أمرؤ القيس يُمزِّق معلقته

غازي الذيبة

شاعر أردني

 

ماذا صنعتَ ببابِ قصرك يا أبي

وكأنَّ طعنتكَ الوثيرةَ وهي تجرحُ قلب كِندة

أو تسوق قوافلَ المُتململين من القعودِ

إلى حروبٍ لا نهاياتٍ لها

بَرقت كلعنة حربةٍ في مقتلِ.

                  ....

سأراك، مثلي جالسًا مع فاطمٍ

تلهو بعري جموحها فوق الأنين

وتستّلذُ بجوعيّ البدويّ في مأوى انعتاقي

من دم سيصيرُ بعدك طاعنًا في تيهه

لتنامَ يا ملكًا سأصبح بعده

ملكًا أضلَّ طريقَه في البحث عنك

ولم يجد أحدًا يداري عاره

غير الشرود بدمعه المتذلّل.

                     ....

ماذا فعلتُ؟

اخترت أن أمشي إلى روما وحيدًا بعد نأيك

كنت مرتبكًا، وسيفي لم يزل في غمده

جرح ينادي في البراري: يا أبي

وعلى مشارفها انتزعتُ قصائدي من بردها

غطيّتها بالضوء كي أجد الطريقَ إلى ... البليدِ

وأرتمي في حِضنه

يا حصن منجاتي الأخير

سقطتُ عن فرسي وهُشّم مِعولي.

                         ....

ووقفتُ عند السور مكدودًا أحاول أن أرى

فرأيتُ جرحك لاهثًا في التيه

ورأيتُ وجهك في انصياعِك للغياب

ورأيتُ في نومي منامًا، قال لي جنيُّه: ماذا فعلت؟

ولم أجد بلدًا يؤجِّل مقتلي.

                    ....

وندهتُ أخواني وأمّي

لم يجب أحدٌ، مقابرهم تبعثر شِيحها

غَرقتْ، كأنّك لم تكن تدري

بأنَّ غيابَهم موتٌ ودمّي مِرجلي.

                     ....

ماذا فعلتَ؟

وقلتَ إنك خارج من عهدة ابنك

وهو يلهث ضائعًا في ليل كندة

لِمَ لَمْ تعد ابنًا تَقطّع في الفيافي وصله

كي لا يؤجل ثأرَه لغدٍ لأجل المُخمل.

                     ....

أو ما صرختَ عليّ ذات ظهيرة:

احمل جنونَك يا بني إلى متاه

لا أراك ولا تراني في دوائره أُمزّق محملي؟

                       ....

ورحلت لم أطرق دروبًا لا تُضيّعني

فضيَعني التفاتك لابتعادي عن فصولك

وهي تلقي بالرماح على حنيني للديار

وما تبقى من عيونٍ هائماتٍ في خراب الموئل.

                           ....

أو ألم تر الأرياحَ تعصفُ بالمنازل

يوم أجّلني اللقاءُ بنار دارك

وافتدتني العادياتُ بزقِ خمرٍ من عروق الكرمل؟

                       ....

أو لا ترى ما كان في جشعِ القبائلِ

من سيوفٍ مصلتاتٍ في رقاب العذّلِ؟

ماذا ستفعل، هل سترمي ناقتي

أم أنَّ قلبك حين يصرخُ في الديار

سيهتدي في ظلمةِ العَطفات لي؟

                            ....

وسألتُه في جِلسةٍ مجنونةٍ عن حزنه الأبديّ

عن أحلامِه.. موتاه

قال بصمته المعهودِ: هذا موئلي.

                        ....

فغفرتُ حين مشيتُ في أرضٍ ممزقةٍ

إلى أرضٍ تحاول أن تمزّقَ ما تبقى في الوريد

ورأيتُ أطلالي تبعثرها القصيدةُ

حين تلهثُ خلفَ ظلٍّ لا يراه سواي ينزفُ

والثكالى يدعين هناك مقدم قاتلي.

                    ....

وغفرت يا أبتي لخيلك

وهي تدهس كلَّ من خرجوا لردك

عن إراقة مائنا في الخوف

عن تشتيتنا يوم المكيدة في الظلام الأليل.

                       ....

وهنا اقتربت من المكيدة كلها

هل هذه روما التي حدثتني عن ضوئها

عمّا يئن على صواري بحرها

عن طائرٍ يهوي وحيدًا مثل ابنك في مرامي بحرها

عن جورها وعبيدها

عن كلِّ حمل سار بي لجنونها المتجمل؟

                           ....

هل هذه الأختُ الكبيرة للمُيتم؟

الناسُ يا أبتي هنا

نصفٌ يسير على هواه إلى هواه

وبقيةٌ تمضي لتنحرها النصالُ

وتزدري رُجلًا توقّف برهةً

في قاع أغنيةٍ تقطع سِيْدها المتأمل.

                       ....

لا نوق، لا خيل تراوغ

لا مواسم للغناء وللشجن

فلم ابتعثتَ أميرَ ظلِّك للغبار

ألكي ترى ما أنت فيه من الخياراتِ اللعينةِ

أم لكي ترتاح في نار الخراب المُنجلي؟

                       ....

ودعت راحلتي وسرت مع الهدى

أبتي؛ أتدري ما شقاء الناحل؟

أو تعلمُ الأناتِّ في صدر الفتى

يوم ارتضيت بأن يهب مع الرؤى

وتشق خيمة عاشق متعلل؟

 

قل لي إذن ماذا ستفعل

بالخيول على مشارف ذبحها

بالناعبات على جراح العزّل؟!

 

قل لي بِلاتك.. بالتزلف للشرى

هل للقطيفة يوم جئتك دارعًا متسمّمًا 

أن تحتفي بخراب روما، يوم ذرّ رمادها في مقتلي. 

 

قل لي سأحرسُ ما تبقى من دمي

فالآه حين حبستها في باب ثأرك يا أبي

عصفت بنا ريحٌ بدارة جُلجل.

 

لم أمضِ في فلواتِ مجدك إنَّما

سارت بي الركبانُ تحملُ صورتي

هذا امرؤ لفظته قافيةُ اللظى

ترك الدمَ المنعوفَ فوق ترابه

ومضى يفتِّشُ عن أبٍ متعثكل.

 

سأعودُ ثانيةً لكندةَ ربما

فيها أرى نجمًا يعيدُ لي الصدى

ويعيدُ لي فرسًا تخبخب للحبيب الأول.