نصوص: هشام بن الشاوي
كاتب مغربي
• ضحكة الملائكة
عشرة أيام قضيتها، بعيدًا عن السماء الأولى..
على الرغم من رفاهية منتجع "قصر السراب"، لم أكن سعيدًا، كأنما نسيتُ نبض القلب في تلك الغرفة، التي نادرًا ما تزورها الشمس. عندما التقت نظراتنا، تزلزل كياني.. توقفت ابنتي، ذات الشهرين، عن الرضاعة برهة، رشقتني بنظرة ضاحكة لم أستطع نسيانها..
لم أحتمل ضياء تهطل في قلبي،
وجدتني على شفير النشيج..
وخجلت من مقايضة الضحكة النورانيّة ببكاء طفوليّ!
• شيخوخة الرُّوح
على طاولة الطعام، التفتَ إليّ ابني، الذي لم يتجاوز ربيعه الخامس، قال ضاحكًا بنبرة من يهتف في مظاهرة: "عندك الشّيب في لحيتك!".
شعيرات متفرِّقة تشهر وجودها، كلما تقاعست عن حلاقة هذا الشوك. نهرته أمّه، ابتسمتُ في صمت، ثم أجبتُه بودّ: "أعرف كيف أخفيه".
وهمس صوت خفيّ: "وماذا عن الشّيب الذي خطَّ الروح؟!".
• بكاء من نور
في بداية الشتاء..
مات جدّي، ولم أذرف دمعة واحدة!
هذا الربيع..
قضمت عصفورة وحيدة ساقها كاملة، بالتدريج، كأنَّما آثرت أن تكون عاهتها مكتملة..!
على مرآة قلبي –ما زال- ينزلق دم أصابع علقت، ثم بترت، بعد أن استفزّ أمومتها المؤجَّلة فرخ يطلب الطعام من أبويه..
في الخريف..
مات طائر مغرِّد!
كان يشقشق بمجرّد سماع خطواتي، يغرّد مبتهجًا، كلّما غمره فيض ذلك الحنان السماوي، المتدفق من سورة الحشر مجوَّدة..
ولأنني اعتدتُ ترك صوت "المنشاوي" ينهمر من الهاتف الذكيّ، مثل شلّال بكاء من نور، وكأنَّ الطائر ما زال في مكانه، ينتظرني.. كالعادة، وأجلس قبالته، بعد صلاة العصر..
وجرف نهر من الدُّموع خشوع صلاتي!
• عودة السنونو
أغبطُ الدُّموع على قدرتها –بمفردها- على أنْ تؤدّي -باقتدار فاره- المهمّة التي فشل فيها كل سعاة بريد اللغة. أغبطُ طيور السنونو على عدم انشغالها بالتفاصيل الوجوديّة المربكة، وبلامبالاتها بالتمزُّق تحت أكثر من سماء.
فقط، تبحث عن قشّ جديد لعشّ قديم، ولا تتذكَّر حقيبة الشتاء، التي نسيتها مبعثرة في مكان آخر، لأنَّ شهر مارس لا يتكرَّر مرتين في السنة.
بعد فراق عام كامل، هاتفتُ حبيبةً قديمة، لأخبرها بعودة طائر السنونو.. بأنَّ قلبي خفق مجدّدًا، لامرأة أخرى!
الآن...
قلبي شيخ ضرير، كل متاعه في هذه الدنيا حفنة من الأحزان، وحقل شاسع من البكاء!