الزير سالم" في التشكيلِ والرسم"

 محمد محمود فايد

باحثٌ في الثقافة الشعبيّة والفنون وعلم النفس- مصر

 

لعلَّ أوَّلَ ما يجذبُ انتباهنا في سيرة "الزير سالم"، تصويرها البارع للبطولة، واحتشادها بشتى الصور والمشاهد والقيم التشكيليّة الثريّة بالألوان، المشحونة بالإشارات البيئيّة والرمزيّة التي تعطيها معنى وقيمةً. 

 

يُعتبرُ "الفارسُ"، أهمَّ عناصر سيرة "الزير سالم" التشكيليّة الآدميّة، حيث ينعكس مفهومه على شخصياتها، بما يضفيه عليها الفنانُ الشعبيُّ من وعيه وخياله مثل: صفات القوة الجسميّة والأخلاقيّة والعقليّة. أمَّا الأسد، فأهمُّ العناصر التشكيليّة الحيوانيّة التي صوّرت في "الزير سالم". وهو يحتلُّ أهميّةً كبيرة في الوجدان الشعبيّ، كرمزٍ للقوة. فإذا عمد الفنان الأكاديميّ في إبداعاته الفنيّة، وقبله الفنان التلقائّي في رسوماته الشعبيّة، إلى المبالغة، كأن يصوّر الأسد ممسكًا بالسيف تارةً، أو يرسمه بجانب الأبطال والملوك لارتباطه بهم تارةً أخرى، فلا غرابةَ؛ فذلك للمبالغة في إظهار قوة تأثير المثل والقيم التي يفضلها الوجدان الجمعيّ. فهل يُعقل أنَّ الزير كان يمتطي أسدًا؟! إنَّ ذلك ليس سوى أداةٍ- لا يرى فيها غضاضة- للنفاذ بها إلى الأذهان والقلوب. لا يعنينا أيضًا، أن تكون الصفاتُ الجسديّة للزير التي تناولها الفنان، مطابقةً للشكل الذي أفرغ فيه هيئته، فليس من الضروري أن يكونَ الزير بهذه الشوارب الضخمة، لكن، وفقًا لمنطق فنون التشكيل والرسم الشعبيّ، ما الذي يمنع من ذلك، خاصّةً أنَّ للأسد الذي يمتطيه شواربَ مفتولةً أيضًا؟ إنَّ شحنةَ الخيال التي يمتلكها ويستخدمها الفنان عمومًا- دون شك- شحنةٌ مكثفةٌ وصادقة؛ لذا، ليس هناك ما يمنعه، أن يضع أبطاله في زمن مختلف عن أزمانهم الفعليّة، ومجتمع غير مجتمعهم الأصليّ، حيث يمكن أن يصوّر أحد القادة الكبار الآن ممتطيًا صهوةَ أسد، أو أي حيوان آخر، حتى لو كان حيوانًا أسطوريًّا، ما دام ذلك يخدم فكرته وإبداعه في دعم القيمة الإنسانيّة وتمجيدها التي يتغنّى بها، كالشجاعة والنخوة والكرم، وهي قيمٌ عربيّةٌ أصيلة، لا يتغيّر جوهرُها. 

ولعلَّ من أشهر الصور: "قتال الزير سالم لجسّاس"، و"الزير سالم ممتطيًّا الأسد". وللفنان التلقائيّ "حمودة متولي"، مجموعةٌ تصوّر موتيفات الزير سالم. وهي تستخدم كنماذج للوشم، ومنها؛ لوحة: رمز الأسدين يحملان السيف، تتوسطهما نخلة، بطرف كلِّ سيف، طائر. فضلًا عن الكثير من الإبداعات الأكاديميّة المستلهمة، مثل؛ تمثال الزير سالم للفنان مصطفى الرزاز؛ وهو من الخزف، عبارة عن أسدٍ يركبه الزير بوضعٍ عكسيّ، لا كجوادٍ بل كأريكة، رافعًا يديه بسيف صغير، واضعًا الأخرى على صدره كعادة أبناء البلد، وقد ألبس الزير جلبابًا وعباءة، مع زخرفتهما، مُبالِغًا في حجم الكفين والقدمين والشارب. التمثال من الخزف المحروق، ملوّن بألوان البطانات الخزفيّة، وظّف اللون الأخضر في عباءة الفارس وعيون الأسد، والرماديّ في الجلباب ووجه الأسد وجسده، والأبيض في أجزاء من وجه الأسد وأرجله، أمَّا الزخرفة، فهي زخرفةٌ هندسيّةٌ مصنوعةٌ بطريقة القشط، ليظهر اللون الوردي للطين. 

