أحمد طمليه
قاص أردني
قلتُ للطبيب العام المستجد، عندما سألني عمَّا أشكو منه:
- إنَّني أفكّر جديًّا في الانتحار.
ارتبك الطبيب، وارتبكت أنا، فسارعت إلى الاعتذار:
- أنا آسف. أنا لا أعرف، بصراحة، لماذا أقول لك هذا الكلام، أعرف أن ليس هذا مجال اختصاصك، أنا أشكو من ألم ما في يدي. أظل أحكّها، لدرجة أنني لا أنام الليل. وقد توجهت إلى الصيدلية، الواقعة جوارك، لعلّ الصيدلي يعطيني دواء يساعدني، غير أنَّه بمجرد أن نظر إلى يدي، نصحني أن أراجع طبيبًا، أولاً، وقد دلنّي عليك. قال لي: على بعد أمتار ثمة طبيب شاطر، دعه يرى يدك، ويصف لك الدواء المناسب، فيدك، بالنسبة لي، سليمة تمامًا، لا يوجد فيها أي أعراض تدلني على الدواء الذي يمكن أن أصرفه لك.
نظر الطبيب إلى يدي، وأضاف: إنَّها سليمة تمامًا، لا تكسوها أي أعرض. سألني: هل سبق وزرتَ طبيبًا نفسيًّا؟ - من أجل يدي؟!!
- بل من أجل تفكيرك في الانتحار. - يعطونني أدوية على شكل دهون. وينصحونني أن أدلّك يدي ثلاث مرات في اليوم. - هل فعلت؟
- نعم.
- هل واظبت على ذلك، فمثل هذه الأدوية لا تثمر إلا مع الوقت؟ كذبت وقلت: نعم واظبت. سألني: هل ثمة ما يؤرقك؟ - أشياء كثيرة أعجز عن عدِّها، إنَّها متداخلة بطريقة يصعب عليّ ترتيبها، فإذا قلت لك شيئًا، تجدني قد سارعت إلى القول: لا.. ليس هذا ما يؤرقني. بمعنى أنا حائرٌ حتى في تحديد ما يؤرقني. - قل شيئًا يدور في ذهنك الآن؟ - الليل. النهار لي، كله لي. استطيع أن اتحكم بثوانيه، وليس بساعاته فقط. أستطيع أن لا أرى من لا أريد رؤيته، وأن لا أتحدث مع من لا أريد التحدث إليه، وأن لا أفعل ما لا رغبة لي في فعله. يكفي أن أغلق على نفسي باب الغرفة لأكون بمعزل عن التواصل مع أيٍّ كان. منذ قرن أغلق على نفسي باب الغرفة. أمَّا الليل؛ فبمجرد أن أضعَ رأسي على الوسادة، يأخذني إلى ما لا أريدُ رؤيته، أو ما أتوقُ لرؤيته. ويدفعني لأن أتحدّث مع من لا أريد التحدث إليه، أو من أنتظره بشغف لأتحدث إليه، وأن أفعل ما لا رغبة لي في فعله، أو ما أطمح لفعله منذ قرن. الليل ليس لي... أقصد النهار ليس لي.. أنا لست لهما.. أنا لست لي.... _هل فكرت في الكتابة؟ كتبت مئة صفحة عن هاجسٍ يؤرقني، ووضعته على الرفِّ بدافعٍ من إحساس رضى تملكني، ورغبة في أخذ استراحة محارب، وحين عدت إلى النص بعد أيام، شعرت أن ما كتبته هو رؤوس أقلام، وأنَّه يحتاج إلى المزيد من الإشباع، كتبتُ ما يقرب المئة صفحة إضافية، وبدافع من إحساس رضى تملكني، ورغبة في أخذ استراحة محارب، وضعت ما كتبته على الرف. وحين عدت إلى ما كتبته بعد شهور شعرت أنَّ ما كتبته عبارة عن رؤوس أقلام. وأنَّه يحتاج إلى المزيد من الإشباع. كتبتُ ما يقرب المئة صفحة إضافية، وقرّرت أن أقتل النص، يحدث أن يقتل الكاتب نصّه، وذلك بأن يضع له نقطة خاتمة. وحتى أتنصل من جريمة القتل، بعثت به فورًا إلى صديق أثق برأيه، أو بالأحرى، أثق بقدرته على التكفل بمراسم الدفن. غير أنَّ صديقي اعترض بعد قراءته للنص؛ وقال بصراحة إنَّه لا يدفن حيًّا فيه نبض، ودعاني لأن أشبع النص، فهو من وجهة نظره، عبارة عن رؤوس أقلام، يحتاج إلى المزيد من الإشباع. - اسمع، حدّثني عن نفسك دون فلسفة، لا تجبني بلغز كلما سألتك سؤالًا.. حدّثني ببساطة، كما يتحدّث أيُّ شخصٍ عن نفسه. .... "صحوت".