لا تدعِ الكشرةَ الأردنية تخدعك:
سيف الدين مساعدة
كاتب أردني مقيم في أمريكا
زرتُ الأردن عامَ ٢٠٢١ بعد غيابِ عشر سنوات عن البلاد، كنتُ في غاية اللهفة لزيارة مواقعها الأثريّة وإعادة الاتصال بجذوري، فكانت البداية مع البتراء، ويعود الفضل للتكنولوجيا التي أوصلتنا إلى هناك، في ظلِّ ندرة الآرمات التي تشير إلى الطريق إلى البتراء وعدم وضعها في أماكن بارزة، ولم يكن هناك بدّ من التوقف أكثر من مرة للسؤال عن كيفية الوصول إليها أحيانًا. فلكي تبني سلسلة من الإشارات التي توصل إلى أي وجهة، عليك أن تضع نفسك في مكان الغريب عن البلاد، وكأنك لم تدخلها من قبل.
ولكي أضعك أيَّها القارئ في جوِّ الزيارة، فالوقتُ كان صيفًا، وكنا خرجنا للتو من قيود كورونا، وشُح السياحة، وتفاجأت في مدخل البتراء بإغلاق دورات المياه للصيانة دون وجود بديل، ومن البديهيات أن توفِّر السياحة هذه الخدمة لأيِّ زائرٍ ما دامت تتقاضى منه مبلغًا ماليًّا للدخول، فأي زائر سيقضي أربع ساعات على الأقل في المدينة مشيًا على الأقدام، ولا مكان داخل المدينة في ذلك الوقت لقضاء الحاجة.
المشي في السيق متعةٌ يعكّر صفوها مجموعاتٌ تكدست بين مكان وآخر لتدخين "الشيشة" مع صوت بشع لموسيقى تنبعث من سماعة أحدهم، صوت ومشهد لا ينسجمان مع المكان ويعبِّران عن تشوه نزرعه في ذهن الزائر.
حاولتُ التواصل مع بعض السيّاح هناك لأعرف انطباعاتهم عن المكان، قالت إحداهن وهي أمريكية: "إنَّهم يعاملون الحيوانات بقسوة هنا ويضربونها، لن أدفع لهم أي شيء رغم أني راغبة بركوب الخيل، ثم إن أسعارهم غير محددة، أشعر بأنني سأكون ضحية لهم لو دفعت أي شيء." وهذا يحتاج تأملًا في اختلاف الثقافات: أولهما هو كيفية تعامل الغربيّ مع الحيوان ورؤيته له، وإذا كنا راغبين في جذب السياح حقًا وإقناعهم بدفع مبلغ ما مقابل ركوب الخيل أو الجمال، فإنَّ علينا احترام هذا الحيوان ووجوده؛ رغم أنَّ هذا ليس غريبًا على ثقافة العربيّ في تعامله مع الخيل والجمال، ولكن لنقبل على أي حال بأنّنا تشوهنا، فلنستر عيوبنا أمام خلق الله.
وثاني الاختلافات: هو الوضوحُ والصراحةُ وعكسهما الغموض والفهلوة، فلو وضعت وزارة السياحة سعرًا موحدًا لأيِّ خدمة هناك، لدفع السائحُ المبلغَ وهو مطمئنٌ إلى أنّه لا يُستغل، فلقد دخلت أنا المحليّ في جدالٍ حول سعر قارورة ماء أراد أحدهم بيعها لي بدينارين.
تابعت السائحة قولها: "لم أتعرض لأيِّ تحرشٍ جنسيٍّ هنا، ولكنني تضايقت من ملاحقات وإصرار الباعة على بيع منتجاتهم لي. أمّا في عجلون وجرش فقد كان حال الخدمة العامة أفضل، فالمرافقُ العامة نظيفةٌ ومهيأة للزوّار وكان واضحًا وجود اهتمام وترميم في عجلون برعاية ألمانيّة، غير أنَّ حريقاً التهم العشبَ الجافَ وامتدّ إلى آثار جرش، أثار انزعاجي، إذ كيف لا تقوم وزارةُ السياحة بعملٍ بديهيٍّ؛ كالتخلص من العشب الجاف والاهتمام بنظافة المكان، وعدم السماح بالتدخين هناك؟".
