حديقةُ تشارلي

قصة قصيرة للأديبة الإنجليزية: ليبي بيدجْ *

ترجمة: محمد زين العابدين   

شاعر، وكاتب، ومترجم من مصر.         

هذا سؤالٌ كبير، يجبُ أن أفكّرَ في ذلك. يتوقف(تشارلي)، مستريحًا على مقبضِ عزَّاقته. 

-"هذا جيّدٌ"، يجيبُ حفيده (تِيدْ) وهو يغمر يديه العاريتين في الأرض، بحثًا عن الأعشاب الضارة، "يمكنني الانتظار". 

"أوه"، تشارلي غير معتادٍ على قضاءِ الوقت بمفردهِ مع حفيده. ومن المسَّلمِ به على نطاقٍ واسع من قِبَلِ العائلة؛ أنَّه رجلٌ عجوزٌ، سريعُ الغضب، ويحتاجُ إلى الإشرافِ على أمورهِ من كلٍّ من الشباب، والكبار؛ حيث كانت هناكَ حادثة مؤسفة، تتعلق بعيد الميلاد التسعين للعَّمة(باتْ)، وتعليقٌ غير لائق، حول البذلة المخملية المتهدلة التي ارتدتها؛ والتي تشتمل على بنطالٍ، وقميصٍ بأكمام في قطعةٍ واحدة.  

ولكن اليوم، كلٌ من زوجة(تشارلي)، وابنته، وصهره، وحتى جيران ابنته مشغولون. لم يكن هناك خيار؛ سوى مغادرة(تيد) مع تشارلي. كان العملُ معًا في الحديقة هو فكرة(تشارلي)؛  لتجنّبِ المحادثاتِ الكثيرة. لقد تصَّورَ أنَّه سيعطي(تيد) أدواتٍ وتعليماتٍ دقيقة؛ وأن(تيد) سيّتبِعُها مطيعًا، مثلما فعل(تشارلي) مع جدّه.

لكن شتّانْ!.. إذ أنَّ (تيد) لم يتوقف عن الحديث؛ عن حجب لعبة(البوكيمون)، وعن الجاذبيّة، وحشوات الشطائر المفضلة لديه، ونجوم الرماية، والآن، عن الحب. بينما يتكئ تشارلي على عزّاقته؛ مستمعًا إلى بقبقةِ سمادِ(الكومبوست)، لكنَّه لا يعتقدُ أنه يعرفُ الكثيرَ عن الحب.

تتوازنُ الشمسُ على السياج، وتلقي ضوءًا ذهبيًّا بعد الظهرِ على الحديقة. بدأت شجرة التفاح التي زرعها(تشارلي) لزوجته، عندما انتقلوا إلى المنزلِ قبل ثلاثينَ عامًا في التفتح، والأزهارُ الورديّة تستريحُ على أغصانِها، مثلَ الغيومِ المشوبةِ بغروبِ الشمس.

تحتَهُ حلقة من أزهارِ النرجسِ البّري، المفضلة لدى ابنته؛ تتمايلُ رؤوسُها التي تشبهُ قلنسواتٍ زاهية؛ وبجانبهِ، يركعُ حفيده(تيد) على الأرض، وسروالهُ ويداهُ ملطختان بالتراب.

"توقفْ!"، صرخ(تشارلي) في(تيد)؛ "هذا ليس حشيشًا..". ينظرُ(تيد) إلى النبات في يده؛ بجذورهِ المكشوفة، وكتلِ التراب المتشبثة بمحاليقهِ، ويقولُ لجدِّه: 

"-آسفٌ يا جدّي"، قالها وهو يرمِشُ بسرعة. ثم حفر حفرةً صغيرةً في الأرض، وأعادَ النبتة برفق إلى الداخل، وهو يقول: "آسفٌ يا نبات؛ أتمنى أن تنمو مرة أخرى".

يرّبِتُ(تيد) على التربة، حول جذورِ النباتِ برفق؛ لدرجة أن(تشارلي)، الذي لا يعتذرُ عادةً؛ يرِّقُ عليهِ، ويقول:

-"إنَّها ليست كارثة؛ النباتات شديدة التحّملِ حقًا، عليكَ فقط الاعتناءَ بها بشكلٍ صحيح".

يتطلّعُ (تشارلي) بنظرهِ مرة أخرى عبْرَ حديقته؛  لقد استغرقَ الأمرُ سنوات للوصولِ إلى هذه المرحلة؛ الورود تتسلقُ على جانبِ المنزل، والصفوف الأنيقة من زهور(التيوليب)، ورقعة الخضار، والملفوف والقرنبيط؛ على وشك أن تكون جاهزة للحصاد، لكنَّه يعلم أنَّه لم ينته بعد من العمل المطلوب في حديقته؛ فهناك دائمًا المزيد مما يجب القيام به.

وبعد برهة، قال(تشارلي): 

"أعتقدُ أن الحُبَّ يشبهُ البستنة إلى حدٍ ما؛ عليكَ أن تمنحهما الوقت والاهتمام، عليكَ أن تعتني بحديقتك، وتشعرَ دائمًا بأنَّ وظيفتك لا تنتهي أبدًا؛ وحتى عندما يكونُ لديكَ حديقة نامية، فإنَّها لا تزالُ بحاجةٍ إلى رعايتك".

يتطلعُ (تشارلي) ببصرهِ لأسفل، نحو(تيد)؛ ويرى في وجههِ عيونَ ابنتهِ الكبيرة، ذاتَ اللونِ البني، تحدِّقُ فيه؛ لم يلاحظها من قبل، لكنّها عيونها بالضبط.

"-إذنْ، كيفَ تعرفُ أنكَ تحبُ شخصًا ما؟"، يسألُ(تيد) جدَّهُ.. 

هذه المرة، يجيبُ(تشارلي) بسرعة، حتى قبل أن يدركَ ما يقوله:

"أوهْ، أنتَ فقط تعرفُ بذلك".

أومأ(تيد)، ووقفَ وهو يمدُّ يدَهُ إلى يدِ جدِّهِ، وهو يقول:

-"هل يمكنني تناولَ الآيس كريم على العشاء؟ "

ويجيبهُ(تشارلي): " لا أرى مانعًا لذلك". 

فتتألقُ ابتسامة(تيد) مثل حلولِ فصلِ الربيع.

*ليبي بيدجْ(Libby Page):

* حصلت الكاتبة الإنجليزية(ليبي بيدج) على شهادة جامعيّة في مجال الصحافة، وعملت في صحافة الموضة، والتسويق، وكانت تكتب في صحيفة(الجارديان)البريطانية. من أشهر كتبها، وأكثرها مبيعًا: روايتها الأولى(الليدو)؛ والتي حُوّلت إلى فيلمٍ سينمائيّ، ولها رواية ثانية مشهورة، بعنوان( مقهى الأربع وعشرين ساعة). 

*المصدر: مجلة:(The Simple Things)-الإنجليزية-عدد أبريل 2018.