة،وتعويلها على التخييل.
ـ الوظيفة الدلالية، فالدلالة -هنا- محصلة تأثير الصورة في المُشاهد.
ـ الوظيفة التشخيصية، بفضل الصورة وتجسيدها للفكرة تتحول الموجودات الذهنية إلى موجودات عينيّة ملامسة للوجود الإنساني، فيكون أكثر قربًا منها واحتكاكًا، فتتولَّد لديه الرغبة في امتلاكها والانتفاع بها(11).
• مكوّنات الخطاب الإشهاري
یُعدُّ الخطاب الإشهاري من الخطابات التي تندرج ضمن الممارسة الثقافیة، كالخطاب الأدبي أو السيمیائي أو البصري، ویتكوَّن من مكوّنین؛ مكوّن لساني ومكوّن أیقوني.
المكوِّن اللّساني: یتجلّى المكون اللّساني في البنیة اللغویة للخطاب الإشهاري، الذي یتكون من المستویات اللغویة "المستوى الصرفي والنحوي والتركیبي والدلالي. فالمكون اللساني في الأساس یمثل اللغة التي تمنح المنتوج هویته البصریة واللفظیة، وفیما یخص أهمیة المكون اللساني، فتتمثل في بلاغة الصورة، لأنّها ذات تأثیر كبیر في نفس المتلقي، فهي تستوقفه لتثیر فیه الرغبة والاستجابة.
المكوِّن الأیقوني: یتمثل في العناصر البصریة، التي تدخل في تكوین الخطاب الإشهاري، وتكون في الصورة والشكل واللون وطریقة الأداء والحركة المشهدیة. فالمكون الأیقوني عبارة عن مجموعة من التقنیات، یعمل المشهر على استخدامها لجذب انتباه المشاهد المفترض لمضمون الرسالة الإشهاریة، فعلى مصمِّم الإشهار أنّ یعتمد بالدرجة الأولى على هذه العناصر (الصورة واللون والأشكال...) لأنّها تعتبر استقطابًا للفت انتباه المُشاهد.
إنّ أبرز ما یمكن تسجیله حول الخطاب الإشهاري، هو تمثیله لتجربة إعلامیة ذات حضور واضح في الساحة الإشهاریة، یتجلى ذلك في الآلیات الكفیلة قصد إنجاح مشروع إشهاري، یستوجب في الأساس استحضار جمیع المكونات الخطابیة(12).
• عناصر الخطاب الإشهاري ووظائفه
هذه العناصر هي قِوام الخطاب الإشهاري، ولا بدّ لها من أداء دورها بشكل فعال، حيث تكون مترابطة بعضها ببعض، على اعتبار الخطاب الإشهاري نسيجًا لغويًّا، وغير لغوي تتشابك فيه مجموعة الوسائل، والعلامات وفق عوامل تركيبية، وأخرى دلالية وتتمثل هذه العناصر في:
أ- المرسِل: هو الذي يُرسل الرسالة سواء أكانت سمعية أو بصرية أو غيرها، ويمكن أن يكون ذاتًا أو آلة أو عنصرًا طبيعيًا، كما أنه يُحدِث الخطاب، ويقوم بشحنِه بحسب ما تقتضيه المادة الإشهارية اللازمة، وذلك بالنظر إلى الموضوع، ليقوم بعدها بإرساله نحو المتلقي الذي يتحدّد بناء على نوعية المنتوج. وهكذا يعمل المرسِل الإشهاري داخل الخطاب الإشهاري، وهو بذلك يُضمِّن إشهاره "التعبيرية" بحسب ما يُثير ذوق المُرسَل إليه أو المتلقي، مشجعًا رغبته نحو المنتوج، لذلك نجده يكيّف صيغته "الخطاب الإشهاري" حسب الأموال والمقامات التي يقتضيها. فالمرسِل إذن هو محور العملية التواصلية(13).