وتناول الفنان خميس شحاتة (1918- 1996م) شخصية الزير سالم في لوحاته، من خلال أسلوبه الخاصِّ المتميز الذي يغلب عليه توظيف الخط العربيّ. فضلًا عن استخدام الزير سالم كموتيفة إضافيّة في لوحة "علمتني الحرف"، وهي عبارة عن قصيدة لصلاح جاهين، قسّم الفنان العمل إلى عدة خطوط للأرض، كالفنان المصري القديم: 

الأول: أسفل اللوحة، يمثّل فيه الخط العربيّ، النيل بمراكبه الشراعيّة، مستخدمًا اللون الأزرق بدرجاته في أمواجه، واللون الأسود والأبيض في المراكب من خلال كتابة الكلمات وكأنَّها أمواج ومراكب.

الثاني: نجد وجه رجل بكتفيه، وعلى جانبي الوجه قلبان يطرح كلُّ واحدٍ نباتًا أخضر، وضع فيه حرف الضاد والحاء ليصنع منهما ملامح الوجه، وكتب على الكتفين وداخل القلبين والأوراق الخضراء. 

وفي الثالث: كتب في المنتصف فوق الرأس مباشرةً في سطرين "علمتيني ما خفش وأكون قدام الصف". وفي اليمين وضع صورة للزير سالم ممسكًا رمحه، ممتطيًا صهوة الأسد الممسك بالسيف. في اليسار رسم أبا زيد الهلالي فوق جواده ممسكًا رمحه.

وفي الرابع: رسم خمسةَ قلوب، بكل واحد كلمة من القصيدة، وينبعث من كل قلب باقة زرقاء من الكلمات. أمَّا قلب المنتصف، فتطلع منه فروعٌ خضراء، يقف عليها عصفوران بيضاوان، تتكون منهما كلمة مصر. وفوقها كُتبت الكلمة الأولى من عنوان القصيدة: "علمتيني"، وعلى الجانب الآخر الكلمة الثانية: "الحرف". اللوحة مرسومة بالألوان على الستان. 

من الأعمال الأخرى التي تناول فيها الزير سالم، لوحة السيرة الهلاليّة، وهي عبارة عن عملٍ ضخمٍ مطبوعٍ بالقالب مساحته 2م × 1.5م على شكل مستطيل كبير، رسم في منتصفه الزير سالم ممسكًا الرمح فوق الأسد الممسك بالسيف، وأمامه أبو زيد ممتطيًا فرسه ممسكًا بالرمح، يتدلى من جانبه السيف. عمل الفنان برواز من المثلثات للمستطيل الكبير، يتخللها من أسفل شكل دمعة تقطع البرواز، وتدخل لتحتل المنتصف بين الفارسين كتب بداخلها "قال الراوي". أمَّا من أعلى، فقسّم المستطيل إلى ثلاثة أجزاء:

في الأول: شكل لقبة هندسية، رسم داخلها الزير سالم.

والثاني: مثلث كبير، رسم بداخله أسدين في مواجهة بعضهما، ونخلة، وقد رسم قبة أخرى كالأولى، رسم داخلها أبا زيد بوضعٍ عكسيّ داخل المستطيل، وعلى جانبي المستطيل، رسم مستطيلين صغيرين بطول ضلع مستطيل المنتصف، ولكنَّهما أقل في العرض، كتب بداخل كل منهما أجزاء من السيرة الهلاليّة، هذا بجانب مستطيل يحيط بالمستطيل الكبير من أسفل، كتب بداخله أجزاء نصِّ السيرة. 

وفي لوحة "الزناتي خليفة" تأثر بالزير سالم، فرسمه على هيئته، ممتطيًا الأسد الممسك بالسيف. اللوحة تتقارب مع رسومات الفنان التلقائيّ للزير سالم على جدران منازل قرية القنيات بمصر. 

كذلك، تأثر -كثيرًا- الفنان سعد كامل (1924– 2012م)   بسيرة الزير سالم وموتيفاتها، فكانت شخصيّةُ الزير أكثرَ الشخصيات الشعبيّة التي عبّر عنها في فنون الحفر والنسيج والطباعة. 

من إبداعاته: الأسد الحامل سيفًا، والفارس الممتطي حصانه، وشخصيّة الزير. وفي لوحاته يتكرّر رسمه للفارس متمثلًا الصورة الأدبيّة للزير سالم الذي شاع عنه أنّه كان يفعل ذلك، حيث رمز من خلال رسم شاربه المفتول ووجهه الصبوح ذي العينين اللتين لا تطرفان، إلى الرجولة والثقة بالنفس التي تبعث في الآخرين الأمان، رافعًا إحدى يديه ممسكًا بها رمحًا، وفي الأخرى خنجرًا، أمَّا الأسد، فممسك بالسيف. وذلك من خلال خطوط وزخارف هندسيّة بسيطة، تزخرف عناصر العمل: الفارس، الأسد، أدوات الحرب (السيف والرمح والخنجر). بالإضافة للتعبير بالمبالغة في شاربي الزير سالم والأسد. باستخدام خامات، وأساليب مختلفة. فتارةً مطبوع على قماش اللينو بالأبيض والأسود، وتارات عديدة أخرى بالألوان، مرة بتوظيف اختلاف تأثير وتشكيل الأرضية، حيث رسم الأرضية زرقاء، فوقها أشكال مثلثات بخطوط حمر، طابعًا فوقها موتيفة الزير سالم، باللون الأصفر الذهبيّ، مضيفًا القليل من ألوان الأحمر والأخضر والأزرق إلى الأشكال الهندسية التي تزخرف الأسد والسيف. وتارةً أخرى، رسم الأرضية بدرجات البني الفاتح، طابعًا فوقها موتيفة الزير سالم، بخطوط سود، ملوّنًا بالأحمر بعض الأجزاء بداخلها في وجه الأسد والفارس والزخارف. 

