شعر: منير خلف
شاعر سوري
فكّرتُ يومًا
أن أزورَ قصيدتي
فلمحتُ دمعي عالقًا
بثياب محنتها
وكانت زبدة الكلمات
تحبسُ في معاجمها الكثيرَ من القديم
ليفلَتَ المعنى الدقيق
من الحداثةِ
حاولتْ روحي انتقاءَ حمائمِ الياقوتِ
من ألق ٍ تشهّى صبحها،
ورأيتُ نفسي في أزقتها
تحاولُ أن تكوّنَ نفسها...
ورأيتُ في محرابِ نكهتها
هديلًا شاردًا
ونواحَ ساقيةٍ
يقي أطيارَ نهر الرّوح
من بردٍ ضريرِ الحلم
يسكب أنبلَ الأشواقِ في روحي
ويزرعني على أطراف مملكة الرحيق
صريرَ وقتٍ لا يكلُّ
ولا ينامْ.
ورأيتُ ما لا يستطيعُ العشقُ
أن يحصي خسائرَ ورده
المطعون بالغسق المحلّقِ
في ارتباكِ الريح،
ألمحُ في سويداء الحروفِ
أراملَ الأفراحِ
زنبقة الوداع
وأبجديتها الخبيئة في رواقِ الجرحِ
زمّلني نداءُ شحوبها
بمسيلِ غيم ٍ قاتمِ الأضواء
زاوجَ بين غفلةِ دمعتي
وملوحةِ الأرض السقيمةِ
بارتفاع الضغطِ،
عمّر حزنهُ المكبوت
فوق ركام قلبي
والقصيدةُ ما تزال
حبيسةً النهر العقيم
تحثّ خطوتها الكسيحة
نحو أنـــــــداء الكـــلامْ.
ستفيضُ من قلبي الحروفُ
وأشتهي قمرًا صغيرًا
سوف يكبر
عندما أحميه من غيري
سيكبر بعد عام
أو أرى شبهي قبالته
يدوّن ذكرياتٍ
لم يعشها بعد،
ثم يلمّ صمتًا
لم يجد شيئًا كنكهته
يدور بنبضه الصافي،
سيصغر قلبي المخزون بالكلمات
حين تفيض كلُّ ورود وجهك،
أنزوي خلف اللغات
لكي تفسّرني جهاتُ القلب
كي تحمي هواء حنينها
حمّى القصائد،
أنزوي متأبطًا أياميَ الأولى
وحبرَ خسارتي
متأبّطًا ذكرى الحياة
فربّما ستعيدني نحو الطفولة
عالمًا بالحلم أكثرَ
متخماً بالحبّ..
أصفى..
أو أرقّ من انتماء غزالة
لقطيع آهتها
وصبح دعائها.
أهديك هذا القلبَ
ليس لأنّه من صنع نبضك
إنَّما ليزيح عن درب الهطول
غيومَ أحزانــي،
سألفت ما تخبّئه عنايتكم
إلى حلم ٍ يخبّئه كلام قصيدتي
من مرمر ٍ في السرّ
يفتك في مهابته
سقام رحيقه الأعلى،
سأفضح ما يخبّئني عن المعنى
وأخرج هاجسي السفليّ من تابوته
وأطير نحوك عاشقًا أو شاعرًا
أو حارسًا متبرّكًا في توبة ٍ
منعته أوحالُ الطريق
من الوصول
ورملُ حزنٍ غارقٍ
في جبّ محنته
لأقرأ كنهـَك المغروس
في ليل انهدامـــي.
فكّرت يومًا
أن أزور قصيدتي
فرأيتُ عمري شاحبًا
في بابها الخلفيّ
قلتُ: هلِ القصيدةُ تنحني..؟
كي ندركَ الأسرارَ في صلواتها
وخشوعَ تفعيلاتها
هل نصفُ قلبي
في شوارعها حريقٌ هاطلٌ؟!
أم نجمة ٌ
تنعي سماء سؤالهــا؟!.
جرّبتُ يومًا
أن تقودَ قصائدي دمعي
وقلتُ: أنا وأنت
يشدّ بعضهما
زمامَ سقوط صاحبه
فقالتْ: لستُ مثلك
لستَ مثلي
قد أنام
وأنت توقظ نفسك العمياءَ
لاستحضار نكهتيَ الفريدة
أو لإنشاء المعاني،
غير أنّي لا أرى غيري
فهل ستصير غيركَ؟
قلتُ: ويحكِ!
أنتِ لي
وأنا كأنتِ
وأنت أنّتيَ المديدةُ
أنتِ
أنت نداؤهــا
.. وأنا خريف الصوت
أحرق هالة الكلمات
حزن النهر
أوجاع النوارس
سكتة الأحلام،
باب القلب أفتحه
وأسكِـن ناسَكِ الغرباءَ
في جنّاتِ: أصعد
ثم نصعد
نحو ما لا يستطيع البعدُ
أن يجد انتماءً مفرداً،
كالنصّ يفتحني
وأركض بعده شجرًا طويلًا
من مَراثٍ لا تحدّ
ولا تقالْ.
" معنى "
هو الدمع الكثيفْ
هو جارُ قلبي
واحدٌ من عشرةٍ،
أنا لا أبشّرهم بشيء
إنَّما الأرضُ الصغيرةُ
وهي تندفُ ظلّهـا
وتهيلُ حسرتَها عليّ دمًا
ستُنشئني
وأصعد هامة الذكرى
لتحميني
وتعصمني من النسيانِ.
.. جارَ عليّ
وجهُ صغار روحي
فانكمشتُ عليّ
صرتُ أنا الذي باعدتُني عنّي
فأحرقني السؤالُ
وأنت يا قلبي كفيــفْ!
حتّـامَ يصمتُ فيّ
قنديلٌ كثيف الجرح
يأخذني
إلى درب ٍ
يغرّبه انتظارٌ غامضٌ
يأوي إلى ألق ٍ يسافر في تعلّقه
بأشباح ٍ تبادلني سواد الفهم،
تفتح قلبَها
نهرًا عميق الحزن
في ليل الخيــالْ؟!
دمعٌ يلغّزني
كبيتِ الشعر
أسكنــهُ،
فتهجرني بناتُ خياله القزحيّ
تُخرِجُ من تويجاتِ الكلامِ تساؤلًا
يفضي بما في صمته المهزوم
تأويلًا حداثيًّا
رحيقاً ناعساً
أملًا قتيلَ البوح
ناقوسًا يلمّ خوابيَ الأعراس
يهطل فوق أرضِ الشعر
ياقوتًا ...
بلابلَ من فراتٍ أخضر المسعى
سلامـًا باردًا
مطرًا نحاسيًّا
تفيض على شذاه الأحجياتْ.
***