ب- المُرسَل إليه: "المتلقي": هو الذي يتلقى الرسالة، وهو ثاني عنصر مهمّ في العملية الإشهارية، كما أنه المقصود بالإشهار، والعملية الإشهارية لا تتم إلا من خلاله، فهو محقق الوظيفة الإفهامية أو الطلبية، إذ يعمل المرسِل على إفهام المرسَل إليه بجدوى المنتوج، وأهميته، لأجل الإقدام على استهلاكه، ويحقق الهدف الأساسي الذي يُريده المرسل.
ج- الخطاب أو الرسالة الإشهارية: هي التي تحقق التواصل، ويمكن أن تكون لسانية أو سيميائية، ومن المفروض في هذا الخطاب أو الرسالة الإشهارية وجود مرسِل يتحدث أقوالًا، ويقابله متلقٍّ يستقبل هذه الأقوال، محاولًا العمل على فهم أنساقها ذات الدلالات المختلفة، كما تكون لسانية وسيميائية "الأيقونية البصرية"، وبعدها يقوم بتحليلها وتأويلها(14).
• مفهوم الخطاب التربوي وخصائصه
- مفهوم الخطاب التربوي الإقناعي:
الخطاب التربوي الإقناعي خطاب إنساني، له دواله ومدلولاته، ومرجعياته؛ إنه نص مرتبط بسياق؛ إنه خطاب ينطوي على قيم أخلاقية توجيهية، وينبني على سياق فعله، ويرسم موقع وجوده في فضاء له مرجعياته وسننه. يثير الخطاب التربوي الإقناعي نشاطًا فكريًا ولغويًا بهدف البحث عن علامات الاهتداء مستقبليًا لرسم مسارٍ تربويٍّ واعٍ يتأسَّس على معطيات حجاجية إقناعية. فالخطاب التربوي الحجاجي الإقناعي إلى جانب الخطابات السردية والخطابات الوصفية، صنف وجنس من أجناس الخطاب، له بُعد سياقي وبُعد منطقي وبُعد لغوي، ويقوم على الدعوى ودحضها؛ مستهدفًا إقناع الآخر بصدق دعواه والتأثير في موقفه أو سلوكه تجاه تلك القضية. وكلما كان الإدعاء مبررًا بمجموعة من القضايا الداعمة له؛ كلما ظهرت كفاءة المدّعي الحجاجية في الوضعيات التواصلية.
من سمات هذا الخطاب؛ اعتماده في صياغة منهجه الإقناعي على مبادئ منتظمة، تؤسس على معطيات ذات بعد إنساني لساني واجتماعي وأخلاقي؛ فمن المبادئ الأساسية وجود مقاصد وأهداف وتوجهات، يتم بلوغها انطلاقًا من اللغة في أجلى تمظهراتها البيانية؛ لتحقيق كفايات (منهجية) و(تواصلية) و(ثقافية) و(استراتيجية). ولذلك فهي وسيلة الخطاب التربوي الإقناعي في تنفيذ المقاصد والتوجهات. كما أنَّ (الملاءمة) من مبادئ الإقناع في هذا الخطاب، الذي يتوجَّه لأصناف متعددة من المخاطبين؛ لذلك يفترض في العدة الحجاجية أن تكون ملائمة لملكات واستعدادات الصنف المخاطب بالأصالة.
وطبيعة الخطاب التربوي الإقناعي؛ خطابية جدلية حوارية، تبليغية، موضوعية؛ كما أن له حججه المنطقية المعقولة للنفي والإثبات؛ فكلمات الخطاب وتراكيبه وصوره واستعاراته وتشبيهاته عناصر تجعله خطابًا حجاجيًّا إقناعيًّا.
ويقتضي الخطاب التربوي أساسًا التأثير والإقناع؛ فهو يعتمد بالدرجة الأولى على خصوبة المخاطبات؛ حتى أضحت قضية المخاطبة في السياق التربوي أمرًا محوريًا من خلال العلاقة الأصيلة بين المخاطبين في مجال التربية؛ فالخطاب التربوي يتوجه إلى متلقٍ فعلي أو محتمل؛ وبذلك تتحاور الذوات وتتجادل ويحاجج بعضها بعضًا.