خمسُ أولويات يبحث عنها الزائرُ إلى أيِّ وجهةٍ: الأمن، مَواطن الجذب، المائدة، حرية التنقل، وتوفر المعلومات بلغاتٍ عديدة، أمَّا الأمن فهو أولويّة حتميّة تصرف الزائر أو تدعوه، وفي منطقة كالشرق الأوسط فإنَّ كثيرًا من الغموض يدور حول وضعها الأمنيّ، أمان المرء من السرقة والتحرش الجنسي هو العقبة الأولى، وكامل هذا الأمر منوط بالحكومة أولاً، والوعي المحليّ ثانيًا، فمعلوم لدينا أنّ صورة العربيّ قد تم تشويهها على مدار سنوات طوال عبر الإعلام، أضف إلى ذلك حقيقة الوضع الأمني بعد احتلال العراق، والصراع السوري، وتطورات قضية فلسطين، وضعَت على كاهل الحكومة عبئًا كبيرًا لدفع الغموض وطمأنة الزائر على نفسه.
"بيتٌ هادئٌ في حيٍّ صاخب"، هكذا تصف "صني " الأردن من على موقع “Lonely planet”، ثم تضيف: "واحة صديقة مفتوحة ترحب بالزائرين"، وتعود لتقول: "لا تحمل الكثير من الكاش، احتفظ بالأشياء الثمينة في خزنة، لا تمشي وحيدًا في الليل، والخوف لن يكون عاملاً في التخطيط لزيارة الأردن".
أما "ميليسا" في مدونتها "كعب عال وحقيبة ظهر" فإنَّها تقول: "رغم أنَّ ترحال المرأة وحيدة في الأردن غير شائع، إلّا أنَّه قد يكون تجربة تعود عليك بالكثير"، ثم تجيب عن تساؤل: هل سفر المرأة وحيدة في الأردن آمن؟ بالإيجاب، وتتابع قائلة: "هذه الدولة تحتاج أمورًا إضافية للترتيب، مع التفكير بمنطقيّة والتخطيط للرحلة بحذرٍ، والوعي بالفوارق الثقافيّة، من المؤكد أنك ستمضي وقتًا رائعًا في الأردن".
وإذا ألقينا نظرة على موقع” Gallup “لمعرفة ترتيب الدول أمنيًا، نجد أنَّ الأردن تقع في المركز 16 بعدد نقاط 89 وهو ترتيب ممتاز عالميًا، حيث تقع الولايات المتحدة في المرتبة 22 ضمن 113 دولة. غير أنَّه من الجدير بالذكر أنَّ موقعي السفارة الأمريكية والكندية يحويان إرشاداتٍ عامةً للسفر للأردن تتلخص فيما يلي:
• التحلي بالحذر العالي نتيجة احتمالية هجمات إرهابيّة ومظاهرات.
• مخاطر محيطة بالحدود السوريّة والعراقيّة وشرق الرويشد ومخيمات اللاجئين، وضمّن ذلك في جملة تجنب السفر إلى هناك كليًا، وتُصنّف هذه المواقع الجريمةَ بالضئيلة، وتنصح مواطنيها باتخاذ إجراءات احتياطيّة.
• سلامة المرأة: تنصح السفارات المرأة بالحشمة في اللباس، والتنقل في جماعات، وخلال ضوء النهار، والجلوس في المقعد الخلفي لسيارات الأجرة.
تنشر السفارة الكندية على موقعها أنَّ حوادث تحرّش قليلة وقعت للزائرات فعلًا، ولكنَّها لا تنشر تفاصيلَ أو أعداداً لهذه الحوادث، وأغلب السيّاح الأجانب يشيدون بضعف هذه الظاهرة مقارنة ببعض الدول العربية التي زاروها، ولا أعلم إذا كانت الحكومة الأردنية توفّر تقارير في هذا الشأن. أمَّا موَاطن الجذب في الأردن فكثيرة، ولن أتطرق إليها كثيرًا، ويكفي أن تَذكرَ اسمَ البتراء والبحر الميت لأحدهم حتى ترى بريقًا في عينيه ورغبة في الزيارة.
أمّا "صني" فتصنّف الأردن في مدونتها قائلة: "الأردن دولة أصغر من البرتغال أو ولاية "ماين"، ولكم ضمن هذه الحدود ستجد عددًا لا نهائيًّا في المغامرات المحتملة، منها تاريخ قديم، محميات...إلخ". ولقد التقيت بإحدى السائحات من شرق أوروبا قبل عام في جرش، وكان حديثها المُسجّل عن الأردن وزياراتها المتكررة له، والمواقع التي زارتها هناك والتي لم أزرها شخصيًّا دليلاً على غِنى البلاد بما يستحق الزيارة.