 وبالشكل السابق نفسه، رسم الفنان، الزير سالم على الزجاج، لكنَّه هذه المرة، كان ممسكًا السيف بيده المرفوعة وكأنَّه يلوّح به، بينما كانت يده الثانية بجانبه. يُظهر العمل قدمي الزير سالم، ولقد أضاف الفنان اسم "الزير سالم"، مقتديًا برسومات الفنان الشعبيّ. اللوحة ملوّنة باللون البرتقالي. الأسد باللونين الأزرق، والأخضر. أمَّا الزخارف، فيدخل فيها: الأصفر والأحمر والأخضر والأزرق. 

كما رسم شخصية الزير، وفقًا لموضعٍ آخر بالسيرة، محاربًا جسّاس قاتل أخيه. وفي هذا العمل، نرى الزير ممتطيًا صهوة الأسد رافعًا يده بالسيف، مواجهًا جسّاس ودرعه على ظهره، مرتديًا تاجه، كما كتب أمامه "الزير سالم" بخط عريض، راسمًا في مواجهته، جسّاسًا ممتطيًا صهوة حصانه، ممسكًا رمحًا، بينما الأخرى تمسك باللجام. قلّل الفنان من قيمة جسّاس، من خلال كتابة الاسم أمامه بخط أرفع من الخط الأول الذي كتب به اسم الزير. موزعًا حولهما ثلاث ورود، واضعًا تحت الأسد عصفورًا، وتحت الفرس سمكةً، وهي من الرموز الشعبيّة الشائعة. معبّرًا من خلال رسم العناصر بخطوط هندسيّة مبسطة، متأثرًا بالمبالغة في تضخيم شاربي الزير وجسّاس والأسد. غير مستخدم للمنظور. موظفًا الحروف في كتابة الأسماء أمام الشخصيات. مستلهمًا وموظّفًا الرموز التي استخدمها الفنان الشعبيّ قبله، مثل موتيفات توزيع الورود، والعصفور، والسمكة، وذلك لملء الفراغات، حيث طوّع الموتيفات وفقًا لرؤيته الإبداعية المحمّلة بثقافته وتجاربه الفنيّة الطويلة، وليس وفقًا لتقليد الفنان الشعبيّ.

أمَّا الفنانة سهام طمان، فتناولت موتيفات سيرة الزير سالم في ثلاثة إبداعات، هي:

1- لوحة "الزير سالم يعود": ورسمت الأسد فيها، ممسكًا بالسيف، بخطوط هندسيّة، فوجه الأسد عبارة عن دائرة، حولها عدد من المثلثات مختلفة الأحجام، بعيون واسعة، وحاجبين وشوارب ضخمة، بجسد مستطيل، قُسّم إلى صفوف، الأول: وضعت به زخارف هندسيّة. الثاني: صفٌّ به كتابات. الثالث: صفٌّ من الكتابات، أيضًا. الرابع: صفٌّ من الزخارف الهندسيّة، وضعت فوق الأسد عصفورين في مقابل بعضهما البعض، بينهما زهرة، يحيط بالعصفورين ذيلُ الأسد، يمرُّ بجانبه يسارًا، صفٌّ من الزخارف الهندسيّة والأزهار، حتى قفلت اللوحة من فوق الأسد. استخدمت الفنانة الألوان الصريحة كالأحمر والأزرق والأصفر.

2- لوحة "الفارس المخلّص": جمعت فيه عددًا من الموتيفات الشعبية، منها: السيف، الفارس على حصانه، الزير سالم ممتطيًا أسده. وزّعت القيم والمفردات على أرضية سوداء.

3- لوحة "الزير سالم": يغلب عليها اللون الأحمر، باستثناء بعض الخطوط السود والصفر والزرق التي توضح الخطَّ الخارجي للأشكال. رسمت الفنانةُ الأسد، بعيون واسعة وشوارب كثيفة، فوق رأسه السيف المزخرف بزخارف هندسية. راسمةً وجه فتاةٍ بشعرٍ طويل، تشكّلت خصلاته ببعض الزخارف المثلثة الشكل وهلال ونجمة. حيث تمثّل هذه الفتاة، شخصيّة "الجليلة"، زوجة كُليب؛ أخ الزير سالم. أمَّا الأسد، فيرمز إلى "لبن الأسد" الذي طلبته الجليلة لعلاجها. وظّفت في اللوحة، أيضًا، بعض الكتابات.