ويسعى الخطاب التربوي الإقناعي إلى الأخذ بالحجاج؛ باعتباره بديلًا فعالًا عن العنف؛ حيث يتم التعويل عليه في السعي لتحقيق نتيجة معينة؛ وذلك باعتماد خطاب مقنع ذي طابع حواري، يقوم في أساسه ودعواه على منهج رصين محكم(15).
- تحليل الصورة:
الصورة المعروضة هنا عبارة عن لوحة كاريكاتورية موضوعها تربوي، وهي ذات وظيفة إخبارية حجاجية أفادت الإقناع، تجسِّد لنا دور نساء ورجال التعليم في تكوين وتربية الناشئة. تحمل الصورة رسالة شكر وتقدير للسادة الأساتذة على تضحياتهم وجهودهم المتواصلة، ودعوة المتعلمين للافتخار بهم، وحثّهم على الاجتهاد والمثابرة في التحصيل. كما بيَّنت الصورة أيضًا فخر الأساتذة بنجاح المتعلِّم الذي شكلته أيديهم.
تتكون الصورة من متعلم مبتسم يرتدي قميصًا أحمر، وسروالًا أزرق، يحمل على ظهره حقيبة مدرسية ملتفتًا للخلف قائلًا: "أعزائي المعلمين شكرًا لكم جميعًا"، عبارة مكتوبة وسط أعلى الصورة باللون الأسود الغامق داخل إطار أبيض، تحيل على اعتراف وتقدير وشكر من طرف المتعلِّم لجميع الأساتذة في تكوين مساره.
يتسلق المتعلِّم سلم النجاح المكوَّن من أيادي الأساتذة من مختلف المواد الدراسية، فكل مادة لها عطاؤها وتأثيرها الخاص، وجوههم ضاحكة مبتهجة، ينظرون إليه نظرة تحفيز وتشجيع، يشهدون على تقدُّم المتعلم المتسلق لسلم النجاح، وهم يمهدون له الطريق ليصل إلى قمة الفوز بالنجاح في مستقبله. كما دعت عبارة الشكر إلى احترام الأساتذة وتقديرهم فهم رسل العلم يحافظون على أمانته بتأدية الواجب بكل ضمير.
بجانب الأساتذة؛ يوجد خطاب مصاحب داخل سهم أبيض متجه نحو الأعلى، يحمل عبارة "حلم" المكتوبة باللون الأسود دليل على أنَّ المتعلِّم متفوِّق في مساره، يتطلع لحلم يودُّ تحقيقه، والفضل يعود لهم جميعًا. ممّا ساهم في توضيح مضمون الصورة. طلب العلم أساس تحقيق الأحلام.
تزخر الصورة بمجموعة من المكونات الأيقونية واللغوية، بمجموعة من الدلالات والإيحاءات، فعلى مستوى الألوان يدل اللون الأحمر على الحب والمودة التي يكنها المتعلم لأساتذته، ويرمز اللون الأزرق إلى الهدوء والصفاء والثقة بالنفس، بينما يرمز اللون الأخضر إلى التفاؤل بمستقبل مشرق وزاهر، ويرمز اللون البني إلى الدعم والتوجيه وشعور المتعلم بالواجب والمسؤولية. وهذا ما عبَّر عنه المتعلم بنظراته المليئة بعبارات الامتنان، والتقدير والشكر لما قدَّم له أساتذته من جهد وعلم وقيم ترسّخت في ذهنه.
كما يمكن تفسير الاختلاف بين الضوء الساطع المسلَّط على التلميذ، واللون الرمادي الفاتح المحيط بالأساتذة إلى الحيوية والنور، باعتبارهم جنود الخفاء يسهرون على تثقيف الأجيال، وبناء لبنة التعلم فيهم، وترويتهم من بحور العلم والمعرفة، ودليل أيضًا على الحب والغيرة في بناء جيل واعد.