أنتقلُ للحديث عن المائدة في الأردن، وهي مائدةٌ ذائعةُ الصيت صارت جزءًا من قاموس الغرب، وما يُباع في متاجره، فالحمص والفلافل و"البابا غنوج" أطعمة يحبّها الغربيُّ ويتلذّذ بذكرها، موجودة على الرفوف بوفرة، أضف إلى ذلك المكانة التي وضعتها المائدة الشرق أوسطية لنفسها في الغرب.
وإجمالاً هنالك رضىً عند مَن زار الأردن عما تناولوه من طعام؛ إذ تُعلّق "أليكس" في مدونتها على تجربتها في إحدى مطاعم الأردن فتقول: "تناولتُ العشاء في مطعم "وصفة أمي" وربما ذهبنا هناك بسبب الاسم فحسب، ولكن كمية الطعام الذي قُدّم فيه وجودته، وصلا إلى مستوى توقعاتنا. ويُبدي "جاسون" على قناته في يوتيوب إعجابه بالطعام في "مطعم هاشم" والجلسة الجميلة في مقاهينا، ثم يتناول كيف أكلَ "المنسف" باليد برفقة بعض الأردنيين في اليوم التالي، وتجوّله في شارع الرينبو، ويعلّق على شيوع تدخين "الأرجيلة" في الأردن.
في مدونتها المسماة "فتاة تأكل العالم" تنصح "ميليسا" باستئجار سيارة إذا لم تحجز رحلة مع مجموعات سياحيّة لاستغلال الوقت خارج المدن، لأنَّه من غير السهل التنقل في الأردن دونها، رغم توفر وسائل النقل العام، ولكن ذلك سيستغرق الكثير من الوقت، ولا تشكو من أيِّ تحرشٍ أو عدم شعور بالأمن، عدا بضع نظرات من الناس، تعزوها إلى لون صبغة شعرها "التركواز".
ولأنَّ "ميليسا" تحب تناول الأطعمة بشراهة؛ فإنَّها تركّز كثيرًا على ذكر ما أكلَت، وأسماء المطاعم التي زارتها هناك، وترفق صور هذه الأطعمة في مدوّنتها. وبعد إقامتها في الأردن ثمانية أيام وذكر مغامراتها في كل يوم، تتمنى لو أنَّها أقامت وقتًا أكثر هناك؛ لتزور أماكن إضافيّة لم تتح لها زيارتها.
وتحت عنوان "الضيافة ملوكية" تقول" صني": "لا تدع الكشرة الأردنية تخدعك، فلربما تُقابلُ بحاجبين معقودين وما يبدو وجوهاً غير صديقة، فستكتشف سريعًا أنَّ خلف هذا المظهر الخارجي الجاد سلوكٌ محببٌ ومرحٌ يعود في جذوره إلى موروث ثقافيّ، ليس غريبًا أن يدعوك أحدهم لاحتساء الشاي أو تناول وجبة في محلات البيع، ليقول لك: "أهلاً وسهلاً بك في الأردن".
وبعد، فإنَّ ما قرأت هنا وهناك يشير إلى حفاوة بالزائرين وكرم ضيافة، غير أنَّنا يجب أن ننتقل بالصناعة السياحيّة من الارتجال والنخوة إلى الاحتراف لنتعامل معها كمصدر دخل، فأيّ زيارة لبلدٍ غربيّ ستكشف لك كيف يهتمُّ الناس هناك بما ورثوه، ويحافظون عليه ويدعون إلى زيارته بكل الوسائل، فيأسسون المواقع الإلكترونية، ويعدّون نشراتِ المعلومات للتعريف به، ويجعلون من زيارته وجهةً يقصدها السيّاحُ من كلِّ العالم؛ فهل سننجح نحن.؟!
بعض المصادر:
https://www.lonelyplanet.com/articles/things-to-know-before-traveling-to-jordan
https://www.highheelsandabackpack.com/solo-female-travel-in-jordan/
https://girleatworld.net/jordan-itinerary/
https://findingalexx.com/7-day-jordan-itinerary/
https://travel.gc.ca/destinations/jordan
https://travel.state.gov/content/travel/en/traveladvisories/traveladvisories/jordan-travel-dvisory.html