تحمل الصورة رسالة قيمة تعنى بتقدير الجهود المبذولة من طرف الأساتذة، وإعادة الاعتبار للمتعلمين والأساتذة، والتطلع لمستقبل أفضل، فخلف كل طالب ناجح أساتذة عظماء؛ استشهادًا بقول "نيوتن": "إذا كانت رؤيتي أبعد من الآخرين فذلك أني أقف على أكتاف العمالقة".
استنادًا لما سبق، يُعدُّ الخطاب الإشهاري فنًّا تواصليًّا قديمًا، استخدمه الإنسان منذ القدم، للترويج لمنتوجاته بطرق تقليدية تطورت بتطور المجتمع، حيث أصبح حلقة مهمة في سلسلة التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، باستحضاره للصورة التي تلعب دورًا اتصاليًّا تأثیریًّا وإقناعيًّا للتمكُّن من استمالة أكبر عدد من الجمهور.
• المصادر والمراجع والهوامش:
(1) ابن منظور أبوالفضل جمال الدين محمد(ت 711هـ)، لسان العرب، دار المعارف، القاهرة، ج 14، مادة [خطب]، ص 1195-1194.
(2) أمين رقيق، بلاغة الخطاب المكتوب دراسة لتقنيات الحرف واللون والصورة في خطاب الدعاية التجارية، رسالة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه علوم في علوم اللسان العربي، جامعة محمد خيضر- بسكرة، كلية الاداب واللغات، قسم الآداب واللغة العربية، إشراف د.محمد خان، 2013/2014، ص6.
(3) سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1989، ص7.
(4) جابر عصفور، آفاق العصر، ط1، دمشق- سوريا، دار الهدى للثقافة والنشر، 1997،ص48.
(5) ابن منظور: لسان العرب، مرجع سابق، ص487.
(6) محمد جودت ناصر، الدعاية والإعلان والعلاقات العامة، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمّان- الأردن، ط1، 1997، ص 185.
(7) شروق خلیل: دور البنية اللغوية في الخطاب الإشهاري، إشهارات تليفزيونية سياحية أنموذجًا، إشراف د.خلیل یاسمینة عبدالسلام، مذكرة لنیل شھادة الماستر في الآداب واللغة العربیة تخصص: اللسانیات والسیاحة، جامعة محمد خیضر- بسكرة، كلیة الآداب واللغات، قسم الآداب واللغة العربیة، 2014/2015، ص19.
(8) شروق خلیل، المرجع السابق، ص20.
(9) بن ناصر لامیة- بركاني حلیمة، أسالیب الإقناع في الخطاب الإشهاري- إشهارات موبلیس أنموذجًا- مقاربة سیمیائیة، إشراف خیار نورالدین، مذكّرة مقدّمة لاستكمال شهادة الماستر في اللّغة العربیّة وآدابها تخصّص: علوم اللّسان، جامعة عبدالرّحمان میرة -بجایة- كلیّة الآداب واللّغات، قسم اللّغة العربیّة وآدابها، 2016/2017 ص27-28.
(10) شروق خلیل، مرجع سابق، ص27-29.
(11) بوفكرون خديجة، استراتيجية الحجاج في الخطاب الاشهاري، مقاربة تداولية، إشراف مجاهد ميمون، مذكرة مقدمة لنيل شهادة ماستير في اللغة العربية وآدابها، تخصص: لسانيات الخطاب، جامعة د.مولاي الطاهر سعيدة، معهد اللغة العربية وآدابها قسم: اللغة العربية وآدابها، 2015/2016، ص56-58.
(12) أساليب الإقناع، مرجع سابق، ص30-31.
(13) صابرة هجرس، القيمة الحجاجية في الخطاب الاشهاري "موبيليس نجمة جيزي" أنموذجًا- مقاربة تداولية، إشراف هندة كبوسي، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر في ميدان اللغة العربية والأدب العربي، جامعة العربي بن مهيدي- أم البواقي، كلية الآداب واللغات والعلوم الاجتماعية والإنسانية، الجزائر، 2012/2013، ص44-45.
(14) المرجع السابق، ص45-46.
(15) المرجع السابق، ص45-46.